مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الرابعة عشرة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1968 إلى منتصف فبراير سنة 1969) - صـ 140

(18)
جلسة 28 من ديسمبر سنة 1968

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور محمود سعد الدين الشريف رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة الدكتور أحمد موسى وعادل عزيز زخاري ومحمد طاهر عبد الحميد ويوسف إبراهيم الشناوي المستشارين.

القضية رقم 525 والقضية رقم 1162 لسنة 11 القضائية

( أ ) - ترخيص (صيدلية) - القانون رقم 5 لسنة 1941 بشأن مزاولة مهنة الصيدلة - اشتراطه لنقل أية صيدلية من مكان لآخر الحصول على ترخيص - نصه على أنه ينبغي على وزارة الصحة أن تجيب على طلب الترخيص كتابة خلال ثلاثين يوماً - لم يرتب على عدم الإجابة عليه في هذا الميعاد أي أثر من حيث اعتباره ترخيصاً ضمنياً في النقل - إخطار الطالب الوزارة بأنه أخلى المحل أو إخطاره لها بعد انتهاء الميعاد بأنه أتم النقل - عدم إجابة الوزارة على إخطاراته لا يعتبر بمثابة ترخيص بالنقل - أساس ذلك.
(ب) - حكم "حجيته" - صدور حكم بانقضاء الدعوى العمومية وبراءة المتهم مما نسب إليه بشأن نقل صيدلية بدون ترخيص - إقامة الدعوى العمومية عليه مرة ثانية عن ذات الواقعة ولكن بوصف قانوني جديد باعتبار أنه أدار صيدلية قبل الحصول على ترخيص - الحكم ببراءته تأسيساً على أنه لم يقم بفتح صيدلية بدون ترخيص بل نقل صيدلية إلى مكان آخر وانقضت الثلاثون يوماً التي يمكن للوزارة خلالها أن تعثر على طلب النقل - هذا الحكم لا تحوز أسبابه حجية الشيء المقضى به - أساس ذلك أن أسبابه انطوت على إهدار لحجية الحكم الجنائي الأول إذ كان يتعين على المحكمة أن تقضي من تلقاء نفسها بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها دون التعرض لبحث موضوعها ودون حاجة لأن يدفع أمامها بذلك لأن قوة الشيء المحكوم فيه جنائياً من النظام العام - لا محل للقول بأن لهذا الحكم حجية في ثبوت أن نقله للصيدلية قد تم بناء على قرار ضمني بالترخيص - أساس ذلك.
(جـ) - تعويض (خطأ) - السير في إجراءات معاينة المحل المراد نقل الصيدلية إليه وما اقتضاه ذلك من طلب إخلائه من شاغليه وما جره هذا الإخلاء على الطالب من نفقات تحملها - حصول ذلك نتيجة لطلبه الذي أصر عليه في الإنذار الموجه منه للوزارة بعد أن أوضح في طلب الترخيص أنه يطلب المعاينة تحت مسئوليته - قيامه بالإخلاء والنقل في هذه الظروف مع علمه بأنه لم يكن قد صدر قرار بالترخيص له في هذا النقل - انتفاء الخطأ من جانب جهة الإدارة.
1 - إن المادة 23 من القانون رقم 5 لسنة 1941 التي استند إليها المدعي تنص على أن (نقل أية صيدلية من مكان لآخر يجب الترخيص به مقدماً من وزارة الصحة العمومية ويجب أن يصحب طلب الترخيص بالنقل برسم كروكي ووصف للمحل الجديد وينبغي أن تجيب الوزارة كتابة في خلال ثلاثين يوماً ولا يجوز رفض طلب النقل إلا إذا كان المحل الجديد غير مطابق للشروط المنصوص عليها في المادة 15 السابقة أو غير مستوف للشروط الصحية المطلوبة..) وتضمنت المادة 15 المشار إليها النص على أن يراعى في منح الترخيص بفتح الصيدليات ألا يزيد عدد الصيدليات عن صيدلية واحدة لكل اثنى عشر ألف شخص وألا يرخص بفتح صيدلية بمدينة القاهرة إذا كانت تقع على مسافة أقل من مائتي متر من صيدلية موجودة فعلاً.
وإنه ولئن كان نص المادة 23 من القانون رقم 5 لسنة 1941 واضحاً من حيث حث الوزارة واستنهاضها في أن تجيب على طلب الترخيص بنقل الصيدلية خلال ثلاثين يوماً من تقديم الطلب إلا أنها لم ترتب على عدم الإجابة عليه في الميعاد المذكور أي أثر من حيث اعتباره ترخيصاً ضمنياً له في هذا النقل وكذلك لا يقوم مقام هذا الترخيص مجرد كتابة الوزارة إلى المدعي في 25 من مايو سنة 1950 طالبة إخلاء المحل رقم 17 بميدان السيدة زينب تمهيداً لإعادة معاينته من الناحية الصحية لأن الإجراءات التمهيدية التي تقوم بها الوزارة لا ترتب حقاً لأحد ما دام الترخيص السابق حسبما كان يقضي به القانون لم يتحقق للمدعي وفضلاً عما تقدم فإنه لا يعتبر بمثابة ترخيص بالنقل عدم إجابة الوزارة على ما أرسله المدعي إليها من كتب تتضمن إخطارها بأنه قد أخلى المحل المذكور أو إخطارها بعد ذلك بأنه سيقوم بنقل الصيدلية أو بأنه قد أتم النقل فعلاً - إذ فضلاً عن أن الأمر يتعلق بسلطة مقيدة بشروط معينة يجب توافرها قبل منح الترخيص - فإن النص صريح في وجوب الحصول مقدماً على هذا الترخيص.
ولا يجدي المدعي أن يستند في هذا الشأن إلى الحكم الذي استحدثه القانون رقم 127 لسنة 1955 في شأن مزاولة مهنة الصيدلة بنصه في المادة 12 منه على أنه يعتبر في حكم الموافقة فوات ثلاثين يوماً دون إبلاغ طالب الترخيص بالرأي - إذ أن هذا القانون فيما استحدثه من أحكام لا يسري على وقائع الدعوى التي تمت وتحققت آثارها القانونية قبل العمل به وفي ظل قانون سابق هو القانون رقم 5 لسنة 1941 الذي سبق بيان أحكامه في هذا الشأن.
2 - إن ما يذهب إليه المدعي من أن الحكم الصادر ببراءته في المخالفة رقم 6484 لسنة 1954 السيدة زينب له حجية قاطعة في نفي مقارفته لأية مخالفة بسبب نقله لصيدليته وفي إثبات أن هذا النقل قد تم بناء على قرار ضمني بالترخيص له فيه - ما يستدل به المدعي من ذلك لا تنهض به حجة - ذلك أنه يبين من الرجوع إلى الأوراق (ملف رقم 8 المودع تحت رقم 2 دوسيه بملف الدعوى) - أنه بتاريخ 20 من يناير سنة 1952 حرر مفتش الصيدليات محضر مخالفة ضد المدعي لأنه في ذلك التاريخ (تجارى على نقل صيدلية أبو العز المرخص بها بشارع القصر العيني رقم 49 إلى الملك رقم 17 بميدان السيدة زينب بدون ترخيص من الوزارة بالمخالفة لحكم المادة 23 من قانون الصيدلة رقم 5 لسنة 1941) - وقيدت هذه المخالفة برقم (2777 سنة 1952 السيدة) وطلبت النيابة عقابه عملاً بنص المواد 23، 44، 84، 108 من القانون رقم 5 لسنة 1941 - فدفع بانقضاء الدعوى الجنائية بالنسبة له مستنداً إلى المواد 15، 16، 17 من قانون الإجراءات الجنائية على أساس أن النقل قد تم في 16 من أغسطس سنة 1950 - وبجلسة 6 من ديسمبر سنة 1953 قضت محكمة السيدة زينب بقبول هذا الدفع وبانقضاء الدعوى الجنائية بالنسبة له وببراءته مما نسب إليه واستندت في ذلك إلى أن المخالفة المنسوبة إليه وقعت طبقاً للاتهام في 20 من يناير سنة 1952 - وقد استؤنف هذا الحكم وقضى بتأييده بجلسة 8 من مارس سنة 1954 - ثم أعقب ذلك اتهام المدعي بأنه في يوم 24 من مايو سنة 1954 أدار صيدلية قبل الحصول على ترخيص من وزارة الصحة وقيدت الواقعة برقم (6484 سنة 1954 مخالفات السيدة) وطلبت النيابة عقابه بالمواد 1، 12، 18، من القانون رقم 5 لسنة 1941 - ودفع المدعي بسقوط الدعوى لانقضاء أكثر من سنة على وقوع المخالفة في 20 من يناير سنة 1952 وهو تاريخ اكتشاف الواقعة وتحرير محضر المخالفة - ولكن المحكمة رفضت هذا الدفع وقضت بجلسة 20 من مارس سنة 1956 ببراءة المدعي مما نسب إليه تأسيساً على أن العملية التي قام بها ليست عملية فتح صيدلية بدون ترخيص بل عملية نقل صيدليته المرخص بها سابقاً من مكان إلى آخر وعلى أن الثابت أنه تقدم إلى قسم الصيدليات في 7 من مايو سنة 1950 بطلب بنقل صيدليته ولما انقضت مدة الثلاثين يوماً التي يمكن للوزارة فيها الاعتراض على الطلب أرسل إليها إخطاراً بأنه سيبدأ عملية النقل حسب القانون وتم ذلك فعلاً في 16 من أغسطس سنة 1950.
ولئن كان ثاني الحكمين المشار إليهما وهو الحكم الصادر من محكمة السيدة زينب في 20 من مارس سنة 1956 في المخالفة رقم 6484 لسنة 1954 قد انتهى في منطوقه إلى ذات النتيجة التي انتهت إليها تلك المحكمة في حكمها الأول الصادر في 6 من ديسمبر سنة 1953 في المخالفة رقم 2777 سنة 1952 وهي براءة المدعي مما نسب إليه إلا أن ذلك الحكم قد انطوى في أسبابه التي أقام عليها قضاءه على إهدار لحجية الحكم الأول - ذلك أن المحكمة بعد أن عدلت وصف التهمة بما يطابق وصفها الوارد في قيد المخالفة رقم 2777 سنة 1952 رفضت الدفع بانقضاء الدعوى الجنائية وتعرضت لبحث موضوعها - في حين أنه ما كانت تجوز معاودة النظر في تلك الدعوى بعد الحكم فيها نهائياً ما دام موضوع التهمة في حقيقته واحداً وإن تغير في الظاهر وصفه القانوني وهذا ما تقضي به المادة 455 من قانون الإجراءات الجنائية وما يقتضيه احترام قوة الشيء المقضي، فكان يتعين إذن على المحكمة أن تقضي من تلقاء نفسها في المخالفة رقم 6484 لسنة 1954 بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها دون التعرض لبحث موضوعها - وما كانت في حاجة لأن يدفع أمامها بذلك لأن قوة الشيء المحكوم فيه جنائياً من النظام العام.
وإن استناد المدعي إلى أسباب الحكم الصادر في المخالفة رقم 6484 لسنة 1954 للقول بأن لذلك الحكم حجيته في ثبوت أن نقله للصيدلية قد تم بناء على قرار ضمني بالترخيص - مردود بأن الأصل أن منطوق الحكم هو الذي يحوز حجية الشيء المحكوم فيه ولا تثبت الحجية إلا للأسباب المرتبطة بالمنطوق ارتباطاً وثيقاً والتي لا تقوم له قائمة بدونها - ويبين من الرجوع إلى حكمي محكمة السيدة زينب المشار إليهما أنهما ولئن كانا قد انتهيا إلى ذات النتيجة وهي براءة المدعي من مخالفة نقل صيدليته دون ترخيص - إلا أن أولهما قد قضى في منطوقه بانقضاء الدعوى الجنائية - أما منطوق ثانيهما فقد اقتصر على القضاء بالبراءة استناداً إلى أسباب تتحصل في أن المدعي لم يخالف القانون في نقل صيدليته والواقع أن ما تعرضت له هذه الأسباب لم يكن ضرورياً للفصل في الدعوى لو أن المحكمة احترمت حجية الحكم الأول الحائز لقوة الأمر المقضي - بل إن هذه الأسباب - حسبما سبق البيان - قد انطوت على إهدار لتلك الحجية المتعلقة بالنظام العام والتي كان من مقتضاها ألا تتعرض المحكمة في حكمها الثاني لموضوع الدعوى الجنائية وأن تقضي بعدم جواز نظرها لسبق الفصل فيها - وبناء على ذلك فإن الأسباب المذكورة التي أقام عليها الحكم الصادر في المخالفة رقم 6484 سنة 1954 قضاءه بالبراءة - بعد أن كانت الدعوى الجنائية قد انقضت بمضي المدة وقضي بانقضائها بحكم نهائي - هذه الأسباب لا تثبت لها حجية الشيء المحكوم فيه - بل يتعين التعويل في هذا الشأن على ما ورد بمنطوق الحكم الأول الصادر في المخالفة رقم 2777 سنة 1952 من قضاء بانقضاء الدعوى الجنائية كسبب للحكم ببراءة المدعي.
ومن حيث إنه لما تقدم لا تكون لأسباب الحكم الصادر في المخالفة رقم 6484 سنة 1954 أية حجية في نفي مخالفة القانون من المدعي في خصوص نقل صيدليته أو في إثباته أن هذا النقل قد تم بناء على ترخيص ضمني مستفاد من تصرم مدة من المدد دون إجابة الجهة الإدارية، لا حجية للحكم المذكور في هذه النواحي ولا في غيرها وإنما العبرة هي بحقيقة الواقع وهي أنه قام بهذا النقل على مسئوليته، ودون أن يحصل مقدماً على ترخيص به من الجهة المختصة حسبما كان يقضي القانون.
3 - إن السير في إجراءات معاينة المحل رقم 17 بميدان السيدة زينب للتحقق من استيفائه للشروط وما اقتضاه ذلك من طلب إخلائه من شاغليه وما جره هذا الإخلاء على المدعي من نفقات تحملها، كل ذلك كان نتيجة لطلب المدعي الذي أصر عليه في الإنذار الذي وجهه إلى الوزارة في 23 من مايو سنة 1950 بعد أن كان قد بين في الطلب المقدم منه للترخيص بنقل صيدليته أنه إنما طلب إجراء المعاينة تحت مسئوليته وإذ قام المدعي بعد ذلك وفي الظروف السابق بيانها والتي كان على علم تام بها بإخلاء المحل المذكور وبنقل صيدليته إليه رغم أنه لم يكن قد صدر قرار بالترخيص له في هذا النقل - فإنه لا يكون هناك خطأ من جانب الوزارة فيما اتخذته من إجراءات تمهيدية للبت في طلب الترخيص المقدم منه والتي انتهت بعدم حصوله على هذا الترخيص ولا يكون هنا محل لإلزامها بأن تؤدي له تعويضاً بسبب ما حاق به نتيجة خطئه وتعجله بنقل صيدليته دون أن يحصل على ترخيص مسبق بهذا النقل وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب فإنه يكون قد جانب الصواب فيما قضى به من إلزام الوزارة بالتعويض.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن كلاً من الطعنين قد استوفى أوضاعه الشكلية بمراعاة أن الحكم المطعون فيه قد صدر في 4 من إبريل سنة 1965 وأن الدكتور محمد فريد أبو العز قد تقدم في 3 من يونيه سنة 1965 بطلب لإعفائه من رسوم الطعن تقرر رفضه في 28 من يونيه سنة 1965 فأقام طعنه رقم 1162 لسنة 11 القضائية بإيداع تقرير به قلم كتاب المحكمة في 26 من أغسطس سنة 1965.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل حسبما يبين من الأوراق في أنه بصحيفة أودعت قلم كتاب محكمة القضاء الإداري في 21 من مارس سنة 1959 أقام الدكتور محمد فريد أبو العز الدعوى رقم 760 لسنة 13 القضائية ضد السيد وزير الصحة طالباً إلزامه بأن يدفع له خمسة آلاف جنيه على سبيل التعويض والمصاريف والأتعاب وقال شرحاً لدعواه إن كلاً من الدكتور عدلي فرج والدكتور فتحي الفيومي تقدم بطلب إلى وزارة الصحة لفتح صيدلية بالمنزل رقم 9 بميدان السيدة، كما قدم هو في 7 من مايو سنة 1950 طلباً لنقل صيدلية من شارع القصر العيني إلى المنزل رقم 17 بميدان السيدة - وفي 22 من مايو سنة 1950 رفض وزير الصحة طلبي الدكتورين عدلي فرج والفيومي اللذين كانا يتنافسان على فتح الصيدلية في مكان واحد - وفي 25 من مايو سنة 1950 أرسلت الوزارة إلى المدعي كتاباً برقم 1496 تطلب إليه فيه سرعة إعداد المحل رقم 17 بميدان السيدة لإجراء المعاينة ثم أخلي المحل المذكور وتمت المعاينة وأثبت مفتش الصحة صلاحيته - وفي 16 من أغسطس سنة 1950 كتب إلى الوزارة ينبه عليها بأنه وقد تم إخلاء المحل ومعاينته وثبوت صلاحيته وأنه قد انقضى أكثر من ثلاثين يوماً دون أن تعترض الوزارة على نقل الصيدلية وأنه شارع في عملية النقل لأن عدم ردها يعتبر قبولاً منها بذلك وبعد ثلاثين يوماً أخرى كتب للوزارة يخبرها بأن النقل قد تم - وحدث بعد ذلك أن رفع الدكتور عدلي فرج الدعوى رقم 530 لسنة 4 القضائية ورفع الدكتور فتحي الدعوى رقم 454 لسنة 4 القضائية وطلب كل منهما إلغاء قرار وزير الصحة القاضي برفض الترخيص لأي منهما بفتح الصيدلية بالمنزل رقم 9 بميدان السيدة وضمت الدعويان وصدر فيهما حكم قضى بإلغاء قرار وزير الصحة الخاص برفض الترخيص للدكتور فتحي الفيومي مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الوزارة بمبلغ ثلاثمائة جنيه كتعويض للدكتور عدلي فرج - ومضى المدعي يقول إنه لما كانت المسافة بين المنزل رقم 9 الذي فتحت به صيدلية الدكتور فتحي الفيومي وبين المنزل رقم 17 الذي نقلت إليه صيدليته هي حوالي خمسين متراً أي أقل من الحد القانوني للبعد بين الصيدليتين فقد بدأت الوزارة ترتب تغطية موقفها فحررت له المخالفة رقم 2777 لسنة 1952 السيدة بمقولة إنه نقل الصيدلية بدون ترخيص ولكن قضي فيها بالبراءة لسقوط المخالفة فتعقبته الوزارة وحررت له الجنحة رقم 6484 سنة 1964 السيدة معدلة الاتهام إلى أنه (فتح - لا نقل) صيدلية بدون ترخيص. وقد قضي فيها بالبراءة في 20 من فبراير سنة 1956 وثبت بذلك خطأ تصرفات الوزارة - وأضاف المدعي أن الدكتور فتحي الفيومي رفع ضده الدعوى رقم 133 لسنة 7 القضائية يطالبه فيها بتعويض لفتحه الصيدلية وقد قضي له بتعويض قدره خمسمائة جنيه - وذكر المدعي أنه أعاد نقل الصيدلية إلى مكانها الأصلي بشارع القصر العيني وأن هذه التصرفات الخاطئة من جانب الوزارة قد ترتبت عليها أضرار جسيمة تربو على خمسة آلاف جنيه وإنه لذلك يطلب القضاء له بالتعويض - وأودع المدعي أربع مذكرات بدفاعه صمم فيها على طلباته وبين عناصر التعويض الذي يطلب الحكم به.
وأجابت الوزارة على الدعوى بمذكرة طلبت فيها الحكم أصلياً بسقوط الدعوى بالتقادم واحتياطياً برفض الدعوى مع إلزام المدعي بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة - وأقامت دفعها بالسقوط على أن المدعي قد كيف دعواه بأنها دعوى تعويض عن أفعال خاطئة صادرة من الجهة الإدارية وأنها سببت له أضراراً يطلب التعويض عنها وعلى أنه قد انقضت أكثر من ثلاث سنوات بين تاريخ علم المدعي وبين رفع الدعوى فتكون قد سقطت بالتقادم وفقاً لحكم المادة 172 من القانون المدني - وأقامت الوزارة دفاعها في الموضوع على أنه لم يقع منها خطأ إذ تقدم المدعي بطلب لنقل صيدليته الواقعة بشارع القصر العيني رقم 49 إلى رقم 17 بميدان السيدة زينب وتقدم في الوقت نفسه بطلب فتح صيدلية جديدة بدائرة قسم السيدة زينب بشارع علي باشا إبراهيم رقم 17 وقد أبلغته مصلحة الصيدلة بأن تعداد السكان بهذا الحي لا يسمح إلا بفتح صيدلية واحدة كما أخطرته بالتنافس الدائر بين كل من الدكتورين فتحي الفيومي وعدلي فرج على فتح صيدلية بميدان السيدة زينب فأشر على طلبه بما يفيد علمه بذلك وبأن فتح الصيدلية سيكون تحت مسئوليته ولا يقدح في ذلك أن المستند المذكور خاص بصيدلية علي باشا إبراهيم إذ أن كلاً من الصيدليتين الخاصتين به تقع في نفس الحي وتتأثر بوجود صيدليات أخرى - ولم تصدر من قسم الصيدليات أية موافقة على طلب نقل صيدليته إلى رقم 17 بميدان السيدة زينب إلا أن المدعي قام بنقل صيدليته قبل أن يحصل على الترخيص الذي يستلزمه القانون فلما أقام الدكتور الفيومي دعويي إلغاء النقل والتعويض قضت له المحكمة بما طلبه من إلغاء نقل صيدلية المدعي وإلزامه بدفع تعويض - وانتهت الوزارة إلى القول بأن تصرف المدعي وحده هو الذي أصابه بالأضرار وأنها لم ترتكب أي خطأ تسأله عنه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه على أن الأخطاء التي ينسبها المدعي إلى المدعى عليه لا تتعلق بأعمال مادية وإنما تتعلق بقرارات إدارية والتعويض عن القرارات الإدارية لا ينسب إلى العمل غير المشروع ولكن إلى القانون فلا تنطبق المادة 172 من القانون المدني فيكون الدفع بسقوط الحق في التعويض على غير أساس سليم من القانون ويتعين رفضه - وأن الثابت من الأوراق أن المدعي أخلى محل الطرابيشي والحلاق اللذين كانا يشغلان مكان الصيدلية رقم 17 بميدان السيدة وأعد المحلين كصيدلية ونقل إليها وافتتحها فعلاً وظل يمارس فيها عمله إلى أن اضطر إلى إخلائها بعد صدور حكم محكمة القضاء الإداري في 9 من مارس سنة 1954 في الدعوى رقم 133 لسنة 7 القضائية بإلزامه بأن يدفع للدكتور فتحي محمد علي الفيومي مبلغ خمسمائة جنيه وإن الثابت أن الأضرار التي أصابت المدعي ناشئة عن فتح الصيدلية في 17 ميدان السيدة زينب واضطراره إلى غلقها بعد ذلك - وأضاف الحكم المطعون فيه أن حكم محكمة القضاء الإداري في 24 من إبريل سنة 1951 في الدعويين رقم 454 لسنة 4 ورقم 530 لسنة 4 القضائية بإلغاء القرار الصادر من وزير الصحة في 22 من مايو سنة 1950 برفض الترخيص للدكتور فتحي محمد علي الفيومي في فتح صيدلية في رقم 9 بميدان السيدة زينب وبإلغاء ما ترتب على ذلك من آثار بالنسبة إلى نقل صيدلية الدكتور فريد أبو العز من رقم 49 شارع القصر العيني إلى رقم 17 بميدان السيدة زينب يعتبر قرينة قانونية قاطعة على أن قرار وزير الصحة الذي صدر في 22 من مايو سنة 1950 برفض الترخيص للدكتور فتحي محمد علي الفيومي بفتح صيدلية في 9 ميدان السيدة زينب قد صدر مخالفاً للقانون وأن المحكمة قد حكمت في ذلك الحكم في مواجهة الدكتور أبو العز بإلغاء نقل صيدليته من 49 شارع القصر العيني إلى 17 ميدان السيدة زينب ولئن كانت قد وصفت هذا النقل بأنه من آثار قرار وزير الصحة الذي ألغته إلا أنها لم تبين في حكمها من المسئول عن هذا النقل - وأشار الحكم المطعون فيه إلى ما تقضي به المادة 23 من القانون رقم 5 لسنة 1941 التي استند إليها المدعي للقول بأنه قد صدر عن الوزارة ترخيص ضمني بنقل صيدليته إلى 17 ميدان السيدة زينب بسكوتها عن الإجابة على طلب النقل أكثر من ثلاثين يوماً وانتهى الحكم إلى أنه لا يمكن الاستناد إلى هذه المادة للقول بأن مضي المدة المذكورة دون رد يكون بمثابة ترخيص بالنقل وأن المدعي إذ فسر المادة المذكورة تفسيراً مخالفاً واعتبر أن السكوت عن طلب النقل مدة ثلاثين يوماً بمثابة ترخيص بالنقل فإنه يتحمل وحده الآثار والأضرار التي ترتبت على فهمه الخاطئ للقانون ولا يكون له الحق في التعويض عن الأضرار التي أصابته من جراء قيامه بنقل صيدليته إلى 17 ميدان السيدة زينب - أما عن تحديد المسئول عن قيام المدعي بإعداد المحل رقم 17 ميدان السيدة زينب كصيدلية وما تحمله في سبيل ذلك من نفقات - فإن الحكم المطعون فيه بعد أن استعرض الوقائع خلص منها إلى أنه كأثر من آثار قرار وزير الصحة المؤرخ 22 من مايو سنة 1950 الذي قضت محكمة القضاء الإداري بإلغائه في الدعوى رقم 454 لسنة 4 القضائية - أمرت الوزارة المدعي بسرعة إخلاء محل الطرابيشي والحلاق وإعداده للمعاينة وبناء على هذا الأمر قام المدعي بإخلائه من الطرابيشي والحلاق وبإعداده وتم هذا الإعداد وعين المحل ووجد أنه مستوف للاشتراطات الصحية وانتهى الحكم المطعون فيه إلى أن أمر الوزارة بإخلاء المحل وإعداده للمعاينة خطأ تسأل الوزارة عما ترتب عليه من أضرار للمدعي وما تحمله من تكاليف في الإخلاء والتجهيز والإعداد لأنه يتضمن موافقة صريحة على موقع المحل وهذه الموافقة تشكل خطأ انبنى على القرار الخاطئ الذي أصدره وزير الصحة في 22 من مايو سنة 1950 وترتب عليه في نظر الوزارة عدم وجود صيدلية في رقم 9 ميدان السيدة واعتبار شرط المسافة متوافراً في المحل رقم 17 بميدان السيدة وقد شارك المدعي الوزارة في هذا الخطأ بقدر يسير إذ أنه أعلن بصحيفة الدعوى رقم 454 لسنة 4 القضائية في 7 من يونيه سنة 1950 التي كان مطلوباً فيها إلغاء قرار وزير الصحة المؤرخ 22 من مايو سنة 1950 وكان مؤدى إجابة طلب الإلغاء أن تكون الصيدلية رقم 17 بميدان السيدة زينب التي طلب المدعي النقل إليها غير مستوفية لشرط المسافة بالنسبة إلى الصيدلية رقم 9 بميدان السيدة زينب التي طلب الدكتور الفيومي الحكم له بفتحها وهو ما قضي له به وقدر الحكم المطعون فيه التعويض المناسب بمبلغ ألف جنيه.
ومن حيث إن طعن وزارة الصحة رقم 525 لسنة 11 القضائية يقوم على الأسباب الآتية:
أولاً: إن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله - ذلك أن سند المدعي في شغل الصيدلية رقم 17 بميدان السيدة زينب هو مضي ثلاثين يوماً من تاريخ شغله دون أن تعترض الوزارة على ذلك واعتبر المدعي هذا السكوت قراراً ضمنياً بالقبول رتب عليه مجموعة من الحقوق في وقت لم تصدر فيه الوزارة أية قرارات أو أوامر بشأن الترخيص في مزاولة مهنة الصيدلة وقد سايرته المحكمة في النتيجة التي انتهى إليها إلا أنها غيرت من أساس المسئولية فلم تقر المدعي على وجود قرار ضمني بالقبول إنما اعتبرت الأمر الصادر من الوزارة باستيفاء الشروط الواردة في القانون رقم 5 لسنة 1941 في شأن مزاولة مهنة الصيدلة هو العنصر الأساسي المكون لركن الخطأ في حين أن كلاً من الأساسين يستبعد الآخر فالأساس الذي يقول به المدعي وهو القبول الضمني برفضه التفسير السليم لحكم المادة 23 من القانون رقم 5 لسنة 1941 فلا يسع المدعي الاستناد إلى سكوت المصلحة مدة ثلاثين يوماً على شغله العقار رقم 17 لتبرير الأساس القانوني للتعويض - أما الأساس الذي استندت إليه المحكمة وهو تكليف المطعون ضده باستيفاء الشروط الواردة بأحكام القانون رقم 5 لسنة 1941 فهو لا يستقيم مع علم المدعي بالنزاع حول الترخيص بالصيدلية الكائنة بالعقار رقم 9 لأن نجاح أحد المتنافسين في الحصول على هذا الترخيص يمنع من إقامة صيدلية أخرى إلا على بعد يزيد على مائتي متر وقد أثبتت المعاينة أن المسافة بين العقار رقم 9 والعقار رقم 17 لا تزيد على خمسين متراً ولذلك حصلت الوزارة على إقرار من المدعي يفيد علمه بهذا النزاع وأنه يتعهد بفتح الصيدلية إن توفرت الشروط على مسئوليته وهو إقرار يتضمن تحمل المدعي مقدماً لكافة النتائج التي تترتب على فتح صيدلية بالعقار رقم 9 ولا يوجد في القانون ما يمنع من ذلك فلا يقبل منه الادعاء بعد ذلك بمسئولية الوزارة عن الآثار التي ترتبت على إلغاء القرار الوزاري الصادر في 22 من مايو سنة 1950 بعد أن تعهد هو بمسئوليته عنها - كما ثبت أنه قام بشغل المحل الكائن بالعقار رقم 17 دون الحصول مقدماً على ترخيص ولم يصدر من الوزارة أي إجراء ملابس لهذه المخالفة حتى يمكن القول بأن مسلك المدعي له ما يبرره - وإذ فتح المدعي الصيدلية دون ترخيص فإنه يسأل عن كافة النتائج التي تترتب على ذلك - أما إخطاره بإعداد المكان للمعاينة وبحث توافر الشروط من عدمه فلا يتصور أن تسأل عنه الوزارة إذا ما رفضت الترخيص وإلا أصبح مجرد طلبه الحصول على ترخيص مصادرة على المطلوب.
ثانياً: إن الحكم المطعون فيه قد شابه قصور في التسبيب ذلك أن المحكمة قدرت التعويض بمبلغ ألف جنيه عن الأضرار التي أصابت المدعي دون أن تعين عناصره أو تكشف عن الأدلة التي تثبت قيام الضرر إذ طلب المدعي في صحيفة الدعوى إلزام الحكومة بمقابل (خلو الرجل) للحلاق والطرابيشي قدره 1500 ج فضلاً عن مبلغ خمسمائة جنيه لصاحبة العقار دون أن يقدم مستندات تثبت ذلك فضلاً عن أن خلو الرجل أمر غير مشروع بطبيعته ولم تحاول المحكمة أن تتأكد من صحة هذه المبالغ أو غيرها مما يزعم المدعي أنه تكبده.
وأودعت الوزارة مذكرة بدفاعها أصرت فيها على طلباتها المبينة بتقرير الطعن كما طلبت رفض الطعن المقام من الدكتور محمد فريد أبو العز مع إلزامه بالمصروفات.
ومن حيث إن طعن المدعي رقم 1162 لسنة 11 القضائية يقوم على الأسباب الآتية:
أولاً: إنه ليس صحيحاً ما ذهبت إليه محكمة القضاء الإداري من أن المدعي يعتبر مسئولاً عن قيامه بنقل صيدليته من شارع القصر العيني إلى ميدان السيدة زينب لعدم إصدار الوزارة ترخيصاً بالنقل إذ أن المدعي أخطر الوزارة في 16 من أغسطس سنة 1950 بأنه قام بإخلاء المحلين تنفيذاً لأمرها وأن المعاينة قد تمت وثبتت صلاحية المكان ليكون صيدلية وانقضى أكثر من ثلاثين يوماً دون أن يتلقى اعتراضاً على نقل الصيدلية ومن ثم فإنه شارع في إتمام هذا النقل وبعد انقضاء ثلاثين يوماً على هذا الكتاب أخطرها بأنه أتم نقل الصيدلية فلم تعترض وسكوتها ينطوي على موافقة ضمنية على النقل وليس بلازم أن يكون هناك نص في القانون ينشئ قرينة ضمنية على سكوت الوزارة لأن القرار الضمني ليس مصدره الوحيد النص عليه في القانون بل هو مما تستخلصه المحكمة من موقف الجهة الإدارية ومن أوراق النزاع.
ثانياً: إن المحكمة قد تناقضت إذ انتهت إلى أن الوزارة تعتبر مسئولة عن قيام المدعي بإعداد المكان الواقع في المبنى رقم 17 بميدان السيدة زينب ليكون مقراً لصيدليته ومع ذلك رتبت على هذه المسئولية ملزومية الوزارة بتعويض بعض الضرر الذي أصاب المدعي تأسيساً على أنه مخطئ في نقل صيدليته دون صدور ترخيص بذلك - كما جانب الحكم الصواب إذ ذهب إلى أن المدعي يتحمل بجانب الخطأ في أمر إعداد المحل ليكون مقراً للصيدلية على أساس أنه أعلن بصحيفة الدعوى رقم 454 لسنة 4 القضائية في 7 من يونيه سنة 1950 وأنه كان عليه أن يتريث في نقل صيدليته إلى أن يفصل في الدعوى إذ أن معنى ذلك أنه كان عليه أن يوقف تنفيذ قرار إداري لمجرد إقامة دعوى موضوعية بطلب إلغائه وهو نظر لا سند له من القانون.
ثالثاً: إن المحكمة لم تحسن تقدير التعويض حتى في الحدود التي رسمتها لمسئولية وزارة الصحة والمدعي عن الأضرار التي نجمت عن القرارات الخاطئة.
وأودع المدعي مذكرة بدفاعه عقب فيها على طعن الوزارة وعلى تقرير هيئة مفوضي الدولة - وأضاف فيها إلى ما ورد بتقرير طعنه أن الوزارة والمفوض قد استندا إلى أنه قد صدر منه إقرار أخذ فيه على عاتقه مسئولية النتائج التي قد تترتب على قيامه بنقل صيدليته من شارع القصر العيني رقم 49 إلى ميدان السيدة زينب رقم 17 ورتبا على إسناد هذا القرار إليه عدم استحقاقه لأي تعويض عن إزالة الصيدلية المنقولة من ميدان السيدة زينب من الوجود وهو استناد خاطئ لأن الإقرار المشار إليه متعلق بالترخيص بفتح الصيدلية الجديدة بشارع علي إبراهيم رقم 17 التي أخذ هو على عاتقه مسئولية فتحها لأنه وقت أن وقع الإقرار كانت الإحصائيات الأخيرة قد أثبتت أن تعداد سكان دائرة السيدة زينب يسمح بفتح صيدليتين لا صيدلية واحدة وكانت المسئولية في هذا الإقرار خاصة بزيادة تعداد سكان قسم السيدة زينب الذي أصبح يسمح بفتح صيدليتين - بدلاً من الصيدلية الواحدة التي كان يتنافس عليها كل من الصيدليين عدلي فرج وفتحي الفيومي بالمحل رقم 9 بميدان السيدة زينب - وذكر المدعي أنه لم ينقل صيدلية ميدان السيدة رقم 17 إلى شارع القصر العيني رقم 49 إذ أن ما نقل إلى هذا المكان هو الصيدلية الجديدة التي رفض فتحها بشارع علي إبراهيم رقم 17 - وقال إن الحكم الصادر ببراءته في الجنحة رقم 6484 لسنة 1954 السيدة زينب قد استند إلى أنه لم يخالف القانون حين نقل صيدليته من شارع القصر العيني إلى ميدان السيدة زينب - وأن لهذا الحكم الجنائي حجيته لأنه نفى عنه مقارفة أية مخالفة قانونية في نقل صيدلية قصر العيني إلى ميدان السيدة زينب لأن الأوراق دلت على أن قسم الصيدليات رخص له في هذا النقل - وأشار المدعي إلى القانون رقم 127 لسنة 1955 الخاص بمزاولة مهنة الصيدلة وقال إن نص هذا القانون على مضي ثلاثين يوماً من تاريخ ورود الطلب دون رد من الوزارة يعتبر في حكم الموافقة - إنما هو في الواقع إيضاح لما كان المشرع يقصده من نص المادة 23 من القانون رقم 5 لسنة 1941 فيكون معنى هذا النص قد انكشف من الصياغة الجديدة المقابلة في قانون 1955.
ومن حيث إنه بالرجوع إلى الأوراق يبين أنه بتاريخ 7 من مايو سنة 1950 تقدم المدعي بطلب للترخيص له بفتح صيدلية جديدة بشارع علي إبراهيم رقم 17 كما تقدم في ذات التاريخ بطلب للترخيص له بنقل صيدليته من شارع القصر العيني رقم 49 إلى محل كائن بالعقار رقم 17 بميدان السيدة زينب وكانت المسافة بين هذا المحل ومحل آخر في العقار رقم 9 بذات الميدان لا تجاوز خمسين متراً وكان هذا المحل الأخير موضوع طلبين سابقين تقدم بهما كل من الدكتور عدلي فرج والدكتور فتحي الفيومي للترخيص لكل منهما بفتح صيدلية فيه إذ كان الدكتور عدلي فرج قد تقدم بطلبه في 12 من يوليه سنة 1949 ولكنه أخطر برفضه تأسيساً على أنه كان موظفاً فتقدم بطلب آخر في 16 من إبريل سنة 1950 - وكان الدكتور الفيومي قد تقدم بطلبه في 18 من فبراير سنة 1950 - وعرض أمر التزاحم بين الدكتورين فتحي الفيومي وعدلي فرج على فتح الصيدلية في المحل رقم 9 على السيد الوزير في 22 من مايو سنة 1950 فقرر رفض طلبيهما تأسيساً على أن الإجراءات التمهيدية التي تقوم بها الوزارة لا ترتب حقاً لأحد ما دام التصريح لم يصدر - وكان المدعي عندما تقدم بطلبيه السابق الإشارة إليهما على علم بهذا التزاحم وبأن تعداد سكان قسم السيدة زينب - وفقاً لما لدى الوزارة من بيانات عنه - لم يكن يسمح في ذلك الوقت إلا بفتح صيدلية واحدة بالإضافة إلى الصيدليات المفتوحة فعلاً في دائرة القسم - وذلك ما سلم به في مذكرته الأولى في هذه الدعوى إذ ذكر في البند الخامس منها أن قسم الصيدليات قد أخبره بأن (تعداد قسم السيدة لا يسمح إلا بترخيص واحد بفتح صيدلية جديدة وأن هذا الترخيص موضع منافسة بين اثنين من الصيادلة للحصول عليه وأن الرسم في المعاينة واستكتبه قسم الصيدليات إقراراً بذلك على الطلب المقدم منه لفتح صيدلية جديدة) وإنه ولئن كان طلب المدعي الخاص بنقل صيدليته إلى ميدان السيدة زينب رقم 17 والأوراق الخاصة بهذا الطلب لم تودع بملف هذه الدعوى إلا أنها كانت مودعة بملف الدعوى رقم 454 لسنة 4 القضائية التي أقامها الدكتور فتحي الفيومي ضد وزارة الصحة وضد الدكتور محمد فريد أبو العز وقد أشار الحكم الصادر في تلك الدعوى إليها وإلى الأوراق الخاصة بطلب المدعي فتح الصيدلية الجديدة إذ جاء في الصفحة الخامسة منه ما نصه:
(1) وفي 23 من إبريل سنة 1950 طلب الدكتور محمد فريد أبو العز الصيدلي نقل الصيدلية المرخص له بها بشارع القصر العيني رقم 49 إلى ميدان السيدة زينب رقم 18 فكتبت له الوزارة في 16 من إبريل سنة 1950 بأن الطلب غير مستوف لعدم إرفاق الرسم الكروكي للمحل الجديد ورسوم الفحص وفي 7 من مايو سنة 1950 صحح طلبه بأن المكان هو رقم 17 وقد أشر على هذا الطلب في 8 من مايو سنة 1950 بعلمه بأنه لا يوجد بقسم السيدة إلا مكان واحد لصيدلية واحدة جار معاينتها وأنه طلب إجراء المعاينة تحت مسئوليته. وقد أجابت مصلحة صحة مصر في 21 من مايو سنة 1950 بأن المحل مشغول بطرابيشي وحلاق وأنه لا يبعد أكثر من خمسين متراً من المكان الذي يطلب المدعي فتح صيدلية فيه.
(ب) ثم قدم الدكتور فريد أبو العز في 7 من مايو سنة 1950 طلباً آخر بالترخيص له بفتح صيدلية جديدة بشارع علي باشا إبراهيم رقم 17 قسم السيدة زينب وأشر على هذا الطلب بتعهده بتقديم شهادتي تحقيق الشخصية وصحيفة السوابق وبأنه يعلم أن هناك طلباً تحت المعاينة عن الصيدلية الوحيدة الممكن فتحها في قسم السيدة زينب - وفي 11 من مايو سنة 1950 قدم الأوراق المطلوبة..
وذكر المدعي الدكتور محمد فريد أبو العز في المذكرتين اللتين تقدم بهما بدفاعه في الدعوى 454 لسنة 4 القضائية سالفة الذكر أن قسم الصيدليات اتخذ من تقرير معاينة المحل رقم 17 بميدان السيدة زينب المشار إليه آنفاً وسيلة لتعطيله حتى لا يقوم بعملية النقل وأنه لذلك وجه إلى الوزارة إنذاراً رسمياً أعلنت به في 23 من مايو سنة 1950 (صفحة 17 من المذكرة رقم 19 دوسيه وصفحة 10، 12 من المذكرة رقم 28 دوسيه) وقد أشار المدعي إلى هذا الإنذار في مذكرته الأولى في الدعوى المماثلة بقوله إنه في 23 من مايو سنة 1950 أنذر قسم الصيدليات مستعجلاً عملية النقل فكتب له القسم في ذات اليوم مبيناً أنه بمعاينة المحل رقم 17 بميدان السيدة وجد مشغولاً بطرابيشي وحلاق وأنه يرجو سرعة إخلائه لإعادة المعاينة - ويذكر المدعي أنه في 28 من يونيه سنة 1950 أرسل كتاباً إلى قسم الصيدليات بأنه قد أخلى المحل وأنه لذلك يطلب السماح له بالنقل وأنه أخطر القسم بأنه تم الإخلاء في 5 من يوليه سنة 1950 كما أخطره في 16 من أغسطس سنة 1950 بأنه نظراً إلى انقضاء أكثر من شهر دون أن يصله رد فإن ذلك يعتبر موافقة على النقل وأنه لذلك يقوم بعملية النقل.
ومن حيث إن الدكتور فتحي علي الفيومي كان قد أقام الدعوى 454 لسنة 4 القضائية السابق الإشارة إليها ضد وزارة الصحة وضد المدعي الدكتور محمد فريد أبو العز بصحيفة أودعها قلم كتاب محكمة القضاء الإداري في أول يونيه سنة 1950 طالباً الحكم ضد الأولى وفي مواجهة الثاني إلغاء القرار المبلغ إليه في 25 من مايو سنة 1950 برفض الترخيص له بفتح صيدلية في المحل رقم 9 بميدان السيدة زينب وأعلنت صحيفة هذه الدعوى إلى الدكتور محمد فريد أبو العز في 7 من يونيه سنة 1950 - كما أقام الدكتور عدلي فرج الدعوى رقم 530 لسنة 4 القضائية ضد وزارة الصحة والدكتور فتحي الفيومي والدكتور محمد فريد أبو العز بصحيفة أودعها قلم كتاب محكمة القضاء الإداري في 20 من يوليه سنة 1950 طالباً الحكم بإلغاء القرار الصادر برفض الترخيص له بفتح صيدلية في ذات المحل المذكور - وجلسة 24 من إبريل سنة 1951 قضت محكمة القضاء الإداري في الدعويين بعد ضمهما بإلغاء القرار الصادر من وزير الصحة في 22 من مايو سنة 1950 برفض الترخيص للدكتور فتحي محمد علي الفيومي في فتح صيدلية في الملك رقم 9 بميدان السيدة زينب وبإلغاء ما ترتب على ذلك من آثار بالنسبة إلى نقل صيدلية الدكتور فريد أبو العز من الملك رقم 49 بشارع القصر العيني إلى الملك رقم 17 بميدان السيدة زينب وبإلزام الحكومة بأن تدفع للدكتور عدلي فرج تعويضاً قدره ثلثمائة جنيه - وجاء بأسباب الحكم بالنسبة إلى طلب الدكتور محمد فريد أبو العز نقل صيدليته إلى المحل رقم 17 بميدان السيدة زينب - إنه بعد أن أصبح الدكتور الفيومي صاحب الحق الأول يكون شرط المسافة بين المحلين غير متوافر ومن ثم لا يجوز الترخيص بهذا النقل عملاً بحكم المادة 23 من القانون رقم 5 لسنة 1941.
ومن حيث إن المدعي يبني طلب التعويض على أنه قد تقدم بطلب الترخيص له بنقل صيدلية من شارع القصر العيني رقم 49 إلى محل بميدان السيدة زينب رقم 17 وأن الوزارة قد طلبت منه في 25 من مايو سنة 1950 سرعة إعداد هذا المحل لإجراء المعاينة وأنه بعد أن أخلى المحل المذكور وتمت معاينته وثبتت صلاحيته أخطر الوزارة بأنه سيقوم بالنقل ومضت ثلاثون يوماً دون أن يتلقى رداً منها فيعتبر ذلك بمثابة قرار ضمني بالترخيص بالنقل وفقاً لأحكام المادة 23 من القانون رقم 5 لسنة 1941 بشأن مزاولة مهنة الصيدلة - وأنه بعد صدور الحكم في الدعوى رقم 454 لسنة 4 القضائية اضطر إلى غلق تلك الصيدلية وترتب على هذه التصرفات الخاطئة من جانب الوزارة أضرار جسيمة لحقت به وهي التي يطالب بالتعويض عنها.
ومن حيث إن المادة 23 من القانون رقم 5 لسنة 1941 التي استند إليها المدعي تنص على أن (نقل أية صيدلية من مكان لآخر يجب الترخيص به مقدماً من وزارة الصحة العمومية ويجب أن يصحب طلب الترخيص بالنقل برسم كروكي ووصف للمحل الجديد وينبغي أن تجيب الوزارة كتابة في خلال ثلاثين يوماً ولا يجوز رفض طلب النقل إلا إذا كان المحل الجديد غير مطابق للشروط المنصوص عليها في المادة 15 السابقة أو غير مستوف للشروط الصحية المطلوبة...) وتضمنت المادة 15 المشار إليها النص على أن يراعى في منح الترخيص بفتح الصيدليات ألا يزيد عدد الصيدليات عن صيدلية واحدة لكل اثنى عشر ألف شخص وألا يرخص بفتح صيدلية بمدينة القاهرة إذا كانت تقع على مسافة أقل من مائتي متر من صيدلية موجودة فعلاً.
ومن حيث إنه ولئن كان نص المادة 23 من القانون رقم 5 لسنة 1941 واضحاً من حيث حث الوزارة واستنهاضها في أن تجيب على طلب الترخيص بنقل الصيدلية خلال ثلاثين يوماً من تقديم الطلب إلا أنها لم ترتب على عدم الإجابة عليه في الميعاد المذكور أي أثر من حيث اعتباره ترخيصاً ضمنياً له في هذا النقل وكذلك لا يقوم مقام هذا الترخيص مجرد كتابة الوزارة إلى المدعي في 25 من مايو سنة 1950 طالبة إخلاء المحل رقم 17 بميدان السيدة زينب تمهيداً لإعادة معاينته من الناحية الصحية لأن الإجراءات التمهيدية التي تقوم بها الوزارة لا ترتب حقاً لأحد ما دام الترخيص السابق حسبما كان يقضي به القانون لم يتحقق للمدعي وفضلاً عما تقدم فإنه لا يعتبر بمثابة ترخيص بالنقل عدم إجابة الوزارة على ما أرسله المدعي إليها من كتب تتضمن إخطارها بأنه قد أخلى المحل المذكور أو إخطارها بعد ذلك بأنه سيقوم بنقل الصيدلية أو بأنه قد أتم النقل فعلاً - إذ فضلاً عن أن الأمر يتعلق بسلطة مقيدة بشروط معينة يجب توافرها قبل منح الترخيص - فإن النص صريح في وجوب الحصول مقدماً على هذا الترخيص.
ومن حيث إنه لا يجدي المدعي أن يستند في هذا الشأن إلى الحكم الذي استحدثه القانون رقم 127 لسنة 1955 في شأن مزاولة مهنة الصيدلة بنصه في المادة 12 منه على أنه يعتبر في حكم الموافقة فوات ثلاثين يوماً دون إبلاغ طالب الترخيص بالرأي - إذ أن هذا القانون فيما استحدثه من أحكام لا يسري على وقائع الدعوى التي تمت وتحققت آثارها القانونية قبل العمل به وفي ظل قانون سابق هو القانون رقم 5 لسنة 1941 الذي سبق بيان أحكامه في هذا الشأن.
ومن حيث إن ما يذهب إليه المدعي من أن الحكم الصادر ببراءته في المخالفة رقم 6484 سنة 1954 السيدة زينب له حجية قاطعة في نفي مقارفته لأية مخالفة بسبب نقله لصيدليته وفي إثبات أن هذا النقل قد تم بناء على قرار ضمني بالترخيص له فيه - ما يستدل به المدعي من ذلك لا تنهض به حجة - ذلك أنه يبين من الرجوع إلى الأوراق (ملف رقم 8 المودع تحت رقم 2 دوسيه بملف الدعوى) - أنه بتاريخ 20 من يناير سنة 1952 حرر مفتش الصيدليات محضر مخالفة ضد المدعي لأنه في ذلك التاريخ (تجارى على نقل صيدلية أبو العز المرخص بها بشارع القصر العيني رقم 49 إلى الملك رقم 17 بميدان السيدة زينب بدون ترخيص من الوزارة بالمخالفة لحكم المادة 23 من قانون الصيدلة رقم 5 لسنة 1941) - وقيدت هذه المخالفة برقم (2777 سنة 1952 السيدة) وطلبت النيابة عقابه عملاً بنص المواد 23، 44، 84، 118 من القانون رقم 5 لسنة 1941 - فدفع بانقضاء الدعوى الجنائية بالنسبة له مستنداً إلى المواد 15، 16، 17، من قانون الإجراءات الجنائية على أساس أن النقل قد تم في 16 من أغسطس سنة 1950 - وبجلسة 6 من ديسمبر سنة 1953 قضت محكمة السيدة زينب بقبول هذا الدفع وبانقضاء الدعوى الجنائية بالنسبة له وببراءته مما نسب إليه، واستندت في ذلك إلى أن المخالفة المنسوبة إليه وقعت طبقاً للاتهام في 20 من يناير سنة 1952 - وقد استؤنف هذا الحكم وقضي بتأييده بجلسة 8 من مارس سنة 1954 - ثم أعقب ذلك اتهام المدعي بأنه في يوم 24 من مايو سنة 1954 أدار صيدلية قبل الحصول على ترخيص من وزارة الصحة وقيدت الواقعة برقم (6484 سنة 1954 مخالفات السيدة) وطلبت النيابة عقابه بالمواد 1، 12، 18 من القانون رقم 5 لسنة 1941 - ودفع المدعي بسقوط الدعوى لانقضاء أكثر من سنة على وقوع المخالفة في 20 من يناير سنة 1952 وهو تاريخ اكتشاف الواقعة وتحرير محضر المخالفة - ولكن المحكمة رفضت هذا الدفع وقضت بجلسة 20 من مارس سنة 1956 ببراءة المدعي مما نسب إليه تأسيساً على أن العملية التي قام بها ليست عملية فتح صيدلية بدون ترخيص بل عملية نقل صيدليته المرخص بها سابقاً من مكان إلى آخر وعلى أن الثابت أنه تقدم إلى قسم الصيدليات في 7 من مايو سنة 1950 بطلب نقل صيدليته ولما انقضت مدة ثلاثين يوماً التي يمكن للوزارة فيها الاعتراض على الطلب أرسل إليها إخطاراً بأنه سيبدأ عملية النقل حسب القانون وتم ذلك فعلاً في 16 من أغسطس سنة 1950.
ومن حيث إنه ولئن كان ثاني الحكمين المشار إليهما وهو الحكم الصادر من محكمة السيدة زينب في 20 من مارس سنة 1956 في المخالفة رقم 6484 لسنة 1954 قد انتهى في منطوقه إلى ذات النتيجة التي انتهت إليها تلك المحكمة في حكمها الأول الصادر في 6 من ديسمبر سنة 1953 في المخالفة رقم 2777 سنة 1952 وهي براءة المدعي مما نسب إليه - إلا أن ذلك الحكم قد انطوى في أسبابه التي أقام عليها قضاءه على إهدار لحجية الحكم الأول - ذلك أن المحكمة بعد أن عدلت وصف التهمة بما يطابق وصفها الوارد في قيد المخالفة رقم 2777 سنة 1952 رفضت الدفع بانقضاء الدعوى الجنائية وتعرضت لبحث موضوعها - في حين أنه ما كانت تجوز معاودة النظر في تلك الدعوى بعد الحكم فيها نهائياً ما دام موضوع التهمة في حقيقته واحداً وإن تغير في الظاهر وصفه القانوني وهذا ما تقضي به المادة 455 من قانون الإجراءات الجنائية وما يقتضيه احترام قوة الشيء المقضي، فكان يتعين إذن على المحكمة أن تقضي من تلقاء نفسها في المخالفة رقم 6484 لسنة 1954 بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها دون التعرض لبحث موضوعها - وما كانت في حاجة لأن يدفع أمامها بذلك لأن قوة الشيء المحكوم فيه جنائياً من النظام العام.
ومن حيث إن استناد المدعي إلى أسباب الحكم الصادر في المخالفة رقم 6484 لسنة 1954 للقول بأن لذلك الحكم حجيته في ثبوت أن نقله للصيدلية قد تم بناء على قرار ضمني بالترخيص - مردود بأن الأصل أن منطوق الحكم هو الذي يحوز حجية الشيء المحكوم فيه وإلا تثبت الحجية إلا للأسباب المرتبطة بالمنطوق ارتباطاً وثيقاً والتي لا تقوم له قائمة بدونها - ويبين من الرجوع إلى حكمي محكمة السيدة زينب المشار إليهما أنهما ولئن كانا قد انتهيا إلى ذات النتيجة وهي براءة المدعي من مخالفة نقل صيدليته دون ترخيص - إلا أن أولهما قد قضي في منطوقه بانقضاء الدعوى الجنائية - أما منطوق ثانيهما فقد اقتصر على القضاء بالبراءة استناداً إلى أسباب تتحصل في أن المدعي لم يخالف القانون في نقل صيدليته - والواقع أن ما تعرضت له هذه الأسباب لم يكن ضرورياً للفصل في الدعوى لو أن المحكمة احترمت حجية الحكم الأول الحائز لقوة الأمر المقضي - بل إن هذه الأسباب - حسبما سبق البيان - قد انطوت على إهدار لتلك الحجية المتعلقة بالنظام العام والتي كان من مقتضاها ألا تتعرض المحكمة في حكمها الثاني لموضوع الدعوى الجنائية وأن تقضي بعدم جواز نظرها لسبق الفصل فيها - وبناء على ذلك فإن الأسباب المذكورة التي أقام عليها الحكم الصادر في المخالفة رقم 6484 سنة 1954 قضاءه بالبراءة - بعد أن كانت الدعوى الجنائية قد انقضت بمضي المدة وقضي بانقضائها بحكم نهائي - هذه الأسباب لا تثبت لها حجية الشيء المحكوم فيه - بل يتعين التعويل في هذا الشأن على ما ورد بمنطوق الحكم الأول الصادر في المخالفة رقم 2777 سنة 1952 من قضاء بانقضاء الدعوى الجنائية كسبب للحكم ببراءة المدعي.
ومن حيث إنه لما تقدم لا تكون لأسباب الحكم الصادر في المخالفة 6484 سنة 1954 أية حجية في نفي مخالفة القانون من المدعي في خصوص نقل صيدليته أو في إثباته أن هذا النقل قد تم بناء على ترخيص ضمني مستفاد من تصرم مدة من المدد دون إجابة الجهة الإدارية لا حجية للحكم المذكور في هذه النواحي ولا في غيرها وإنما العبرة هي بحقيقة الواقع وهي أنه قام بهذا النقل على مسئوليته، ودون أن يحصل مقدماً على ترخيص به من الجهة المختصة حسبما كان يقضي القانون.
ومن حيث إن ما تضمنه كتاب الوزارة المرسل إلى المدعي في 25 من مايو سنة 1950 من طلب إخلاء المحل رقم 17 بميدان السيدة زينب لإمكان معاينته من الناحية الصحية لا يخرج عن كونه من الإجراءات التمهيدية للبت في الطلب المقدم منه للترخيص له بنقل صيدليته إلى المحل المذكور - وكان اتخاذها لهذا الإجراء استجابة لطلبه إذ المستفاد من الأوراق أن المدعي عندما تقدم بطلب نقل صيدليته إلى ميدان السيدة زينب رقم 17 كان يعلم بالتزاحم على المنطقة بالترخيص في فتح الصيدلية الوحيدة التي كان تعداد قسم السيدة زينب في ذلك الوقت يسمح بفتحها وبأن هذا التزاحم كان يصب على فتح هذه الصيدلية في المحل رقم 9 بميدان السيدة زينب الذي لا تجاوز المسافة بينه وبين المحل رقم 17 بذات الميدان خمسين متراً - كما كان يعلم بأنه كانت هناك إجراءات تتخذ لمعاينة المحل رقم 9 والتحقق من استيفائه للشروط بناء على طلب سابق للترخيص بفتح صيدلية فيه مقدم من الدكتور فتحي الفيومي - ولقد أشر المدعي على طلب الترخيص بالنقل المقدم منه بما يفيد علمه بكل ذلك وبأنه يطلب إجراء معاينة المحل رقم 17 (تحت مسئوليته) ولما تبين من المعاينة أن هذا المحل لا يبعد أكثر من خمسين متراً عن المحل رقم 9 وخشي المدعي أن يترتب على ذلك تعطيل إجراءات البت في طلبه وجه إنذاراً إلى الوزارة في 23 من مايو سنة 1950 طالباً استعجال السير في تلك الإجراءات فأرسلت إليه - حسبما يقول في مذكرته الأولى في هذه الدعوى - كتابها المتضمن طلب إخلاء المحل رقم 17 لإمكان إعادة معاينته ورغم أن المدعي كان طرفاً في الدعوى رقم 454 لسنة 4 القضائية التي أقامها الدكتور الفيومي بطلب إلغاء القرار الصادر برفض الترخيص له بفتح صيدلية في المحل رقم 9 ميدان السيدة - ورغم أنه أعلن بصحيفة هذه الدعوى في 7 من يونيه سنة 1950 وكان حقيقاً عليه أن يتوقع كافة احتمالات تلك الدعوى فإن المستفاد من الأوراق أنه قام بعد هذا التاريخ بإخلاء المحل رقم 17 ثم أقدم مخاطراً على نقل صيدليته وما كان ليخفى عليه أن مؤدى الحكم الذي يصدر لصالح الدكتور الفيومي في تلك الدعوى أن يصبح المحل الذي أراد نقل صيدليته إليه غير مستوف لشرط المسافة بينه وبين المحل رقم 9 موضوع طلب الترخيص المقدم من الدكتور الفيومي.
ومن حيث إنه يبين مما تقدم أن السير في إجراءات معاينة المحل رقم 17 بميدان السيدة زينب للتحقق من استيفائه للشروط وما اقتضاه ذلك من طلب إخلائه من شاغليه وما جره هذا الإخلاء على المدعي من نفقات تحملها، كل ذلك كان نتيجة لطلب المدعي الذي أصر عليه في الإنذار الذي وجهه إلى الوزارة في 23 من مايو سنة 1950 بعد أن كان قد بين في الطلب المقدم منه للترخيص بنقل صيدليته أنه إنما طلب إجراء المعاينة تحت مسئوليته وإذ قام المدعي بعد ذلك وفي الظروف السابق بيانها والتي كان على علم تام بها بإخلاء المحل المذكور وبنقل صيدليته إليه رغم أنه لم يكن قد صدر قرار بالترخيص له في هذا النقل - فإنه لا يكون هناك خطأ من جانب الوزارة فيما اتخذته من إجراءات تمهيدية للبت في طلب الترخيص المقدم منه والتي انتهت بعدم حصوله على هذا الترخيص ولا يكون هناك محل لإلزامها بأن تؤدي له تعويضاً بسبب ما حاق به نتيجة خطئه وتعجله بنقل صيدليته دون أن يحصل على ترخيص مسبق بهذا النقل وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب فإنه يكون قد جانب الصواب فيما قضى به من إلزام الوزارة بالتعويض.
ومن حيث إنه لذلك يكون طعن المدعي رقم 1162 لسنة 11 القضائية غير قائم على أساس الأمر الذي يتعين معه رفضه مع إلزامه بالمصروفات - وتكون الوزارة على حق في طعنها رقم 525 لسنة 11 القضائية الأمر الذي يتعين معه القضاء بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من إلزامها بدفع ألف جنيه للمدعي وبرفض دعواه وإلزامه بجميع المصروفات.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعنين رقم 525 لسنة 11 القضائية ورقم 1162 لسنة 11 القضائية شكلاً وفي موضوعهما:
أولاً: بالنسبة إلى الطعن رقم 1162 لسنة 11 القضائية المقام من المدعي برفضه وألزمته بمصروفاته.
ثانياً: بالنسبة إلى الطعن رقم 525 لسنة 11 القضائية المقام من وزارة الصحة بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من إلزام الوزارة المدعى عليها بدفع مبلغ ألف جنيه للمدعي وبرفض دعواه وألزمته بكامل المصروفات.