مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الرابعة عشرة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1968 إلى منتصف فبراير سنة 1969) - صـ 115

(14)
جلسة 30 من نوفمبر سنة 1968

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور أحمد موسى وكيل مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة عادل عزيز زخاري، وعبد الستار عبد الباقي آدم، ويوسف إبراهيم الشناوي، ومحمد صلاح الدين السعيد المستشارين.

القضية رقم 1029 لسنة 11 القضائية

قرار إداري "تنفيذه". اختصاص مجلس الدولة "ما يدخل في اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري". (استيلاء). (تأميم).
الاستيلاء على مصنع وإن كان في حد ذاته فعلاً مادياً إلا أنه لا يتم إلا تنفيذاً لقرار إداري تفصح به جهة الإدارة، المنوط بها تنفيذ قانون التأميم، عن أن المصنع هو من بين المنشآت التي ينطبق عليها هذا القانون - لا يسوغ النظر إلى واقعة الاستيلاء مستقلة عن القرار الذي وقعت تنفيذاً له - أساس ذلك - أثره: اختصاص القضاء الإداري بنظر الدعوى - القول بأن بحث ملكية المصنع يدخل في اختصاص القضاء المدني بقصد التوصل إلى عدم اختصاص القضاء الإداري بنظر المنازعة في الاستيلاء - مردود بأن النزاع ينصب حول مشروعية القرار بمد أثر قانون التأميم إلى المصنع المستولى عليه - القول بأن قررات لجنة التقييم غير قابلة للطعن مردود بأنه لا يجوز لها أن تقوم ما لم يقصد المشرع إلى تأميمه أو تستبعد بعض العناصر التي أدخلها المشرع في نطاق التأميم - الجزاء على مخالفة ذلك - لا يكون لقرار لجنة التقييم من أثر ويكون كالعدم سواء ولا يكتسب آية حصانة.
إنه وإن كان من الأمور المسلمة أن اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري مقصور على النظر في طلبات الإلغاء التي توجه إلى القرارات الإدارية النهائية، إذا شابها عيب من العيوب التي نص عليها القانون، دون الأفعال المادية، غير أنه استبان لهذه المحكمة من الاطلاع على أوراق الطعن أن الطاعنين يستهدفان بطعنهما القرار الذي صدر من المؤسسة المصرية العامة للتعاون الإنتاجي بمد أثر القانون رقم 72 لسنة 1963 بتأميم بعض الشركات والمنشآت والذي قضى بتأميم شركة المدابغ المتحدة بالمكس إلى مصنع الغراء المؤجر من الملاك إلى الشركة التي يمثلها الطاعنان، وإذا كانت عملية الاستيلاء على المصنع هي في حد ذاتها عملاً مادياً، غير أن هذا العمل لم يتم إلا تنفيذاً لقرار إداري أفصحت به المؤسسة المختصة، باعتبارها الجهة الإدارية التي ناط بها القانون رقم 72 لسنة 1963 المشار إليه تنفيذ أحكامه، عن أن المصنع الذي يحوزه الطاعنان هو من ضمن المنشآت التي ينطبق عليها حكم ذلك القانون، فلا يسوغ النظر إلى واقعة الاستيلاء مستقلة عن القرار الذي وقعت تنفيذاً له، إذ هي ذات ارتباط وثيق به لأن كيانها القانوني مستمد منه، وعلى هذا الوجه تكون الدعوى موجهة إلى قرار إداري نهائي استكمل كافة مقوماته ويدخل النظر في طلب إلغائه في اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري ولا اعتداد في هذا الشأن بما يستشف من الحكم المطعون فيه من أن النزاع انحصر في بحث ملكية مصنع الغراء موضع الدعوى وهو أمر يدخل في اختصاص القضاء المدني - لا اعتداد بذلك - لأن النزاع المطروح لا ينصب على تعيين المالك الحقيقي لمصنع الغراء المستولى عليه، وإنما ينصب حول مشروعية القرار الذي صدر من الجهة الإدارية المختصة بمد أثر القانون رقم 72 لسنة 1963 المشار إليه إلى مصنع الغراء الذي تحوزه الشركة التي يمثلها الطاعنان، وهو لا شك قرار إداري نهائي مما يجوز طلب إلغائه. أما بالنسبة إلى ما أثارته الجهة الإدارية في دفاعها من أن قرارات لجان التقييم هي قرارات نهائية وغير قابلة للطعن فيها بأي طريق من طرق الطعن، وما تقصده الجهة الإدارية من وراء ذلك من أن القضاء الإداري لا يختص بنظر المنازعة الحالية على أساس أن القاعدة المشار إليها من القواعد المعدلة للاختصاص، فإنه أيضاً دفاع على غير أساس، ذلك لأن اختصاص لجان التقييم مقصورة على تحديد سعر أسهم شركات المساهمة المؤممة التي لم تكن أسهمها متداولة في البورصة، أو مضى على آخر تعامل فيها أكثر من ستة شهور، أو المنشآت غير المتخذة شكل شركات المساهمة، وتتمتع اللجان المشار إليها في هذا الشأن بسلطة تقديرية واسعة لا تخضع فيها لأي رقابة إدارية أو قضائية، غير أنه من ناحية أخرى فإن التأميم في ذاته عمل من أعمال السيادة وتختص بإجرائه السلطة التشريعية وحدها، فهي التي تتولى، في القانون الصادر بالتأميم، تحديد نطاقه وأحكامه وتعيين الشركات والمشروعات والمنشآت التي ينصرف إليها التأميم، أما لجان التقييم فليس لها أي اختصاص في هذا الشأن ويترتب على ذلك أنه لا يجوز لها أن تقوم ما لم يقصد المشرع إلى تأميمه أو تستبعد بعض العناصر التي أدخلها المشرع في نطاق التأميم، فإن فعلت شيئاً من ذلك فلا يكون لقرارها من أثر، ويكون كالعدم سواء، ولا يكتسب قرارها أية حصانة، ولا يكون حجة قبل الدولة أو أصحاب الشأن ويحق للجهة الإدارية التي تتولى تنفيذ أحكام قانون التأميم، سواء من تلقاء نفسها أو بناء على طلب أصحاب الشأن تصحيح الوضع وإنفاذ أحكام القانون بصورة صحيحة. ويترتب على ذلك كله أن المرجع في تحديد المنشآت المؤممة إلى قانون التأميم ذاته وإلى القرار الذي تصدره الجهة الإدارية المختصة تنفيذاً لأحكامه، وغني عن البيان أن هذا القرار الأخير باعتباره قراراً إدارياً نهائياً هو الذي يجوز أن يكون محلاً للطعن، وفي هذه الحالة يباشر مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري اختصاصه في بحث مشروعيته، على هدي من الأحكام التي تضمنها قانون التأميم، لمعرفة هل صدر القرار ملتزماً أحكام القانون في شأن تحديد ما قصد المشرع إلى تأميمه فجاء مطابقاً للقانون أم أنه جاوز ذلك فوقع باطلاً.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن وقائع هذه المنازعة تتحصل، حسبما يبين من أوراق الطعن في أن الطاعنين أقاما الدعوى رقم 760 لسنة 19 القضائية ضد السيد رئيس مجلس إدارة المؤسسة المصرية العامة للتعاون الإنتاجي والسيد نائب رئيس الوزراء للصناعة بعريضة أودعاها سكرتيرية محكمة القضاء الإداري في 26 من ديسمبر سنة 1964 طالبين إلغاء القرار الصادر من المدعى عليه الأول بالاستيلاء على مصنع الشركة المدعية واعتباره كأن لم يكن وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ هذا القرار مع إلزام المدعى عليه الأول بالمصروفات. وقالا شرحاً للدعوى إن شركة توصية بسيطة تكونت بينهما ومن آخرين بعقد مؤرخ 31 من مايو سنة 1964 وأثبت تاريخه في 12 من يوليه سنة 1964 وعنوان هذه الشركة أحمد غنيم وشركاه واسمها التجاري شركة النصر العربي لصناعة الغراء والجيلاتين وقد اتخذت الشركة مصنعاً لها بالمكس واستأجرته وهي تحت التأسيس من شركة أرستين واطناز مافريللي في 16 من سبتمبر سنة 1963 لمدة سنة واحدة تنتهي في 15 من سبتمبر سنة 1964 قابلة للتجديد، بإيجار سنوي قدره 480 جنيهاً، وهو عبارة عن مصنع غراء بجميع منقولاته وآلاته ومعداته وكان ذلك بعقد ثابت التاريخ في 21 من سبتمبر سنة 1963، وفي 21 من أكتوبر سنة 1964 فوجئ المدعيان بلجنة من المؤسسة المصرية العامة للتعاون الإنتاجي تقوم بطردهما من المصنع بمعاونة رجال الشرطة واستولت على المصنع بما فيه من مهمات ودون أن تحرر محضراً بذلك، وأفهما أن قراراً صدر من المدعى عليه الأول بأن تأميم شركة "المدابغ المتحدة بالمكس" الذي تم بالقانون رقم 72 لسنة 1963 يمتد إلى المصنع الذي تباشر فيه الشركة المدعية نشاطها، فتظلم المدعيان من القرار المشار إليه بتاريخ 22 من أكتوبر سنة 1964 ولما لم ترد الجهة الإدارية على التظلم خلال الستين يوماً التالية مما يعتبر رفضاً للتظلم فقد بادرا إلى إقامة هذه الدعوى بطلب إلغاء ذلك القرار، ونعى المدعيان على القرار مخالفة القانون ذلك لأنه وإن كان الاسم التجاري للمدابغ بالمكس هو (كوراكيس وكالومبيدوس ومافريللي وشركاهم) إلا أن السيدين ارستين واطناز مافريللي ملاك المصنع الذي تستأجره شركة المدعيين لا تربطهما بالمدابغ المتحدة بالمكس أية صلة، كما أن الشركة المدعية باعتبارها مستأجرة للمصنع المشار إليه لا يمكن أن تخضع للقرار المطعون فيه ومن ثم فإن القرار المطعون فيه يكون قراراً معدوماً لصدوره من غير مختص ووقوعه مخالفاً للقانون، ولما كان المصنع المشار إليه هو مورد رزق الشركاء الخمسة ويترتب على الاستيلاء عليه أضرار جسمية فإنهما يطلبان وقف تنفيذ القرار بصفة مستعجلة حق يفصل في الموضوع.
ردت المؤسسة المصرية العامة للتعاون الإنتاجي على الدعوى بأن شركة المدابغ المتحدة بالمكس أممت بالقانون رقم 72 لسنة 1963 الذي عمل به من تاريخ نشره في 8 من أغسطس سنة 1963، ولما كانت هذه الشركة شركة توصية بسيطة ولا تتداول أسهمها في البورصة فقد شكلت لجنة لتقييم منشآتها، وقد قدمت هذه اللجنة تقريراً أثبتت فيه أن شركة المدابغ المتحدة أسست بين كوراكيس وكالومبيدوس ومافريللي وشركاهم، وأن جميع العقود المتعلقة بالشركة تنص على أن الأراضي المقام عليها المدابغ والمخازن والمباني والآلات المبينة تفصيلاً في عقد 15 سبتمبر سنة 1935 مملوكة لآل مافريللي وحدهم دون باقي الشركاء، كما أثبت التقرير استحقاق السيدين ارستين واطناز مافريللي مبلغ 44.275 مليمجـ قيمة الإيجار المستحق لهما عن الحصة المملوكة لهما من الأرض المقام عليها المصنع، وأنه لما كان السيدان المذكوران لم يرد ذكرهما بين الشركاء في الشركة المؤممة (شركة المدابغ المتحدة) فإنهما كانا يتقاضيان إيجار نصيبهما في أرض وبناء وآلات الشركة المؤممة، كما أثبت التقرير أن شركة المدابغ المتحدة بالمكس استأجرت المدابغ من آل مافريللي وهي المدبغة اليونانية التي تناولها عقد سنة 1935 ومدبغة زيلكس سابقاً التي أشار إليها عقد التعديل في سنة 1951 والتي يظهر الرسم أن مساحتها 5011 متراً مربعاً، يضاف إليها 589 متراً مربعاً وهو الجزء المستبعد من تلك المدبغة والمقام عليها مصنع الغراء فتكون المساحة 5600 متراً مربعاً، وقد اتضح للجنة التقييم أن مصنع الغراء موضوع النزاع هو جزء من شركة المدابغ المتحدة بالمكس داخل في نطاقها ولا يتميز عنها وإن كان قد تغير استعماله من مدبغة إلى مصنع للغراء والجيلاتين، هذا وقرارات لجنة التقييم قرارات نهائية ولا يجوز الطعن فيها بأي وجه من أوجه الطعن عملاً بالمادة الثالثة من القانون رقم 72 لسنة 1963. وأضافت المؤسسة في دفاعها أن عقد تأسيس الشركة المدعية لم يثبت تاريخه إلا في 12 من يوليه سنة 1964 كما أن عقد تأجير المصنع المملوك لأرستين واطناز مافريللي (وهو في الواقع جزء من مصانع ومخازن شركة المدابغ المتحدة بالمكس) لم يثبت تاريخه إلا في 21 من سبتمبر سنة 1963 وإذ أثبت تاريخ العقدين المشار إليهما بعد تاريخ العمل بالقانون رقم 72 لسنة 1963 بتأميم شركة المدابغ المتحدة فمن ثم فلا يمكن الاحتجاج بهما على المؤسسة باعتبارها من الغير.
وقد عقب المدعيان على هذا الدفاع بأن مصنع الغراء ليس تابعاً للمدابغ المتحدة ولا تربطه بها أية رابطة لأن شركة ارستين واطناز مافريللي لها وجود ونشاط في صناعة الغراء منذ أول يناير سنة 1949 فقد نشأت مستقلة تماماً عن شركة المدابغ المتحدة وربطت عليها الضرائب، كما أن الأرض المقام عليها مصنع الغراء مملوكة للسيدين أرستين واطناز مافريللي بعضها بالميراث والبعض الآخر بالشراء كما أنهما ليسا من ضمن الشركاء المتضامنين أو الموصين في شركة المدابغ المتحدة كما هو واضح من تقرير لجنة التقييم، إذ أن ما ورد به من استحقاقهما مبالغ قبل شركة المدابغ المتحدة يؤخذ منه أن المبالغ المذكورة هي الإيجار المستحق لهما عن جزء من الأرض المملوكة لهما والمقام عليها المدابغ ويضاف إلى ذلك أنه لم يرد بالتقرير أي تقييم لمصنع الغراء بل اقتصر التقييم على قطعة الأرض المقام عليها المصنع.
ومن حيث إنه بجلسة 8 من يونيه سنة 1965 حكمت المحكمة بعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر الدعوى في شقيها وألزمت المدعيين بالمصروفات، وأقامت قضاءها على أن النزاع بين الطرفين قد انحصر في ملكية مصنع الغراء موضوع الدعوى وما إذا كان القرار القاضي بتأميم شركة المدابغ المتحدة بالمكس والصادر به القانون رقم 72 لسنة 1963 يتناول مصنع الغراء بوصفه من توابع الشركة المؤممة أم لا، وأن الأفعال التي قامت بها الجهة الإدارية بالاستيلاء على المصنع لا تعدو أن تكون مجرد أعمال مادية لا ترقى إلى مرتبة القرار الإداري لأن من الأركان الأساسية للقرار الإداري أن يكون له محل وهو المركز القانوني الذي يترتب عليه حالاً ومباشرة، وهذا الأثر هو إنشاء حالة قانونية معينة أو تعديلها أو إلغاؤها، ومن ثم يتميز محل العمل القانوني عن موضوع العمل المادي الذي يكون دائماً نتيجة مادية، وأن الجهة الإدارية لا تملك أن تحسم نزاعاً حول الملكية بإرادتها المنفردة في صورة قرار إداري استناداً إلى سلطتها العامة، ومثل هذا القرار على فرض صدوره، وهو ما لم يحصل في خصوص الدعوى الحالية، لا يعتبر من قبيل القرارات الإدارية بحال، وأن وسيلة الأفراد لمجابهة أعمال الإدارة المادية وما يترتب عليها من آثار ضارة والذود عن الملكية إنما هو الالتجاء إلى القضاء الكامل أو قضاء التعويض دون التوسل بقضاء الإلغاء.
ومن حيث إن مبنى الطعنين أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه حيث قضى بعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر الدعوى، ذلك لأن المؤسسة المصرية العامة للتعاون الإنتاجي إنما استولت على المصنع بالقوة استناداً إلى قرار صدر منها بأن تأميم شركة المدابغ المتحدة يمتد إلى هذا المصنع.
ومن حيث إنه بعد أن حكمت هذه المحكمة بانقطاع سير الخصومة في الطعن لزوال صفة المدعى عليها الأولى قام الطاعنان بتعجيل الدعوى في مواجهة المؤسسة المصرية العامة للصناعات الكيماوية التي تبعت لها شركة النصر لدباغة الجلود بالإسكندرية وهي الشركة التي أدمجت فيها شركة المدابغ المتحدة وقد تم إعلان عريضة التعجيل إلى هذه المؤسسة الأخيرة.
ومن حيث إنه وإن كان من الأمور المسلمة أن اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري مقصور على النظر في طلبات الإلغاء التي توجه إلى القرارات الإدارية النهائية إذا شابها عيب من العيوب التي نص عليها القانون، دون الأفعال المادية، غير أنه استبان لهذه المحكمة من الاطلاع على أوراق الطعن أن الطاعنين يستهدفان بطعنهما القرار الذي صدر من المؤسسة المصرية العامة للتعاون الإنتاجي بمد أثر القانون رقم 72 لسنة 1963 بتأميم بعض الشركات والمنشآت والذي قضى بتأميم شركة المدابغ المتحدة بالمكس إلى مصنع الغراء المؤجر من الملاك إلى الشركة التي يمثلها الطاعنان، وإذا كانت عملية الاستيلاء على المصنع هي في حد ذاتها عملاً مادياً، غير أن هذا العمل لم يتم إلا تنفيذاً لقرار إداري أفصحت به المؤسسة المختصة، باعتبارها الجهة الإدارية التي ناط بها القانون رقم 72 لسنة 1963 المشار إليه تنفيذ أحكامه، على أن المصنع الذي يحوزه الطاعنان هو من ضمن المنشآت التي ينطبق عليها حكم ذلك القانون، فلا يسوغ النظر إلى واقعة الاستيلاء مستقلة عن القرار الذي وقعت تنفيذاً له إذ هي ذات ارتباط وثيق به لأن كيانها القانوني مستمد منه، وعلى هذا الوجه تكون الدعوى موجهة إلى قرار إداري نهائي استكمل كافة مقوماته ويدخل النظر في طلب إلغائه في اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري.
ومن حيث إنه لا اعتداد في هذا الشأن بما يستشف من الحكم المطعون فيه من أن النزاع انحصر في بحث ملكية مصنع الغراء موضوع الدعوى وهو أمر يدخل في اختصاص القضاء المدني - لا اعتداد بذلك - لأن النزاع المطروح لا ينصب على تعيين المالك الحقيقي لمصنع الغراء المستولى عليه، وإنما ينصب حول مشروعية القرار الذي صدر من الجهة الإدارية المختصة بمد أثر القانون رقم 72 لسنة 1963 المشار إليه إلى مصنع الغراء الذي تحوزه الشركة التي يمثلها الطاعنان، وهو لا شك قرار إداري نهائي مما يجوز طلب إلغائه. أما بالنسبة إلى ما أثارته الجهة الإدارية في دفاعها من أن قرارات لجان التقييم هي قرارات نهائية وغير قابلة للطعن فيها بأي طريق من طرق الطعن، وما تقصده الجهة الإدارية من وراء ذلك أن القضاء الإداري لا يختص بنظر المنازعة الحالية على أساس أن القاعدة المشار إليها من القواعد المعدلة للاختصاص، فإنه أيضاً دفاع على غير أساس، ذلك لأن اختصاص لجان التقييم مقصور على تحديد سعر أسهم شركات المساهمة المؤممة التي لم تكن أسهمها متداولة في البورصة، أو مضى على آخر تعامل فيها أكثر من ستة شهور، أو المنشآت غير المتخذة شكل شركات المساهمة، وتتمتع اللجان المشار إليها في هذا الشأن بسلطة تقديرية واسعة لا تخضع فيها لأي رقابة إدارية أو قضائية غير أنه من ناحية أخرى فإن التأميم في ذاته عمل من أعمال السيادة وتختص بإجرائه السلطة التشريعية وحدها، فهي التي تتولى في القانون الصادر بالتأميم، تحديد نطاقه وأحكامه وتعيين الشركات والمشروعات والمنشآت التي ينصرف إليها التأميم، أما لجان التقييم فليس لها أي اختصاص في هذا الشأن ويترتب على ذلك أنه لا يجوز لها أن تقوم ما لم يقصد المشرع إلى تأميمه أو تستبعد بعض العناصر التي أدخلها المشرع في نطاق التأميم، فإن فعلت شيئاً من ذلك فلا يكون لقرارها من أثر، ويكون كالعدم سواء، ولا يكتسب قرارها أية حصانة، ولا يكون حجة قبل الدولة أو أصحاب الشأن ويحق للجهة الإدارية التي تتولى تنفيذ أحكام قانون التأميم، سواء من تلقاء نفسها أو بناء على طلب أصحاب الشأن تصحيح الوضع وإنفاذ أحكام القانون بصورة صحيحة. ويترتب على ذلك كله أن المرجع في تحديد المنشآت المؤممة إلى قانون التأميم ذاته وإلى القرار الذي تصدره الجهة الإدارية المختصة تنفيذاً لأحكامه، وغني عن البيان أن هذا القرار الأخير باعتباره قراراً إدارياً نهائياً هو الذي يجوز أن يكون محلاً للطعن، وفي هذه الحالة يباشر مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري اختصاصه في بحث مشروعيته، على هدي من الأحكام التي تضمنها قانون التأميم، لمعرفة هل صدر القرار ملتزماً أحكام القانون في شأن تحديد ما قصد المشرع إلى تأميمه فجاء مطابقاً للقانون أم أنه جاوز ذلك فوقع باطلاً.
ومن حيث إنه لما كان الحكم المطعون فيه قد ذهب غير هذا المذهب فإنه يكون قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه متعيناً الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وباختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر الدعوى وبإعادتها إلى محكمة القضاء الإداري للفصل في موضوعها مع إلزام الحكومة بالمصروفات.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وباختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر الدعوى وبإعادتها إلى محكمة القضاء الإداري للفصل فيها وألزمت الجهة المطعون ضدها بالمصروفات.