أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الأول - السنة 42 - صـ 823

جلسة 27 من مارس سنة 1991

برئاسة السيد المستشار نائب رئيس المحكمة/ وليم رزق بدوي وعضوية السادة المستشارين: طه الشريف، أحمد أبو الحجاج نائبي رئيس المحكمة، شكري العميري وعبد الرحمن فكري.

(131)
الطعن رقم 1282 لسنة 53 القضائية

(1) بيع. "مرض الموت". وصية. عقد. حكم.
اعتبار التصرف مضافاً إلى ما بعد الموت. شرطه. أن يكون على سبيل التبرع أو أن يكون الثمن يقل عن قيمة المبيع بما تجاوز ثلث التركة. المادتان 477، 916 من القانون المدني. إثبات صدور البيع في مرض الموت. اعتباره على سبيل التبرع. إثبات أن العقد لم يكن مقصوداً به التبرع وأن الثمن يناسب قيمة المبيع كاف لحمل قضاء الحكم في إثبات العوض. مؤداه. التعرض لصدور التصرف في مرض الموت. غير لازم.
(2) عقد "عيوب الإرادة" "الإكراه". بطلان "بطلان التصرفات". مرض الموت. محكمة الموضوع.
الإكراه المبطل للرضا. تحققه بتهديد المتعاقد بخطر جسيم محدق بنفسه أو بماله أو باستعمال وسائل ضغط غير مستند إلى حق ولا قيل له باحتمالها أو التخلص منها ويكون من نتيجة ذلك حصول رهبة تحمله على الإقرار بقبول ما لم يكن ليقبله اختياراً. تقدير وسائل الإكراه من سلطة محكمة الموضوع متى أقامت قضاءها على أسباب سائغة. المرض لا يعد بذاته وسيلة ضغط أو إكراه تعيب الإرادة مهما كانت خطره. علة ذلك. حالات التصرف المعقود في مرض الموت. خضوعها لأحكام خاصة. يجب إعمالها دون غيرها. المادتان 477، 916 من القانون المدني.
1 - مفاد نص المادتين 477، 916 من القانون المدني أن العبرة في اعتبار التصرف مضافاً إلى ما بعد الموت أن يكون على سبيل التبرع أو أن يكون الثمن يقل عن قيمة المبيع بما يجاوز ثلث التركة فإذا أثبت الورثة أن البيع تم في مرض الموت اعتبر البيع على سبيل التبرع ما لم يثبت المشتري عكس ذلك، لما كان ذلك، وكانت أسباب الحكم المطعون فيه وما اعتنقه من أسباب الحكم المستأنف قد استدل بقرائن سائغة على أن الثمن دفع وأنه يتساوى مع قيمة المبيع واستخلص ذلك من الخطاب الذي أرسله المورث قبل التصرف إلى الشاهد بأن البائعين كانوا يبحثون عن مشتر للأرض في حدود ثمن خمسمائة جنيه للفدان وقد رفضت إحدى المشتريات التي ورد اسمها في الخطاب المؤرخ 18/ 6/ 1977 الشراء بهذا الثمن وكذلك من أقوال شاهد المطعون ضدهم بأن المورث كان يبغي إيداع قيمة نصيبه من ثمن البيع بنك مصر وهو في حدود خمسة أو ستة آلاف جنيه بما يعني أن العقد لم يكن مقصوداً به التبرع وأن الثمن في الحدود المناسبة لقيمة المبيع وهي قرائن كافية وحدها لحمل قضاء الحكم في إثبات العوض وإثبات تناسبه مع قيمة المبيع، ومن ثم فلا حاجة للحكم للتحدث عن صدور التصرف في مرض الموت أو إثبات ذلك بطريق آخر طالما كونت المحكمة عقيدتها من قرائن ثابتة لها أصلها في الأوراق.
2 - المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الإكراه المبطل للرضا لا يتحقق إلا بتهديد المتعاقد المكره بخطر جسيم محدق بنفسه أو بماله أو باستعمال وسائل ضغط أخرى لا قبل له باحتمالها أو التخلص منها ويكون من نتيجة ذلك حصول رهبة تحمله على الإقرار بقبول ما لم يكن يتقبله اختياراً على أن يكون هذا الضغط غير مستند إلى حق وأن تقدير وسائل الإكراه ومبلغ جسامتها وتأثيرها في المتعاقد هو من مسائل الواقع التي تخضع لسلطة محكمة الموضوع التقديرية ولا رقابة لمحكمة النقض عليها متى أقامت قضاءها على أسباب سائغة، والمرض لا يعد بذاته وسيلة ضغط أو إكراه تعيب الإرادة - مهما كان خطره إذ لا يد للإنسان فيه وقد عالج المشرع حالات التصرف التي تعقد إبان المرض الذي يتصل بالموت بأحكام خاصة أوردها في المادتين 477، 916 من القانون المدني بما يتعين معه إعمالها دون غيرها.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن حاز أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع على ما يبين - من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المطعون ضده الأول أقام الدعوى رقم 1224 لسنة 1977 مدني كلي كفر الشيخ ضد الطاعنين وباقي المطعون ضدهم بطلب الحكم بصحة ونفاذ العقد العرفي المؤرخ 29/ 1/ 1974 والمتضمن بيع الطاعن الأول ومورث باقي الطاعنين والمطعون ضدهم عدا الأول مساحة 28 فداناً أطياناً زراعية شائعة في مساحة 52 فدان والموضحة الحدود والمعالم بالصحيفة والعقد لقاء ثمن قدره 12600 ج وإذا امتنعوا عن إتمام إجراءات نقل الملكية فقد أقام الدعوى، أحيلت الدعوى إلى محكمة شمال القاهرة فقيدت بها برقم 7693 لسنة 1978 - ثم أقام الطاعنون الدعوى رقم 613 لسنة 1979 مدني كلي شمال القاهرة على المطعون ضدهم بطلب الحكم ببطلان العقد سالف البيان استناداً إلى أن البيع تم في مرض الموت فضلاً عن عدم تناسب الثمن مع قيمة المبيع، ضمت الدعوى الأخيرة إلى الدعوى رقم 7693 لسنة 1978 ليصدر فيهما حكم واحد، حكمت المحكمة بصحة ونفاذ عقد البيع وفي الدعوى الأخرى برفضها. استأنف الطاعنون الحكم بالاستئناف رقم 6087 سنة 97 ق أمام محكمة استئناف القاهرة وبعد أن أحالت الدعوى إلى التحقيق حكمت في 17/ 3/ 1983 بتأييد الحكم المستأنف فيما قضى به في الدعوى رقم 6793/ 1978 وبتأييده في الدعوى رقم 613/ 1979 بالنسبة لمساحة 28 فدان موضوع الدعوى الأولى وبإلغائه بالنسبة لمساحة 24 فدان الخاصة بالمحجور عليه وببطلان العقد في حدود تلك المساحة. طعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة مذكرة رأت فيها نقض الحكم وعرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة فأمرت بتحديد جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على خمسة أسباب ينعى الطاعنون بالأسباب من الأول إلى الثالث على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه والقصور في التسبيب والبطلان وفي بيان ذلك يقولون إنهم تمسكوا في دفاعهم بأن البيع تم من مورثهم وهو في مرض الموت مدللين على ذلك بالمستندات المقدمة منهم وبأقوال الشهود. كما أن الثمن غير مناسب لقيمة الأرض وقد التفت الحكم المطعون فيه عن تحقيق مدى توافر البيع في مرض الموت واستدل - على دفع الثمن وتناسبه إلى عقد البيع وإلى عدم مجادلتهم فيه وإلى توقيع الطاعنة على عقد البيع محل النزاع رغم أنها وقعت كشاهدة وليست كخلف عام للمورث وتعتبر من الغير بالنسبة لسريان التصرف في حقها بحيث لا يسري إلا في حدود الثلث وإذا انتهى الحكم المطعون فيه إلى تأييد الحكم المستأنف بالنسبة لمساحة 28 فداناً دون أن يعن بدفاعهم الجوهري مستدلاً على تناسب الثمن بأقوال الشهود مع أنها لم تتعرض لذلك - فإنه يكون معيباً بالأوجه الواردة بسبب النعي.
وحيث إن النعي في جملته غير سديد، ذلك أن مفاد نص المادتين 477، 916 من القانون المدني أن العبرة في اعتبار التصرف مضافاً إلى ما بعد الموت أن يكون على سبيل التبرع أو أن يكون الثمن يقل عن قيمة المبيع بما يجاوز ثلث التركة فإذا أثبت الورثة أن البيع تم في مرض الموت اعتبر البيع على سبيل التبرع ما لم يثبت المشتري عكس ذلك، لما كان ذلك، وكانت أسباب الحكم المطعون فيه وما اعتنقه من أسباب الحكم المستأنف قد استدل بقرائن سائغة على أن الثمن دفع وأنه يتساوى مع قيمة المبيع واستخلص ذلك من الخطاب الذي أرسله المورث قبل التصرف إلى الشاهد بأن البائعين كانوا يبحثون عن مشتر للأرض في حدود ثمن خمسمائة جنيه للفدان وقد رفضت إحدى المشتريات التي ورد اسمها في الخطاب المؤرخ 18/ 9/ 1977 الشراء بهذا الثمن وكذلك من أقوال شاهد المطعون ضدهم بأن المورث كان يبغى إيداع قيمة نصيبه من ثمن البيع بنك مصر وهو في حدود خمسة أو ستة آلاف جنيه بما يعني أن العقد لم يكن مقصوداً به التبرع وأن الثمن في الحدود المناسبة لقيمة المبيع وهي قرائن كافية وحدها لحمل قضاء الحكم في إثبات العوض وإثبات تناسبه مع قيمة المبيع، ومن ثم فلا حاجة للحكم للتحدث عن صدور التصرف في مرض الموت أو إثبات ذلك بطريق آخر طالما كونت المحكمة عقيدتها من قرائن ثابتة لها أصلها في الأوراق.
وحيث إن الطاعنين ينعون على الحكم المطعون فيه بالسبب الرابع بالبطلان ومخالفة القانون وفي بيانه يقولون إنهم تمسكوا بوقوع إكراه مبطل لإرادة البائعين تمثل في المرض الخطير الذي ألم بأحدهم وما انتاب شقيقهم من فزع لعلاج هذا المرض وهي حالة تمثل ضغطاً تتأثر بها إرادة المتصرف فيندفع إلى التعاقد وهو ما يفسر إرادته وأنه ليس من الضروري أن تصيب الرهبة المتعاقد ذاته بل قد نصب شخصاً غيره وثيق الصلة به فيتحقق الإكراه، وإذ لم يأخذ الحكم بهذا النظر فإنه يكون معيباً بالبطلان ومخالفة القانون.
وحيث إن النعي غير مقبول ذلك أن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الإكراه المبطل للرضا لا يتحقق إلا بتهديد المتعاقد المكره بخطر جسيم محدق بنفسه أو بماله أو باستعمال وسائل ضغط أخرى لا قبل له باحتمالها أو التخلص منها ويكون من نتيجة ذلك حصول رهبة تحمله على الإقرار بقبول ما لم يكن يتقبله اختياراً على أن يكون هذا الضغط غير مستند إلى حق وأن تقدير وسائل الإكراه ومبلغ جسامتها وتأثيرها في المتعاقد هو من مسائل الواقع التي تخضع لسلطة محكمة الموضوع التقديرية ولا رقابة لمحكمة النقض عليها متى أقامت قضاءها على أسباب سائغة.
وحيث إن الحكم المطعون فيه لم ير في المرض الذي ألم بالمورث ما يحقق وسيلة الإكراه التي تعيب إرادته أو إرادة شقيقه وكان ذلك بأسباب سائغة، وذلك أن المرض لا يعد بذاته وسيلة ضغط أو إكراه تعيب الإرادة - مهما كان خطره إذ لا يد للإنسان فيه وقد عالج المشرع حالات التصرف التي تعقد إبان المرض الذي يتصل بالموت بأحكام خاصة أوردها في المادتين 477، 916 من القانون المدني بما يتعين معه إعمالها دون غيرها. ومن ثم فإن النعي بهذا السبب لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في سلطة محكمة الموضوع، ومن ثم يكون غير مقبول.
ولما تقدم يتعين رفض الطعن.