أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الأول - السنة 10 - صـ 173

جلسة 19 من فبراير سنة 1959

برياسة السيد المستشار محمود عياد، وبحضور السادة: إبراهيم عثمان يوسف، ومحمد زعفراني سالم، والحسيني العوضي، ومحمد رفعت المستشارين.

(26)
الطعن رقم 17 سنة 27 ق أحوال شخصية

وقف "شرط الواقف". وقف هيئة التصرفات السير في طلب فرز نصيب الخيرات حتى يفصل قضاءً في تفسير شرط الواقف. لا محل معه للتحدي بنص م 36 من ق 48 لسنة 1946، م ا من ق 342 لسنة 1952 لعدم تعلقهما بتفسير شرط الواقف.
إذا كان الواقع في الدعوى أن الواقف جعل في كتاب وقفه للخيرات من ريع الأعيان الموقوفة أربعة وعشرين جنيهاً مصرياً ذهباً فتقدم المطعون عليه الذي آل إليه النظر على هذا الوقف وانحصر فيه الاستحقاق إلى هيئة التصرفات بالمحكمة الشرعية بطلب فرز حصة للخيرات تضمن غلتها الوفاء بها - وإذ دار النزاع بين الطاعنة والمطعون عليه حول كيفية تقويم الجنيهات الذهبية وهل تعتبر قيمة الجنيه الذهب المشروط صرفه للخيرات معادلة للجنيه الورقي الذي يساوي مائة قرش أم يقوم من حيث القيمة لا من حيث التعامل - وقفت هيئة التصرفات (في الدرجة الاستئنافية) السير في طلب الفرز حتى يفصل في تفسير شرط الواقف قضاء، فإنه لا يكون هناك محل للتحدي بنص المادتين 36 من القانون رقم 48 لسنة 1946 والأولى من القانون 342 لسنة 1952 في هذا المقام إذ هما لا تتعلقان بتفسير شرط الواقف وأولاهما خاصة بقسمة الغلة بين الموقوف عليهم وذوي المرتبات، وثانيتهما تقرر اعتبار الوقف على غير جهات البر منتهياً فيما عدا حصة شائعة تضمن غلتها الوفاء بنفقات الخيرات والمرتبات إذا كان الواقف قد شرط في وقفه لجهة البر خيرات أو مرتبات دائمة معينة أو قابلة للتعيين ولا يتأتى إعمال حكم هاتين المادتين سواء بالنسبة لقسمة الغلة أو في فرز حصة للخيرات تفي بما قرر لها من مرتبات إلا بعد تحديد هذه المرتبات فإذا قامت منازعة فيما شرطه الواقف بخصوصها - كما هو الحال في هذه الخصومة - كما من المتعين البت فيها ابتداء.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع تقرير السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع تتحصل على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن في أنه بتاريخ 13 يناير سنة 1905 صدر إشهاد من المرحوم محمد محمد النشار - وقف بموجبه أعياناً - على من عينهم بكتاب وقفه وجعل للخيرات من ريع هذه الأعيان أربعة وعشرين جنيهاً ذهبياً وآل النظر على هذا الوقف إلى المطعون عليه وانحصر فيه الاستحقاق فتقدم إلى هيئة التصرفات بمحكمة مصر الشرعية (في المادة 700 لسنة 1953) بطلب فرز حصة الخيرات تضمن غلتها الوفاء بها. فقررت تلك المحكمة بتاريخ 14/ 4/ 1955 فرز وتجنيب حصة للخيرات. على اعتبار أن قيمة الجنيه الذهب المشروط صرفه للخيرات تعادل قيمة الجنيه من ورقة العملة (البنكوت) الصادر به الأمر العالي في 2 أغسطس سنة 1914 والجاري التعامل به الآن ومقدارها مائة قرش. واستأنف وزير الأوقاف بصفته ناظراً على حصة الخيرات هذا القرار مؤسساً استئنافه على أن فرز حصة الخيرات يتعين أن يكون على أساس ما يتقوم به الجنيه من الذهب من حيث القيمة لا من حيث التعامل وعلى ذلك فلا يصح اعتبار قيمته معادلة للجنيه الورقي الذي يساوي مائة قرش. فقررت المحكمة الاستئنافية وقف السير في الاستئناف حتى يفصل قضائياً في نزاع الطرفين. فأقام المطعون عليه على وزارة الأوقاف بصفتها الدعوى رقم 402 لسنة 1956 بمحكمة القاهرة الابتدائية طالباً فيها الحكم بمنع تعرض الوزارة له بأكثر من أربعة وعشرين جنيهاً سنوياً من العملة الحالية وهي ورق البنكنوت بالنسبة للخيرات المشروطة بكتاب الوقف وأمرها بذلك مع إلزامها بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وبتاريخ 11 نوفمبر سنة 1956 أصدرت تلك المحكمة حكماً قضت بطلبات المطعون عليه مع إلزام وزارة الأوقاف بصفتها بالمصروفات وبمبلغ جنيهين مقابل أتعاب المحاماة. فاستأنفت وزارة الأوقاف هذا الحكم إلى محكمة استئناف القاهرة بالاستئناف رقم 206 سنة 73 ق طالبة قبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف ورفض الدعوى. وبتاريخ 9 مارس سنة 1957 حكمت محكمة الاستئناف بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف وألزمت المستأنفة المصروفات. فقررت وزارة الأوقاف الطعن في هذا الحكم بالنقض بتاريخ 27 مارس سنة 1957 وأبدت النيابة العامة رأيها بمذكرتها الأولى برفض الطعن. وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون بجلسة 19 فبراير سنة 1958 وصممت النيابة العامة على الرأي المبدى بمذكرتها. وقررت دائرة الفحص بتلك الجلسة إحالة الطعن إلى هذه الدائرة. وأمر السيد رئيس المحكمة بإعلان تقرير الطعن إلى المطعون عليه وحدد له أجلاً لتقديم مذكرة بدفاعه مشفوعة بالمستندات التي يرى تقديمها، كما حدد للنيابة العامة أجلاً لإبداء رأيها في الطعن. فأعلن المطعون عليه وقدم مذكرة طلب فيها رفض الطعن وصممت النيابة العامة بمذكرتها الثانية على رأيها السالف ذكره كما صممت بجلسة 29 يناير سنة 1959 التي نظر فيها الطعن على ذلك الرأي.
وحيث إن الطاعنة تنعى على الحكم المطعون فيه مخالفته للقانون وخطأه في تطبيقه وتأويله من وجوه ثلاث. أولها: أن الحكم المطعون فيه بمسلكه في تفسير شرط الواقف موضوع النزاع والخاص بحصة الخيرات قد خالف ما تقضي به المادة العاشرة من القانون رقم 48 لسنة 1946 من حمل كلام الواقف على المعنى الذي أراده وإن لم يوافق القواعد اللغوية، ذلك أن الواقف أراد بما اشترطه للخيرات أن توفى هذه الخيرات أولاً من ريع الوقف وألا تتأخر في الاستحقاق حتى لا يطغى عليها استحقاق ما لأي مستحق ومسلك الحكم المطعون فيه في تفسيره شرط الواقف بما فسره به من شأنه تفويت غرضه من وقفه وإلحاق الضرر بالخيرات. وثانيها: أن الحكم المطعون فيه قد خالف نص المادة 36 من القانون رقم 48 لسنة 1946 فيما يفيده مفهومها من أنه إذا كان لجهة خيرية مرتب معين فإنه يكون لها حصة في أعيان الوقف تقدر على ضوء قيمتها عند الوقف بالنسبة لأعيانه وإيراده وحصة باقي المستحقين وتجري المحاصة على أساس من هذه النسبة وقد كان يتعين على الحكم المطعون فيه أن يراعى هذا المقتضى في تقدير حصة الخيرات لكنه التفت عن حكم هذه المادة في هذا الخصوص. وثالثها: أن الحكم المطعون فيه قد خالف نص المادة الأولى من القانون رقم 342 لسنة 1952 فيما يفهم منه من أن حصة الخيرات المشروط لها مرتب بعينه مالكة على الشيوع في أعيان الوقف لحصة تقدر على أساس من قيمتها عند الوقف - إلى غلة الوقف جميعه وأعيانه. لا على أساس أن للخيرات ديناً في ذمة الوقف تستأديه على وفق قواعد التعامل العادي وبالنقد الذي يجرى به هذا التعامل.
وحيث إن هذا النعي مردود أولاً - بأنه لما كان يبين من الوقائع السالف إيرادها أن النزاع بين الطاعنة والمطعون عليه لم يكن يدور حول تقديم جهة الخيرات في الاستحقاق أو تأخيرها - كما أن الحكم المطعون فيه لم يعرض في قضائه لما تثيره الطاعنة في سبب النعي من القول بأن غرض الواقف مما شرطه - للخيرات هو تقديمها - على سواها من جهات الاستحقاق - ولم يتناول الحكم بالنظر إلا ما دارت عليه المنازعة بين الطرفين حول ما ورد بحجة الوقف من أنه يصرف من الريع سنوياً أربعة وعشرين جنيهاً ذهبياً مصرياً للخيرات وفي كيفية تقويم هذه الجنيهات الذهبية وكان فصل الحكم المطعون فيه منحصراً في هذا المجال. فإن ما ورد بوجه النعي من مخالفة القانون فيما تقضي به المادة العاشرة من القانون 48 لسنة 1946 - من حمل كلام الواقف على المعنى الذي أراده - يكون منقطع الصلة بقضاء الحكم المطعون فيه ويكون طعن الطاعن فيه وارداً على غير مطعن. ومردود ثانياً بأنه لما كان مدار المنازعة كما سلف بيانه هو تفسير شرط الواقف ومن أجل ذلك وقفت هيئة التصرفات (في الدرجة الاستئنافية) السير في طلب الفرز حتى يفصل في تفسيره قضاء فلا محل للتحدي بنص المادتين 36 من القانون رقم 48 لسنة 1946 والأولى من القانون 342 لسنة 1952 في هذا المقام - إذ هما لا تتعلقان بتفسير شرط الواقف. وأولاهما خاصة بقسمة الغلة بين الموقوف عليهم وذوي المرتبات، وثانيتهما تقرر اعتبار الوقف على غير جهات البر منتهياً فيما عدا حصة شائعة تضمن غلتها الوفاء بنفقات الخيرات والمرتبات إذا كان الواقف قد شرط في وقفه لجهة البر خيرات أو مرتبات دائمة معينة أو قابلة للتعيين ولا يتأتى إعمال حكم هاتين المادتين سواء بالنسبة لقسمة الغلة أو في فرز حصة للخيرات تفي بما قرر لها من مرتبات إلا بعد تحديد هذه المرتبات، فإذا قامت منازعة فيما شرطه الواقف بخصوصها - كما هو الحال في هذه الخصومة - كان من المتعين البت فيها ابتداء.
ومن حيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس ويتعين رفضه.