مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الرابعة عشرة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1968 إلى منتصف فبراير سنة 1969) - صـ 275

(36)
جلسة 19 من يناير سنة 1969

برئاسة السيد الأستاذ مصطفى كامل إسماعيل نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة محمد مختار العزبي وأحمد علي البحراوي وسليمان محمود جاد وإبراهيم خليل الشربيني المستشارين.

القضية رقم 437 لسنة 9 القضائية

موظف "مؤهل دراسي" "ترقية".
تقدير الشهادات ومعادلاتها وتحديد مستواها العلمي - من إطلاقات الإدارة - لا معقب عليها - أساس ذلك - تقدير قواعد الإنصاف الدرجة الثامنة بمرتب قدره سبعة جنيهات ونصف لشهادة التجارة المتوسطة - تقدير هذه القواعد الدرجة الثامنة بمرتب ستة جنيهات لشهادة كفاءة التعليم الأولى - لا جناح على جهة الإدارة إذا اعتبرت أن المؤهل الثاني أدنى من المؤهل الأول عند إجراء حركة ترقيات.
إنه من المقرر أن تقدير الشهادات ومعادلاتها وتحديد مستواها العلمي هو من إطلاقات السلطة الإدارية التي تترخص فيها بلا معقب عليها لتعلقها بصميم اختصاصها ولعدم وجود قواعد معينة أو ضوابط محددة بمكن بمقتضاها مراجعة الإدارة عند مخالفتها إياها، ومن ثم فإذا كانت شهادة التجارة المتوسطة الحاصل عليها المطعون في ترقيتهم قد قدرت لها قواعد الإنصاف السارية وقتذاك الدرجة الثامنة بمرتب قدره سبعة جنيهات ونصف شهرياً، بينما قدرت تلك القواعد للشهادة الحاصل عليها المدعي وهي كفاءة التعليم الأولى الدرجة الثامنة بمرتب قدره ستة جنيهات شهرياً، فإنه لا جناح على الجهة الإدارية إذا هي اعتبرت - بما لها من سلطة تقديرية كما سبق القول - أن مؤهل المدعي أدنى في المستوى من مؤهل المطعون في ترقيتهم وآثرتهم تبعاً لذلك ونتيجة له بالترقية دون المدعي وعليه يكون قرارها في هذا الشأن صحيحاً مطابقاً للقانون.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من أوراق الطعن - تتحصل في أن المدعي أقام الدعوى رقم 361 لسنة 8 القضائية ضد وزارة التربية والتعليم في 21 من مايو سنة 1961 بناء على قرار صادر لصالحه في 27 من مارس سنة 1961 من لجنة المساعدة القضائية بالمحكمة المذكورة بقبول طلب الإعفاء من الرسوم المقدمة منه في 7 من فبراير سنة 1961 والمقيد بجدول اللجنة تحت رقم 234 لسنة 8 القضائية، وطلب الحكم: أولاً بقبول الدعوى شكلاً. ثانياً: بصفة أصلية بإلغاء القرار الوزاري الصادر بإجراء ترقيات إلى الدرجة السادسة الكتابية اعتباراً من أول أغسطس سنة 1950 فيما تضمنه من تخطي الطالب في الترقية إليها من هذا التاريخ، مع ما يترتب على ذلك من آثار. وبصفة احتياطية بإلغاء القرار الوزاري الصادر بإجراء ترقيات إلى الدرجة السادسة الكتابية اعتباراً من أول أكتوبر سنة 1950 فيما تضمنه من تخطي الطالب في الترقية إليها من التاريخ المذكور مع ما يترتب على ذلك من آثار ومع إلزام الوزارة المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وتوجز أسانيد دعواه في أنه حصل على شهادة كفاءة المعلمين الأولية في سنة 1930 والتحق بوزارة التربية والتعليم اعتباراً من 16 من نوفمبر سنة 1930، وسويت حالته طبقاً لقواعد الإنصاف فاعتبر في الدرجة الثامنة منذ بدء خدمته، ورقي إلى الدرجة السابعة اعتباراً من أول مايو سنة 1946، وإلى الدرجة السادسة في أول مايو سنة 1951، وأخيراً علم بطريق الصدفة أن الوزارة سبق أن أصدرت في 27 من سبتمبر سنة 1950 القرار رقم 9553 بإجراء ترقيات إلى الدرجة السادسة الكتابية اعتباراً من أول أغسطس سنة 1950، ثم أصدرت قراراً آخر بترقيات إلى الدرجة المذكورة اعتباراً من أول أكتوبر سنة 1950، وبموجب القرارين سالفي الذكر رقي في نسبة الاختيار زملاء له يقلون عنه كفاية ويلونه في ترتيب الأقدمية ولم تصبه الترقية على الرغم من أن القواعد الموضوعة تنطبق على حالته. وقد أجابت الوزارة عن الدعوى بأن القرار المطعون فيه بصفة أصلية قد نشر بنشرة الوزارة الصادرة في 16 من يوليه سنة 1956 ولم يتظلم منه المدعي إلا في 7 من فبراير سنة 1961 ومن ثم تكون دعواه بطلب إلغاء هذا القرار مرفوعة بعد الميعاد المقرر قانوناً، وفيما يتعلق بالموضوع فإن لجنة شئون الموظفين قد وضعت للترقية بالاختيار بالقرارين المطعون فيهما قاعدة تنظيمية مفادها ترقية شاغلي الوظائف الرئيسية، ثم معاوني المدارس الثانوية أو العالية وكتبتها وكتبة الديوان العام، بشرط أن تثبت كفايتهم مع مراعاة تفضيل الأقدم منهم والأرقى مؤهلاً وأضافت أن المدعي لا يدركه الدور للترقية بالأقدمية في حركة ترقيات أول أكتوبر سنة 1950 وأنه قد جوزي بعقوبة الإنذار بالإذن رقم 1366 في 18 من أكتوبر سنة 1950 ثم ألغيت العقوبة بعد ذلك وبجلسة 10 من يناير سنة 1963 قضت المحكمة الإدارية: "أولاً: بعدم قبول الطلب الأصلي شكلاً، ثانياً: بقبول الطلب الاحتياطي شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء القرار الصادر في أول أكتوبر سنة 1950 فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية إلى الدرجة السادسة الكتابية بالاختيار وتعديل أقدمية المدعي في الدرجة المذكورة إلى تاريخ نفاذ القرار المشار إليه، وما يترتب على ذلك من آثار على التفصيل الوارد بأسباب هذا الحكم، وألزمت الوزارة بالمصروفات". وأقامت قضاءها بالنسبة إلى الطلب الأصلي على أن القرار المطعون فيه قد نشر بنشرة الوزارة نصف الشهرية رقم 22 الصادرة في 16 من يوليه سنة 1956 وهذا النشر يفترض قانوناً علم المدعي بالقرار المذكور، وإذ تظلم منه في 11 من أكتوبر سنة 1960 فإن طلب إلغائه يكون غير مقبول شكلاً وبالنسبة إلى الطلب الاحتياطي على أن الوزارة المدعى عليها لا تنازع في أن القرار الصادر في أول أكتوبر سنة 1950 لم ينشر أصلاً وليس في الأوراق أي دليل على علم المدعي به قبل تظلمه منه في 11 من أكتوبر سنة 1960، وبذلك تكون الدعوى في هذا الخصوص قد استوفت أوضاعها الشكلية. أما فيما يتعلق بموضوع القرار المطعون فيه فإن شروط الترقية بالاختيار الصادر على أساسها القرار المذكور قد توفرت في حق المدعي إذ لا يقل مؤهله الدراسي في المستوى عن مؤهلات من شملتهم الترقية، ومن ثم فإن تركه في هذه الترقية لا يكون قائماً على أساس يبرره.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون لأن تعريف المؤهل الأرقى على النحو الذي ذهب إليه إنما قام على اجتهاد لا يستند إلى أساس قانوني أو قاعدة تنظيمية عامة. وقد نظرت الوزارة إلى مؤهل الذين اختيروا للترقية بالقرار المطعون فيه وهو دبلوم التجارة المتوسطة على اعتبار أن هذا الدبلوم أرقى في المستوى من شهادة كفاءة التعليم الأولي الحاصل عليها المدعي، الأمر الذي تملكه بسلطتها التقديرية ولا معقب عليها فيه، كما أن الحكم المطعون فيه قد جانب الصواب حينما قضى بإلزام الوزارة بصرف الفروق المالية المستحقة للمدعي كأثر من آثار حكم الإلغاء على الرغم من أن اللائحة المالية للميزانية والحسابات تنص صراحة عل أن المبالغ المستحقة للأفراد قبل الدولة والتي تمضي عليها خمس سنوات تصبح حقاً مكتسباً للحكومة.
ومن حيث إنه يبين من مطالعة الأوراق أنه في 24 من أكتوبر سنة 1950، صدر القرار الوزاري رقم 9664 بترقية ثلاثة موظفين بوزارة التربية والتعليم هم: حسين كامل إبراهيم ومحمود فتحي القرماني وعبد الواحد إبراهيم حسين النظامي إلى الدرجة السادسة الإدارية اعتباراً من أول أكتوبر سنة 1950، وهذا القرار هو موضوع طلب المدعي الاحتياطي الذي استجاب إليه الحكم المطعون فيه وهو موضوع الطعن الحالي المرفوع عنه من جانب الحكومة وحدها. وقد أجريت هذه الترقية على أساس القاعدة التي وضعتها الوزارة في هذا الخصوص والتي قضت بأن يرقى بالاختيار: أولاً - رؤساء الأقلام ووكلاء الإدارة ثم ثانياً: معاونو وكتبة المدارس الثانوية والعالية وكتبة الديوان العام بشرط أن تثبت كفايتهم مع مراعاة تفضيل الأقدم منهم والأرقى مؤهلاً، وأن يكون لفروع الديوان والمناطق والمدارس نصيب في هذه الترقية وعلى ألا تتعدى أقدمية المرقين في الدرجة السابعة أول مايو سنة 1946.
ومن حيث إن البادي مما ذكر أن الجهة الإدارية قد وضعت للترقية بالاختيار بالقرار المطعون فيه، ضوابط معينة قائمة على الموازنة بين عنصري الجدارة والأقدمية معاً، وهو أمر تملكه بغير جدال ولا تثريب عليها فيه، إذ من المسلمات أن للإدارة في مجال الترقية بالاختبار أن تضع في حدود القانون، من القواعد العامة ما تضبط به اختيارها بشرط أن تلتزم تطبيقها في الحالات الفردية دون تفرقة.
ومن حيث إنه ولئن كان مفاد القاعدة التنظيمية العامة سالفة الذكر أن يكون من بين من تصيبهم الترقية بالاختيار إلى الدرجة السادسة الإدارية كتبة الديوان العام بالوزارة الذين لا تتعدى أقدميتهم في الدرجة السابعة أول مايو سنة 1946، إلا أنها اشترطت في الوقت ذاته أن تثبت كفاية أولئك الكتبة وأن تجرى المفاضلة بينهم على أساس عنصري الأقدمية والمؤهل معاً. وقد سبق لهذه المحكمة أن قضت بأن تقدير الكفاية ومدى صلاحية الموظف للوظيفة التي يرقى إليها متروك لسلطة الإدارة تقدره حسبما تلمسه في الموظف من شتى الاعتبارات وما تأنسه فيه من كفاية ملحوظة في أثناء قيامه بأعمال وظيفته وما يتجمع لديها عن ماضيه وحاضره من عناصر تعين على الحكم في ذلك، وتقدير الإدارة في هذا الصدد له وزنه ولا معقب عليه إذا ما خلا من مجاوزة حدود الصالح العام ولم يقترن بأي ضرب من ضروب الانحراف بالسلطة. ومن ثم فإن ضابط الترجيح بين الكتبة المرشحين للترقية بالاختيار طبقاً لما سلف بيانه، ليس مرده إلى ترتيب الأقدمية بينهم فحسب حسبما يذهب المدعي إلى ذلك، وإنما إلى ترتيب الأقدمية ومستوى المؤهل معاً بحيث يصيب الاختيار الأسبق في الأقدمية والأرقى مؤهلاً.
ومن حيث إنه لا خلاف بين طرفي المنازعة في أن المدعي كان وقت إجراء الترقية بالقرار المطعون فيه من كتبة الديوان العام بالوزارة وأن أقدميته في الدرجة السابعة كانت ترجع إلى أول مايو سنة 1946، وإنما يثور الخلاف حول ما إذا كان الذين أصابتهم الترقية بالاختيار يحملون مؤهلاً أرقى من مؤهله أم لا.
ومن حيث إنه من المقرر أن تقدير الشهادات ومعادلاتها وتحديد مستواها العلمي هو من إطلاقات السلطة الإدارية التي تترخص فيها بلا معقب عليها لتعلقها بصميم اختصاصها ولعدم وجود قواعد معينة أو ضوابط محددة يمكن بمقتضاها مراجعة الإدارة عند مخالفتها إياها، ومن ثم فإذا كانت شهادة التجارة المتوسطة الحاصل عليها المطعون في ترقيتهم قد قدرت لها قواعد الإنصاف السارية وقتذاك الدرجة الثامنة بمرتب قدره سبعة جنيهات ونصف شهرياً، بينما قدرت تلك القواعد للشهادة الحاصل عليها المدعي وهي كفاءة التعليم الأولى الدرجة الثامنة بمرتب قدره ستة جنيهات شهرياً، فإنه لا جناح على الجهة الإدارية إذا هي اعتبرت بما لها من سلطة تقديرية كما سبق القول - أن مؤهل المدعي أدنى في المستوى من مؤهل المطعون في ترقيتهم وآثرتهم تبعاً لذلك ونتيجة له بالترقية دون المدعي وعليه يكون قرارها في هذا الشأن صحيحاً مطابقاً للقانون. ولا اعتداد بما أثاره المدعي من أن الوزارة لم تلتزم قاعدة المؤهل الأرقى إذ شملت الترقية بالاختيار السيد/ محمد حسين محمد مندور وهو حاصل على شهادة الأقسام الليلية التي تعتبر أدنى من شهادة كفاءة التعليم الأولى الأمر الذي يجعله هو أولى بالترقية من المذكور، لا اعتداد بذلك لأن الثابت من مطالعة القرار الوزاري رقم 9664 الصادر في 24 من أكتوبر سنة 1950 المودعة صورته ملف الطعن أن المادة الثالثة منه قد قضت بترقية السيد/ محمد حسين محمد مندور إلى الدرجة السابعة الإدارية - لا السادسة - اعتباراً من أول أكتوبر سنة 1950، ومن ثم لا يكون هناك وجه للمقارنة بين المدعي والموظف المذكور في مجال التزاحم على الترقية بالاختيار إلى الدرجة السادسة الإدارية، ويكون احتجاج المدعي في هذا الخصوص غير قائم على أساس صحيح من الواقع أو القانون.
ومن حيث إنه بناء على ما تقدم يكون طلب المدعي الحكم بإلغاء القرار الوزاري الصادر بإجراء ترقيات إلى الدرجة السادسة اعتباراً من أول أكتوبر سنة 1950 فيما تضمنه من تخطيه في الترقية إلى هذه الدرجة غير قائم على أساس سليم من القانون، ويكون الحكم المطعون فيه، إذ أخذ بغير هذا النظر في خصوص هذا الطلب، قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه، ويتعين - والحالة هذه - القضاء بإلغائه فيما قضى به من "قبول الطلب الاحتياطي شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء القرار الصادر في أول أكتوبر سنة 1950 فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية إلى الدرجة السادسة الكتابية بالاختيار، وتعديل أقدمية المدعي في الدرجة المذكورة إلى تاريخ نفاذ القرار المشار إليه، وما يترتب على ذلك من آثار على التفصيل الوارد بأسباب هذا الحكم". ومن "إلزام الوزارة بالمصروفات". وبرفض هذا الطلب وتأييد الحكم فيما عدا ذلك مع إلزام المدعي بالمصروفات.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من "قبول الطلب الاحتياطي شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء القرار الصادر في أول أكتوبر سنة 1950 فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية إلى الدرجة السادسة الكتابية بالاختيار، وتعديل أقدمية المدعي في الدرجة المذكورة إلى تاريخ نفاذ القرار المشار إليه، وما يترتب على ذلك من آثار على التفصيل الوارد بأسباب هذا الحكم"، ومن "إلزام الوزارة بالمصروفات" وبرفض هذا الطلب، وبتأييد الحكم فيما عدا ذلك، وألزمت المدعي بالمصروفات.