أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الأول - السنة 19 - صـ 14

جلسة 9 من يناير سنة 1968

برياسة السيد المستشار/ بطرس زغلول، وعضوية السادة المستشارين: أحمد حسن هيكل، وأمين فتح الله، وإبراهيم علام، وعثمان زكريا.

(2)
الطعن رقم 99 لسنة 32 القضائية

( أ ) وقف. "حق الانتفاع بأعيان الوقف". حق عيني. وضع اليد "حسن النية". "تملك الثمرات".
حق المستحق في الوقف حق عيني في الانتفاع بأعيان الوقف. تملكه ما يقبضه من ثماره متى كان حسن النية.
(ب) إثبات. "طرق الإثبات". "الإقرار". "الإقرار غير القضائي".
الإقرار غير القضائي ليس حجة قاطعة على المقر. خضوعه لتقدير محكمة الموضوع.
(ج) محكمة الموضوع. "سلطة محكمة الموضوع في تقدير الدليل". إثبات. "طرق الإثبات". "القرائن".
استقلال قاضي الموضوع بتقدير القرائن.
1 - إن حق المستحق في الوقف - وعلى ما جرى به قضاء محكمة النقض - حق عيني في الانتفاع بأعيان الوقف يضع المستحق اليد عليه بواسطة ناظر الوقف وله الحق في تملك ما يقبضه من ثماره متى كان حسن النية [(1)].
2 - لا يعتبر الإقرار غير القضائي - على ما جرى به قضاء محكمة النقض - حجة قاطعة على المقر بل يكون خاضعاً لتقدير محكمة الموضوع. ولهذه المحكمة بعد تقدير الظروف التي صدر فيها وملابسات الدعوى أن تعتبره دليلاً مكتوباً أو مبدأ ثبوت بالكتابة أو مجرد قرينة. كما أن لها ألا تأخذ به أصلاً ولا معقب على تقديرها في ذلك متى بني على أسباب سائغة [(2)].
3 - تقدير القرائن مما يستقل به قاضي الموضوع ولا شأن لمحكمة النقض فيما يستنبطه منها متى كان استنباطه سائغاً.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن الطاعنين أقاموا الدعوى رقم 69 سنة 1957 كلي الإسكندرية ضد المطعون عليهم بصحيفة معلنة في 8 و10/ 12/ 1956 يطلبون الحكم بإلزامهم متضامنين بأن يدفعوا لهم مبلغ 21653 ج و869 م. وقالوا شرحاً لها إنه بموجب حجة مؤرخة 24/ 12/ 1924 وقف المرحوم متولي رجب أطياناً له بمديرية البحيرة على أولاده الخمسة وعلى الخيرات، وخص الطاعن الأول بالقسم الثالث من الوقف ومساحته 350 فداناً وخص المرحوم محمد متولي رجب والد المطعون عليهم بالقسم الرابع منه ومساحته 501 ف و7 ط و22 س، ولم يفرز الواقف هذين النصيبين بل تركهما شائعين فيما بين مستحقيهما، بأن خص الطاعن الأول 169 ف و4 س ومورث المطعون عليهم 69 ف و2 ط و4 س شيوعاً فيما بينهما في الأطيان الكائنة بحوض صهيب والقرافة رقم 2، وخص الطاعن الأول 180 ف و23 ط و12 س ومورث المطعون عليهم 363 ف و6 ط و12 س شيوعاً فيما بينهما في الأطيان الكائنة بحوض النشو، وقصد الواقف من تعيين الاستحقاق على هذه الصورة أن يحقق التعادل بين النصيبين في القيمة. وبعد وفاة الواقف آل لكل من الطاعن الأول ومورث المطعون عليهم النظر على نصيبه، وتولى كل منهما إدارة مساحة معينة من الأطيان الموقوفة في كل من قسمي الوقف على أن يصفى الحساب بينهما فيما بعد. وفي سنة 1931 توفى المرحوم محمد متولي رجب فآل نصيبه إلى المطعون عليهم عملاً بشرط الواقف وتولى المطعون عليه الأول النظر على هذا النصيب. ولما أن صدر قانون الإصلاح الزراعي رقم 178 لسنة 1952 وتبعه قانون إنهاء الوقف على غير الخيرات رقم 180 لسنة 1952، وكان للطاعن الأول 350 فداناً خص نفسه منها بمائتي فدان وخص أولاده باقي الطاعنين بمائة فدان وأصبح للإصلاح الزراعي أن يستولى على المساحة الزائدة وقدرها خمسون فداناً ولم يكن لأي من المطعون عليهم أكثر من مائتي فدان ليستولي الإصلاح الزراعي على أطيان منهم، فقد قام الإصلاح الزراعي بمسح أطيان الوقف جميعها لتحديد المساحة التي يحوزها كل من المستحقين وتبين أن الطاعن الأول يحوز أقل من استحقاقه في الوقف بما مساحته 27 ف و7 ط و14 س منها 22 ف و21 ط و3 س تحت يد المطعون عليهم بحوض صهيب والقرافة رقم 2 زيادة عن نصيبهم العددي في الوقف بأسره، كما ظهر أنهم يحوزون في هذا الحوض 52 ف و6 ط و16 س زيادة عن نصيبهم العددي فيه. وإذ استحق الطاعنون في ذمة المطعون عليهم ريع هاتين المساحتين عن المدة من سنة 1941 حتى سنة 1955 وقدره 21653 ج و869 م وامتنع المطعون عليهم عن دفعه إليهم فقد أقاموا دعواهم للحكم لهم بطلباتهم. رد المطعون عليهم بأنهم حازوا ما زاد عن استحقاقهم في الوقف بحسن نية فتملكوا ما قبضوه من ثماره. وبتاريخ 20/ 11/ 1958 حكمت محكمة أول درجة برفض الدعوى. استأنف الطاعنون هذا الحكم بالاستئناف رقم 38 سنة 15 ق استئناف الإسكندرية ومحكمة الاستئناف حكمت في 28/ 1/ 1962 بتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض.
وقدمت النيابة العامة مذكرتين أبدت فيهما الرأي برفض الطعن. وبالجلسة المحددة لنظره تمسكت النيابة برأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على سببين حاصل أولهما مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون، ذلك أن الحكم أقام قضاءه برفض دعوى الطاعنين تأسيساً على أن الاستحقاق في الوقف حق عيني في الانتفاع وأن حيازة هذا الحق بركنيها المادي والمعنوي قد توافرت لدى المطعون عليهم بوضعهم اليد على بعض أعيان الوقف باعتبارها تمثل استحقاقهم، وأنهم كانوا حسنى النية في حيازتهم فيكتسبون ما قبضوه من ريع هذه الأعيان زائداً عن استحقاقهم. في حين أنه ليس للمستحق في الوقف حق عيني يرد مباشرة على أعيانه وإنما له حق شخصي يجعله دائناً للوقف، فإذا قبض ما يزيد على حصته في غلة الوقف تعين عليه رده ولو كان حسن النية. هذا إلى أن كلاً من المطعون عليه الأول ووالده من قبله كان يضع اليد على أطيان الوقف باعتباره ناظراً ينوب عن الوقف فتكون يده عارضة لا تتحقق بها الحيازة القانونية ولا يمتلك الثمار التي قبضها بحسن نية. أما القسمة التي تمت بين الطاعن الأول ومورث المطعون عليهم ومن بعده المطعون عليه الأول فلم تكن قسمة انتفاع بأعيان الوقف، وإنما اقتصرت على النظارة فحسب وظل الاستحقاق شائعاً في الأطيان الموقوفة، فإذا حصل أحد الناظرين على ريع يزيد على المستحق له كان للآخر أن يطالبه بهذا الفرق الذي انتقص من نصيبه.
وحيث إن هذا النعي مردود ذلك أن حق المستحق في الوقف هو - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - حق عيني في الانتفاع بأعيان الوقف يضع المستحق اليد عليه بواسطة ناظر الوقف وله الحق في تملك ما يقبضه من ثماره متى كان حسن النية - ولما كان الثابت من الحكم المطعون فيه أن المطعون عليه الأول كان إلى جانب نظارته على الوقف مستحقاً فيه مع باقي المطعون عليهم، وكان الحكم قد حصل أن كلاً من طرفي الخصومة اختص بجزء من الأطيان الموقوفة على أنه يمثل استحقاقه وأن المطعون عليهم قد حازوا حق الانتفاع بوضعهم اليد على الجزء الممثل لأنصبتهم وباعتبار أنهم يستحقون ثمار هذا الجزء الذي خصص لهم على أساس أنهم أصحابه وأنهم كانوا حسني النية في حيازتهم، وكان مؤدى ذلك من الحكم أن المطعون عليهم قد وضعوا اليد على حق الانتفاع بالنسبة للجزء الذي اختصوا به في الوقف والقدر الزائد عنه بواسطة ناظر الوقف المطعون عليه الأول وهم يعتقدون بحسن نية أن ذلك الحق حقهم، لما كان ذلك، فإنهم لا يكونون مسئولين عن رد ما قبضوه من ريع القدر الزائد عن استحقاقهم. وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى بتأييد الحكم المستأنف برفض دعوى الطاعنين بالمطالبة بهذا الريع، فإنه لا يكون قد خالف القانون، ويكون النعي عليه بهذا السبب على غير أساس.
وحيث إن حاصل السبب الثاني مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون والفساد في الاستدلال، وفي بيان ذلك يقول الطاعنون إن الحكم استند إلى عدم إجراء المحاسبة بين الطرفين منذ سنة 1931 حتى تاريخ رفع الدعوى واعتبر ذلك قرينة على أنهما ارتضيا أن يحصل كل منهما على ثمار الجزء الذي اختص به باعتباره ممثلاً لاستحقاقه، هذا في حين أن هذه القرينة تتعارض مع إقرار المطعون عليهم بأن الاستحقاق بقى شائعاً في الأطيان الموقوفة وذلك في الدعوى رقم 512 سنة 1953 أبو حمص التي رفعها الطاعن الأول بطلب وضع الحدود بين الأطيان التي تحت نظارته وتلك التي تحت نظارة المطعون عليه الأول، وهذا الإقرار غير القضائي ثابت بالكتابة ولا يصح إثبات عكسه إلا بالكتابة فضلاً عن أن هذه القرينة لا تؤدي إلى النتيجة التي استخلصها الحكم.
وحيث إن هذا النعي في شقه الأول مردود ذلك أن الإقرار غير القضائي - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - لا يعتبر حجة قاطعة على المقر بل يكون خاضعاً لتقدير محكمة الموضوع، ولهذه المحكمة بعد تقدير الظروف التي صدر فيها وملابسات الدعوى أن تعتبره دليلاً مكتوباً أو مبدأ ثبوت بالكتابة أو مجرد قرينة، كما أن لها ألا تأخذ به أصلاً ولا معقب على تقديرها في ذلك متى بني على أسباب سائغة، ولما كان يبين من الحكم الابتدائي الذي أيده الحكم المطعون فيه وأحال إلى أسبابه أنه لم يأخذ بقيام حالة الشيوع في الأطيان الموقوفة واستند في ذلك إلى أن المطعون عليهم وضعوا اليد على ما في حيازتهم باعتبار أنه نصيبهم الوارد في حجة الوقف واستغلوه على هذا الأساس وأنهم تلقوا الحيازة عن مورثهم الذي كان يضع اليد على هذا القدر من تاريخ وفاة الواقف الأصلي ولم يتغير وضع اليد طوال هذه المدة كما أن الطاعن الأول لم يعترض عليه، وإذ كانت هذه الأسباب سائغة وتحمل الرد على ما قرره المطعون عليهم في الدعوى رقم 512 سنة 1953 أبو حمص من أن الاستحقاق بقى شائعاً في الأطيان الموقوفة، فإن النعي بهذا الشق يكون على غير أساس. والنعي في شقه الثاني مردود بأن الحكم المطعون فيه اتخذ من عدم المحاسبة بين الطرفين طوال المدة من سنة 1931 حتى تاريخ رفع الدعوى قرينة ترجح قول المطعون عليهم بأن الطرفين ارتضيا أن يحصل كل منهما على ثمار الجزء الذي اختص به باعتباره ممثلاً لاستحقاقه، وإذ كانت هذه القرينة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها الحكم وكان تقدير القرائن مما يستقل به قاضي الموضوع ولا شأن لمحكمة النقض فيما يستنبطه منها متى كان استنباطه سائغاً، فإن النعي بهذا الشق يكون في غير محله.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.


[(1)] راجع نقض 13/ 5/ 1937. الطعن رقم 4 لسنة 7 ق، مجموعة القواعد القانونية لربع قرن ص 1223 القاعدة 47.
[(2)] راجع نقض 27/ 12/ 1945 - الطعن رقم 4 لسنة 15 ق، نقض 8/ 4/ 1948. الطعن 31 لسنة 17، مجموعة القواعد القانونية لربع قرن ص 34 القاعدة 68 و69. ونقض 19/ 12/ 1963 - الطعن 199 لسنة 39 ق مجموعة المكتب الفني السنة 14 ص 1187. ونقض 9/ 3/ 1967 - الطعن 199 لسنة 33 ق مجموعة المكتب الفني السنة 18 ص 599.