أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثاني - السنة 10 - صـ 395

جلسة 7 من مايو سنة 1959

برياسة السيد محمود عياد المستشار، وبحضور السادة: محمد زعفراني سالم، والحسيني العوضي، ومحمد رفعت، وعبد السلام بلبع المستشارين.

(62)
الطعن رقم 58 لسنة 25 القضائية

( أ )، (ب) بيع "بعض أنواع البيوع" "بيع السفينة". سفينة "تعريف السفينة".
عدم عناية القانون البحري بوضع تعريف للسفينة. إطلاقه في بعض نصوصه لعبارة السفينة كما هو الحال بالمادة 3 منه الخاصة ببيع السفينة الاختياري ووجوب الرسمية فيه. مفاد ذلك إخضاع كل منشأة عائمة تخصص للقيام بالملاحة البحرية لحكم هذا النص، بصرف النظر عن حمولتها أو طريقة بنائها أو أبعادها وأياً كانت أداتها المسيرة أو الغرض من تشغيلها. يخرج من نطاقه المراكب التي تخصص للملاحة الداخلية بنهر النيل والمنشآت العائمة التي تعمل داخل البوغازات بالمواني. اشتراط تخصيص المنشأة العائمة للقيام بسفريات في أعالي البحار أو قيامها بذلك فعلاً على وجه الاعتياد لإخضاعها لشرط الرسمية عند التعاقد على بيعها. خطأ في تفسير م 3 من ق التجارة البحري.
1 - لم يعن قانون التجارة البحري الصادر عام 1883 بتعريف السفينة إلا أنه يمكن تحديد معناها بالرجوع إلى مجموع أحكام ذلك القانون التي يبين منها أن نطاقه يتحدد بأعمال الملاحة البحرية وأن السفينة هي الأداة الرئيسية لهذه الملاحة. وعلى ذلك إذا أطلقت عبارة السفينة في بعض نصوصه بغير قيد كما هو الحال بالمادة الثالثة منه التي تنص على أن "بيع السفينة كلها أو بعضها بيعاً اختيارياً يلزم أن يكون بسند رسمي سواء حصل قبل السفر أو في أثنائه وإلا كان البيع لاغياً" فإن مفاد ذلك هو إخضاع كل منشأة عائمة تقوم بالملاحة البحرية لحكم هذا النص بغض النظر عن حمولتها أو حجمها أو طريقة بنائها أو أبعادها وأياً كانت أداتها المسيرة شراعية أو بخارية وسواء أعدت السفينة بحسب صنعها لتحمل مخاطر الملاحة في أعالي البحار أو لمجرد الملاحة الساحلية أو الحدية وبغير التفات إلى الغرض من تشغيلها بأن كانت سفينة تجارية أو سفينة للصيد أو النزهة.
2 - الوصف الذي يسبغ على المنشأة العائمة لتكون سفينة بالمعنى المتقدم يتوقف تحديده على الكشف عن نشاطها وفقاً للمكان الذي تقوم بالملاحة فيه فإذا كان هذا المكان هو البحر وتحقق تخصيصها للملاحة فيه صدق عليها هذا الوصف، ومن ثم فإنه يخرج من نطاقه المراكب التي تخصص للملاحة الداخلية بنهر النيل وفروعه وترعه أياً كانت حمولتها ولو كانت تسير بالبخار. كما يخرج من نطاقه أيضاً كافة المنشآت العائمة التي تعمل داخل البوغازات بالمواني كالأرصفة والكباري العائمة وسفن السحب والإرشاد والكراكات وقوارب الغطاسة والمراكب المعدة لنقل البضائع والركاب من السفن إلى الأرض وبالعكس وغيرها من المنشآت العائمة الأخرى التي لا تقوم بحسب ما خصصت له بملاحة بحرية خارج المواني. وإذن فإذا كان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه برفض دعوى الطاعن بطلب بطلان عقد بيع سفينة شراعية لعدم إفراغه في الشكل الرسمي إعمالاً لحكم المادة الثالثة من قانون التجارة البحري تأسيساً على أنه "لا يكفي لاعتبار المنشأة سفينة بحرية في عداد السفن التي تخضع لشرط الرسمية عند التعاقد على بيعها ثبوت كونها تعمل في مياه البحار وإنما يتطلب الحال إقامة الدليل على أنها مخصصة للقيام بسفريات في أعالي البحار أو أنها تقوم بذلك فعلاً على وجه الاعتياد" في حين أن القيام بسفريات في أعالي البحار ليس شرطاً لاعتبار المنشأة سفينة بحرية بل يكفي في هذا الخصوص تحقق تخصيصها أو قيامها على وجه الاعتياد بالملاحة الساحلية أو الحدية كما سبق بيانه - لما كان ذلك فإن الحكم المطعون فيه يكون قد أخطأ في تفسير المادة الثالثة من قانون التجارة البحري مما يستوجب نقضه.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن تتحصل في أن الطاعن أقام على المطعون عليهم الدعوى رقم 126 سنة 1952 كلي القاهرة بصحيفة معلنة في 30/ 8/ 1952 وقال في بيانها إنه بموجب عقد بيع عرفي تاريخه 21/ 8/ 1949 اشترى من يوسف ومحمد إبراهيم شلاضم مورثي المطعون عليهم القطيرة "الرجبية" رقم 161 فنارات السويس بثمن مقداره 500 جنيه دفعه لهما كاملاً ولما توفى البائعان رفض المطعون عليهم التوقيع على العقد الرسمي لنقل ملكية القطيرة إليه رغم إنذارهم بذلك في 8/ 7/ 1952 وطلب الطاعن الحكم ببطلان عقد البيع المشار إليه وفسخه وإلزام المطعون عليهم متضامنين بأن يدفعوا له مبلغ 2500 جنيه ومنه مبلغ 500 جنيه يمثل الثمن المدفوع والباقي ومقداره 2000 جنيه بمثابة تعويض من عدم إتمام العقد ومقابل ما أنفقه في إصلاح القطيرة. وبتاريخ 9/ 4/ 1953 قضت المحكمة ببطلان العقد المؤرخ 21/ 8/ 1949 الصادر من مورثي المطعون عليهم والمتضمن بيع القطيرة إلى الطاعن وإلزامهم بأن يدفعوا له من تركة مورثهم مبلغ 500 جنيه وقبل الفصل في طلب التعويض بإحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت الطاعن أن ضرراً أصابه من جراء عدم إتمام البيع وقيمة هذا الضرر ومقدار ما أنفقه في إصلاح القطيرة، وأقام الحكم قضاءه على أن المطعون عليها التي مثلت في الدعوى لم تدفعها بدفاع ما، وأن موضوع العقد من السفن التي تعمل في مياه البحار فهي تخضع بالنسبة للتصرفات التي تجرى عليها لشرط الرسمية الذي أوجبته المادة الثالثة من قانون التجارة البحري. استأنف المطعون عليهم هذا الحكم أمام محكمة استئناف القاهرة وقيد استئنافهم برقم 406 لسنة 70 ق تجاري، وفي 2 من نوفمبر سنة 1954 قضت المحكمة بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف وبرفض دعوى الطاعن تأسيساً على أنه يشترط لاعتبار المنشأة سفينة بحرية أن تخصص للقيام بسفريات في أعالي البحار أو تقوم بذلك فعلاً على وجه الاعتياد - ولما كانت السفينة الرجبية قد وصفت في عقد البيع بكونها قطيرة وكان ثمنها 750 جنيهاً وجاء بالشهادة الصادرة من مصلحة المواني والمنائر أن السفينة الشراعية "الرجبية" ليست من السفن المعدة لأعالي البحار، فلا اعتبار لما تضمنه الخطاب الصادر من إدارة الحجر الصحي بالسويس من أن الشراع "الرجبية" قامت بتاريخ 9/ 5/ 1949 بالسفر إلى ميناء ينبع بالحجاز إذ أن قيامها بمثل هذه السفرية لا يؤدي إلى القول بسبق قيامها بسفريات مماثلة إذ أنها مخصصة لمثل هذا النوع من السفريات تقوم به على وجه الاعتياد، وخلص الحكم من ذلك إلى أن القطيرة موضوع النزاع لا تخضع في بيعها لحكم المادة الثالثة من القانون البحري. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض، وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون بجلسة 17 من فبراير سنة 1959، وتمسك الحاضر عن الطاعن بما جاء بتقرير الطعن وطلب الإحالة إلى دائرة المواد المدنية والتجارية وأبدت النيابة العامة رأيها بطلب الإحالة لأن الفصل في الطعن يقتضي تقرير مبدأ قانوني جديد ولأن الحكم مرجح نقضه في خصوص السبب الأول من سببي الطعن، وقررت دائرة الفحص إحالة الطعن إلى هذه الدائرة لجلسة 26 من مارس سنة 1959 - وفيها صممت النيابة على رأيها.
وحيث إن الطعن يقوم على سببين: ينعى الطاعن بالسبب الأول خطأ الحكم في تطبيق القانون إذ أسس قضاءه برفض الدعوى على أنه لا يكفي لاعتبار السفينة بحرية في عداد السفن التي تخضع لشرط الرسمية عند التعاقد على بيعها ثبوت كونها تعمل في مياه البحار وإنما يتطلب الحال إقامة الدليل على أنها مخصصة للقيام بسفريات في أعالي البحار أو أنها تقوم بذلك فعلاً على وجه الاعتياد واتخذ الحكم المطعون فيه من وصفها بعقد البيع بأنها قطيرة ومن الثمن الوارد بذلك العقد وهو 750 جنيهاً ومما جاء بالشهادة الصادرة في 29 من يونيه سنة 1954 من مصلحة المواني والمنائر بأنها ليست من السفن المعدة لأعالي البحار - اتخذ من ذلك سنداً لقضائه برفض الدعوى وأهدر ما جاء بالشهادة الصادرة في 30 من نوفمبر سنة 1953 من مصلحة الحجر الصحي بمقولة إن قيام الشراع الرجبية في 9 من مايو سنة 1949 بسفرية إلى ميناء ينبع بالحجاز لا يدل بذاته على سبق قيامها بسفريات مماثلة أو أنها خصصت فعلاً لمثل هذا النوع من السفريات ويقول الطاعن إن ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه مخالف للمادة الثالثة من القانون البحري إذ جاء نصها عاماً تخضع بموجبه أية سفينة تقوم بالملاحة البحرية لشرط الرسمية عند بيعها اختيارياً فلم تخصص السفن التي ينطبق عليها هذا الشرط بأنها تلك التي تعمل في أعالي البحار، ذلك أن الملاحة البحرية تتحدد بمكانها وهو البحر أياً كان شكل المنشأة التي تقوم بها أو حجمها أو أبعادها أو طول بنائها أو أداتها المسيرة.
وحيث إن هذا النعي في محله ذلك أن قانون التجارة البحري الصادر عام 1883 وإنه لم يعن بتعريف السفينة إلا أنه يمكن تحديد معناها بالرجوع إلى مجموع أحكام ذلك القانون التي يبين منها أن نطاقه يتحدد بأعمال الملاحة البحرية وأن السفينة هي الأداة الرئيسية لهذه الملاحة وعلى ذلك إذا أطلقت عبارة السفينة في بعض نصوصه بغير قيد كما هو الحال بالمادة الثالثة منه التي تنص على أن "بيع السفينة كلها أو بعضها بيعاً اختيارياً يلزم أن يكون بسند رسمي سواء حصل قبل السفر أو في أثنائه وإلا كان البيع لاغياً" فإن مفاد ذلك هو إخضاع كل منشأة عائمة تقوم بالملاحة البحرية لحكم هذا النص، بغض النظر عن حمولتها أو حجمها أو طريقة بنائها أو أبعادها، وأياً كانت أداتها المسيرة شراعية أو بخارية وسواء أعدت السفينة بحسب صنعها لتحمل مخاطر الملاحة في أعالي البحار أو لمجرد الملاحة الساحلية أو الحدية، وبغير التفات إلى الغرض من تشغيلها بأن كانت سفينة تجارية أو سفينة للصيد أو للنزهة فالوصف الذي يسبغ على المنشأة العائمة لتكون سفينة بالمعنى المتقدم يتوقف تحديده على الكشف عن نشاطها وفقاً للمكان الذي تقوم بالملاحة فيه فإذا كان هذا المكان هو البحر وتحقق تخصيصها للملاحة فيه صدق عليها هذا الوصف وعلى ذلك فإنه يخرج من نطاقه المراكب التي تخصص للملاحة الداخلية بنهر النيل وفروعه وترعه أياً كانت حمولتها ولو كانت تسير بالبخار كما يخرج من نطاقه أيضاً كافة المنشآت العائمة التي تعمل داخل البوغازات بالمواني كالأرصفة والكباري العائمة وسفن السحب والإرشاد والكراكات وقوارب الغطاسة والمراكب المعدة لنقل البضائع والركاب من السفن إلى الأرض وبالعكس وغيرها من المنشآت العائمة الأخرى التي لا تقوم حسب ما خصصت له بملاحة بحرية خارج المواني، ويؤكد هذا المعنى ما جاء بالمادة الأولى من القانون رقم 21 لسنة 1941 الخاص بسلامة السفن إذ نصت على أن "كلمة سفينة تنصرف إلى أي شيء عائم مهما تكن حمولته إذا كان يقوم بالملاحة على أي وجه في المياه البحرية" وما ورد بالقانون رقم 84 لسنة 1949 الخاص بتسجيل السفن إذ نصت المادة الأولى على وجوب تسجيل السفن التي تسير في البحر فيما عدا السفن الشراعية المخصصة للصيد وسفن النزهة "اليخوت" التي لا تزيد حمولتها الكلية على عشرة أطنان ولا تبحر عادة لمسافة أكثر من ثلاثة أميال فقد أعفيت من التسجيل استثناء ما لم يطلب مالكوها ذلك، وجاء التعبير عنها بأنها سفن ولم يلحقها المشرع بالمنشآت العائمة التي تعمل داخل الميناء، وما كان المشرع بحاجة إلى النص على إعفائها من التسجيل لو أنها لا تدخل أصلاً ضمن السفن التي تقوم بملاحة بحرية مما تنطبق عليها أحكامها - ولا يغير من هذا النظر ما نص عليه بالمادة الثامنة من قانون التجارة البحري من "اعتبار السفينة بعد قيامها بثلاثين يوماً أنها سافرت إذا ثبت قيامها ووصولها في ميناءين مختلفين، أو إذا أمضت مدة تزيد عن ستين يوماً بين قيامها من ميناء ورجوعها إليها دون أن تصل إلى ميناء أخرى، أو إذا قامت السفينة لسفر طويل مكثت به أكثر من ستين يوماً دون شكوى من دائني البائع" ذلك أن هذا النص خاص بانقضاء الامتيازات البحرية، وأنه وإن اشترط لتطبيقه فوات مواعيد طويلة فهو لا يتحقق إلا بالنسبة للسفن التي تقوم عادة بالسفر لمسافات بعيدة في أعالي البحار، إلا أن هذا الشرط على فرض تحققه يتحدد بمجال تطبيقه المشار إليه فلا يتعداه إلى نص المادة الثالثة المتضمن القواعد الشكلية الخاصة ببيع السفينة بيعاً اختيارياً ولما كان الحكم المطعون فيه قد قضى برفض دعوى الطاعن التي يطلب بموجبها بطلان عقد بيع السفينة الشراعية "الرجبية" الصادر من مورثي المطعون عليهم في 21/ 8/ 1949 لعدم إفراغه في الشكل الرسمي وأسس قضاءه على ما قرره من "أنه لا يكفي لاعتبار المنشأة سفينة بحرية في عداد السفن التي تخضع لشرط الرسمية عند التعاقد على بيعها ثبوت كونها تعمل في مياه البحار، وإنما يتطلب الحال إقامة الدليل على أنها مخصصة للقيام بسفريات في أعالي البحار أو أنها تقوم بذلك فعلاً على وجه الاعتياد" في حين أن القيام بسفريات في أعالي البحار ليس شرطاً لاعتبار المنشأة سفينة بحرية بل يكفي في هذا الخصوص تحقق تخصيصها أو قيامها على وجه الاعتياد بالملاحة الساحلية أو الحدية كما سبق بيانه - لما كان ذلك فإن الحكم المطعون فيه يكون قد أخطأ في تفسير المادة الثالثة من قانون التجارة البحري مما يستوجب نقضه بغير حاجة إلى بحث السبب الثاني من سببي الطعن.