أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الأول - السنة 19 - صـ 642

جلسة 28 من مارس سنة 1968

برياسة السيد المستشار محمود توفيق إسماعيل نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: الدكتور محمد حافظ هريدي، محمد صدقي البشبيشي، وسليم راشد أبو زيد، ومحمد سيد أحمد حماد.

(95)
الطعن رقم 299/ 309 لسنة 33 القضائية

( أ ) مسئولية "مسئولية تقصيرية". عقد. "مرحلة التمهيد لإبرام العقد". نقل "نقل بحري".
استخلاص الحكم - بأسباب سائغة - أن المكاتبات المتبادلة بين هيئة البترول وشركة الملاحة لا تعدو مرحلة التمهيد لإبرام عقد نقل بحري وأن تصرفات سكرتير عام الهيئة - التي لا تقتضيها عملية التمهيد للتعاقد - تعد انحرافاً عن السلوك المألوف في الظروف التي صدرت فيها وبالتالي خطأ تقصيرياً. عدم انعقاد العقد لا أثر له في قيام المسئولية التقصيرية.
(ب) مسئولية "مسئولية عقدية ومسئولية تقصيرية". دعوى. "أساس الدعوى". استئناف.
رفع دعوى المسئولية على أساس أنها مسئولية عقدية. إضافة أساس المسئولية التقصيرية طبقاً للمادة 163 مدني في مرحلة الاستئناف. أخذ محكمة الاستئناف بالأساس الأخير باعتبار المدعى عليه مسئولاً مسئولية المتبوع عن أعمال تابعه. ما فعلته محكمة الموضوع إعطاء للدعوى وصفها الصحيح وهو ما تملكه دون تقيد بتكييف المدعي ودون أن تلتزم بتنبيه الخصوم.
(ج) مسئولية "مسئولية تقصيرية". "مسئولية المتبوع عن التابع". دعوى "الخصوم في الدعوى".
للمضرور الرجوع مباشرة على المتبوع بتعويض الضرر الناشئ عن أعمال تابعه غير المشروعة دون حاجة لإدخال التابع في الدعوى.
1 - متى أقام الحكم المطعون فيه قضاءه بالتعويض على أن ما تبودل من مكاتبات بين الهيئة العامة للبترول وشركة الملاحة لا يعدو مرحلة التمهيد لإبرام عقد نقل بحري ولا يؤدي إلى انعقاده غير أنه يرى في التصرفات التي أسندها للسكرتير العام للهيئة انحرافاً عن السلوك المألوف في الظروف التي صدرت فيها هذه التصرفات وبالتالي خطأ تقصيرياً، وكانت هذه التصرفات ليست مما تقتضيه عملية التمهيد للتعاقد التي ذكر الحكم أنها تدخل في سلطة السكرتير العام وكان ما استخلصه الحكم من أن هذه التصرفات كان من شأنها في الظروف الملابسة أن توقع ممثل الطرف الآخر في فهم خاطئ بأن التعاقد قد تم وأن عليه أن يبدأ في تنفيذه هو استخلاص سائغ مستمد من مقدمات تؤدي إليه فإن الحكم لا يكون قد خالف القانون ولا يكون لما يثيره الطاعن في شأن دلالة المستندات على عدم انعقاد العقد أثر في قيام المسئولية التقصيرية التي أقام الحكم قضاءه عليها.
2 - إذا كان الثابت أن الشركة المطعون ضدها أقامت دعواها أصلاً على أساس مسئولية الهيئة العامة للبترول (الطاعنة) عن تعويض الضرر الذي لحق بها مسئولية عقدية باعتبار أن عقد إيجار السفينة قد تم بينهما ولما قضى برفض دعواها على هذا الأساس واستأنفت الشركة هذا الحكم ذكرت في صحيفة الاستئناف أنه إذا لم يكن العقد قد تم فإن الهيئة الطاعنة تكون قد ارتكبت خطأ تقصيرياً وتكون مسئولة عن تعويض الضرر طبقاً للمادة 163 من القانون المدني وقالت إن هذا الخطأ يتمثل فيما وقع من السكرتير العام للهيئة من أفعال كان من نتيجتها إيقاع وكيلها في فهم خاطئ بأن العقد قد تم وقد أخذت محكمة الاستئناف بهذا الأساس غير أنها اعتبرت الهيئة مسئولة عن خطأ السكرتير العام لها مسئولية المتبوع عن أعمال تابعه غير المشروعة طبقاً للمادة 174 من القانون المدني وليست مسئولية شخصية طبقاً للمادة 163 كما وصفتها المدعية، فإن هذا الذي فعلته محكمة الموضوع إن هو إلا إنزال لحكم القانون الصحيح على واقعة الدعوى وهو ما تملكه تلك المحكمة لأن تكييف المدعي لدعواه تكييفاً لا ينطبق على واقعتها لا يقيد المحكمة ولا يمنعها من إعطاء الدعوى وصفها الحق وإنزال حكم القانون الصحيح عليها وهي حين تمارس هذا الحق غير ملزمة بتنبيه الخصوم إلى الوصف الصحيح الذي تنتهي إليه
3 - للمضرور أن يرجع مباشرة على المتبوع بتعويض الضرر الناشئ عن أعمال تابعه غير المشروعة دون حاجة لإدخال التابع في الدعوى ولا تلتزم المحكمة في هذه الحالة بتنبيه المتبوع إلى حقه في إدخال تابعه.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعنين استوفيا أوضاعهما الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن شركة جوتا للملاحة أقامت الدعوى رقم 206 سنة 1929 تجاري كلي القاهرة على الهيئة العامة للبترول التي حلت محلها المؤسسة المصرية العامة للبترول وعلى شركة أولاد. د. ي بابا ديمتريو (وكلاء ملاحة بحرية) طالبة الحكم بإلزامهما بأن يدفعها لها مبلغ 26174 ج و850 م والفوائد بواقع 5% سنوياً من تاريخ المطالبة القضائية حتى السداد وقالت شرحاً للدعوى إن الهيئة العامة للبترول اتصلت في أواخر أكتوبر سنة 1958 بشركة بابا ديمتريو لاستئجار سفينة لنقل البترول الخام من حقول البلاعيم (وادي فيران) إلى مصانع تكرير للبترول بالسويس وقد انتهت المفاوضات بينهما بصدور خطاب مؤرخ 27 أكتوبر سنة 1958 من شركة بابا ديمتريو إلى الهيئة العامة للبترول يتضمن أن الشركة المذكورة تعرض بالنيابة عن أصحاب الناقلة عرضاً ثابتاً ناقلة بترول حمولتها تتراوح بين 9000، 12000 طن للقيام برحلات منتظمة على أساس حمولة كاملة من السويس إلى البلاعيم طبقاً للشروط المدونة في هذا الخطاب وقد وقع السكرتير العام للهيئة المذكورة في أعلى هذا الخطاب تحت كلمة "أوافق" وسلم صورة منه عليها التأشير بالموافقة لمندوب شركة بابا ديمتريو المطعون ضدها الثانية وفي 28 أكتوبر سنة 1958 أخطرت شركة بابا ديمتريو شركة جوتا مالكة الناقلة بصورة من هذا الخطاب - كما أن الهيئة العامة للبترول أرسلت خطاباً إلى المدير العام لشئون النقل البحري مرفقاً به صورة ذلك الخطاب وأنها توافق على العرض المقدم بموجبه على أن يبدأ النقل في أول ديسمبر سنة 1958 وأن تخطر بموعد وصول الناقلة قبل 15 نوفمبر سنة 1958 وأن كمية البترول المطلوب نقلها تتراوح بين 120000 و180000 طن وعلى أن يتم النقل في مدة 90 يوماً. وأن يكون برنامج الشحن طبقاً للمواعيد التي تقرر فيما بعد كما طلبت الإفادة عن اسم الناقلة وتاريخ وصولها إلى خليج السويس. وفي 2 نوفمبر سنة 1958 صدر خطاب من شركة بابا ديمتريو إلى المدير العام لشئون النقل البحري - أرسلت صورة منه إلى شركة جوتا - يتضمن أنها تقبل الشروط الواردة في خطاب الهيئة العامة للبترول المرسل إلى لجنة شئون النقل البحري والمشار إليه فيما سبق والذي اطلعت عليه خلال المقابلة التي تمت في أول نوفمبر سنة 1958 على أن يبدأ الشحن في المدة بين 1 إلى 5 ديسمبر سنة 1958 وفي 28 أكتوبر سنة 1958 كانت شركة بابا ديمتريو قد أخطرت شركة جوتا بما تم وبصورة من خطاب الهيئة العامة للبترول إلى مدير عام شئون النقل البحري - وفي 3 نوفمبر سنة 1958 كتبت شركة بابا ديمتريو إلى شركة جوتا تخطرهم بأن الهيئة العامة للبترول تطلب وصول الناقلة في أول ديسمبر سنة 1958 - وفي 10 نوفمبر سنة 1958 أرسلت شركة بابا ديمتريو برقية إلى سكرتير عام الهيئة العامة للبترول أشارت فيها إلى خطاب 27 أكتوبر سنة 1958 وإلى خطاب الهيئة العامة للبترول إلى اللجنة العامة لشئون النقل البحري المشار إليهما فيما سبق. وأخطرته فيها بأن ناقلة البترول المسماه جوتا وحمولتها 9890 طناً ستصل إلى خليج السويس حوالي 30 نوفمبر سنة 1958 - وفي 23 نوفمبر سنة 1958 أرسلت إليه خطاباً مسجلاً أخطرته فيه بأن الناقلة المذكورة مرت من جبل طارق وفي 30 نوفمبر سنة 1958 أرسلت إليه برقية تخطره فيها بأن الناقلة ستصل إلى السويس الساعة الثامنة مساء وطلبت تسليم برنامج الشحن حتى لا تتعطل الناقلة بالسويس وفي 5 ديسمبر سنة 1958 أرسلت إليه برقية أخرى تخطره فيها بأن شركة جوتا تحمل الهيئة العامة للبترول المسئولية عن الخسائر التي تترتب على عدم تنفيذ العقد وتستعجل برنامج الشحن - وإذ كانت الهيئة العامة للبترول قد التزمت فقد قامت شركة جوتا بإنذارها هي وشركة بابا ديمتريو على يد محضر وحملتهما المسئولية عن عدم تنفيذ العقد الذي تم بينها وبين الهيئة العامة للبترول بمقتضى الخطاب المؤرخ 27 أكتوبر سنة 1958 والمشار إليه فيما سبق. ولما لم تتلق الشركة رداً أقامت الدعوى بطلباتها سالفة الذكر وقالت إن المبلغ المطالب به يعادل نصف أجرة شحن الناقلة بحمولتها الكاملة عن مدة العقد طبقاً للمادة 106 من القانون البحري - وأثناء سير الدعوى أقامت شركة بابا ديمتريو دعوى ضمان فرعية على الهيئة العامة للبترول طلبت فيها الحكم لها على الهيئة المذكورة بما عساه يحكم به عليها تأسيساً على أن هذه الهيئة هي التي امتنعت عن تنفيذ العقد - وطلبت الهيئة العامة للبترول رفض الدعوى تأسيساً على أن العقد لم يتم لأن السكرتير العام للهيئة لا صفة له في التعاقد نيابة عنها وأن الجهة التي لها صفة التعاقد في مثل هذه العقود هي اللجنة العامة لشئون النقل البحري - وفي 29 يونيه سنة 1961 قضت محكمة الدرجة الأولى برفض الدعويين الأصلية والفرعية. فاستأنفت شركة جوتا هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة بالاستئناف رقم 668 سنة 79 ق وفي 13 مايو سنة 1963 قضت محكمة استئناف القاهرة بإلغاء الحكم المستأنف وبإلزام الهيئة العامة للبترول بأن تدفع لشركة جوتا للملاحة البحرية 8724 ج و950 م وبتقرير تاريخه 10 يوليه سنة 1963 طعنت شركة جوتا للملاحة في هذا الحكم بطريق النقض وقيد طعنها برقم 299 سنة 33 ق كما طعنت فيه أيضاً المؤسسة العامة للبترول (الهيئة العامة للبترول سابقاً) بتقرير تاريخه 13 يوليه سنة 1963 وقيد طعنها برقم 309 سنة 33 ق وقدمت النيابة العامة مذكرة برأيها في كل من الطعنين انتهت فيهما إلى قبول الطعن الأول ونقض الحكم ورفض الطعن الثاني. وبالجلسة المحددة لنظر الطعنين قررت المحكمة ضمهما وأصرت النيابة على رأيها السابق.
عن الطعن رقم 309 سنة 33 ق المرفوع من المؤسسة العامة للبترول
وحيث إن هذا الطعن أقيم على سببين يتحصل ثانيهما في أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون وتأويله وخالف الثابت في الأوراق وفي بيان ذلك تقول المؤسسة الطاعنة إن الحكم المطعون فيه أقام قضاءه بمسئوليتها على أن سكرتيرها العام أدخل الوهم على الشركة الوسيطة "المطعون ضدها الثانية" فجعلها تعتقد أن التعاقد قد تم وأن القبول صدر من صاحب الصفة في إصداره وهو من الحكم خطأ في القانون ذلك أن صاحب الصفة في التعاقد عن الهيئة العامة للبترول هو عضو مجلس إدارتها المنتدب على ما تقضي به المادتان 12، 13 من القانون رقم 167 سنة 1958 الذي يفترض علم الكافة به وعلى الأخص من يتعامل مع الهيئة الصادر بشأنها هذا القانون. هذا إلى أن واجب الحيطة يفرض على الشركة المطعون ضدها الثانية وهي تعمل وكيلاً عن شركات الملاحة البحرية أن تكون عليمة بإجراءات مثل هذا العقد وأن تتحرى عن صاحب الصفة في إبرامه ومتى كان الثابت أن الشركة المطعون ضدها الثانية وهي النائبة عن شركة جوتا المطعون ضدها الأولى كانت تعلم بأنه لكي يتم التعاقد ينبغي أن تبرمه اللجنة العليا لشئون النقل البحري وفقاً للقانون رقم 4 سنة 1957 والذي أنشأ هذه اللجنة فإنه لا يسوغ بعد ذلك الزعم من جانبها أو من جانب شركة جوتا أن واقعة الدعوى تمثل عقد نقل بحري مستكمل الأركان وإذ أغفل الحكم المطعون فيه هذه الاعتبارات وأثرها في إحداث الضرر المدعى به وأبرأ المطعون ضدهما كليهما من المسئولية وألقاها على عاتق الهيئة الطاعنة على أساس وقوع الخطأ المنتج للضرر منها فإن الحكم يكون مخطئاً في تطبيق القانون هذا إلى أنه مع التسليم جدلاً بما أسنده الحكم إلى سكرتير عام الهيئة من خطأ فإن هذا الخطأ ليس السبب المباشر للضرر المدعى به وإنما السبب المنتج لهذا الضرر هو تقصير المطعون ضدهما في القيام بواجب التحري عن صاحب الصفة في التعاقد باسم الهيئة الطاعنة إذ لو قاما بهذا الواجب لما قام الوهم لديهما بأن التعاقد قد تم ولما حدث الضرر المدعى به وهذا الخطأ من جانب الشركتين المطعون ضدهما يستغرق الخطأ الذي نسبه الحكم إلى السكرتير العام للهيئة الطاعنة لأن هذا الخطأ لا يعدو أن يكون سبباً غير مباشر لا يؤدي إلى مسئولية السكرتير العام عن الضرر المطالب بتعويضه - كما أن الحكم المطعون فيه خالف الثابت في الأوراق حين نسب هذا الخطأ إلى السكرتير العام ذلك أنه ليس في الأوراق المقدمة من المطعون ضدهما ما يفيد أنه قام بتصرفات تدخل الوهم على المطعون ضدهما إلى حد يجعلهما يعتقدان بأن التعاقد قد تم ذلك أن الثابت من المكاتبات المتبادلة أن السكرتير العام لم يتجاوز حدود وظيفته في التمهيد لإبرام العقد النهائي بين الممثل القانوني لهيئة البترول وبين الشركة المطعون ضدها الأولى وأن كل ما تبودل من مكاتبات لا يعدو مرحلة التفاوض والتحضير لاتفاق لم يبرم وإذ كان الثابت من الأوراق ومما قرره الحكم نفسه عن سلطة السكرتير العام أنه كان في كل ما اتخذه من إجراءات إنما يعمل في حدود وظيفته ونطاق صلاحيته فإنه لا يمكن بعد ذلك أن يعتبر ما صدر منه خطأ يستوجب مساءلته وإذ اعتبر الحكم المطعون فيه قيام السكرتير العام بأعمال وظيفته خطأ يستوجب مسئوليته فإنه يكون قد أخطأ في القانون علاوة على مخالفة الثابت في الأوراق.
وحيث إن هذا النعي غير سديد ذلك أنه يبين من الحكم المطعون فيه أنه بعد أن استعرض وقائع الدعوى ومستنداتها ونفى عن سكرتير عام الهيئة العامة للبترول الصفة في التعاقد نيابة عنها قرر الحكم أنه وإن كان للسكرتير العام الحق في التمهيد للتعاقد وإعداد كل الشروط التي يستقر عليها الرأي إلا أنه لا يجوز أن يتخذ أي من الطرفين إجراءاً ما من شأنه أن يوقع الطرف الآخر في فهم خاطئ للظروف ويحمله تكاليف ما كان يحملها لولا هذا الإجراء فإن ذلك يعد خطأ موجباً لمسئوليته عن جبر الضرر الناشئ عنه ويسري عليه حكم المادة 163 من القانون المدني ثم قال الحكم "إنه يبين من المستندات التي لم تجادل فيها الهيئة العامة لشئون البترول - الطاعنة - أن السكرتير العام لهذه الهيئة أثبت موافقته على العرض الذي تقدم به ممثل الشركة المستأنفة (المطعون ضدها الأولى) وأبلغ اللجنة العليا لشئون النقل البحري بهذه الموافقة وقد سجل ممثل المستأنفة هذه الموافقة والمحادثات وأن لجنة النقل البحري تحدثت مع الممثل بخصوص تعديل في بعض الشروط ووافق عليها ممثل المستأنفة وسجل هذه الواقعة في خطاب له كل ذلك مع صفة السكرتير العام وأهمية وظيفته ومشاركة اللجنة العليا لشئون النقل له في إعلان الرغبة في التعاقد بشروط وافق عليها كل ذلك أوقع المستأنف ضدها الثانية بصفتها (المطعون ضدها الثانية) في فهم خاطئ بأن التعقد قد تم وانتهى أمره وأنه بدأت الخطوات التنفيذية فأخطرت السكرتير العام باسم ناقلة البترول وتاريخ قيامها فلم يرد عليها بأن التعاقد لم يتم بعد أو لم تحصل الموافقة عليه ولا يصح بأن يحمل سكوته على أنه غير ملزم بتفهيم الغير بمركزه القانوني الذي يجب أن يعرفه من نفسه لأن الظروف الملابسة والسابق ذكرها لا تجيز له السكوت في هذه الحالة فإنه قد تدخل في الصفقة وأعلن موافقته وسلم ممثل المستأنفة الخطاب مؤشراً عليه بهذه الموافقة وقد أدى ذلك بالمستأنفة إلى الاستمرار في تنفيذه التعاقد فأخطرت المستأنف ضدها الثانية السكرتير العام بمرور الناقلة في جبل طارق وبوصولها إلى ميناء السويس وفي كل هذه الخطوات ورغم هذه الإخطارات لم يحرك السكرتير العام ساكناً ولم يكلف نفسه حتى مجرد الرد على الشركة بخطاب عادي ليعلن إليها أن التعاقد لم يتم وأن الهيئة غير مرتبطة بالموافقة الصادرة منه فلا يجوز له بعد ذلك أن يتحلل من تعويض الشركة عما أصابها من أضرار نتيجة لهذه التصرفات وهذا السكوت المخل بمركزه كان هو السبب في إنشاء الضرر فهو خطأ تسأل عنه الهيئة عملاً بالمادة 174 من القانون المدني لأنه وقع من تابعها في حالة تأدية وظيفته ونسببها وهذا الذي قرره الحكم المطعون فيه لا مخالفة فيه للثابت بالأوراق ولا ينطوي على خطأ في القانون ذلك لأن الحكم قد سلم بأن كل ما تبودل من مكاتبات لا يعدو مرحلة التمهيد لإبرام العقد ولا يؤدي إلى انعقاده غير أنه رأى في التصرفات التي أسندها إلى السكرتير العام للهيئة والتي استمدها من المستندات المقدمة في الدعوى والتي لم تجادل الطاعنة في صحتها، انحرافاً عن السلوك المألوف في الظروف التي صدرت فيها هذه التصرفات وبالتالي خطأ تقصيرياً، وإذ كانت هذه التصرفات ليست مما تقتضيه عملية التمهيد للتعاقد التي ذكر الحكم أنها تدخل في سلطة السكرتير العام وكان ما استخلصه الحكم من أن هذه التصرفات كان من شأنها في الظروف الملابسة أن توقع ممثل شركة جوتا المطعون ضدها الأولى في فهم خاطئ بأن التعاقد قد تم وأن عليها أن تبدأ تنفيذه هو استخلاص سائغ مستمد من مقدمات تؤدي إليه وكان وصف الحكم للأفعال التي أسندها إلى السكرتير العام بأنها خطأ تقصيري هو وصف صحيح القانون - كما لا يخطئ الحكم في اعتبار هذا الخطأ هو السبب المنتج للضرر إذ لولا هذه الأفعال لما وقع الضرر، لما كان ذلك وكان كل ما تثيره الطاعنة في شأن دلالة المستندات على عدم انعقاد العقد لا أثر له في قيام المسئولية التقصيرية التي أقام الحكم قضاءه عليها فإن النعي بهذا السبب يكون في جميع ما تضمنه على غير أساس.
وحيث إن حاصل السبب الأول بطلان الحكم المطعون فيه وفي بيان ذلك تقول المؤسسة الطاعنة إن الشركة المطعون ضدها الأولى أسست دعواها على المادة 163 من القانون المدني على اعتبار أن الهيئة العامة للبترول الطاعنة ارتكبت خطأ شخصياً يرتب مسئوليتها قبلها ولكن محكمة الاستئناف أقامت قضاءها بمسئوليتها على المادة 174 من القانون المدني تأسيساً على أن تابعها سكرتيرها العام قد ارتكب خطأ تسأل هي عنه مسئولية المتبوع عن خطأ التابع عملاً بالمادة 174 من القانون المدني وإذ كانت المسئولية التي تحكمها المادة 163 مدني تختلف عن تلك التي تحكمها المادة 174 مدني فإن محكمة الاستئناف إذ أقامت قضاءها على مسئولية المؤسسة الطاعنة عن خطأ تابعها الذي لم يكن مختصماً في الدعوى تكون قد انحرفت عن دعوى المسئولية الشخصية المطروحة عليها وفصلت في دعوى أخرى لم تكن معروضة عليها وبذلك تكون قد قضت بما لم يطلبه الخصوم مما يجعل حكمها باطلاً - كما أنها إذ فصلت في الدعوى على هذا الأساس دون أن تنبه الخصوم أو تتيح للطاعنة الفرصة لإدخال تابعها في الدعوى فإنها تكون قد أخلت بحق الدفاع.
وحيث إن هذا النعي غير سديد ذلك بأن الثابت من أوراق الملف المضموم أن الشركة المطعون ضدها الأولى أقامت دعواها أصلاً على أساس مسئولية الهيئة العامة للبترول (الطاعنة) عن تعويض الضرر الذي لحق بها مسئولية عقدية اعتباراً بأن عقد إيجار السفينة قد تم بينهما ولما قضى برفض دعواها على هذا الأساس واستأنفت الشركة هذا الحكم ذكرت في صحيفة استئنافها أنه إذا لم يكن العقد قد تم فإن الهيئة الطاعنة تكون قد ارتكبت خطأ تقصيرياً وتكون مسئولة عن تعويض الضرر طبقاً للمادة 163 من القانون المدني وقالت إن هذا الخطأ يتمثل فيما وقع من السكرتير العام للهيئة من أفعال كان من نتيجتها إيقاع وكيلها المطعون ضده الثاني في فهم خاطئ بأن العقد قد تم وأن الهيئة وافقت على قدوم السفينة في الميعاد الذي أخطرتها به الشركة المدعية. لما كان ذلك وكانت محكمة الاستئناف على ما سلف بيانه في الرد على السبب السابق قد أخذت بهذا الأساس الأخير واعتبرت ما وقع من السكرتير العام من أفعال أسندتها إليه الشركة المدعية خطأ تقصيرياً غير أنها اعتبرت مسئولية الهيئة عن هذا الخطأ مسئولية المتبوع عن أعمال تابعه غير المشروعة طبقاً للمادة 174 من القانون المدني وليست مسئولية شخصية طبقاً للمادة 163 كما وصفتها المدعية فإن هذا الذي فعلته محكمة الموضوع إن هو إلا إنزال لحكم القانون الصحيح على واقعة الدعوى وهو ما تملكه تلك المحكمة لأن تكييف المدعي لدعواه تكييفاً لا ينطبق على واقعها لا يقيد القاضي ولا يمنعه من إعطاء الدعوى وصفها الحق وإنزال حكم القانون الصحيح عليها وإذ كانت محكمة الاستئناف عند تكييفها مسئولية الهيئة المدعى عليها على هذا النحو لم تخرج عن الوقائع الثابتة في الدعوى والتي طرحتها عليها الشركة المدعية وكل ما فعلته المحكمة هو إنزال حكم القانون الصحيح على هذه الوقائع وكانت المحكمة حين تمارس حقها في هذا غير ملزمة بتنبيه الخصوم إلى الوصف الصحيح الذي تنتهي إليه وكان للمضرور أن يرجع مباشرة على المتبوع بتعويض الضرر الناشئ عن أعمال تابعه غير المشروعة دون حاجة لإدخال التابع في الدعوى ولا تلتزم المحكمة في هذه الحالة بتنبيه المتبوع إلى حقه في إدخال تابعه فإن النعي بهذا السبب يكون على غير أساس.
عن الطعن رقم 299 سنة 33 ق المرفوع من شركة جوت
وحيث إن هذا الطعن ينصب على تقدير الحكم المطعون فيه للتعويض وقد بني على سببين يتحصلان في أن الحكم في شقه الخاص بحساب التعويض قد تناقضت أسبابه وخالف الثابت في الأوراق ذلك أنه وضع أساسين لتقدير التعويض الأول أن يقدر الضرر بنصف قيمة أجرة السفينة طبقاً للقاعدة المقررة في المادة 106 من القانون البحري والتي رأى الحكم أن المشرع عالج فيها قيمة الضرر بطريقة عادلة - والأساس الثاني أن يقدر بما هو واقع فعلاً ما دامت المسئولية ليست عقدية دون الإخلال بالأساس الأول غير أن الحكم خالف هاتين القاعدتين عند تقديره التعويض المستحق للطاعنة إذ قدره بثلث التعويض المستحق عن مدة التعاقد وقدرها تسعون يوماً بمقولة إن الثابت من المستندات المقدمة أن الشركة الطاعنة أجرت الناقلة إلى شركة آبار الزيوت لمدة ثمانية أسابيع في نوع ما أرسلت من أجله حمولتها وأنه لذلك تكون قيمة الضرر الذي لحق الشركة الطاعنة عن المدة الباقية من التعاقد بعد خصم مدة الثمانية أسابيع المذكورة هي ثلث المبلغ الذي كانت تستحقه الطاعنة لو أن السفينة ظلت معطلة طوال مدة التعاقد الذي أحضرت من أجله - وهذا من الحكم تحصيل خاطئ لما هو ثابت في الأوراق ذلك أن الثابت من الشهادة الرسمية الصادرة من مصلحة المواني والمنائر والمقدمة من الطاعنة للمحكمة الابتدائية أن الباخرة جوتا وصلت ميناء السويس يوم 3 ديسمبر سنة 1958 وغادرتها يوم 27 يناير سنة 1959 متجهة إلى رأس غارب مما يقطع بأنها ظلت معطلة عن العمل تعطيلاً تاماً خلال المدة الواقعة بين هذين التاريخين ومقدارها 56 يوماً وإذ كان الثابت من خطاب شركة آبار الزيوت المصرية الإنجليزية الذي أشار إليه الحكم المطعون فيه أن استئجار هذه الشركة للناقلة جوتا بدأ من 27 يناير سنة 1959 وهو تاريخ مغادرتها ميناء السويس فإن مقتضى الأسس التي وضعها الحكم لحساب الضرر الواقع فعلاً أن تشمل مدة تعطيل السفينة السابقة على تأجيرها إلى شركة آبار الزيوت فيكون التعويض على الأساس الذي وضعه الحكم لتقديره هو 56/ 90 من نصف الأجرة وهو ما يقرب من ثلثي نصف الأجرة لا ثلثها كما انتهى الحكم ولا يؤثر في ذلك أن السفينة قد أجرت مدة ثماني أسابيع إلى شركة آبار الزيوت لأن هذه الإجارة لم تحصل إلا بعد أن ظلت السفينة معطلة تعطيلاً كاملاً مدة 56 يوماً وهذا التعطيل يعتبر ضرراً واقعاً فعلاً ويجب تعويضه طبقاً للقاعدة التي وضعها الحكم نفسه ومن ثم يكون الحكم المعطون فيه عند إنزاله القواعد التي قررها لتقدير التعويض قد انحرف عن هذه القواعد وشابه تناقض في أسبابه.
وحيث إن هذا النعي في محله ذلك أن الحكم المطعون فيه قرر في صدد تقديره للتعويض ما يأتي: "وبما إن التعويض عملاً بالمادتين 170 و221 من القانون المدني يقدر بما لحق المضرور من خسارة وما فاته من كسب وبما أن القانون البحري نص في المادة 106/ 1 على أن الضرر في حالة التعاقد يقدر بنصف قيمة الأجرة في حالة عدم الشحن. والمحكمة تتخذ هذا الحكم أساساً لتقديرها لأن المشرع قد عالج قيمة الضرر بطريقة رأى أنها أوفى من غيرها في استيفاء الحق ولكن المحكمة ترى - والمسئولية ليست عقدية في خصوص هذه الدعوى - أن الضرر يجب أن يقدر بما هو واقع فعلاً دون الإخلال بهذا الأساس الذي اتخذته. وبما أنه تبين من المستندات المقدمة أن الشركة المستأنفة (الطاعنة) أجرت الناقلة إلى شركة آبار الزيوت في نوع ما أرسلت من أجله وكان تأجيرها لمدة ثمانية أسابيع وبكامل حمولتها (حافظة 10 دوسيه ابتدائي) ومن ثم يكون الضرر الذي لحق الشركة عن المدة الباقية من التعاقد الذي كان سيتم بينها وبين الهيئة هو ثلث القدر الذي انتقلت السفينة من أجله (كذا) ومن ثم يتعين القضاء بالتعويض بقدر ثلث المبلغ المطلوب" وانتهى الحكم إلى تقدير التعويض للطاعنة بمبلغ 8724 ج و950 م وهو ما يمثل ثلثا نصف أجرة السفينة بحمولتها الكاملة في مدة 90 يوماً - ومفاد هذا الذي قرره الحكم المطعون فيه أن محكمة الاستئناف رأت أن تقدر التعويض بقدر الضرر الواقع فعلاً وأن تحسب قيمة هذا الضرر بنصف قيمة أجرة السفينة بحمولتها الكاملة أخذاً بالقاعدة الواردة في المادة 106/ 1 من القانون البحري والتي رأت المحكمة أنها قاعدة عادلة لتقدير الضرر ولما كان الثابت من الشهادة الرسمية الصادرة من مصلحة المواني والمنائر والمقدمة من الطاعنة للمحكمة الابتدائية بحافظتها رقم 15 دوسيه أن الباخرة جوتا وصلت ميناء السويس في 3 ديسمبر سنة 1958 وغادرتها في يوم 27 يناير سنة 1959 متجهة إلى رأس غارب وأنها كانت خلال هذه المدة راسية في الميناء داخل حاجز الأمواج على المخطاف - كما يبين من خطاب شركة آبار الزيوت المصرية الإنجليزية الذي أشار إليه الحكم المطعون فيه أن هذه الشركة استأجرت الناقلة جوتا لمدة ثمانية أسابيع بدأت من يوم 27 يناير سنة 1959 وكانت مدة التعاقد الذي لم يتم بين الطاعنة مالكة السفينة وبين الهيئة العامة للبترول (المطعون ضدها الأول) هي 90 يوماً فتكون المدة التي تعطلت فيها السفينة بخطأ الهيئة المطعون ضدها الذي سجله عليها الحكم المطعون فيه 56 يوماً وهي المدة من 3 ديسمبر سنة 1958 إلى 27 يناير سنة 1959 وهذه المدة إذا نسبت إلى مدة التعاقد الذي لم يتم تكون 56/ 90 أي ما يقرب من الثلثين وكان مقتضى القاعدة التي رأى الحكم أن يتبعها في تقدير الضرر أن يكون التعويض المستحق للطاعنة 56/ 90 × نصف أجرة السفينة بحمولتها الكاملة لأن هذا التعويض هو الجابر للضرر الواقع فعلاً حسب قاعدة التقدير التي وضعها الحكم وإذ انتهى الحكم إلى حساب التعويض على أساس ثلث هذا المبلغ نتيجة خصمه كامل مدة تأجير السفينة لشركة آبار الزيوت وقدرها ثمانية أسابيع من مدة التسعين يوماً وهي مدة التعاقد الذي لم يتم بين الشركة الطاعنة مالكة السفينة وبين الهيئة المطعون ضدها واعتباره على هذا الأساس مدة تعطل السفينة عن العمل هو الباقي من مدة التسعين يوماً بعد خصم الثمانية أسابيع بأكملها التي أجرت فيها السفينة لشركة آبار الزيوت فإن الحكم يكون بذلك قد انحرف في نتيجته عن القاعدة التي وضعها في أسبابه لتقدير التعويض وشابه بذلك التناقض إذ إعمال هذه القاعدة كان يقتضي أن لا يخصم من مدة التسعين يوماً سوى ما كان داخلاً فيها من مدة تأجير السفينة لشركة آبار الزيوت بمعنى أنه وقد ثبت أن السفينة ظلت راسية في الميناء مدة 56 يوماً قبل أن تستأجرها هذه الشركة فلا يخصم من مدة التسعين يوماً المطالب بالتعويض عن تعطل السفينة فيها سوى الباقي منها بعد خصم 56 يوماً أي 34 يوماً فقط مدة الثمانية أسابيع بأكملها لأنه لا يصح أن تستفيد الهيئة من تأجير السفينة في مدة لاحقة لمدة التعاقد الذي أرسلت السفينة من أجله على اعتبار أنه قد تم، ويتعين لذلك نقض الحكم المطعون فيه في هذا الخصوص.
وحيث إن الموضوع صالح للحكم فيه.
وحيث إنه لما تقدم وعلى أساس القواعد السليمة التي وضعها الحكم المطعون فيه لتقدير الضرر وحساب التعويض المستحق عنه يكون التعويض المستحق للطاعنة هو 56/ 90 × 26174 ج و850 م وهو نصف أجرة السفينة في تسعين يوماً حسب تقدير محكمة الاستئناف - وهذا يساوي 16286 ج و573 م وهو ما يتعين القضاء به للطاعنة.