أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الأول - السنة 10 - صـ 119

جلسة 5 من فبراير سنة 1959

برياسة السيد المستشار محمود عياد، وبحضور السادة عثمان رمزي، ومحمد زعفراني سالم، والحسيني العوضي، ومحمد رفعت المستشارين.

(17)
الطعن رقم 79 سنة 24 ق

( أ ) دعوى "المسائل التي تعترض سير الخصومة" "وقف الخصومة". حكم "الأحكام التحضيرية". قوة الأمر المقضي. الحكم الصادر بوقف السير في الدعوى مع تكليف أحد الخصوم خلال ميعاد برفع النزاع المثار للقاضي المختص. هو حكم في شقه الأخير تحضيري. لا يحوز قوة الأمر المقضي.
(ب) معارضة. دفاع. قاعدة سماع دفاع المحكوم عليه متى عارض. تعلقها بالنظام العام لا يحول دونها كون الحكم صدر نهائياً بالنسبة إلى زملائه الحاضرين.
(جـ) وصية. وقف. قوة الأمر المقضي. الحكم الصادر بعدم سماع دعوى بطلان إشهاد الوقف لعدم قبول مسوغ الرجوع عن الوصية به لا يتضمن قضاء في الموضوع. حجيته قاصرة على المدعي وموقوتة بخلوها من مسوغ السماع.
(د) دعوى "المسائل التي تعترض سير الخصومة" "وقف الخصومة". لا على المحكمة إذا رأت ضرورة الفصل من المحكمة المختصة في الدفع المثير لنزاع أمامها يخرج عن اختصاصها.
(هـ) حكم "تسبيب كاف" معارضة. لا على الحكم الصادر في المعارضة إذا أعرض عن الرد كل ما ورد في الحكم الملغي. حسبه أن يكون مقاماً على دعائم كافية لحمله.
1 - إذا صدر حكم بوقف السير في الدعوى مع تكليف الورثة برفع النزاع إلى القضاء الشرعي المختص في خلال أجل معين، فإن هذا الحكم في شقه الأخير لا يعدو أن يكون حكماً تحضيرياً لا يحوز بطبيعته قوة الأمر المقضي ولا يكسب الخصم حقاً يصح التمسك به فيجوز العدول عنه من المحكمة التي أصدرته.
2 - سماع دفاع المحكوم عليه متى عارض في الحكم الصادر في غيبته هو من القواعد الأساسية المتعلقة بالنظام العام ولا يمكن أن يحول دونه كون الحكم صدر نهائياً بالنسبة إلى زملائه الحاضرين.
3 - إذا كان الواقع في الدعوى أن الطاعنة "وزارة الأوقاف" قد أشهدت في 10 من يونيه سنة 1937 بوقف العقارات التي كان مورث المطعون عليهما قد أوصى بوقفها بالوصية المؤرخة في 30 من مايو سنة 1930 ثم أعلنت الطاعنة الورثة بإنذار كلفتهم فيه بتسليمها الأعيان المذكورة لاستغلالها وصرف ريعها في الشئون التي اشتملت عليها الوصية فرفع أحد الورثة دعوى على الطاعنة أمام المحكمة الشرعية طلب فيها الحكم عليها ببطلان إشهاد الوقف الصادر منها وبمنعها من التعرض له في العقارات المذكورة في صحيفتها فدفعت الطاعنة الدعوى بعدم السماع لعدم وجود أوراق رسمية أو مكتوبة جميعها بخط المتوفى وتحمل إمضاءه تدل على رجوعه عن الوصية ورد الوارث أن دعاوى الأفعال لا يتوقف شيء منها على مسوغ كتابي وأن رجوع الموصي في الوصية كان رجوعاً فعلياً فهو بخلاف الرجوع القولي لا يشترط فيه ذلك - إلا أن المحكمة الشرعية قضت ابتدائياً واستئنافياً بقبول دفع الطاعنة وبعدم سماع الدعوى دون أن تتطرق إلى موضوعها، فإنه وإن كان حكماً ما انتهى إليه القضاء الشرعي بدرجتيه في الدعوى المذكورة من مجرد عدم سماعها تأسيساً على عدم قبول المسوغ إلا أنه لا يتضمن قضاء في موضوع النزاع فليس له بهذه المثابة غير حجية قاصرة على المدعي وموقوتة بخلوها من مسوغ السماع.
4 - إذا كان الحكم المطعون فيه قد صرح في أسبابه بأن "ما أثاره طرفا الخصومة من أبحاث شرعية عديدة كقول المعارضتين أن الموصي رجع عن وصيته قولاً وفعلاً وأن العبرة بأن المال الموصى به هو ما كان موجوداً وقت الوصية وأن الوقف على ما لم يتهيأ باطل شرعاً وأنه يقع باطلاً لعدم تهيئة المصرف المختص له باستهلاك المبلغ السابق تخصيصه لتنفيذ الوصية... إلخ مما يخرج عن اختصاص القضاء الأهلي" فإن هذا يفيد ضمناً أن المحكمة رأت ضرورة الفصل في الدفع من الجهة المختصة قبل الفصل في موضوع النزاع المطروح أمامها ولا مخالفة في ذلك للقانون.
5 - لا على الحكم الصادر في المعارضة إذا هو أعرض عن الرد على كل ما ورد في الحكم الملغي إذ حسبه أن يكون مقاماً على دعائم كافية لحمله ومؤدية إلى النتيجة التي انتهى إليها في منطوقه لأن في ذلك إهداراً ضمنياً لأسباب الحكم الذي ألغاه فلم يأخذ بها لما أورده من الأسباب الجديدة التي أقام عليها قضاءه.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر، والمرافعة وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إنه يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق أن واقعة النزاع تجمل في أنه في صيف سنة 1929 كتب المرحوم محمد باشا أحمد مورث المطعون ضدهما قبيل إجراء جراحة له بمدينة باريس وصية بأعمال خيرية ناط تنفيذها بوزير الأوقاف ثم استودعها قنصل مصر الذي حرر محضراً بإيداعها ذكر فيه احتفاظ الموصي بحقه في أن يتسلم الوصية إذا ما قدر له الشفاء من الجراحة فلما كان ذلك استرد وصيته من القنصلية ثم عاوده المرض في العام التالي فكتب وصية أخرى مماثلة صاغها في إشهاد بمحكمة القاهرة الشرعية وناط فيها بوزير الأوقاف أن ينشئ الوقف على الجهات الخيرية التي عددها وأن يسحب من ماله في بنك مصر ما يلزم لإنشاء المؤسسات وأن يكمل النفقات من ريع العقارات التي أوصى بوقفها وقام المورث بعد ذلك بتسليم صورة الوصية إلى وزارة الأوقاف بإيصال ثم شفي من الجراحة الثانية فتقدم إلى الوزارة كتابة بطلب سحب هذه الوصية وسلمت إليه بإيصال مؤرخ في أول نوفمبر سنة 1931 وحدث بعد ذلك أن اشترى من مصلحة الأملاك أطياناً استنفد ثمنها رصيده النقدي لدى بنك مصر في سنة 1934. وفي فبراير سنة 1937 توفى المرحوم محمد باشا أحمد فأشهد وزير الأوقاف في 10 يونيه سنة 1937 بوقف العقارات التي كان المورث قد أوصى بوقفها بالوصية المؤرخة في 13 مايو سنة 1930 ثم أعلن الوزير الورثة بإنذار كلفهم فيه بتسليمه الأعيان المذكورة ليستغلها ويصرف ريعها في الشئون التي اشتملت عليها الوصية فرفع أحد الورثة - السيد/ أحمد فريد - الدعوى رقم 170 سنة 1936 - 1937 على وزير الأوقاف أمام محكمة مصر الابتدائية الشرعية طلب فيها الحكم عليه ببطلان إشهاد الوقف الصادر منه وبمنعه من التعرض له في العقارات المذكورة في الصحيفة فدفع المدعى عليه الدعوى بعدم السماع لعدم وجود أوراق رسمية أو مكتوبة جميعها بخط المتوفى وتحمل إمضاءه تدل على رجوعه عن الوصية ورد المدعي أن دعاوى الأفعال لا يتوقف شيء منها على مسوغ كتابي وأن رجوع الموصي في الوصية كان رجوعاً فعلياً فهو بخلاف الرجوع القولي لا يشترط فيه ذلك - إلا أن المحكمة الشرعية قضت في 11 سبتمبر سنة 1938 واستئنافياً في 16 يناير سنة 1939 بقبول دفع الوزارة وبعدم سماع الدعوى دون أن تتطرق إلى موضوعها فيه الوزير فور ذلك على الورثة بتسليم أعيان الوقف بعد أن استصدر قراراً من هيئة التصرفات بتمكينه من النظر إلا أن وارثة أخرى هي السيدة "حميدة نوفل" رفعت ضده وضد قلم المحضرين وباقي الورثة الدعوى رقم 730 سنة 1939 مستعجل مصر تطلب الحكم ببطلان التنبيه ومنع تنفيذ قرار التمكين ومنع تعرض الوزارة لها في حيازتها للأعيان الواردة بذلك القرار، كما استشكلت في تنفيذه بالدعوى رقم 838 سنة 1939 فقضى بضم الإشكال إلى الدعوى المستعجلة وصدر فيهما حكم ابتدائي في 5 إبريل سنة 1939 بعدم اختصاص المحاكم الأهلية (آنذاك) بالفصل فيهما، ثم قضي استئنافياً في 5 يونيه سنة 1939 بوقف قرار التمكين حتى يصدر حكم بتسليم الأعيان وطعنت الوزارة في هذا الحكم بطريق النقض بمقولة إنه تعرض لتأويل معنى قرار التمكين في حين أن القضاء الأهلي كان ممنوعاً من ذلك ولأن الحكم قد أبطل نص المادة 327 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية التي كانت تقضي بأن قرارات التمكين تصدر مشمولة بالنفاذ فحكمت المحكمة العليا (محكمة النقض) في 7 مارس سنة 1940 برفض الطعن وفي هذه الأثناء كانت وزارة الأوقاف رفعت الدعوى رقم 1792 سنة 1939 مستعجل مصر تطلب الحكم على ورثة المرحوم محمد باشا أحمد برفع يدهم عن أعيان الوقف المحرر عنه الإشهاد بالوصية وتسليمها للوزارة ومن باب الاحتياط بتعيين الوزير حارساً عليها فقضى ابتدائياً في 28 أغسطس سنة 1939 بعدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل فيها بالحكم الصادر في الإشكال واستئنافياً برفض طلب الحراسة مع تأييد الحكم المستأنف بالنسبة لطلب التسليم ومنع التعرض. وفي ديسمبر سنة 1941 رفعت وزارة الأوقاف الدعوى 484 سنة 1942 لدى محكمة مصر الأهلية بطلب تسليم الأعيان المتنازع على وقفها ودفعت السيدة "حميدة نوفل" تلك الدعوى بوجود نزاع حول الأعيان يخرج عن ولاية القضاء الأهلي عملاً بالمادة 16 من لائحة ترتيبه وبأن الموصي قد عدل عن الوصية قولاً وفعلاً وأضافت أن حكم النقض الصادر في 7 مارس سنة 1940 قد وصف وقف تلك الأعيان بأنه وقف متنازع على أصله فحكمت محكمة مصر الابتدائية الأهلية في 7 فبراير سنة 1944 بإيقاف الدعوى حتى يفصل نهائياً في النزاع القائم حول صحة الوصية وكلفت الورثة المدعى عليهم إثارته خلال ستة شهور أمام جهة القضاء المختصة. فاستأنفت حميدة هذا الحكم طالبة إلغاءه ورفض دعوى الوزارة واحتياطياً تعديله بتكليف الوزارة أن تثير هي هذا النزاع لدى القضاء الشرعي - بينما عجلت الوزارة الدعوى أمام المحكمة الابتدائية بعد انقضاء الأجل الذي كان مضروباً للورثة لرفع النزاع إلى القضاء المختص فقضت محكمة مصر الابتدائية في 18 نوفمبر سنة 1944 بالإيقاف مرة أخرى إلا أنها تركت "لمن يهمه الأمر طرح النزاع على الجهة المختصة" - وفي 24 فبراير سنة 1945 قررت حميدة بترك المرافعة في استئنافها حكم 7 فبراير سنة 1944 الذي لم يعلن - بينما استأنفت الوزارة حكم 18/ 11/ 1944، فقضت محكمة استئناف مصر غيابياً بالنسبة للسيدتين سميرة هانم وعفت هانم محمد أحمد "المطعون ضدهما في الطعن الحالي" وحضورياً بالنسبة لباقي الورثة بإلغاء الحكم المستأنف وبإعادة القضية لمحكمة الدرجة الأولى للفصل في الموضوع على أساس إغفال الدفع بالإيقاف، فلجأ المطعون عليهما إلى محكمة الاستئناف معارضتين في ذلك الحكم وقضت المحكمة في 20 سبتمبر سنة 1953 بإلغاء الحكم المعارض فيه وبتأييد الحكم المستأنف الذي كان قد قضى بوقف السير في الدعوى مع تكليف وزارة الأوقاف - الطاعنة - بطرح النزاع على الجهة المختصة وحددت لها ميعاد ستة أشهر لتستصدر خلاله حكماً نهائياً من القضاء المختص فطعنت وزارة الأوقاف - بطعنها الحالي - في هذا الحكم الاستئنافي الصادر في المعارضة وعرض الطعن على دائرة الفحص التي قررت إحالته إلى هذه المحكمة وصممت النيابة العمومية بالجلسة على ما جاء بمذكرتها طالبة رفض الطعن.
وحيث إن حاصل ما ينعاه الطاعن في السبب الأول هو مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون وقصور تسبيبه وذلك من وجوه أربعة:
أولها - إن قضاء المحكمة الابتدائية في 7 فبراير سنة 1944، بوقف السير في الدعوى وبتكليف الورثة رفع النزاع خلال ستة شهور إلى الجهة المختصة هو قضاء نهائي مقيد لتلك المحكمة لا تملك بعده - متى انقضى الأجل المضروب وتراخي الورثة عما كلفوا به - لا تملك المحكمة إلا أن تفصل في موضوع الدعوى بحالتها. وأن حكم 18 نوفمبر سنة 1944 إذ أعاد الدعوى إلى الإيقاف وعدل عن هذا التكليف إلى ترك إثارة النزاع لدى الجهة الأخرى لمن يهمه الأمر من الخصوم يكون قد خالف القانون بخروجه على تلك القاعدة وعلى قاعدة عدم جواز أن تضار الوزارة الطاعنة باستئنافها حكم 18 نوفمبر سنة 1944.
والثاني - إن الحكم الاستئنافي الصادر في غيبة المطعون ضدهما حجة عليهما شأنهما في ذلك شأن باقي الورثة الصادر في مواجهتهم لعدم قابلية موضوعه للانقسام لصدوره في خصوص تركة - فما كان يصح للحكم الصادر في المعارضة أن يخرج عليه حتى لا تنهار الأحكام ولا تتبعض في نزاع واحد.
والثالث - أن القول من جانب الحكم المطعون فيه الصادر في المعارضة بأن ما صدر من المحكمة الشرعية في الدعوى رقم 170 سنة 1936 - 1937 بعدم السماع إنما هو قرار لا يجوز الاحتجاج به على غير السيد/ أحمد فريد من الورثة وليس حكماً يحتج به على المعارضتين (المطعون ضدهما) هو قول مخالف للقانون في مسألة لا تقبل الجدل وهي أن ما صدر من المحكمة الشرعية حكم لا قرار وأنه صدر في شأن تركة انتصب أحد الورثة ممثلاً لها فيه فله حجيته على التركة برمتها - فضلاً عما شاب الحكم المطعون فيه من قصور يعيبه ويبطله لعدم دعم رأيه في هذا الصدد بأكثر من جملة عابرة لا تصلح سنداً له.
والوجه الرابع - مخالفة الحكم المطعون فيه لمقتضى نص الفقرة الثانية من المادة 15 من لائحة ترتيب المحاكم الأهلية ونص المادة 17 من قانون نظام القضاء التي ناطت بالمحكمة تقدير مدى وجاهة الدفع بالإيقاف ومبلغ جديته وبالتالي لزوم الفصل فيه من الجهة المختصة أو عدمه وقد أعرض الحكم عن تقدير هذه الجدية وجعل من مجرد إثارة نزاع تختص به جهة أخرى موجباً لطرحه عليها. فأسقط عن نفسه ولاية كانت له في تقدير جدية هذا الطلب. وحرم الطاعنة من فرصة استعمال المحكمة حقها في هذا النزاع على وجه سليم كان من شأنه أن يؤدي بها حتماً إلى رفض الدفع بالإيقاف.
وحيث إنه عن السبب الأول من هذا النعي فإن حكم 7 فبراير سنة 1944 الصادر بوقف السير في الدعوى مع تكليف الورثة برفع النزاع إلى القضاء الشرعي المختص في خلال ستة شهور لا يعدو أن يكون في شقه الأخير حكماً تحضيرياً لا يحوز بطبيعته قوة الأمر المقضي ولا يكسب الخصم حقاً يصح التمسك به أما قول الطاعنة بأنه ما كان ينبغي للحكم المطعون فيه الصادر في معارضة المطعون ضدهما بتكليف الوزارة الطاعنة الموجه إليها الدفع بالالتجاء إلى القضاء المختص أن يجعلها تضار في النهاية باستئنافها لحكم 18 نوفمبر سنة 1944 الذي لم يكلفها إثارة النزاع، فإن هذا القول مردود بأنه فضلاً عما سبق بيانه من انعدام حجية الأمر المقضي في الأحكام التحضيرية وجواز العدول عنها من المحكمة التي أصدرتها فإن استئناف الطاعنة إنما انصب على قضاء وقف الدعوى لا على ما قضى به من ترك أمر إثارة النزاع لمن يهمه الأمر ومن ثم يكون النعي في هذا الوجه على غير أساس.
وحيث إنه عن النعي بعدم جواز خروج الحكم المطعون فيه الصادر في معارضة المطعون ضدهما على الحكم الاستئنافي الصادر في غيبتهما بمقولة إن هذا الأخير حجة عليهما أيضاً شأنهما في ذلك شأن باقي الورثة الذين حضروا في الدعوى لعدم قابلية موضوعه للانقسام بصدوره في خصوص تركة فإن هذا النعي مردود بأن سماع دفاع المحكوم عليه متى عارض في الحكم الصادر في غيبته هو من القواعد الأساسية المتعلقة بالنظام العام ولا يمكن أن يحول دونه كون الحكم صدر نهائياً بالنسبة إلى زملائه الحاضرين.
وحيث إنه عن النعي بمخالفة القانون فيما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من أن ما صدر من المحكمة الشرعية في دعوى السيد/ أحمد فريد رقم 170 سنة 1936 - 1937 بعدم سماعها إنما هو قرار لا يحتج به على غير المدعي مع أنه حكم صدر في شأن تركة انتصب الوارث المذكور مثلاً لها فيه فله حجيته على الورثة جمعاء بما فيهم المعارضتين (المطعون ضدهما). هذا بالإضافة إلى ما شاب الحكم من قصور في هذا الصدد. فإن هذا النعي بدوره غير سديد ذلك أنه وإن كان حكماً ما انتهى إليه القضاء الشرعي بدرجتيه في الدعوى المذكورة من مجرد عدم سماعها تأسيساً على عدم مثول المسوغ إلا أنه لا يتضمن قضاء في موضوع النزاع. فليس له بهذه المثابة غير حجية قاصرة على المدعي وموقوتة بخلوها من مسوغ السماع.
وحيث إن الطاعنة تأخذ أخيراً على الحكم المطعون فيه مخالفته لمقتضى نص الفقرة الثانية من المادة 15 من لائحة ترتيب المحاكم الأهلية والمادة 17 من قانون نظام القضاء لجعله من مجرد إثارة المعارضتين للدفع. موجباً لطرح النزاع على جهة القضاء الأخرى. وحرمان الطاعنة من فرصة استعمال المحكمة حقها على وجه سليم.
وحيث إن هذا النعي مردود بأن الحكم المطعون فيه قد صرح في أسبابه بأن "ما أثاره طرفا الخصومة من أبحاث شرعية عديدة كقول المعارضتين إن الموصي رجع عن وصيته قولاً وفعلاً وإن العبرة بأن المال الموصى به هو ما كان موجوداً وقت الوصية وإن الوقف على ما لم يتهيأ باطل شرعاً وأنه يقع باطلاً لعدم تهيئة المصرف المختص له باستهلاك المبلغ السابق تخصيصه لتنفيذ الوصية... إلخ. مما يخرج عن اختصاص القضاء الأهلي" يفيد ضمناً أن محكمة الاستئناف رأت ضرورة الفصل في الدفع من الجهة المختصة قبل الفصل في موضوع النزاع المطروح أمامها، ولا مخالفة في ذلك القانون.
وحيث إن مبنى السبب الثاني من الطعن هو قصور الحكم في التسبيب ويقول الطاعن شرحاً لذلك إن الحكم الصادر من محكمة الاستئناف في 29 ديسمبر سنة 1946 حين قضى بإلغاء الحكم المستأنف وإعادة القضية لمحكمة الدرجة الأولى للفصل في موضوعها أقام قضاءه على أسباب سائغة لم يعن الحكم المطعون فيه بالرد حين ألغاه في المعارضة مما يشوبه بقصور يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إنه فضلاً عن أن صياغة هذا النعي قد وردت في عبارة عامة مجهلة اكتفاء من الطاعنة بالقول بأن أسباب الحكم المطعون فيه لا تصلح رداً على ما قاله الحكم الغيابي المعارض فيه فإنه من المقرر أنه لا على الحكم الصادر في المعارضة إذا هو أعرض عن الرد على كل ما ورد في الحكم الملغي إذ حسبه أن يكون مقاماً على دعائم كافية لحمله ومؤدية إلى النتيجة التي انتهى إليها في منطوقه لأن في ذلك إهداراً ضمنياً لأسباب الحكم الذي ألغاه فلم يأخذ بها لما أورده من الأسباب الجديدة التي أقام عليها قضاءه.
وحيث إنه لكل ما تقدم يكون الطعن برمته على غير أساس ويتعين رفضه.