مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الرابعة عشرة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1968 إلى منتصف فبراير سنة 1969) - صـ 291

(38)
جلسة 25 من يناير سنة 1969

برئاسة السيد الأستاذ المستشار الدكتور أحمد موسى وكيل مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة عادل عزيز زخاري وعبد الستار عبد الباقي آدم ومحمد طاهر عبد الحميد ومحمد صلاح الدين محمد السعيد المستشارين.

القضية رقم 763 لسنة 12 القضائية

( أ ) - عقد إداري "عقد مقاولة أعمال". عقد توريد.
إذا انطوى العقد على مزيج من مقاولة الأعمال والتوريد فإنه يسري في شأن كل منهما ما تنطبق عليه من أحكام.
(ب) - عقد إداري "عقد توريد".
إذا رفض المورد قبول الخصم الذي حددته الجهة الإدارية إعمالاً لحكم المادة 137 من لائحة المناقصات والمزايدات، فإنه يمتنع على جهة الإدارة إجراؤه.
1 - إن العقد مثار المنازعة انصب كله على إصلاح الدراجات البخارية "الموتوسيكلات" وعلى توريد وتركيب ما يلزم لها من قطع غيار جديدة وصاج وأخشاب ومشمع ومقابض وما إلى ذلك واستكمال الفوانيس والإشارات الحمراء. ولما كان التوريد في هذا العقد ذا شأن محسوس من حيث قيمته وأهميته بجانب العمل، فإن العقد بهذه المثابة ينطوي على مزيج من مقاولة الأعمال والتوريد، تقع المقاولة على أعمال الإصلاح وتنطبق أحكامه عليه ويقع التوريد على المواد وتسري أحكامه فيما يتعلق بها.
2 - شرط تطبيق نص المادة 137 من لائحة المناقصات والمزايدات على ما جرى به صريح حكمه أن يوافق المورد كتابة على تخفيض قيمة هذه الأصناف الموردة بنسبة ما قدره الفنيون المختصون لها مضافاً إليه غرامة معادلة وبمراعاة قيمة هذه الأصناف السوقية، فإذا لم يوافق الموارد على ذلك كتابة فلا يكون أمامها ثمة مندوحة من رفض الأصناف الموردة على خلاف المواصفات المتفق عليها، ومطالبة المورد بسحبها والشراء من غيره على حسابه أو إنهاء التعاقد بالنسبة لهذه الأصناف ومصادرة التأمين بما يوازي 10% من قيمتها دون إخلال بحق الجهة الإدارية في مطالبته بالتعويض.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة على ما يبين من الأوراق تتحصل في أن المدعي (الطاعن) أقام الدعوى رقم 767 لسنة 17 القضائية ضد السيد/ مدير عام هيئة البريد والسيد/ وزير المواصلات بعريضة أودعها قلم كتاب محكمة القضاء الإداري في 3 من مارس سنة 1963 طالباً الحكم بإلزام المدعى عليهما متضامنين بأن يدفعا له مبلغ 624 جنيهاً و30 مليماً والمصروفات والأتعاب مع حفظ كافة الحقوق الأخرى. وقال بياناً لدعواه إنه تعاقد مع هيئة البريد في 5 من نوفمبر سنة 1961 على أن يقوم بإصلاح عشرين موتوسيكلاً مقابل تسعين جنيهاً للموتوسيكل الواحد. وقد استلم هذه الموتوسيكلات وأتم إصلاحها على أكمل وجه وتسلمتها هيئة البريد، ولكنها لم تدفع له إلا مبلغاً قدره 1175 جنيهاً و970 مليماً (ألف ومائة وخمسة وسبعون جنيهاً وتسعمائة وسبعون مليماً) وخصمت الباقي وقدره 624 جنيهاً و30 مليماً (ستمائة وأربعة وعشرون جنيهاً وثلاثون مليماً) دون مبرر قانوني. وأضاف أنه طالب الهيئة بكتاب مسجل في 19 من ديسمبر سنة 1962 بأداء هذا المبلغ إلا أنها لم تستجب، الأمر الذي اضطر معه إلى إقامة هذه الدعوى.
وقد أجاب الدفاع عن المدعى عليها بأنه في 4 من نوفمبر سنة 1961 تم الاتفاق بين هيئة البريد والمدعي على أن يقوم الأخير بإصلاح عشرين موتوسيكلاً للهيئة طبقاً للمواصفات والاشتراطات مع تغيير جميع قطع الغيار المستهلكة فيما عدا الكاوتش والبطارية وإصلاح الكيلو متر، وأن يتم العمل خلال ستين يوماً من تاريخ استلامه الموتوسيكلات، وطبقاً للبرنامج الزمني المحدد لذلك، وتسلم المدعي الموتوسيكلات في 5 من نوفمبر سنة 1961. وقد تبين للجان المعاينة التي عهد إليها بتسلم الموتوسيكلات بعد إصلاحها أن المدعي لم يجر تغيير القطع المستهلكة وإنما قام بترميمها وإصلاحها فقط خلافاً لما تقضي به المواصفات وبالرغم من ذلك رؤى قبولها على أساس أنها ترميم وليس إصلاحاً تاماً مع خصم 15% مضافاً إليها 15% أخرى من الثمن بالتطبيق لحكم المادة 137 من لائحة المناقصات والمزايدات، وقد بلغت قيمة الخصم والغرامة على هذا النحو 540 جنيهاً. كما احتسبت عليه غرامة تأخير بواقع 4% إعمالاً لنص المادة 15 من العقد حيث تأخر في تسليم الموتوسيكلات عن المدة المحددة، فقد سلم عشرة منها بعد أكثر من ستين يوماً كما أصلح العشرة الأخرى بعد أربعة أشهر، وقد بلغت هذه الغرامة 72 جنيهاً. وبالإضافة إلى ذلك خصمت الهيئة من مستحقاته أربعة جنيهات مقابل دمغة عادية وثمانية جنيهات دمغة إضافية وعشرة مليمات دمغة فاتورة وعشرة مليمات دمغة توقيع وعشرة مليمات دمغة الإخطار وقد خصمت هيئة البريد هذه المبالغ وقدرها 624 جنيهاً وثلاثون مليماً من قيمة العقد وقدره 1800 جنيه، وأدت للمدعي الباقي وقدره 1175 جنيهاً و970 مليماً.. وخلص الدفاع إلى أن هيئة البريد التزمت جانب القانون حين خصمت المبالغ المطالب بها من مستحقات المدعي ومن ثم يتعين رفض الدعوى وإلزام المدعي بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة.
وبجلسة 13 من فبراير سنة 1966 قضت المحكمة برفض طلبات المدعي وألزمته المصاريف وأقامت قضاءها على أن المدعي لم ينازع منازعة جدية في صحة ما قررته هيئة البريد من أنه لم يقم بتركيب قطع غيار جديدة بأغلب الموتوسيكلات وذلك خلافاً لما هو متفق عليه في العقد، ولهذا لا تكون العملية في مجموعها سوى عملية القيام بالإصلاحات، وأنه لما كان المدعي سبق له أن وافق بمقتضى كتابه المؤرخ في 23 من أكتوبر سنة 1961 وقبل الاتفاق الحالي على أن يقوم بالإصلاح مقابل مبلغ قدره ستون جنيهاً للموتوسيكل الواحد، فقد رأت المحكمة أن تقدير اللجان التي شكلتها هيئة البريد للفحص وبحث أوجه النزاع مبلغ ثلاثة وستين جنيهاً عن إصلاح كل موتوسيكل تقدير عادل غير مجحف.. ولا يؤثر في هذا الشأن ما تنص عليه المادة 137 من لائحة المناقصات والمزايدات من ضرورة موافقة المتعهد كتابة في حالة الرفض، وذلك لأنه من المستحيل في الحالة المطروحة تطبيق حكم هذه المادة، برفض ما ردده المدعي لتعذر تنفيذ هذا الأمر باعتبار أن العمل في جملته وغالبيته يعتبر إجراء إصلاحات لا توريد.
وأضافت المحكمة بالنسبة لغرامة التأخير ورسوم الدمغة التي خصمت من مستحقات المدعي، أنه لم ينازع في حصول التأخير، كما أنه يلتزم قانوناً بضريبة الدمغة، ومن ثم فإن طلباته تكون غير قائمة على أساس قانوني سليم متعينة الرفض.
وقد طعن المدعي في هذا الحكم وأقام طعنه على أن محاميه لم يتح له التقدم بمستنداته ولم يبد دفاعه الكامل أمام المحكمة بسبب سفره إلى الخارج، وأن المعاينة التي أجرتها هيئة البريد للموتوسيكلات موضوع الدعوى في غير حضوره غير ملزمة له إذ أنه قام بتنفيذ ما التزم به على خير وجه. وأشار إلى أنه لم يوافق على المعاينة التي أجرتها هيئة البريد لهذه الموتوسيكلات ومن ثم كان يتعين عليها أن ترفض ما أجراه من تركيبات ثم تقوم بهذه العملية على حسابه وبذلك تكون قد خالفت حكم المادة 137 من لائحة المناقصات والمزايدات إذ خصمت من مستحقاته 30% من قيمة المناقصة. وأضاف أنه كان يقوم بتسليم الموتوسيكلات بعد إصلاحها في جراج الهيئة في المواعيد المحددة دون إيصالات. وقرر الطاعن أن الاتفاق السابق بينه وبين الهيئة على إصلاح الموتوسيكل بمبلغ ستين جنيهاً وكان مقصوراً على إصلاح إجمالي دون فك أجزاء الموتوسيكل وعلى طلائه طلاء سطحياً، بينما يقضي الاتفاق محل المنازعة بتغيير قطع الغيار المستهلكة والغير صالحة للعمل وبناء عليه فإن استناد المحكمة إلى الاتفاق الأول لتبرير تخفيض قيمة الإصلاح مثار المنازعة إلى ثلاثة وستين جنيهاً لا يقوم على أساس سليم من الواقع. وأبدى الطاعن أنه تقدم إلى الهيئة بالفاتورة رقم 2169 لصرف مبلغ 21 جنيهاً و800 مليم قيمة قطع غيار سرقت من موتوسيكل عند المعاينة ولم تدفع له الهيئة هذا المبلغ. وخلص الطاعن إلى طلب تعديل الحكم المطعون فيه وإلزام المطعون ضدهما بأن يدفعا له مبلغ 674 جنيهاً و70 مليماً مع إلزامها بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً انتهت فيه إلى أنها ترى رفض الطعن وإلزام الطاعن بالمصروفات. وعقب الطاعن بمذكرة ردد فيها دفاعه السابق وانتهى إلى طلب إلزام المطعون ضدهما متضامنين بأن يدفعا له مبلغ 674 جنيهاً و30 مليماً مع إلزامهما بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وتقدم الدفاع عن الحكومة بمذكرة صمم فيها على طلباته.
ومن حيث إنه يبين مما تم من إجراءات سواء أمام هيئة مفوضي الدولة أو محكمة القضاء الإداري وحضور محام عن المدعي أمامهما وإبداء دفاعه، أنه لا يوجد ثمة إخلال بحقوق الدفاع في هذا الشأن ينال من الحكم المطعون فيه، خاصة وأن المدعي لم يتقدم في طعنه بأي مستندات تشفع له فيما أبداه من أنه حرم من التقدم بها أمام محكمة القضاء الإداري.
ومن حيث إنه يبين من استقراء أوراق الدعوى أن هيئة البريد أخطرت المدعي في 5 من نوفمبر سنة 1961 بقبول العرض المقدم منه عن إصلاح عشرين موتوسيكلاً طبقاً للشروط والمواصفات المقدمة منه للجنة الممارسة التي تمت في 28 من أكتوبر سنة 1960 ومواصفات الإصلاح العام للموتوسيكلات وذلك بسعر قدره تسعون جنيهاً لإصلاح الموتوسيكل الواحد بإجمالي قدره ألف وثماني مائة جنيه مصري، على أن يتم إصلاحها خلال ستين يوماً فيقوم بإصلاح وتسليم خمسة موتوسيكلات في الشهر الأول ثم خمسة كل عشرة أيام وذلك من اليوم التالي لتاريخ استلام الموتوسيكلات، وطلب إليه استلام الموتوسيكلات من جراج البريد بمجرد وصول هذا الكتاب إليه. وقد تضمنت مواصفات الإصلاح العام الخاصة بالهيئة إلزام المدعي بإجراء عمرة عمومية لموتور الموتوسيكل وتغيير الأجزاء المستهلكة بأخرى جديدة من نفس الماركة الأصلية ودهان الموتوسيكل وصندوقه والسيدكار وإزالة البوية القديمة وترميم وإصلاح جميع أشغال النجارة والسمكرة وتنجيد المقعد وتغيير المقابض والدواسات والكاوتش المستهلكة واستكمال الفوانيس والإشارات الحمراء على الوجه المفصل بهذه المواصفات، وانطوى العرض الذي تقدم به المدعي في هذا الشأن على استعداده لتنفيذ جميع المواصفات بالاشتراطات المقدمة من الهيئة وتنفيذ جميع المواصفات مع تغيير جميع قطع الغيار المستهلكة (الغير صالحة) بأخرى جديدة ما عدا الكاوتش والبطارية والكيلو متر وإدارته وذلك مقابل مبلغ قدره تسعون جنيهاً للموتوسيكل الواحد. وفي 20 من يناير سنة 1962 قامت لجنة من موظفي الهيئة بفحص عشرة موتوسيكلات بعد إصلاحها وتبين لها أن المتعهد قام بترميم وإصلاح قطع الغيار المستهلكة ولم يجر تغييرها بالكامل طبقاً لشروط العقد. وفي 25 من مارس سنة 1962 قامت لجنة بمعاينة عشرة موتوسيكلات أخرى وتبينت أن بعض قطع الغيار التي قام المتعهد بتركيبها جديدة والبعض الآخر غير مطابق للمواصفات. وفي 18 من يوليه سنة 1962 اجتمعت لجنة أخرى وانتهت إلى قبول جميع الموتوسيكلات بالحالة التي هي عليها مقابل خصم 15% من قيمة العقد وتوقيع غرامة قدرها 15% من قيمة العقد أيضاً، وقد رفض المتعهد قبول هذا الخصم. واستندت الهيئة في إجراء هذا الخصم إلى حكم المادة 137 من لائحة المناقصات والمزايدات.
ومن حيث إن العقد مثار المنازعة انصب محله على إصلاح الدراجات البخارية "الموتوسيكلات" وعلى توريد وتركيب ما يلزم لها من قطع غيار جديدة وصاج وأخشاب ومشمع ومقابض وما إلى ذلك، واستكمال الفوانيس والإشارات الحمراء. ولما كان التوريد في هذا العقد ذا شأن محسوس من حيث قيمته وأهميته بجانب العمل، فإن العقد بهذه المثابة ينطوي على مزيج من مقاولة الأعمال والتوريد، تقع المقاولة على أعمال الإصلاح وتنطبق أحكامه عليه ويقع التوريد على المواد وتسري أحكامه فيما يتعلق بها.
ومن حيث إن نظام الشراء والبيع وإجراءاتهما بهيئة البريد الصادر به قرار وزير المواصلات رقم 56 لسنة 1958 يقضي في المادة 106 منه بإلغاء "كل ما يخالف أحكامه من القواعد والنظم واللوائح المعمول بها حالياً بالبريد"، ولما كان هذا النظام لا ينتظم نصاً يخالف حكم المادة 137 من لائحة المناقصات والمزايدات الصادر بها قرار وزارة المالية رقم 542 لسنة 1957 الذي كان معمولاً به في البريد، فإنه يتعين إعمال مقتضى هذه المادة إذا ما توافرت شرائطها.
ومن حيث إن المادة 137 المذكورة، التي أقامت هيئة البريد عليها حجتها في خصم 30% من قيمة العقد مقابل إخلال المدعي في تنفيذ شروطه، تقضي كأصل عام برفض الأصناف التي لا تطابق المواصفات أو العينات المتعاقد على أساسها وأجازت لجهة الإدارة المختصة بشروط خاصة قبول الأصناف غير المطابقة، ونصت على أن يكون القبول بخفض يقدره الفنيون المختصون فإذا زادت نسبة النقص على 10% يكون قبولها بخصم النسبة المقدرة ذاتها مضافاً إليها غرامة معادلة للخصم وذلك ما لم تكن نسبة النقص تجعل قيمتها السوقية أقل من ذلك فتخفض إلى أقل من القيمة السوقية بمقدار 30% وذلك بشرط أن يقبل المورد كتابة هذا الخصم، وإلا فيرفض الصنف وتطبيق أحكام المادتين (102، 105) من اللائحة. وشرط تطبيق هذا النص على ما جرى به صريح حكمه أن يوافق المورد كتابة على تخفيض قيمة الأصناف الموردة بنسبة ما قدره الفنيون المختصون لها مضافاً إليه غرامة معادلة وبمراعاة قيمة هذه الأصناف السوقية، فإذا لم يوافق المورد على ذلك كتابة فلا يكون أمامها ثمة مندوحة من رفض الأصناف الموردة على خلاف المواصفات المتفق عليها، ومطالبة المورد بسحبها والشراء من غيره على حسابه أو إنهاء التعاقد بالنسبة لهذه الأصناف ومصادرة التأمين بما يوازي 10% من قيمتها دون إخلال بحق الجهة الإدارية في مطالبته بالتعويض وإذ رفض المدعي قبول الخصم الذي حددته هيئة البريد فقد امتنع عليها إجراؤه وتكون بذلك قد خالفت حكم المادة 137 المشار إليها، كما خالفته أيضاً بتحديدها نسبة الخصم من إجمالي قيمة العقد كله بما اشتمل عليه من أعمال وتوريد ولم تلتزم حكم المادة المذكورة بنسبة الخصم إلى قيمة الأصناف التي تم توريدها على خلاف المواصفات المتفق عليها، وبالبناء على ذلك يكون استناد هيئة البريد فيما قامت به من خصم من مستحقات المدعي إلى حكم المادة 137 من لائحة المناقصات والمزايدات على غير أساس من القانون. أما ما أورده الحكم المطعون فيه وتمسك به الدفاع عن هيئة البريد من أن استحالة رفض ما قام المدعي بتوريده فإن المادة 137 سالفة الذكر فيما تقضي به من ضرورة موافقة المتعهد كتابة في حالة الخصم، فإنه لا سند له من القانون ولا أساس له من الواقع، فقد أوضح كتاب السيد/ مدير إدارة الصيانة والورش بهيئة البريد رقم 1 - ج - 21 المؤرخ في 27 من فبراير سنة 1962 إمكان رفض الأصناف التي تم توريدها بالمخالفة للمواصفات والشراء على حساب المدعي حيث قرر بأنه إذا عهد إلى متعهد آخر شراء قطع غيار جديدة لكل قطعة مستصلحة (مرممة بمعرفة المتعهد) وعلى حسابه ورد القطع المرممة إليه وصرف أجرة التركيب فإن الخسارة على المتعهد الأصلي ستكون كاسرة، وبناء على ذلك ينهار أساس الحجة التي استند إليها الحكم في هذا الشأن، كما تنهار الحجة التي أشار إليها السيد/ مدير إدارة الصيانة والورش في كتابه السابق لأن مجرد تحمل المتعاقد المخالف خسارة كبيرة من تطبيق حكم القانون السليم لا تبرر الوقوع في خطأ قانوني.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن المدعي لم يقم بإصلاح الدراجات البخارية طبقاً للشروط والمواصفات المتعاقد عليها وأخل بالتزاماته في هذا الشأن، إذ لم يستبدل بقطع الغيار المستهلكة فيها (الغير صالحة للعمل) قطعاً جديدة ومن نفس الماركة الأصلية بل اكتفى بترميم بعضها وتركيب بعض قطع من الصناعة المحلية ومن مخلفات الجيش، وقبلت الهيئة الدراجات البخارية رغماً عن ذلك وأجري تشغيلها بعد أن قدرت السلطات الفنية واللجان المختصة قيمة الخصم والغرامة على النحو آنف الذكر. بالتطبيق لحكم المادة 137 من لائحة المناقصات والمزايدات. ولما كان لا يسوغ لهيئة البريد إعمال حكم هذه المادة، إلا أن حقها والحالة هذه في مطالبة المدعي بما لحق بها من أضرار بسبب إخلال المدعي بالتزاماته العقدية أمر غير منكور. وبما أن السلطات الفنية بالهيئة قد قدرت ما أنجزه المدعي من التزاماته بما يوازي 15% من قيمة العقد على أساس أن ما قام به كان مجرد ترميم وليس إصلاحاً تاماً وبلغ هذا الخصم ثلاثة عشر جنيهاً ونصفاً وهو ما يقارب إجمالي ثمن الخارج لقطع الغيار الجديدة التي لم يقم بتركيبها وقيمتها أربعة عشر جنيهاً وسبعمائة وسبعون مليماً على ما أفاد به كتاب السيد مدير إدارة الصيانة والورش إلى السيد مدير إدارة المخازن في 11 من إبريل سنة 1962، ولم ينازع المدعي منازعة جدية مقبولة فيما أثبته الفنيون من قصور في تنفيذ العقد ومن تقدير قيمة ما لم ينجزه من التزامات. ولما كان التعويض يتحدد بمقدار ما تحقق من ضرر، ولم يثبت من الأوراق أن أضراراً أخرى قد حاقت بالهيئة فمن ثم يتمثل التعويض المستحق للهيئة بقيمة ما لم ينجزه المدعي من التزامات وقدرها ثلاثة عشر جنيهاً ونصف فقط للدراجة البخارية الواحدة دون إضافة الغرامة المنصوص عليها في المادة 137 المذكورة وتكون بذلك جملة التعويض مائتين وسبعين جنيهاً. ولا يجدي استناد الحكم المطعون فيه إلى العرض الذي سبق أن تقدم به المدعي في 23 من أكتوبر سنة 1961 لإصلاح ودهان الدراجة البخارية بمبلغ قدره ستون جنيهاً، في التدليل على أنه النزول بقيمة إصلاح الدراجة البخارية في الحالة المطروحة إلى ثلاثة وستين جنيهاً بعد خصم 30% من القيمة المتفق عليها يعد تقديراً عادلاً غير مجحف بالمدعي، لا يجدى ذلك لأن العرض الأول كان محله مجرد ترميم الدراجات، أما الثاني فقد تضمن توريد وتركيب قطع غيار جديدة، وإذا كان المدعي لم يلتزم ذلك تماماً إلا أنه قام فعلاً على ما سلف بيانه بتركيب بعض قطع الغيار وإن كان البعض منها من الصناعة المحلية أو من مخلفات الجيش بما يمتنع معه التسوية بين قيمة العرض الأول وبين قيمة ما أنجزه المدعي في الحالة الماثلة، خاصة وأن الفنيين أدلوا برأيهم في هذا الشأن وقدروا قيمة ما أنجزه المدعي بستة وسبعين جنيهاً ونصف بعد خصم 15% من قيمة إجمالي العقد بما لا سبيل معه للتعقيب على هذا التقدير، كما أنه لا ينال من ذلك ما أثاره المدعي من أنه لم يدع إلى حضور لجان معاينة الدفعة الأولى من الدراجات البخارية التي قام بإصلاحها ذلك أن مثل هذه الدعوة أمر غير لازم حيث لم يوجبها نص من عقد أو قاعدة قانونية.
ومن حيث إن المادتين 87 و92 من قرار وزارة المواصلات رقم 56 لسنة 1958 بنظام الشراء والبيع وإجراءاتهما بهيئة البريد تقضيان في حالة تأخر المتعهد في توريد كل أو بعض المهمات التي تعهد بتوريدها، وفي إنجاز الأعمال المسندة إليه بتوقيع غرامة مدة التأخير بواقع 1% من قيمة المهمات أو الأعمال التي تأخر في توريدها أو إنجازها عن كل أسبوع من مدة التأخير بحيث لا يجاوز مجموع الغرامة 4% من قيمة المهمات أو الأعمال المذكورة ولما كان المستفاد من الأوراق أن المدعي تأخر في إنجاز التزاماته مدداً تجاوزت الأربعة أسابيع، فإنه بناء على هاتين المادتين والمادة 15 من العقد تكون الهيئة على حق إذ هي وقعت عليه غرامة تأخير بحدها الأقصى وقدره 4% أي 72 جنيهاً. ولا يدرأ عن المدعي التزامه بهذه الغرامة ما أبداه من أنه كان يسلم الدراجات البخارية إلى جراج الهيئة في المواعيد المحددة دون أن يتسلم إيصالاً بذلك، لأنه فضلاً عن أن هذا القول عار عن أي دليل فإنه يخالف حكم المادة 16 من العقد فيما نصت عليه من إلزام المتعهد بأن يخطر الهيئة عن يوم تسليم أية رسالة ومن ثم فلا سند في الواقع أو القانون لدفاع المدعي في هذا الشأن.
ومن حيث إنه عن الدفعات التي خصمت من مستحقات المدعي وقدرها اثنا عشر جنيهاً وثلاثون مليماً فإن أساس التزام المدعي بها هو حكم المادة 12 من القانون رقم 224 لسنة 1951 بشأن رسوم الدمغة حيث تقضي بأن كل تعامل بين الحكومة والغير يتحمل هؤلاء دائماً رسم الدمغة ومن ثم فلا شبهة في التزام المدعي بها وهو ما لم ينازع فيه.
ومن حيث إن نطاق الدعوى يتحدد بما أبداه المدعي من طلبات أمام المحكمة المطعون في حكمها، فإنه لا يقبل منه ما أقحمه في تقرير الطعن الماثل من أن الهيئة لم تقم بصرف واحد وعشرين جنيهاً وثماني مائة مليم إليه قطع غيار سرقت من إحدى الدراجات البخارية التي وردها للهيئة وما طالب به من مبالغ أخرى لم يحدد تفصيلها في تقرير الطعن زيادة على ما طالب به أمام محكمة القضاء الإداري.
ومن حيث إنه يبين من جماع ما تقدم أن هيئة البريد أخطأت في خصم مبلغ الغرامة المنصوص عليها في المادة 137 من لائحة المناقصات والمزايدات وقدرها مائتان وسبعون جنيهاً من مستحقات المدعي، أما بالنسبة لما عدا هذا المبلغ فإنها كانت على حق فيه، ومن ثم فإنه يتعين القضاء للمدعي بهذا المبلغ دون سواه ورفض دعواه فيما خلا ذلك وتعديل الحكم المطعون فيه بما يتفق وهذه النتيجة مع إلزام هيئة البريد صاحبة الصفة في هذه المنازعة بالمصروفات المناسبة.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبإلزام هيئة البريد بأن تدفع للمدعي مبلغ 270 ج (مائتان وسبعون جنيهاً مصرياً) والمصروفات المناسبة ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات.