مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الرابعة عشرة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1968 إلى منتصف فبراير سنة 1969) - صـ 270

(350.)
جلسة 18 من يناير سنة 1969

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور محمود سعد الدين الشريف رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة عادل عزيز زخاري وعبد الستار عبد الباقي آدم ومحمد طاهر عبد الحميد ومحمد صلاح الدين محمد السعيد المستشارين.

القضية رقم 208 لسنة 13 القضائية

( أ ) - اختصاص "اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري - ما يخرج عن اختصاص القضاء الإداري" (عقد إداري).
قيام جهة الإدارة بفسخ العقد الإداري وباستيفاء حقوقها لدى المتعاقد من قيمة التأمين الذي تبقى منه مبلغ تمت تعليته بالأمانات - احتفاظها بالمنقولات المملوكة للمتعاقد لسبق الحجز عليها تحت يدها واعتبارها حارسة عليها حتى يتم التنفيذ عليها من جانب الحاجزين - طلب جهة الإدارة أجرة مقابل تخزين هذه المنقولات حتى تاريخ التنفيذ عليها بالبيع - لا يعتبر منازعة متعلقة بعقد إداري - عدم اختصاص القضاء الإداري بنظر الدعوى.
(ب) - اختصاص - إحالة - إذا قضت المحكمة بعدم الاختصاص وجب عليها الأمر بإحالة الدعوى إلى المحكمة المختصة ولو كان عدم الاختصاص متعلقاً بالولاية - أساس ذلك من قانون المرافعات الجديد.
1 - إنه وإن كان ثمة عقد إداري انعقد بين الجامعة المدعية والمدعى عليه لاستغلال المقصف إلا أن هذا العقد قد انتهى بتصفية المراكز القانونية التي ترتبت عليه. بعد إذ فسخت الجامعة العقد المذكور واستوفت حقوقها لدى المدعى عليه من مبلغ التأمين وتبقى له منه مبلغ عشرة جنيهات على لحسابه بالأمانات وما كان احتفاظها بالمنقولات المملوكة للمدعى عليه إلا باعتبارها محجوزاً تحت يدها وحارسة على تلك المنقولات حتى يتم التنفيذ عليها من جانب الحاجزين، وكل ذلك يقطع في أن حقوق المدعية المطالب بها لم تكن وليدة العقد الإداري السابق فسخه بل نتيجة إجراءات جعلت منها حارسة على المنقولات، وحقوقها بهذه المثابة منبتة الصلة بالعقد الإداري ولا تنطوي المجادلة في شأنها على منازعة متفرعة عن عقد إداري ذلك أن مطالبتها لا تعتبر تعويضاً مترتباً على عقد إداري لأن ما قامت به الجامعة من إجراءات، بعد توقيع الحجوز تحت يدها هو تصرف إداري مادي منبت الصلة بالعقد الإداري حسبما سلف البيان ومن ثم لا يختص القضاء الإداري بنظر الدعوى وإذ ذ هب الحكم المطعون فيه، فيما قضى به من اختصاص المحكمة بنظر الدعوى، غير هذا المذهب فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون متعيناً إلغاؤه والقضاء بعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر الدعوى.
2 - إن المادة 110 من قانون المرافعات المدنية والتجارية الجديد قد نصت على أنه: "على المحكمة إذا قضت بعدم الاختصاص أن تأمر بإحالة الدعوى بحالتها إلى المحكمة المختصة ولو كان عدم الاختصاص متعلقاً بالولاية، ويجوز لها عندئذ أن تحكم بغرامة عشرة جنيهات، وتلتزم المحكمة المحال إليها الدعوى بنظرها"، وإعمالاً لهذه المادة يتعين القضاء بإحالة الدعوى بحالتها إلى محكمة روض الفرج الجزئية المختصة لنظرها مع إبقاء الفصل في المصروفات.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يبين من أوراق الطعن - في أن المدعية جامعة عين شمس، أقامت الدعوى رقم 813 لسنة 16 القضائية ضد السيد/ وديع فرج خليل بصحيفة أودعتها سكرتيرية محكمة القضاء الإداري "هيئة العقود الإدارية والتعويضات" في 8 من مايو سنة 1962 طالبة القضاء بإلزام المدعى عليه بأن يدفع لها مبلغ 146 ج والفوائد القانونية بواقع 4% سنوياً من تاريخ المطالبة الرسمية حتى السداد مع المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وقالت - شرحاً لدعواها - إنه قد رسا على المدعى عليه مزاد تأجير مقصفها الكائن بكلية التجارة عن المدة من 16 من ديسمبر سنة 1952 حتى 30 من سبتمبر سنة 1953 بإيجار شهري قدره 38 جنيهاً و550 مليماً وقد نص في البند الثاني من عقد الاستغلال على أن يعفى المستأجر من دفع الإيجار عن شهور يوليه وأغسطس وسبتمبر مع السماح له بفتح المقصف في هذه الشهور بدون مقابل. كما نص في البند التاسع على أنه يجب أن يكون المقصف معداً لتلبية الطلبات في المواعيد التي تحددها الكلية والتي لها الحق في تعديلها في أي وقت وليس للمرخص له الحق في الاعتراض. وللكلية الحق في توقيع غرامة لا تقل عن جنيه مصري نظير كل يوم من الأيام التي يتعطل فيها المقصف، على أنه في حالة توقف المرخص له عن إدارة المقصف تقوم الكلية بمباشرة إدارته على حسابه مع استمرار توقيع الغرامة وإذا لزم الأمر فسخ العقد مع احتفاظ الكلية بكافة حقوقها قبل المرخص إليه. وكذلك نص في البند العاشر على أن يقوم المرخص إليه بدفع مبلغ 115.500 مليمجـ بصفة تأمين يعادل إيجار ثلاثة شهور ويبقى هذا التأمين لدى الكلية حتى نهاية المدة وتخصم منه كافة المصاريف التي تستحق لها. ومضت الجامعة تقول إن المدعى عليه قد أخل بشروط هذا العقد بأن امتنع عن دفع إيجار شهر يونيه سنة 1953 كما أخل بالبند الثاني عشر فاضطرت الكلية إلى فسخ العقد اعتباراً من 6 من يوليه سنة 1953 وقامت بخصم إيجار الشهر المذكور من التأمين وصادرت منه مبلغ 67 ج بمناسبة إلغاء العقد وعلت العشرة جنيهات الباقية بالأمانات. ولأن بعض الدائنين له قد استصدروا أوامر حجز تحت يد الجامعة على مستحقاته ومنقولاته لاستيفاء مبالغ لهم في ذمته ثم اضطرت الكلية إلى تخزين هذه المنقولات بحجرة بالكلية في المدة من أول أكتوبر سنة 1953 حتى آخر يناير سنة 1958 وقامت لجنة من الجامعة بتقدير إيجار هذه الغرفة بمبلغ 4 ج شهرياً وذلك بموجب محضر مؤرخ في 4 من يناير سنة 1954 فيكون المستحق لها عليه من هذا الإيجار مبلغ 208 ج أوقعت به حجزاً إدارياً على تلك المنقولات في 17 من نوفمبر سنة 1957 وتم البيع في آخر يناير سنة 1958 وبلغ المتحصل من البيع 62 ج بخصمه من المطلوب لها يكون المستحق عليه 146 ج هو ما تطالب به في الدعوى.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً مسبباً بالرأي القانوني في الدعوى انتهت فيه إلى أنها ترى الحكم بعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر الدعوى مع إلزام الجامعة بالمصروفات.
وعقبت الجامعة على تقرير هيئة المفوضين بأن محكمة القضاء الإداري تختص بنظر المنازعات المتعلقة بالعقود الإدارية وجميع ما يتفرع منها فهي تختص بكل نزاع يترتب على العقد الإداري من أول تكوينه إلى آخر مرحلة في تصفية كافة العلاقات والحقوق والالتزامات التي نشأت عنه.
ثم قدم المدعى عليه مذكرة تؤيد ما انتهت إليه هيئة مفوضي الدولة من عدم اختصاص القضاء الإداري بنظر الدعوى.
وبجلسة 6 من نوفمبر سنة 1966 قضت محكمة القضاء الإداري برفض طلبات المدعية (جامعة عين شمس) وألزمتها بالمصروفات. وقالت في حيثيات حكمها إنه عن الدفع بعدم اختصاصها بنظر النزاع فإنه مردود عليه بأن طلبات الجامعة تتمخض في حقيقة الأمر مطالبة بتعويض عن الأضرار التي أحاقت بها بسبب تصرف المدعى عليه حيالها الأمر الذي يجعل هذه المطالبة من اختصاص المحكمة. أما عن الموضوع فقد أقامت قضاءها، برفض طلبات الجامعة، على أن الجامعة قد صفت بالفعل مركز المدعى عليه معها وأصبح العقد منتهياً بدليل أنها ذكرت أنه قد بقي له عشرة جنيهات بعد تصفية حسابه، فكان الأمر يتطلب منها بدلاً من نقل منقولاته إلى غرفة مستقلة وحجزها لديها طيلة هذه المدة التي جاوزت السنة بكثير وقدرت لها مبلغاً مغالى فيه بصفة إيجار لم يكن المدعى عليه حاضراً أو موافقاً عليه، بدلاً من كل ذلك فإن الأمر كان يقتضي أن تطالب المدعى عليه بالحضور وتسلمه منقولاته فإن رفض فما كان عليها إلا أن تتصرف فيها بالبيع بالطريق القانوني وأن تعلي ثمنها بالأمانات أما وهي لم تفعل شيئاً من ذلك فلا يمكن إرجاع الخطأ إلى جانب المدعى عليه حتى تتكامل عناصر التعويض الذي تطالب به.
طعنت الجامعة في الحكم المشار إليه بصحيفة أودعتها سكرتيرية هذه المحكمة في 5 من يناير سنة 1967 طالبة القضاء بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والحكم بإلزام المطعون ضده بأن يدفع لها مبلغ 146 ج والفوائد القانونية بواقع 4% سنوياً من تاريخ المطالبة الرسمية حتى السداد فضلاً عن المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وبنت طعنها على أن الثابت من ملف الموضوع أن جهة الإدارة أخطرت المطعون ضده في 17 من نوفمبر سنة 1953 بضرورة الحضور إلى الكلية في موعد غايته 21 من الشهر المذكور للإشراف على نقل منقولاته فلم يحضر رغم أنه ملتزم بإخلاء مكان المقصف عند انتهاء العقد طبقاً للمادة 590 من القانون المدني. ولما كان وجود هذه المنقولات بمكان المقصف يعتبر شغلاً له دون مسوغ قانوني وفي هذه الحالة يحق للجامعة أن تمارس حقها في التنفيذ المباشر وتقوم بنفسها بإخلاء العين على نفقة المطعون ضده وعلى مسئوليته فإذا تكبدت في مقابل هذا الإخلاء أي مصروفات أو أية أضرار أخرى فيحق لها أن تحجز على مستحقاته ما يقابل ذلك. والثابت من ملف الموضوع أنها قامت بنقل المنقولات إلى مكان آخر حتى لا يتعطل سير المرفق العام وتكبدت في سبيل ذلك مقابل إيجار الحجرة التي خصصتها لهذه المنقولات وعلى هذا الأساس لا يمكن فصل هذه التصرفات عن العقد الإداري والقول بأن العلاقة بين الجامعة والمدعى عليه قد صفيت وأن لها أن تنفذ على هذه المنقولات بطريق الحجز الإداري طبقاً للقانون رقم 308 لسنة 1955.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً مسبباً بالرأي القانوني في الطعن انتهت فيه إلى أنها ترى الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر الدعوى وإلزام الجامعة بالمصروفات. واستندت في ذلك على أن دين الجامعة لم يكن وليد العقد الإداري السابق فسخه بل نتيجة إجراءات جعلت منها حارساً على منقولات المدعى عليه ودينها بهذه الصفة منبت الصلة عن كونه أثراً من آثار منازعة متفرعة عن عقد إداري.
ومن حيث إنه يبين من الاطلاع على الأوراق أنه نظراً لتخلف المدعى عليه عن سداد مقابل استغلاله المقصف عن شهر يونيه سنة 1953 ولمخالفته بعض الاشتراطات الخاصة بأثمان المشروبات والمأكولات التي يقدمها للطلبة وعدم نظافتها قامت الجامعة بفسخ العقد المبرم بينهما وخصمت مقابل الاستغلال في الشهر المذكور من التأمين كما صادرت منه مبلغ 67 ج. والباقي من التأمين بعد ذلك ومقداره عشرة جنيهات، قررت الجامعة تعليته لحسابه بالأمانات. أما بالنسبة للمنقولات الخاصة به فإنه نظراً لتوقيع حجوز عليها من الغير ولوجودها في حراستها قد قامت بنقلها إلى غرفة بالكلية حتى باعتها في آخر يناير سنة 1958 بالطريق الإداري وفاء لما استحق لها من الأجرة التي قدرتها لهذه الغرفة عن المدة حتى ذلك التاريخ وتبلغ 208 ج وتبقى لها من هذه الأجرة مبلغ 146 ج، وهو المبلغ المطالب به في الدعوى.
ومن حيث إنه على ضوء هذه الوقائع فإنه وإن كان ثمة عقد إداري انعقد بين الجامعة المدعية والمدعى عليه لاستغلال المقصف المنوه عنه، إلا أن هذا العقد قد انتهى بتصفية المراكز القانونية التي ترتبت عليه بعد إذ فسخت الجامعة العقد المذكور واستوفت حقوقها لدى المدعى عليه من مبلغ التأمين وتبقى له منه مبلغ عشرة جنيهات على لحسابه بالأمانات وما كان احتفاظها بالمنقولات المملوكة للمدعى عليه إلا باعتبارها محجوزاً تحت يدها وحارسة على تلك المنقولات حتى يتم التنفيذ عليها من جانب الحاجزين، وكل ذلك يقطع في أن حقوق المدعية المطالب بها لم تكن وليدة العقد الإداري السابق فسخه بل نتيجة إجراءات جعلت منها حارسة على المنقولات، وحقوقها بهذه المثابة منبتة الصلة بالعقد الإداري ولا تنطوي المجادلة في شأنها على منازعة متفرعة عن عقد إداري. ذلك أن مطالبتها لا تعتبر تعويضاً مترتباً على قرار إداري لأن ما قامت به الجامعة من إجراءات، بعد توقيع الحجوز تحت يدها لا ينطوي على قرار إداري، بل هو تصرف إداري مادي منبت الصلة بالعقد الإداري حسبما سلف البيان. ومن ثم لا يختص القضاء الإداري بنظر الدعوى وإذ ذهب الحكم المطعون فيه فيما قضى به من اختصاص المحكمة بنظر الدعوى، غير هذا المذهب فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون متعيناً إلغاؤه والقضاء بعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر الدعوى.
ومن حيث إن المادة 110 من قانون المرافعات المدنية والتجارية الجديد قد نصت على أنه: "على المحكمة إن قضت بعدم الاختصاص أن تأمر بإحالة الدعوى بحالتها إلى المحكمة المختصة، ولو كان عدم الاختصاص متعلقاً بالولاية، ويجوز لها عندئذ أن تحكم بغرامة عشرة جنيهات، وتلتزم المحكمة المحال إليها الدعوى بنظرها" وإعمالا لهذه المادة يتعين القضاء بإحالة الدعوى بحالتها إلى محكمة روض الفرج الجزئية المختصة لنظرها مع إبقاء الفصل في المصروفات.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر الدعوى وبإحالتها إلى محكمة روض الفرج الجزئية للفصل فيها.