أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الأول - السنة 19 - صـ 271

جلسة 13 من فبراير سنة 1968

برياسة السيد المستشار الدكتور عبد السلام بلبع نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: بطرس زغلول، ومحمد صادق الرشيدي، وإبراهيم علام، وعثمان زكريا.

(40)
الطعن رقم 169 لسنة 33 القضائية

( أ ) حكم. "عيوب التدليل". "القصور". "ما لا يعد كذلك". بيع. وصية. عقد. "تكييف العقد".
انتهاء الحكم إلى انصراف نية العاقدين إلى البيع المنجز استناداً إلى أقوال الشهود التي اطمأن إليها والتي اتخذها سنداً لما هو ظاهر من نصوص العقد الصريحة من أن المورثة البائعة أرادت نقل ملكية المبيع إلى المتصرف لهما حال حياتها. لا خطأ. كفاية هذه الأسباب لحمل قضاء الحكم.
(ب) تسجيل. "أثر التسجيل على طبيعة التصرف".
التراخي في تسجيل التصرف لا يخرجه عن طبيعته ولا يغير من تنجيزه.
(ج) بيع. "التزامات البائع". "ضمان الاستحقاق". "ضمان الاستحقاق الجزئي". رهن. وصية.
قيام المورث البائع بسداد دين مضمون برهن الأعيان المتصرف فيها بعد التصرف لا يتعارض مع تنجيزه.
(د) هبة. "الهبة المستترة في عقد بيع". صورية. "الصورية بطريق التستر" بيع. "التزامات المشتري". "الالتزام بدفع الثمن". وصية.
التصرف الناجز يعتبر صحيحاً سواء كان العقد في الحقيقة بيعاً أو هبة مستترة في عقد بيع مستوفياً شكله القانوني. عدم استطاعة المتصرف إليه دفع الثمن لا يمنع من تنجيز التصرف.
(هـ) محكمة الموضوع. "سلطة محكمة الموضوع". "في تقدير الدليل".
تقدير الدليل. استقلال قاضي الموضوع به.
(و) قانون. "سريان القانون من حيث الزمان". إثبات. "طرق الإثبات". "القرائن". "القرائن القانونية". "القرينة الواردة بالمادة 917 مدني".
اتصال القرينة القانونية التي استحدثتها المادة 917 من القانون المدني بموضوع الحق اتصالاً وثيقاً. عدم جواز إعمالها بأثر رجعي على التصرفات السابقة على سريانها.
(ز) إثبات. "عبء الإثبات". "طرق الإثبات". "الإثبات بالكتابة". "حجية الأوراق العرفية". "الإثبات بالبينة". بيع. وصية.
الأصل في القانون المدني القديم أن تصرفات المورث حجة على ورثته. إثبات أن تصرف المورث يخفي وصية يقع على عاتق من يدعي ذلك من الورثة بأي طريق من طرق الإثبات.
(ح) إثبات. "طرق الإثبات". القرائن. "القرائن القضائية". بيع. وصية.
احتفاظ البائع بحقه في الانتفاع بالمبيع - في ظل القانون المدني القديم - قرينة قضائية تخضع لمطلق تقدير قاضي الموضوع عند الطعن على البيع بأنه يخفي وصية.
1 - إذا كان يبين من أقوال الشهود التي أوردها الحكم واطمأن إليها أن المطعون عليهما كانتا بعد التصرف الصادر إليهما من مورثتهما تظهران بمظهر المالك للأطيان المتصرف فيها. وقد اتخذ الحكم من هذه الأقوال سنداً لما هو ظاهر في نصوص العقد الصريحة من أن المورثة البائعة أرادت نقل ملكية الأطيان المتصرف فيها لهما حال حياتهما، فإن الحكم إذ انتهى إلى انصراف نية العاقدين إلى البيع المنجز يكون قد أقام قضاءه على أسباب لا خطأ فيها ومن شأنها أن تؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها وتكفي لحمله.
2 - التراخي في تسجيل التصرف لا يخرجه عن طبيعته ولا يغير من تنجيزه.
3 - لا يتعارض مع تنجيز التصرف في الأطيان محل النزاع قيام المورثة البائعة بعد التصرف بسداد دين مضمون برهن هذه الأطيان.
4 - لا يمنع من تنجيز التصرف عدم استطاعة المتصرف إليهما دفع الثمن المبين بالعقد ذلك أن التصرف الناجز يعتبر صحيحاً سواء كان العقد في الحقيقة بيعاً أو هبة مستترة في عقد بيع مستوفياً شكله القانوني.
5 - متى كان الحكم المطعون فيه قد أورد الأدلة السائغة التي تؤدي إلى اعتبار التصرف منجزاً فإنه يكون قد تضمن الرد على ما يخالفها وتكون المجادلة بالقرائن التي ساقها الطاعنان متعلقة بتقدير الدليل الذي يستقل به قاضي الموضوع.
6 - القرينة القانونية التي استحدثتها المادة 917 من القانون المدني الحالي متصلة بموضوع الحق اتصالاً وثيقاً ولا يجوز - على ما جرى به قضاء محكمة النقض - إعمالها بأثر رجعي على التصرفات السابقة على تاريخ سريانه [(1)].
7 - من المقرر في القانون المدني القديم أن الأصل في تصرفات المورث أنها حجة على ورثته وعلى من يطعن من هؤلاء بأن التصرف يخفي وصية أن يقيم الدليل على ذلك بأي طريق من طرق الإثبات.
8 - احتفاظ البائع بحقه في الانتفاع بالعين المتصرف فيها يعتبر في ظل القانون المدني القديم مجرد قرينة قضائية يتوسل بها من يطعن على التصرف لإثبات طعنه وتخضع كسائر القرائن القضائية لمطلق تقدير قاضي الموضوع.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المطعون عليهما أقامتا الدعوى رقم 751 لسنة 58 كلي طنطا ضد ورثة المرحومة هنا أحمد حماد ومنهم الطاعنان وطلبتا الحكم بصحة ونفاذ العقد المؤرخ 10/ 9/ 1949 الصادر من هذه المورثة ببيعها لهما 13 ف و16 ط و4 س أطياناً زراعية مبينة بالعقد والصحيفة لقاء ثمن مقداره 4102 ج و80 م استناداً إلى عقد بيع موقع عليه من المورثة وأقرت فيه بقبض الثمن. دفع الطاعنان وباقي المدعى عليهم بأن البائعة توفيت في 16/ 8/ 1957 وانحصر إرثها في بنتيها المطعون عليهما وفي إخوتها المدعى عليهم وأن البيع لم يدفع فيه ثمن وأن الورثة ظلت حائزة لأطيان النزاع حتى وفاتها وطلبوا إحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات صورية العقد وبطلانه. والمحكمة قضت في 30/ 1/ 1961 بصحة ونفاذ العقد. استأنف الطاعنان هذا الحكم بالاستئناف رقم 17 سنة 12 ق طنطا وتمسكا بطلب الإحالة إلى التحقيق لإثبات أن العقد في حقيقته وصية. والمحكمة قضت في 12/ 6/ 1962 بإحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات ذلك. وبعد أن تنفذ الحكم بسماع شهود الطرفين قضت المحكمة في 18/ 2/ 1963 بتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعنان في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة مذكرتين أبدت فيهما الرأي برفض الطعن وبالجلسة المحددة لنظره أصرت النيابة على هذا الرأي.
وحيث إن الطعن أقيم على سبب واحد ينعى به الطاعنان على الحكم المطعون فيه قصوره في التسبيب، ويقولان في بيان ذلك إن الحكم أقام قضاءه بأن العقد موضوع الدعوى بيع منجزلاً يستر وصية بالاستناد إلى ما ورد بنصوصه من أن الثمن قد دفع وأن للمطعون عليهما الحق في الانتفاع بالعين وأنه بيع بات لا رجوع فيه، هذا في حين أن الوارث يعتبر من الغير بالنسبة لتصرف مورثه يجوز له أن يثبت بكافة الطرق أن العقد في حقيقته وصية، وقد تمسك الطاعنان أمام محكمة الاستئناف للتدليل على ذلك بعدم تسجيل العقد المؤرخ 10/ 9/ 1949 وباحتفاظ المورثة بحيازة الأطيان محل هذا العقد بموجب عقد إيجار صادر لها من المطعون عليهما في 20/ 10/ 1949 وهو تاريخ لاحق لتاريخ التصرف بمدة قصيرة وبأن المورثة قامت بدفع أقساط الدين المضمون برهن هذه الأطيان لصالح البنك العقاري حتى 26/ 12/ 1956 وبأن المطعون عليها الأولى قبضت أجرة الأطيان نيابة عن المورثة من أحد المستأجرين وبأن المطعون عليهما لا يستطيعان دفع الثمن الوارد بالعقد، غير أن الحكم المطعون فيه اكتفى في رده على هذا الدفاع بالرجوع إلى نصوص العقد ولو أنه عني ببحث دفاعهما لتغير وجه الرأي في الدعوى. هذا إلى أن ما قرره الحكم من أن وضع يد المشتري على العين المبيعة ليس شرطاً لازماً في تنجيز التصرف لا يصلح رداً على ما تمسك به الطاعنان من أن الاحتفاظ بالحيازة والانتفاع يجعل التصرف وصية طبقاً للقرينة المنصوص عليها في المادة 917 من القانون المدني الحالي والتي جرى عليها القضاء في القانون المدني القديم الذي أبرم العقد في ظله.
وحيث إن هذا النعي مردود - ذلك أن الثابت بالحكم المطعون فيه أن محكمة الاستئناف في سبيل التعرف على حقيقة العقد المختلف على تكييفه بين الطرفين أصدرت حكماً بإحالة الدعوى إلى التحقيق كلفت فيه الطاعنين بإثبات أن العقد قصد به الإيصاء لا البيع الناجز وأن المطعون عليهما لم يضعا اليد على العين المبيعة حتى وفاة المورثة ولم يدفعا الثمن، وبعد سماع أقوال شهود الطرفين عرض الحكم المطعون فيه لهذه الأقوال وقرر أن نية المتعاقدين قد انصرفت إلى البيع الناجز لا إلى الوصية اعتماداً على ما حصله من شهادة شهود المطعون عليهما وذلك في قوله "شهد الأول بأنه توجه إلى منزل المورثة التي تمت إليه بصلة القرابة وكان يصحبه الشاهد الثاني وأخبرته إنها باعت أرضها لابنتيها - المستأنف عليهما (المطعون عليهما) - وطلبت منه تحرير عقد بيع بذلك فاستعان بالشاهد الثاني الذي قام بكتابة العقد ووقعته المورثة كما وقع هو والشاهد الثاني على العقد كشاهدين - وقرر الشاهد الثاني أقوالاً تتفق في جملتها وما قرره الشاهد السابق. وقرر الشاهد الثالث أنه كان يستأجر الأرض أصلاً من المورثة ثم أخذ يسدد الإيجار إلى المستأنف عليهما منذ سنة 1955 وكانتا تباشران شئون الأرض منذ ذلك التاريخ". ولما كان يبين من أقوال هؤلاء الشهود التي أوردها الحكم واطمأن إليها أن المطعون عليهما كانتا بعد التصرف تظهران بمظهر المالك للأطيان المتصرف فيها، وكان الحكم قد اتخذ من هذه الأقوال سنداً لما هو ظاهر في نصوص العقد الصريحة من أن المورثة أرادت نقل ملكية الأطيان إلى المتصرف لهما حال حياتها، فإن الحكم إذ انتهى إلى انصراف نية العاقدين إلى البيع المنجز يكون قد أقام قضاءه على أسباب لا خطأ فيها ومن شأنها أن تؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها وتكفي لحمله. لما كان ذلك وكان التراخي في تسجيل التصرف لا يخرجه عن طبيعته ولا يغير من تنجيزه، كما لا يتعارض مع تنجيز التصرف في الأطيان قيام المورثة بعد التصرف بسداد دين مضمون برهن هذه الأطيان، ولا يمنع من ذلك عدم استطاعة المتصرف إليهما دفع الثمن المبين بالعقد ذلك أن التصرف الناجز يعتبر صحيحاً سواء أكان العقد في الحقيقة بيعاً أو هبة مستترة في عقد بيع مستوفياً شكله القانوني. وإذ أورد الحكم المطعون فيه - على ما سلف بيانه - الأدلة السائغة التي تؤدي إلى اعتبار التصرف منجزاً فإنه يكون قد تضمن الرد على ما يخالفها وتكون المجادلة بالقرائن التي ساقها الطاعنان متعلقة بتقدير الدليل الذي يستقل به قاضي الموضوع. لما كان ما تقدم وكانت القرينة القانونية التي استحدثتها المادة 917 من القانون المدني الحالي متصلة بموضوع الحق اتصالاً وثيقاً فلا يجوز - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - إعمالها بأثر رجعي على التصرفات السابقة على تاريخ سريانه، وكان المقرر في القانون المدني القديم الذي أبرم في ظله التصرف موضوع الدعوى أن الأصل في تصرفات المورث أنها حجة على ورثته وعلى من يطعن من هؤلاء بأن التصرف يخفي وصية أن يقيم الدليل على ذلك بأي طريق من طرق الإثبات وكان احتفاظ البائع بحقه في الانتفاع بالعين المتصرف فيها يعتبر مجرد قرينة قضائية يتوسل بها الطاعن لإثبات طعنه وتخضع كسائر القرائن القضائية لمطلق تقدير قاضي الموضوع، وإذ لم يأخذ الحكم المطعون فيه بما قرره شهود الطاعنين في شأن وضع البائعة يدها على الأطيان المبيعة حال حياتها، وأخذ بأقوال شهود المطعون عليهما التي تساند ما ورد بعقد البيع في هذا الخصوص، فإن الحكم لا يكون قد خالف القواعد المعمول بها في ظل القانون القديم الذي يحكم التصرف موضوع الدعوى كما لا يكون مشوباً بالقصور في التسبيب ويكون النعي عليه بهذا السبب على غير أساس.


[(1)] راجع نقض جلسة 14/ 5/ 1964 الطعن 167 لسنة 29 ق - مجموعة المكتب الفني س 15 ص 673.