أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الأول - السنة 19 - صـ 488

جلسة 5 من مارس سنة 1968

برياسة السيد المستشار حسين صفوت السركي، نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: أحمد حسن هيكل، وأمين فتح الله، وإبراهيم علام، وعثمان زكريا.

(71)
الطعن رقم 180 لسنة 33 القضائية

قانون. "تفويض تشريعي". تموين.
تموين. التدابير الواردة في المادة الأولى من المرسوم بقانون 95 لسنة 1945. من اختصاص وزير التموين وحده، ليس لموظفي وزارة التموين أو المصالح التابعة لها سلطة اتخاذ شيء منها كما لا يجوز للوزير نفسه إصدار قرارات باتخاذ تلك التدابير أو بعضها إلا بموافقة اللجنة المختصة.
لما كانت المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 قد خولت وزير التموين أن يتخذ بقرارات يصدرها بموافقة لجنة التموين العليا التدابير التي يراها لتموين البلاد بالمواد الغذائية وغيرها لتحقيق العدالة في توزيعها بما في ذلك المواد التي يرى الاستيلاء عليها ويشرف على توزيعها. فإن مفاد ذلك - مرتبطاً بما أورده المشرع في الباب الثاني من المرسوم بقانون المشار إليه بشأن الأحكام الخاصة باستخراج الدقيق وصناعة الخبز هو - وعلى ما جرى به قضاء محكمة النقض - تخويل وزير التموين أن يتخذ وحده موافقة لجنة التموين العليا هذه التدابير ولا يكون لموظفي الوزارة أو المصالح التابعة لها سلطة اتخاذ شيء منها كما لا يجوز للوزير نفسه إصدار قرارات باتخاذ تلك التدابير أو بعضها إلا بموافقة اللجنة المشار إليها [(1)].


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن وزارة التموين الطاعنة أقامت الدعوى رقم 229 سنة 1957 مدني دمنهور الابتدائية على المطعون ضده وانتهت فيها إلى طلب الحكم بإلزامه بأن يدفع لها مبلغ 663 ج و300 م وقالت في بيانها إنها أصدرت منشورها الدوري رقم 9 لسنة 1947 لتنظيم صرف أجور نقل القمح لأصحاب المطاحن وهو يقضي بأن تحتسب الأجرة التي تصرف لهم نظير قيامهم بنقل حبوب التموين المسلمة لهم من الشون بدائرة المديرية إما على أساس طول المسافة مضروباً في الأجرة التي حددتها الوزارة لنقل الأردب أو الأجرة التي تسفر عنها مناقصات النقل داخل المديرية أيهما أقل على أن يخصم من الأجور التي تستحق لأصحاب المطاحن على هذا الأساس أجرة النقل المحتسبة لهم في تكاليف وأرباح المطحن وقدرها أربعون مليماً عن كل أردب وبتاريخ 9 ديسمبر سنة 1947 صدر منشور دوري آخر أشار إلى شكوى أصحاب المطاحن من الصعوبات التي يلاقونها في نقل الحبوب من الشون البعيدة عن مطاحنهم حيث لا تتوافر لديهم وسائل النقل وأنه في سبيل تنظيم هذه العملية وعدم إرهاق أصحاب المطاحن قررت الوزارة أن يقتصر صرف أجور النقل لأصحاب المطاحن في الحالة التي تكون فيها الشون على بعد لا يجاوز ثلاثين كيلو متراً من المطحن وأن يجرى الحساب عن مصاريف النقل في هذه الحالة طبقاً للمنشور رقم 9 لسنة 1947. أما إذا كانت الحبوب في شون تبعد عن المطحن بما يزيد عن هذه المسافة فإنها تنقل بمعرفة البنوك إلى شونة بالجهة الكائن بها المطحن وعندئذ يلتزم صاحبه بدفع مبلغ عشرين مليماً عن كل أردب يتسلمه من هذه الشونة وإذ تعتبر عملية طحن الغلال مرفقاً عاماً تديره الدولة بطريق الاستغلال المباشر عن طريق موظفيها ومن تستعين بهم من أصحاب المطاحن وتتمتع بامتيازات السلطة العامة في قيامها على هذا المرفق فإن علاقتها بأصحاب المطاحن تكون علاقة تنظيمية تحكمها القوانين والقرارات الصادرة بشأنها ويكون أساس التزامهم بأجور النقل هو المنشور المؤرخ 9 ديسمبر سنة 1947 الذي صدر لتسيير المرفق العام الذي يستند إلى المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 وأنه إذ اتضح للوزارة أن المطعون ضده وهو صاحب مطحن بمدينة دمنهور لم يدفع العشرين مليماً المستحقة طبقاً للمنشور الأخير عن كل أردب تسلمه من الشونة المحلية وتبين من سجلات بنك التسليف الزراعي وبنك مصر أن جملة ما يستحق عليه نتيجة لذلك مبلغ 633 ج و300 م لم تجد المطالبة الودية في أدائه للوزارة فقد أقامت عليه هذه الدعوى بطلب إلزامه به وبتاريخ 29 يونيه سنة 1960 قضت محكمة أول درجة برفض الدعوى واستأنفت الوزارة هذا الحكم لدى محكمة استئناف الإسكندرية وقيد استئنافها برقم 606 سنة 18 ق وبتاريخ 19 فبراير سنة 1963 قضت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن وفي الجلسة المحددة لنظره تمسكت بهذا الرأي.
وحيث إن حاصل سبب الطعن أن الحكم المطعون فيه أقام قضاءه بتأييد الحكم المستأنف برفض الدعوى على أن المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 لا يخول لأحد من مرءوسي وزير التموين ولا لأي مصلحة من المصالح التابعة له سلطة إصدار قرارات بفرض رسم على السلع المسعرة وأن المنشور رقم 9 لسنة 1947 وما تلاه من منشورات ليس لها سند قانوني. وهذا من الحكم خطأ في تطبيق القانون. ذلك أن من بين العمليات التي يتولاها مرفق التموين في صنع الرغيف والتي نظمتها الحكومة بقرارات ومنشورات. عملية نقل القمح إلى الطاعن، وقد جرت وزارة التموين الطاعنة منذ سنة 1943 على أن تصدر لأصحاب المطاحن أذونات استلام على مختلف الشون وحددت أجرة نقل الأردب بأربعين مليماً أياً كانت المسافة بين الشونة والمطحن، ولما تظلم أصحاب المطاحن قررت الوزارة محاسبتهم على التكاليف الفعلية للنقل وصدر بذلك المنشور الدوري رقم 9 لسنة 1947 في 23 يناير سنة 1947 وكان من الطبيعي أن تخصم الوزارة من هذه القيمة الفعلية مبلغ الأربعين مليماً المقرر جزافاً كأجرة للنقل والذي أبيح لأصحاب المطاحن إضافته إلى سعر الدقيق وأصبحت الطاعنة تتحمل الفرق الذي كان يصرف لأصحاب المطاحن إذا ما زادت أجرة النقل الفعلية على أربعين مليماً حتى لا تمس السعر المحدد لبيع الدقيق وعلى أثر شكوى أصحاب المطاحن من عدم توافر وسائل النقل لديهم رأت الوزارة الطاعنة أن تكلف البنوك بنقل القمح من الشون البعيدة إلى شون قريبة من المطاحن بقدر الإمكان على أن تتسلمه هذه المطاحن من تلك الشون المحلية نظير قيام أصحابها بدفع مبلغ عشرين مليماً عن كل أردب يتسلمونه من هذه الشون وبهذا صدر منشور دوري في 9 ديسمبر سنة 1947 إلحاقاً للمنشور رقم 9 الصادر في 23 يناير سنة 1947 فلا يكون المبلغ المطلوب رسماً ولا تعدو المطالبة به أن تكون استرداداً لجزء من المبالغ التي دفعتها الوزارة لأصحاب المطاحن عند تحديدها لأسعار الدقيق مقابل تحملهم بتكاليف نقل القمح من أي مكان في البلاد إلى مطاحنهم غير أن الحكم المطعون فيه أهدر المنشورات المشار إليها واعتبر المبلغ المطالب به رسماً فجاء بذلك مخالفاً للقانون.
وحيث إن هذا النعي مردود ذلك أنه لما كانت المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 قد خولت وزير التموين أن يتخذ بقرارات يصدرها بموافقة لجنة التموين العليا التدابير التي يراها لتموين البلاد بالمواد الغذائية وغيرها لتحقيق العدالة في توزيعها بما في ذلك المواد التي يرى الاستيلاء عليها منها وتحديد أسعار الأصناف التي يستولى عليها ويشرف على توزيعها فإن مفاد ذلك - مرتبطاً بما أورده المشرع في الباب الثاني من المرسوم بقانون المشار إليه بشأن الأحكام الخاصة باستخراج الدقيق وصناعة الخبز هو - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - تخويل وزير التموين أن يتخذ وحده موافقة لجنة التموين العليا هذه التدابير ولا يكون لموظفي الوزارة أو المصالح التابعة لها سلطة اتخاذ شيء منها كما لا يجوز للوزير نفسه إصدار قرارات باتخاذ تلك التدابير أو بعضها إلا بموافقة اللجنة المشار إليها، لما كان ذلك وكان الثابت من تقريرات الحكم المطعون فيه أنه تحدد سعر جدي للقمح الذي يتسلمه أصحاب المطاحن من وزارة التموين وللدقيق الذي ينتجه هؤلاء من هذا القمح وأنه روعي عند وضع أسس تحديد أسعار الدقيق احتساب مبلغ أربعين مليماً في تكاليف الإنتاج نظير أجرة نقل الأردب من القمح من الشونة المحلية إلى المطحن، وأنه في حالة استلام أصحاب المطاحن للقمح من شون بعيدة عن مطاحنهم كانت وزارة التموين تصرف لهم ما زاد على الأربعين مليماً، فإن الوزارة لم تكن تملك فرض مبلغ العشرين مليماً الذي قررته مراقبة الحبوب والمطاحن بالمنشور الصادر في 9 ديسمبر سنة 1947 لتغطية النفقات التي تكبدتها في نقل القمح من الشون النائية إلى الشون المحلية، لأنه يؤدي إلى زيادة في السعر الجبري المحدد لبيع القمح بغير الطريق القانوني وإلى زيادة في أجرة نقل القمح السابق تحديدها بموافقة لجنة التموين العليا وهو ما لا تملكه بغير موافقة هذه اللجنة، وكان الحكم المطعون فيه قد التزم هذا النظر ولم يعتد بمنشور الوزارة سالف الذكر فإنه لا يكون قد خالف القانون هذا وما تثيره الطاعنة من أنها أنفقت المبلغ المطالب به في عمل أفاد منه المطعون ضده ويلزمه رده فإنه مردود بأن الوزارة هي الملزمة أصلاً بتسليم القمح لأصحاب المطاحن من الشون المحلية باعتبار أن أجرة نقل القمح روعيت في تحديد سعره على ما سلف البيان فلا يقبل منها الاستناد إلى دعوى الإثراء بلا سبب وإذ انتهى الحكم المطعون فيه إلى هذه النتيجة فإن النعي برمته يكون على غير أساس.


[(1)] صدر بهذا المبدأ الحكم في الطعن 260 لسنة 33 ق بجلسة 8/ 2/ 1968.