أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الأول - السنة 19 - صـ 5

جلسة 9 من يناير سنة 1968

برياسة السيد المستشار/ الدكتور عبد السلام بلبع نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: بطرس زغلول، ومحمد صادق الرشيدي، وأمين فتح الله، وإبراهيم علام.

(1)
الطعن رقم 93 لسنة 32 القضائية

( أ ) محاماة. "أتعاب المحاماة". طلب التقدير المقدم إلى مجلس نقابة المحامين "تكييفه". "أثره". "أمر تقدير الأتعاب" "تكييفه". اختصاص حكم.
لمجلس نقابة المحامين عند تقدير أتعاب المحامي في حالة عدم وجود اتفاق كتابي عليها اختصاصاً قضائياً. فصله فيها يعد فصلاً في خصومة تنعقد أمامه بتقديم الطلب إليه. ويعد أمر التقدير الصادر من مجلس النقابة في هذا الخصوص بمثابة حكم صادر في خصومة.
(ب) محاماة. "أتعاب المحاماة". "تقديرها". "التظلم من أمر التقدير". اختصاص. "اختصاص المحاكم". حكم. طرق الطعن في الأحكام "التظلم".
فصل المحاكم في التظلم من قرار مجلس نقابة المحامين بتقدير الأتعاب، ليس فصلاً من جهة تقدرها ابتداء بل باعتبارها جهة طعن.
(جـ) حكم. "الطعن في الحكم". "من يفيد من الطعن". دعوى. "المسائل التي تعترض سير الخصومة". "ترك الخصومة".
لا يفيد من الطعن إلا من رفعه ولا يضار الطاعن من طعنه.
عدم جواز اعتراض المطعون ضده على ترك الطاعن للخصومة في الطعن الذي أقامه.
(د) محاماة. "أتعاب محاماة". "اختصاص مجلس النقابة بتقديرها" أمر تقدير الأتعاب.
عدم فقد أمر تقدير أتعاب المحاماة الأركان الأساسية للأحكام عند تجاوز مجلس النقابة حدود اختصاصه في تقديرها.
(هـ) بطلان. "البطلان في الأحكام". حكم. "بطلان الحكم". دعوى. "دعوى البطلان الأصلية".
عدم قبول الطعن في الأحكام بدعوى بطلان مبتدأة ما دام القانون نظم طرقاً للطعن فيها.
(و) حكم "عيوب التدليل". "القصور. ما لا يعد كذلك". دفاع.
عدم حاجة الحكم للتعرض لدفاع الطاعنة إذا كان قد انتهى إلى أن أمر التقدير محل الدعوى أصبح نهائياً.
1 - تفيد نصوص المواد 80/ 6 و44 و45 و46 و48 من القانون 98 لسنة 1944 والخاص بالمحاماة أمام المحاكم الوطنية - والمطبق على واقعة الدعوى - وعلى ما جرى به قضاء محكمة النقض - أن المشرع جعل لمجلس نقابة المحامين ولاية الفصل في تقدير أتعاب المحامي عند الاختلاف على قيمتها في حالة عدم وجود اتفاق كتابي عليها وذلك بناء على طلب المحامي أو الموكل، وتقدير مجلس النقابة للأتعاب في هذه الحالة يعتبر فصلاً في خصومة بدليل أن الالتجاء إليه لا يكون إلا عند الخلاف على الأتعاب في حالة عدم وجود اتفاق كتابي في شأنها وبدليل إباحة الالتجاء إلى مجلس النقابة من كل من المحامي والموكل على السواء. هذا إلى أنه مما يؤكد أن لمجلس النقابة اختصاصاً قضائياً في مثل هذه الحالة ما أوجبه القانون من لزوم إخطار المطلوب التقدير ضده بصورة من الطلب وبالجلسة بمقتضى خطاب موصى عليه ليحضر أمام المجلس أو ليقدم ملاحظاته، مما مفاده أن تقديم الطلب إلى المجلس تنعقد به الخصومة. كما أفاد المشرع بما رسمه من طريق للتظلم في أمر تقدير الأتعاب وبيان طرق الطعن في الحكم الصادر في التظلم أنه اعتبر فصل مجلس النقابة في تقدير الأتعاب فصلاً في خصومة بين الطرفين [(1)] إذا كان المشرع قد أجاز الالتجاء إلى المحاكم أو إلى مجلس النقابة لتقدير أتعاب المحاماة في حالة عدم وجود اتفاق كتابي عليها، وكانت المادة 48 من القانون رقم 98 لسنة 1944 تجيز للمحامي بمقتضى أمر التقدير الصادر لصالحه أن يحصل على اختصاص بعقارات من صدر ضده الأمر، فقد دل المشرع بذلك جميعه على أن أمر التقدير هو بمثابة حكم صادر في خصومة بين الطرفين.
2 - فصل المحكمة في التظلم من قرار مجلس النقابة بتقدير أتعاب المحامي لا يعتبر منها - وعلى ما جرى به قضاء محكمة النقض - فصلاً في تقدير الأتعاب ابتداء بل باعتبارها جهة طعن في تقدير أصدره مجلس النقابة في حدود اختصاصه القضائي [(2)].
3 - لا يفيد من الطعن إلا من رفعه ولا يضار الطاعن من طعنه، فإذا كانت الطاعنة لم تسلك سبيل الطعن في أمر التقدير الصادر ضدها من مجلس نقابة المحامين في الميعاد المقرر قانوناً فإنه لا يجوز لها أن تعترض على ترك الخصومة في التظلم المرفوع ضدها عن هذا الأمر.
4 - إذا كان أمر تقدير مجلس النقابة لأتعاب المحامي هو بمثابة حكم، فإن العيب الذي وجهته الطاعنة إليه بتجاوز مجلس النقابة حدود اختصاصه في تقدير أتعاب المطعون عليه للمنازعة في وكالته عن الطاعنة - وعلى فرض صحة هذا الادعاء - لا يفقد أمر التقدير الأركان الأساسية للأحكام.
5 - إذا كان من المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه لا يقبل الطعن في الأحكام بالبطلان بدعوى مبتدأة ما دام أن القانون قد نظم طرقاً للطعن عليها وذلك تقديراً لحجيتها [(3)]، وكان الحكم قد انتهى إلى أن للمطعون عليه الأول الحق في ترك الخصومة في التظلم المرفوع منه عن أمر التقدير الصادر لصالحه استناداً إلى أن التظلم لا يعتبر بمثابة دعوى مبتدأة بل هو طعن يحق لمن قام برفعه أن يتنازل عنه، وقضى برفض دعوى الطاعنة ببطلان أمر التقدير الصادر من مجلس نقابة المحامين على أساس أنها فوتت على نفسها مواعيد وإجراءات الطعن على هذا الأمر، فإن الحكم لا يكون قد أخطأ في تطبيق القانون.
6 - إذا كان الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى أن من حق المطعون عليه الأول ترك الخصومة في التظلم المرفوع منه وحده في أمر تقدير الأتعاب الصادر لصالحه من مجلس نقابة المحامين ضد الطاعنة وإلى أنه لا يجوز إقامة دعوى مبتدأة ببطلان أمر التقدير بعد أن فوتت الطاعنة على نفسها الطعن على هذا الأمر طبقاً للقواعد المقررة في القانون وأصبح الأمر بذلك نهائياً، فإن الحكم لا يكون بحاجة بعد ذلك للتعرض لدفاع الطاعنة بشأن عدم وكالة المطعون ضده عنها في الدعوى المرفوعة عليها أمام محكمة الأحوال الشخصية والخاصة بفرز حصة الخيرات ويكون النعي على الحكم بالقصور بعدم الرد على دفاع الطاعنة في هذا الخصوص غير منتج.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون عليه الأول الأستاذ محمد محمود بدير المحامي تقدم بطلب إلى مجلس نقابة المحامين ضد وزارة الأوقاف (الطاعنة) وضد المطعون عليه الثاني قيد برقم 205 سنة 1956، وقال الطالب بياناً لطلبه إن شخصين تقدما إلى محكمة الأحوال الشخصية بطلب فرز حصة الخيرات وقدرها أربعة قراريط في أرض موقوفة تطل على ميدان السيدة زينب بالقاهرة مساحتها 2200 متر مربع بدعوى أن باقي الوقف أهلي وأنهما المستحقان الوحيدان فيه وقدما كتاب الوقف بعد أن أسقطت منه بعض سطوره فلم تعترض الطاعنة على هذا الطلب وندبت محكمة الأحوال الشخصية خبيراً لفرز حصة الخيرات وقدم الخبير تقريره غير أن المطعون عليه الثاني اتصل بالطالب (المطعون عليه الأول) وأفهمه أن هذه الدعوى قد دبرت لاغتيال أعيان الوقف لأنه جميعه على الخيرات فاتخذ الطالب الإجراءات أمام محكمة الأحوال الشخصية وانتهى الأمر أمامها إلى اعتبار الوقف جميعه وقف خيري وبذلك منع الطالب بعمله أمام محكمة الأحوال الشخصية اغتيال أعيان هذا الوقف البالغ قيمتها حوالي الربع مليون من الجنيهات. واستطرد الطالب إلى القول بأن هذين الشخصين لم يقف بهما الأمر عند هذا الحد بل تقدما بعد ذلك إلى مجلس الأوقاف الأعلى وطلبا استبدال قطعة صغيرة من أرض الوقف المشار إليه تطل على ميدان السيدة زينب بما يترتب عليه أن لا تطل باقي الأرض الموقوفة على الميدان وهو ما ينقص من قيمتها وقد وافق مجلس الأوقاف الأعلى على الاستبدال، إلا أن الطالب شكا الأمر إلى وزارة الأوقاف وأحيلت شكواه إلى المحكمة الشرعية فرفضت طلب الاستبدال وترتب على عمله هذا أن استفادت وزارة الأوقاف نتيجة لعدم نقص قيمة أعيان الوقف، وانتهى الطالب في طلبه المقدم إلى مجلس نقابة المحامين إلى تقدير أتعابه بمبلغ عشرة آلاف جنيه. دفعت الطاعنة أمام مجلس النقابة بأن المطعون عليه الأول لم يكن وكيلاً عنها ولا يستحق أتعاباً قبلها. وبتاريخ 21/ 2/ 1957 قدر مجلس نقابة المحامين أتعاب المطعون عليه الأول بمبلغ ألف جنيه ينفذ به على الطاعن وأقام مجلس النقابة قراره على أساس أن أعمال الفضالة التي قام بها المطعون عليه الأول قد تحولت إلى وكالة بإقرار الطاعنة لعمله مما يجعلها مسئولة عن أتعابه. قام المطعون عليه الأول بإعلان أمر التقدير إلى الطاعنة بعد وضع الصيغة التنفيذية عليه ثم تظلم منه أمام محكمة القاهرة الابتدائية وطلب زيادة أتعابه إلى مبلغ عشرة آلاف جنيه غير أنه لم يقم بقيد هذا التظلم بل قامت الطاعنة بهذا الإجراء وقيد التظلم برقم 1839 سنة 1957 مدني كلي القاهرة كما أقامت الطاعنة الدعوى رقم 2117 سنة 1957 مدني كلي القاهرة ضد المطعون عليهما طلبت فيها الحكم ببطلان قرار مجلس نقابة المحامين الصادر بتاريخ 21/ 2/ 1957 على أساس أن المجلس غير مختص بإصدار هذا القرار. وفي أثناء نظر النزاع قرر المطعون عليه الأول بترك الخصومة في التظلم المشار إليه بتقدير أتعابه ودفع بسقوط حق الطاعنة في الطعن في هذا الأمر، وقضت المحكمة برفض طلب ترك الخصومة في التظلم وبرفض الدفع ثم قضت بتاريخ 30/ 4/ 1959 في الدعويين ببطلان أمر التقدير الصادر من نقابة المحامين بتاريخ 21/ 2/ 1957 وبعدم اختصاص مجلس النقابة بإصداره. استأنف المطعون عليه الأول هذا الحكم أمام محكمة استئناف القاهرة وقيد الاستئناف برقم 679 سنة 78 ق وطلب الحكم بترك الخصومة في التظلم رقم 1839 سنة 1957 مدني كلي القاهرة وإلغاء الحكم المستأنف الصادر في الدعوى 2117 سنة 1957 مدني كلي القاهرة. وبتاريخ 14/ 1/ 1962 قضت محكمة الاستئناف بإلغاء الحكم المستأنف وقبول ترك الخصومة في التظلم رقم 1839 سنة 1957 مدني كلي القاهرة وبرفض الدعوى رقم 2117 سنة 1957 مدني كلي القاهرة، فقررت الطاعنة بالطعن في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرتين أبدت فيهما الرأي برفض الطعن وبالجلسة المحددة لنظره التزمت رأيها السابق.
وحيث إن الطعن أقيم على سببين حاصل الأول منهما الخطأ في تطبيق القانون من وجهين، وتقول الطاعنة في بيان الوجه الأول إن الحكم المطعون فيه أقام قضاءه بقبول ترك الخصومة من المطعون عليه الأول في التظلم رقم 1839 سنة 1957 مدني كلي القاهرة استناداً إلى أن اعتراض الطاعنة على ترك الخصومة إنما يقبل في الدعاوى المبتدأة وليست في خصوص حكم صدر ضد الطاعنة ولم تتخذ في شأنه طرق الطعن طبقاً للقانون وإلى أنه لا يفيد من الطعن إلا من رفعه. هذا في حين أن قرار مجلس نقابة المحامين بتقدير أتعاب المطعون عليه الأول ضد الطاعنة هو أمر على عريضة صادر من هيئة ذات اختصاص ولائي وليس لها اختصاص قضائي ويراد بالتظلم طرح الأمر على القضاء ابتداء واختصاص مجلس نقابة المحامين بتقدير أتعاب المحامي بناء على طلبه أو طلب موكله لا يقوم إلا حيث يوجد توكيل للمحامي عند عدم وجود اتفاق كتابي على الأتعاب ولا تعتبر الطاعنة موكلة للمطعون عليه الأول فيكون القرار الصادر بتقدير أتعابه ضد الطاعنة قراراً معدوماً لا يعتد به وبذلك فلا محل لاعتبار التظلم من أمر التقدير بمثابة طعن في حكم وإعمال القواعد المقررة في هذا الخصوص في المادة 384 من قانون المرافعات لأنها لا تسري في أحوال الانعدام، ويجوز أن ترفع دعوى مبتدأة بانعدام الحكم كما يجوز التمسك بذلك في صورة دفع في أية خصومة تستند إلى الحكم المعدوم، ولا محل للقول بأن الطاعنة فوتت على نفسها الطعن في أمر التقدير في الميعاد لأن الدعوى المطروحة تتناول قرار مجلس النقابة وليس حكماً قضائياً. وتقول الطاعنة في بيان الوجه الثاني إن الحكم المطعون فيه ذهب إلى أن من حق المطعون عليه الأول ترك الخصومة في التظلم لأنه هو صاحب المصلحة فيه وقد طلب الحكم بترك الخصومة أمام محكمة الدرجة الأولى وأن الطاعنة لم تسلك سبيل الطعن المقرر في القانون على قرار مجلس النقابة فلا تفيد من التظلم المرفوع من المطعون عليه الأول وليس للطاعنة أن تعترض على ترك الخصومة، هذا في حين أن ترك الخصومة ليس معلقاً على محض إرادة المدعي بل إنه لا يتم إذا ما أبدى المدعى عليه طلباته ولم يقبل من المدعي ترك الخصومة لأنه قد يكون من مصلحة المدعى عليه حسم موضوع النزاع ولا يبقى مهدداً بدعوى ترفع عليه في المستقبل من المدعي، وقد قامت الطاعنة بقيد التظلم المرفوع من المطعون عليه الأول وطلبت الحكم ببطلان أمر التقدير وبذلك يكون من غير المقبول الحكم بترك الخصومة دون موافقة الطاعنة على ذلك بعد أن ارتبط حقها بالدعوى.
وحيث إن هذا النعي بوجهيه مردود ذلك أنه إذ تنص المادة 80/ 6 من القانون 98 سنة 1944 - الخاص بالمحاماة أمام المحاكم الوطنية - والمنطبق على واقعة الدعوى. على "يختص مجلس النقابة بالوساطة بين المحامين وموكليهم للفصل في المنازعات التي تقوم بينهم متى طلب منه، وكذلك تقدير الأتعاب عند الاختلاف على قيمتها وفقاً لأحكام هذا القانون". وتنص المادة 44 على "عند عدم وجود اتفاق كتابي تقدر أتعاب المحامي بناء على طلبه أو طلب الموكل بمعرفة مجلس النقابة ويجب أن تخطر النقابة المطلوب التقدير ضده بصورة من طلب التقدير وبالجلسة التي تحدد لنظره بخطاب موصى عليه ليحضر أمام المجلس أو ليقدم ملاحظاته كتابة في المدة التي يحددها المجلس - وعلى المحامي أن يعلن موكله بصورة من أمر التقدير الصادر من مجلس النقابة بعد وضع الصيغة التنفيذية عليه من رئيس المحكمة الابتدائية أو المحكمة الجزئية التابع لها المحامي حسب الأحوال" كما تنص المادة 45 على "للمحامي وللموكل حق التظلم من أمر التقدير في خلال الخمسة عشر يوماً التالية لإعلانه بالأمر وذلك بتكليف خصمه بالحضور أمام المحكمة المقيم بدائرتها المحامي كلية كانت أو جزئية حسب قيمة الطلب"، وتنص المادة 46 على "يجوز الطعن في الأحكام الصادرة في التظلم بكافة أوجه الطعن العادية وغير العادية ما عدا المعارضة". وتنص المادة 48 على "للمحامي الذي بيده أمر تقدير بأتعابه أو محضر صلح مصدق عليه من المجلس أو المحكمة أو حكم صادر في التظلم أن يحصل على اختصاص بعقارات من صدر أمر التقدير أو الحكم أو محضر الصلح ضده". فقد أفادت هذه النصوص - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن المشرع جعل لمجلس نقابة المحامين ولاية الفصل في تقدير أتعاب المحامي عند الاختلاف على قيمتها في حالة عدم وجود اتفاق كتابي عليها وذلك بناء على طلب المحامي أو الموكل. وتقدير مجلس النقابة للأتعاب في هذه الحالة يعتبر فصلاً في خصومة بدليل أن الالتجاء إليه لا يكون إلا عند الخلاف على الأتعاب في حالة عدم وجود اتفاق كتابي في شأنها وبدليل إباحة الالتجاء إلى مجلس النقابة من كل من المحامي والموكل على السواء. هذا إلى أنه مما يؤكد أن لمجلس النقابة اختصاصاً قضائياً في مثل هذه الحالة ما أوجبه القانون من لزوم إخطار المطلوب التقدير ضده بصورة من الطلب وبالجلسة بمقتضى خطاب موصى عليه ليحضر أمام المجلس أو ليقدم ملاحظاته. مما مفاده أن تقديم الطلب إلى المجلس تنعقد به الخصومة. كما أفاد المشرع بما رسمه من طريق للتظلم من أمر تقدير الأتعاب وبيان طرق الطعن في الحكم الصادر في التظلم أنه اعتبر فصل مجلس النقابة في تقدير الأتعاب فصلاً في خصومة بين الطرفين وإذ أجاز المشرع الالتجاء إلى المحاكم أو إلى مجلس النقابة لتقدير أتعاب المحاماة في مثل هذه الحالة. وكانت المادة 48 من القانون رقم 98 سنة 1944 السالفة البيان قد أجازت للمحامي بمقتضى أمر التقدير الصادر لصالحه أن يحصل على اختصاص بعقارات من صدر ضده الأمر، فقد دل المشرع بذلك جميعه على أن أمر التقدير هو بمثابة حكم صادر في خصومة بين الطرفين. ولما كان الفصل من المحكمة في التظلم من قرار مجلس نقابة المحامين بتقدير أتعاب المحامي لا يعتبر منها - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - فصلاً في تقدير الأتعاب ابتداء بل باعتبارها جهة طعن في تقدير أصدره مجلس النقابة في حدود اختصاصه القضائي على ما سلف بيانه، وكان لا يفيد من الطعن إلا من رفعه ولا يضار الطاعن من طعنه، وإذ لم تسلك الطاعنة سبيل الطعن في أمر التقدير الصادر ضدها من مجلس نقابة المحامين في الميعاد المقرر قانوناً، فإنه لا يجوز لها أن تعترض على ترك الخصومة في التظلم المرفوع ضدها عن هذا الأمر. لما كان ذلك، وكان أمر تقدير مجلس النقابة لأتعاب المحامي هو بمثابة حكم - على ما سبق بيانه - وكان العيب الذي وجهته الطاعنة بتجاوز مجلس النقابة حدود اختصاصه في تقدير الأتعاب المطعون عليه للمنازعة في وكالته عن الطاعنة - على فرض صحة هذا الادعاء - لا يفقد أمر التقدير السالف البيان الأركان الأساسية للأحكام، وإذ كان من المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه لا يقبل الطعن في الأحكام بالبطلان بدعوى مبتدأة ما دام أن القانون قد نظم طرقاً للطعن عليها وذلك تقديراً لحجيتها. وكان الحكم قد انتهى إلى أن للمطعون عليه الأول الحق في ترك الخصومة في التظلم المرفوع منه عن أمر التقدير الصادر لصالحه استناداً إلى أن التظلم لا يعتبر بمثابة دعوى مبتدأة بل هو طعن يحق لمن قام برفعه أن يتنازل عنه وقضى برفض دعوى الطاعنة ببطلان أمر التقدير الصادر من مجلس نقابة المحامين على أساس أنها فوتت على نفسها مواعيد وإجراءات الطعن على هذا الأمر، فإن الحكم لا يكون قد أخطأ في تطبيق القانون ويكون النعي عليه بهذا السبب على غير أساس.
وحيث إن الطاعنة تنعى بالسبب الثاني على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب، وتقول في بيان ذلك إنها تمسكت أمام محكمة الموضوع بأنها لم توكل المطعون عليه الأول في الدعوى المرفوعة أمام محكمة الأحوال الشخصية الخاصة بفرز حصة الخيرات وأنه لذلك قد تجاوز مجلس نقابة المحامين حدود اختصاصه فتزول عن قراره بتقدير أتعاب المطعون عليه الأول كل حصانة. كما تمسكت بأن المطعون عليه الأول كان مدعياً أمام المحكمة الشرعية في طلب استبدال الوقف فلا يمكن اعتباره وكيلاً، غير أن الحكم المطعون فيه أغفل الرد على هذا الدفاع مما يعيبه بالقصور.
وحيث إن هذا النعي مردود ذلك أن الحكم المطعون فيه إذ انتهى إلى أن من حق المطعون عليه الأول ترك الخصومة في التظلم المرفوع منه وحده من أمر تقدير الأتعاب الصادر لصالحه من مجلس نقابة المحامين ضد الطاعنة وإلى أنه لا يجوز إقامة دعوى مبتدأة ببطلان أمر التقدير بعد أن فوتت الطاعنة على نفسها الطعن على هذا الأمر طبقاً للقواعد المقررة في القانون وأصبح الأمر بذلك نهائياً على ما سلف بيانه في الرد على السبب الأول، فإن الحكم ما كان بحاجة بعد ذلك للتعرض إلى دفاع الطاعنة الذي تثيره بسبب الطعن ويكون النعي به غير منتج.


[(1)] راجع نقض 8/ 6/ 1961 - الطعن 51 لسنة 26 ق مجموعة المكتب الفني السنة 12 ص 532، ونقض 4/ 1/ 1966 الطعن 241 لسنة 31 ق مجموعة المكتب الفني السنة 17 ص 37.
[(2)] راجع نقض 18/ 3/ 1965 - الطعن 299 لسنة 30 ق مجموعة المكتب الفني السنة 16 ص 356.
[(3)] راجع نقض 16/ 5/ 1967 - الطعن 216 لسنة 33 ق مجموعة المكتب الفني السنة 18 ص 997.