مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السادسة - العدد الثاني (من أول يناير سنة 1961 إلى أخر مارس سنة 1961) - صـ 742

(95)
جلسة 18 من فبراير سنة 1961

برياسة السيد/ سيد علي الدمراوي نائب رئيس المجلس وعضوية السادة علي إبراهيم بغدادي ومحمود محمد وعبد المنعم سالم مشهور وعبد الفتاح بيومي نصار المستشارين.

القضية رقم 770 لسنة 5 القضائية

( أ ) إجراءات - بطلان - التفرقة في إجراءات التداعي أمام القضاء الإداري بين الإجراء الذي يقيم المنازعة الإدارية وما يترتب عليه من آثار وبين ما يتلو ذلك من إجراءات وما يترتب عليها - قيام المنازعة الإدارية صحيحة لا يؤثر فيه بطلان أي إجراء تال كالإعلان.
(ب) حكم - طعن - دعوى البطلان الأصلي - عدم جواز الطعن في الأحكام بطريق البطلان الأصلي - ورود عدة استثناءات على هذه القاعدة منها الأحكام التي تصدر ضد شخص بدون إعلانه لحضور الجلسة المحددة لنظر الدعوى إعلاناً صحيحاً.
1 - إنه على مقتضى الإجراءات والأوضاع الخاصة بنظام التداعي أمام القضاء الإداري يجب التفرقة بين الإجراء الذي يقيم المنازعة الإدارية أمامه سواء أكانت طعناً بالإلغاء أو غيره وما يترتب على هذا الإجراء من آثار، وبين ما يتلو ذلك من إجراءات وما يترتب عليها، فإذا كانت إقامة المنازعة الإدارية بحسب هذا النظام تتم بإجراء معين وقع صحيحاً، فإنه ينتج آثاره في هذا الشأن وبهذه المثابة لا يلحقه بطلان إجراء تال، وإنما ينصب البطلان على هذا الإجراء التالي وحده في الحدود وبالقيود وبالقدر الذي قرره الشارع.
ولما كانت إقامة المنازعة الإدارية تتم طبقاً للمادة 13 من القانون رقم 9 لسنة 1949 وللمادة 20 من القانون رقم 165 لسنة 1955 بإجراء معين يقوم به أحد طرفي المنازعة هو إيداع عريضتها سكرتيرية المحكمة وبه تنعقد هذه المنازعة وتكون مقامة في الميعاد القانوني ما دام الإيداع قد تم خلاله وتقع صحيحة ما دامت العريضة قد استوفت البيانات الجوهرية التي تضمنتها المادة 14 من القانون الأول والمادة 20 من القانون الثاني، أما إعلان العريضة ومرفقاتها إلى الجهة الإدارية أو على ذوي الشأن فليس ركناً من أركان إقامة المنازعة الإدارية أو شرطاً لصحتها، وإنما هو إجراء مستقل لا يقوم به أحد طرفي المنازعة وإنما تتولاه المحكمة من تلقاء نفسها، وبناء على ما تقدم لا يكون بطلان إعلان العريضة ومرفقاتها إلى أي من ذوي الشأن مبطلان لإقامة الدعوى ذاتها ما دامت العريضة قد تمت صحيحة في الميعاد القانوني بإجراء سابق حسبما حدده قانون مجلس الدولة وإنما البطلان لا ينصب إلا على الإعلان وحده إن كان لذلك وجه، ولا يترتب على البطلان أثر إلا في الحدود والقدر الذي استهدفه الشارع.
2 - إنه ولئن كان لا يجوز أن يطعن في الأحكام بطريق البطلان الأصلي وأنه إذا كان الحكم باطلاً وانقضت مواعيد الطعن فيه أو استنفذت اعتبر صحيحاً من كل الوجوه ولا يجوز بأي حال من الأحوال التمسك بأي وجه من أوجه بطلانه طبقاً لقاعدة Voics de nullitè n’ont lien contre les jugements. إلا أن هذه القاعدة تخضع لعدة استثناءات وهي (1) الأحكام التي تصدر من فرد أو أفراد عاديين ليس لهم ولاية القضاء (2) الأحكام الصادرة من محكمة لا وظيفة لها أو على خلاف القواعد الأساسية الموضوعة للنظام القضائي. (3) القرارات القضائية التي لا تفصل في منازعة ما ولو اتخذت شكل الأحكام كالحكم الصادر برسو المزاد. (4) الأحكام التي تصدر في الدعوى في مواجهة شخص بدون إعلانه للجلسة المحددة لنظر الدعوى إعلاناً صحيحاً أو ضد شخص متوفى، ففي هذا الحال وأشباهها يكون الحكم باطلاً لبنائه على إجراءات باطلة.


إجراءات الطعن

في 23 من أبريل سنة 1959 أودع السيد وكيل المدعي طعناً في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لوزارة الخزانة بجلسة 23 من فبراير سنة 1959 في الدعوى رقم 97 لسنة 5 القضائية المرفوعة من السيد/ محمد الليثي مدكور ضد وزارة الخزانة القاضي برفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة بنظر الطلب الأصلي وباختصاصها، وفي الموضوع برفضه وعدم قبول الطلب الاحتياطي مع إلزام المدعي بالمصروفات "وطلب السيد الطاعن - للأسباب التي استند إليها في عريضة الطعن - الحكم "بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه واحتياطياً بإعادة القضية لمحكمة أول درجة للفصل فيها من جديد" وقد أعلن الطعن للحكومة في 30 من يونيه سنة 1959 وعين لنظره أمام هيئة فحص الطعون جلسة 26 من يونيه سنة 1960 فقررت إحالته إلى المحكمة الإدارية العليا لجلسة 5 من نوفمبر سنة 1960 ومنها أجلت لجلسة 17 من ديسمبر سنة 1960 وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ثم أرجأت النطق بالحكم لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من أوراق - تتحصل في أنه بصحيفة أودعت سكرتيرية المحكمة الإدارية لوزارة الخزانة في 17 من ديسمبر سنة 1957 أقام المدعي الدعوى رقم 97 لسنة 5 القضائية ضد وزارة المالية والاقتصاد طالباً الحكم بصفة أصلية "ببطلان صحيفة افتتاح الدعوى في القضية رقم 390 لسنة 3 القضائية وما ترتب عليها وبصفة احتياطية باعتبار الحكم الصادر في الدعوى كأن لم يكن واعتبار معارضته في الحكم الغيابي المنوه عنه والحكم بقبولها شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم الغيابي برفض دعوى وزارة المالية قبل المعارض مع إلزامها بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة" وقال في بيانه أنه في 23 من يونيه سنة 1955 رفعت وزارة المالية ضده دعوى تطالبه فيها برد مبلغ 487 جنيهاً و825 مليماً قيمة متجمد الفرق المستحق له والذي صرفه نظير إبقاء ترقيته إلى الدرجة السادسة من أول يوليه سنة 1943 وترقيته إلى الدرجة الخامسة في أول يوليه سنة 1947. وقالت الوزارة شرحاً لدعواها بأن المدعي عين في 21 من ديسمبر سنة 1942 في الدرجة السابعة بوزارة الأوقاف بماهية قدرها 120 جنيهاً سنوياً ثم رقي إلى الدرجة السادسة بماهية قدرها 144 جنيهاً سنوياً ونقل إلى إدارة اللوائح والرخص بوزارة الداخلية في 19 من أكتوبر سنة 1943 وقد سويت حالته بالتطبيق لأحكام المرسوم بقانون رقم 148 لسنة 1944 فرد في أول نوفمبر سنة 1944 إلى الدرجة الثامنة من 21 من ديسمبر سنة 1942 بمرتب 72 جنيهاً سنوياً ثم نقل إلى مجلس مديرية الجيزة بمرتب 120 جنيهاً سنوياً في أول فبراير سنة 1946 وبناء على قرار مجلس الوزراء الصادر في أول يونيه سنة 1950 بقيت له الدرجة السادسة الاستثنائية من أول يوليه سنة 1943 ورقي إلى الدرجة الخامسة من أول يوليه سنة 1947 وقالت الوزارة في دعواها أنه لما كانت المادة 15 من المرسوم بقانون رقم 36 لسنة 1952 تقضي بتحصيل الفروق التي صرفت نتيجة إعادة الترقيات الاستثنائية بطريق استقطاعها من ربع المرتب أو المعاش أو المكافأة، وإذ كان المدعي قد فصل من الخدمة في أول مارس سنة 1952 لاستقالته وكانت مدة خدمته وقد بلغت عشرة أشهر ونصف قبل صدور المرسوم بقانون سالف الذكر لا يستحق عنها مكافأة فإنه يكون ملزماً برد مبلغ الـ 478 جنيهاً و825 مليماً سالف الذكر. وبجلسة 17 من أبريل سنة 1957 حكمت المحكمة الإدارية "بإلزام المدعي بأن يدفع للحكومة مبلغ 487 جنيهاً و825 مليماً والمصروفات و200 قرش مقابل أتعاب المحاماة" ويقول المدعي أنه لم يعلن بالدعوى التي رفعتها ضده وزارة المالية ولا بأية جلسة من جلساتها وآية ذلك أن الأخطار الوحيد الذي علم به عن موضوع الدعوى هو إعلانه بالحكم بالعنوان الذي يقيم فيه فعلاً وكان هذا الإعلان في 9 من ديسمبر سنة 1957 ولما كانت المادة 11 من قانون المرافعات تنص على أن تسلم الأوراق المطلوب إعلانها إلى الشخص نفسه أو في موطنه ولما كان موطن المدعي من بداية سنة 1955 هو الموطن الذي أعلن فيه بالحكم فإذا صح أن الدعوى رفعت في 23 من يونيه سنة 1955 فكان يتعين إعلانه في موطنه الذي أعلنته فيه الحكومة بالحكم ومن ثم يكون الحكم الصادر بإلزامه بدفع مبلغ 487 جنيهاً و825 مليماً قد صدر على غير أساس سليم من القانون ويحق للمدعي أن يرفع عنه هذه المعارضة. وفي موضوع الدعوى يقول المدعي أنه لم يعلن بالدعوى التي أقامتها وزارة المالية إلا عند إعلان الحكم إليه في 9 من ديسمبر سنة 1957 وبذلك يكون قد انقضى من تاريخ صدور المرسوم بقانون رقم 36 لسنة 1952 وهو أول أبريل سنة 1952 أكثر من خمس سنوات، ولما كانت المادة 375 من القانون المدني تنص على أنه "يتقادم بخمس سنوات كل حق دوري متجدد ولو أقر به المدين كأجرة المباني والأراضي الزراعية ومقابل الحكر وكالفوائد والإيرادات المرتبة والمهايا والأجور والمعاشات ولما كان المبلغ المطالب به هو فروق شهرية مرتبه ومن مرتب المدعي ومن ثم فإنه يدفع بتقادمها لمضي أكثر من خمس سنوات طبقاً للمادة 375 سالفة الذكر كما دفع المدعي بعدم اختصاص القضاء الإداري بنظر الدعوى لأن المدعي قد ترك الخدمة ولم يصبح موظفاً يخضع لأحكام قانون الموظفين ومن ثم تكون الدعوى خارجة عن ولاية القضاء الإداري وقد ردت الحكومة على الدعوى فقالت أن الطعن في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية بإلزام لمدعي بأن يدفع للحكومة مبلغ 487 جنيهاً و825 مليماً وهو مؤسس على وجود بطلان في الإجراءات أثر في الحكم - كان يجب رفعه إلى المحكمة الإدارية العليا أما ولم يطعن رئيس هيئة مفوضي الدولة في ذلك الحكم خلال ستين يوماً من صدوره فقد امتنعت بالنسبة له جميع أوجه الطعن إلا إذا توافرت شروط التماس إعادة النظر وهي غير متوافرة في هذه الحالة، ثم قالت أن التحريات التي أجرتها وزارة المالية أجمعت على أن المدعي يقيم مع صهره في العنوان الذي تم فيه إعلان المدعي بالدعوى رقم 390 لسنة 3 القضائية ولم يقدم المدعي دليلاً واحداً على أن التحريات كانت غير صحيحة ثم قالت عن الطلب الاحتياطي أن المعارضة كطريق من طرق الطعن في الأحكام سبيل غير مقبول أمام القضاء الإداري ثم قالت بعد ذلك أن المادة 15 من القانون رقم 36 لسنة 1952 قد نصت على جواز تحصيل الفروق المترتبة على تنفيذه بطريق الحجز الإداري والتنفيذ الإداري وضع لمواجهة الحالات التي لا يتقاضى فيها المدين بالفروق مرتباً أو معاشاً أو مكافأة كما في حالة المدعي إذ أن عدم تقاضي المدعي معاشاً أو مرتباً أو مكافأة لا يمنع من مطالبته بالفروق المترتبة على تنفيذ القانون رقم 36 لسنة 1952 كما أنه طالما أن المبالغ المطالب بها قد صرفت باعتبارها راتباً فإن طلب استردادها هو في الواقع من الأمر نزاعاً في راتب مما يدخل في اختصاص القضاء الإداري على ما قضت به المحكمة الإدارية العليا وانتهت الحكومة في مذكرتها إلى طلب الحكم بعدم الاختصاص بالنسبة للطلب الأصلي وبعدم قبول الطلب الاحتياطي ومن باب الاحتياط برفض الدعوى مع إلزام المدعي بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وبجلسة 23 من فبراير سنة 1959 حكمت المحكمة "برفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة بنظر الطلب الأصلي وباختصاصها وفي الموضوع برفضه وعدم قبول الطلب الاحتياطي وألزمت المدعي بالمصروفات" وأقامت المحكمة قضاءها بالنسبة لاختصاصها بنظر الدعوى على أنه ولئن كانت المادة 15 من القانون رقم 165 لسنة 1955 قد حددت الهيئة التي تقوم بالطعن في الأحكام والأحوال التي تكون مبررة له وميعاده إلا أنه كقاعدة عامة يجوز التمسك ببطلان الإجراءات بدعوى أصلية إذ استحال التمسك بالبطلان في المواعيد وبالطرق التي قررها القانون؛ ذلك أن وسيلة الطعن التي نص عليها القانون قد استحالت على المدعي فهو على حد قوله لم يعلن بعريضة الدعوى رقم 390 لسنة 2 القضائية أو بأي جلسة من جلساتها وقد صدر الحكم فيها بتاريخ 17 من أبريل سنة 1957 وأعلن إليه بتاريخ 9 من ديسمبر سنة 1957 أي بعد فوات الميعاد المقرر للطعن في الحكم كما أنه يمتنع عندئذ على رئيس هيئة مفوضي الدولة أن يقرر بالطعن في الحكم المذكور إذا طلب إليه ذلك ومن ثم يكون الدفع في غير محله متعيناً رفضه، وعن الموضوع استعرضت المحكمة أحكام المادتين 21 و74 من القانون رقم 165 لسنة 1955 بشأن تنظيم مجلس الدولة ثم أشارت إلى الحكم الذي أصدرته المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 142 لسنة 2 القضائية وانتهت من ذلك إلى أن "إعلان العريضة إلى الجهة الإدارية أو إلى ذوي الشأن ليس ركناً من أركان إقامة المنازعة الإدارية باعتبار أنه يتم وفقاً للبيانات التي تضمنتها العريضة فإن القضاء ببطلان هذا الإجراء لا يأتي إلا نتيجة لبطلان العريضة لإغفالها بياناً من البيانات التي نص عليها القانون وأن الأثر الذي يترتب على ذلك هو إلغاء الإجراء واعتباره كأن لم يكن وزوال كافة الآثار القانونية المترتبة عليه، فبطلان صحيفة الدعوى يستتبع بطلان جميع إجراءات الخصومة بما في ذلك الحكم الصادر في الدعوى"، ثم ناقشت المحكمة إعلان صحيفة الدعوى إلى المدعي في محل إقامة صهره ثم إعلان الحكم إليه في محل إقامته وانتهت من ذلك إلى أن الجهة الإدارية كانت تجهل محل إقامة المدعي وأنها قد استنفدت جهدها في معرفة موطنه وأن عريضة الدعوى أعلنت إليه في أخر موطن كانت جهة الإدارة على علم به؛ ومن ثم تكون الخصومة قد انعقدت سليمة بإيداع عريضة الدعوى سكرتيرية المحكمة مستوفية كافة البيانات التي نص عليها القانون، ولا يغير من ذلك عقدي الإيجار واشتراك التليفون اللذين قدمهما المدعي وأنه يتعين لذلك رفض الطلب الأصلي، وعن الطلب الاحتياطي قالت المحكمة أن استبعاد فكرة الحكم الغيابي وجواز المعارضة فيه من النظام القضائي بمجلس الدولة هو النتيجة المنطقية التي تتفق مع نظام إجراءات التقاضي أمامه وتترتب عليه إذ يقوم هذا النظام أساساً على مبدأ المرافعات التحريرية في مواعيد محددة منضبطة يستطيع ذوو الشأن فيها أن يقدموا مذكراتهم كتابة مع مستنداتهم كما جعل تحضير الدعوى وتهيئتها للفصل فيها منوط بهيئة مفوضي الدولة وإلزامها إيداع تقرير تحدد فيه وقائع الدعوى والمسائل القانونية التي يثيرها النزاع وإبداء الرأي في ذلك مسبباً كل ذلك قبل تعيين جلسة لنظر الدعوى.. ومن ثم يتعين الحكم بعدم قبول هذا الطلب.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الحكم المطعون فيه قد سلم بأن المدعي لم يعلن بصحيفة افتتاح الخصومة ولا بأي ورقة من أوراقها وأن الجزاء الحتمي لذلك هو انعدام الخصومة وانعدام الحكم الصادر فيها إلا أنه خالف القانون بتقريره أن الجهة الإدارية كانت تجهل محل إقامة المدعي وأنها استنفدت جهدها في معرفة موطنه وأن عريضة الدعوى أعلنت إليه في أخر موطن تعلمه الإدارة ورتبت على ذلك صحة الإعلان الحاصل في غير موطن المدعي ووجه الخطأ في ذلك أن قانون المرافعات قد بين الجهة التي تسلم فيها الإعلانات في حالة ما يكون المعلن غير عالم بموطن المدعى عليه وهي التسليم للنيابة العامة، فإذا سلم بوجهة نظر الإدارة والحكم من أن الجهة الإدارية كانت حسنة النية وأنها لم تكن تعلم موطن المدعي الحقيقي وأنها بذلت جهدها في هذا السبيل فكان عليها لكي يكون الإعلان صحيحاً أن تتبع ما ينص عليه قانون المرافعات في هذا الشأن وهو تسليم صورة الإعلان للنيابة العامة فإذا لم تتخذ هذا الإجراء وسلمت صورة الإعلان في غير موطن المدعي فإن هذا الإعلان يكون قد وقع باطلاً ولما كان البطلان قد لحق أول إجراء من إجراءات الدعوى والأساس الذي تقوم عليه الخصومة وهو صحيفة افتتاح الدعوى فإن الخصومة تكون غير منعقدة والحكم الصادر فيها يكون منعدماًً.
ومن حيث إنه يبين من الاطلاع على الأوراق أنه في 19 من يوليه سنة 1953 طلبت إدارة المعاشات من إدارة قضايا الحكومة إقامة الدعوى ضد السيد/ محمد الليثي مدكور (المدعي) لمطالبته بدفع مبلغ 487 جنيهاً و825 مليماً قيمة متجمد الفرق الذي صرف إليه طبقاً للمادة 15 من المرسوم بقانون رقم 36 لسنة 1952 "علماً بأنه يقيم بشارع كامل واصف باشا بالدقي" وفي 20 من أبريل سنة 1954 أرسلت إدارة قضايا الحكومة إلى إدارة المعاشات كتاباً تخطرها فيه بأنه "بإعلان محمود الليثي مدكور بشارع كامل واصف بالدقي لم يستدل عليه" وطلبت إفادتها عن صحة العنوان مع ذكر رقم المنزل حتى يمكن إعلانه إعلاناً صحيحاً وقد كتبت إدارة المعاشات إلى وزارة الداخلية طالبة التحري عن عنوان المدعي وذكرت أن صحة اسمه هو محمد الليثي مدكور وأن من المحتمل أن يكون إعلان الدعوى قد أعيد بسبب اختلاف الاسم. وفي ديسمبر سنة 1954 أخطرت وزارة الداخلية إدارة قضايا الحكومة بأن عنوان المدعي هو "شارع رفاعة بالجيزة ويقيم حالياً بالإسكندرية طرف حماه السيد المهندس عثمان محرم بشارع الكورنيش بسيدي بشر فضلاً عن أنه موظف بشركة النقل والهندسة بميدان الحرية بالقاهرة" وفي يناير سنة 1955 أرسلت إدارة قضايا الحكومة إلى إدارة المعاشات كتاباً تذكر فيه أنه بإعلان المدعي طرف حماه السيد المهندس عثمان محرم وردت الإجابة بأنه غير موجود وطلبت موافاتها بعنوانه لإعلانه بالدعوى، وفي أبريل سنة 1955 أرسلت وزارة الداخلية إلى إدارة قضايا الحكومة بأن المدعي يقيم طرف صهره المهندس عثمان محرم بشارع الهرم وبناء على ذلك أقيمت الدعوى رقم 390 لسنة 3 القضائية ضد المدعي أمام المحكمة الإدارية لوزارة المالية وحدد مفوض الدولة أمام المحكمة المذكورة جلسة 20 من فبراير سنة 1956 لمناقشة الطرفين ولم يحضر المدعي بالجلسة المذكورة فتأجلت الجلسة لهذا السبب إلى 23 من أبريل سنة 1956، وبمناسبة التحري عن ممتلكات المدعي للحجز عليها إدارياً أرسلت محافظة القاهرة إلى المالية كتاباً في 18 من أبريل سنة 1956 تخبرها بأن المدعي يقيم بعمارة دياب رقم 12 شارع البحر قسم أول جيزة ولم يستدل على ممتلكات له بدائرة القسم، وقد عين لنظر الدعوى أمام المحكمة الإدارية لوزارة المالية جلسة 4 من سبتمبر سنة 1956 ومنها أجلت لجلسة 10 من أكتوبر سنة 1956 لإعلان المدعى عليه - وأخطرت الإدارة بذلك ثم لجلسة 14 من نوفمبر سنة 1956 لعدم حضور المدعي ثم لجلسة 23 من يناير سنة 1957 وكانت الإدارة على علم بهذه التأجيلات - وبجلسة 17 من أبريل سنة 1957 صدر الحكم في الدعوى وقد طلبت إدارة المعاشات من سكرتيرية المحكمة الإدارية موافاتها بصورة تنفيذية من الحكم المذكور ثم أرسلت هذه الصورة التنفيذية إلى إدارة قضايا الحكومة للتنفيذ وذكرت أن "أخر عنوان معروف هو 12 شارع البحر عمارة دياب قسم أول الجيزة" وقد أعلن الحكم للمدعي في العنوان المذكور في 9 من ديسمبر سنة 1957 فأقام الدعوى رقم 97 لسنة 5 القضائية طالباً الحكم بصفة أصلية" ببطلان صحيفة افتتاح الدعوى في القضية رقم 390 لسنة 3 القضائية وما ترتب عليها وبصفة احتياطية باعتبار الحكم الصادر في الدعوى كأن لم يكن...".
ومن حيث إن المدعي قدم حافظة مستندات تضمنت عقد زواجه بكريمة المهندس عثمان محرم في 27 من مارس سنة 1950 وذكر بالعقد أنه يقيم بشارع رفاعة رقم 5 بالجيزة وعقد إيجار مؤرخ 16 من مارس سنة 1950 باستئجاره الشقة رقم 6 بالدور الثالث بشارع كامل واصف رقم 5 بالجيزة لمدة سنتين اعتباراً من أول أبريل سنة 1950 ثم عقد استئجاره للشقة رقم 12 من العقار رقم 12 مكرر بشارع فاروق الأول بالجيزة اعتباراً من أول مارس سنة 1955 ومع هذه العقود إيصالات النور والتليفون تؤيد ذلك.
ومن حيث إن المدعي يستند في دعواه الحالية إلى أنه لم يعلن بالدعوى رقم 390 لسنة 3 القضائية وتقول الحكومة أن المدعي أعلن إليه بطرف صهره السيد المهندس عثمان محرم.
ومن حيث إن المادة 11 من قانون المرافعات المدنية والتجارية تنص على أن "تسلم الأوراق المطلوب إعلانها إلى الشخص نفسه أو في موطنه ويجوز تسليمها في الموطن المختار في الأحوال التي بينها القانون" كما تنص المادة 24 من القانون المشار إليه على أنه "يترتب البطلان على عدم مراعاة المواعيد والإجراءات المنصوص عليها في المواد 7 و8 و10 و11".
ومن حيث إنه يجب التنبيه بادئ ذي بدء إلى أن إجراءات قانون المرافعات المدنية والتجارية أو أحكامه لا تطبق أمام القضاء الإداري إلا فيما لم يرد فيه نص خاص في قانون مجلس الدولة وبالقدر الذي لا يتعارض أساساً مع نظام المجلس وأوضاعه الخاصة.
ومن حيث إنه على مقتضى الإجراءات والأوضاع الخاصة بنظام التداعي أمام القضاء الإداري يجب التفرقة بين الإجراء الذي يقيم المنازعة الإدارية أمامه سواء أكانت طعناً بالإلغاء أو غيره وما يترتب على هذا الإجراء من آثار وبين ما يتلو ذلك من إجراءات وما يترتب عليها، فإذا كانت إقامة المنازعة الإدارية بحسب هذا النظام تتم بإجراء معين وقع صحيحاً، فإنه ينتج آثاره في هذا الشأن وبهذه المثابة لا يلحقه بطلان إجراء تال، وإنما ينصب البطلان على هذا الإجراء التالي وحده في الحدود وبالقيود وبالقدر الذي قرره الشارع.
ومن حيث إن إقامة المنازعة الإدارية تتم طبقاً للمادة 13 من القانون رقم 9 لسنة 1949 وللمادة 20 من القانون رقم 165 لسنة 1955 بإجراء معين يقوم به أحد طرفي المنازعة هو إيداع عريضتها سكرتيرية المحكمة وبه تنعقد هذه المنازعة وتكون مقامة في الميعاد القانوني ما دام الإيداع قد تم خلاله وتقع صحيحة ما دامت العريضة قد استوفت البيانات الجوهرية التي تضمنتها المادة 14 من القانون الأول والمادة 20 من القانون الثاني، أما إعلان العريضة ومرفقاتها إلى الجهة الإدارية أو إلى ذوي الشأن فليس ركناً من أركان إقامة المنازعة الإدارية أو شرطاً لصحتها، وإنما هو إجراء مستقل لا يقوم به أحد طرفي المنازعة وإنما تتولاه المحكمة من تلقاء نفسها، وبناء على ما تقدم لا يكون بطلان إعلان العريضة ومرفقاتها إلى أي من ذوي الشأن مبطلاً لإقامة الدعوى ذاتها ما دامت قد تمت صحيحة في الميعاد القانوني بإجراء سابق حسبما حدده قانون مجلس الدولة وإنما البطلان لا ينصب إلا على الإعلان وحده إن كان لذلك وجه، ولا يترتب على البطلان أثر إلا في الحدود وبالقدر الذي استهدفه الشارع.
ومن حيث إنه ظاهر من الأوراق - حسبما سلف البيان - أن المدعي قد أعلن بالدعوى لدى صهره مع أنه لا يقيم ومع علم إدارة المعاشات بمحل إقامته وآية ذلك أنها عندما طلبت من إدارة القضايا إقامة الدعوى ضد المدعي ذكرت في كتابها أنه مقيم بشارع كامل واصف بالدقي وهو حقاً عنوان المدعي إلا أنها لم تتحر رقم المنزل مما ترتب عليه عدم إمكان الاستدلال عليه ثم علمت بعد ذلك من كتاب محافظة القاهرة المؤرخ 18 من أبريل سنة 1959 أن المدعي يقيم بعمارة دياب رقم 12 شارع البحر قسم أول جيزة وهو عنوان صحيح وكانت الدعوى مؤجل نظرها أمام السيد المفوض لجلسة 23 من أبريل سنة 1959 لإعلان المدعي ومع ذلك لم تقم إدارة المعاشات بإخطار إدارة القضايا بعنوانه لإعلانه فيه ثم عين لنظر الدعوى جلسة 4 من سبتمبر سنة 1956 ومنها أجلت لجلسة 10 من أكتوبر سنة 1956 لإعلان المدعي ثم لجلسة 14 من نوفمبر سنة 1956 لعدم حضور المدعي ثم لجلسة 23 من يناير سنة 1957 ثم لجلسة 27 من فبراير سنة 1957 ومع ذلك لم يعلن المدعي في محل إقامته المعلوم لإدارة المعاشات للحضور في الدعوى إلى أن صدر الحكم في 17 من ديسمبر سنة 1957 ثم إذا بها ترسل الحكم إلى إدارة القضايا لإعلان المدعي به وتخطرها بعنوانه الصحيح وهو "12 شارع البحر عمارة دياب قسم أول جيزة" ويبين من ذلك كله أن إعلان صحيفة الدعوى رقم 390 لسنة 3 القضائية قد وقع باطلاً لعدم إعلان المدعي إعلاناً صحيحاً ويترتب على ذلك بطلان جميع الإجراءات التالية لذلك الإعلان بما فيها الحكم المطعون فيه.
ومن حيث إنه ولئن كان لا يجوز أن يطعن في الأحكام بطريق البطلان الأصلي وأنه إذا كان الحكم باطلاً وانقضت مواعيد الطعن فيه أو استنفدت اعتبر صحيحاً من كل الوجوه ولا يجوز بأي حال من الأحوال التمسك بأي وجه من أوجه بطلانه طبقاً لقاعدة Voies de nullitès n’ont lien contre les jugements إلا أن هذه القاعدة تخضع لعدة استثناءات وهي (1) الأحكام التي تصدر من فرد أو أفراد عاديين ليس لهم ولاية القضاء. (2) الأحكام الصادرة من محكمة لا وظيفة لها أو على خلاف القواعد الأساسية الموضوعة للنظام القضائي. (3) القرارات القضائية التي لا تفصل في منازعة ما لو اتخذت شكل الأحكام كالحكم الصادر برسو المزاد. (4) الأحكام التي تصدر في الدعوى في مواجهة شخص بدون إعلانه للجلسة المحددة لنظر الدعوى إعلاناً صحيحاً أو ضد شخص متوفى ففي هذه الحالات وأشباهها يكون الحكم باطلاً لبنائه على إجراءات باطلة.
ومن حيث إنه لذلك يكون الطعن قد قام على أساس سليم من القانون ويكون الحكم المطعون فيه إذ قضى برفض الدعوى قد جاء مخالفاً للقانون ويتعين من أجل ذلك إلغاؤه والقضاء ببطلان الحكم الصادر في الدعوى رقم 390 لسنة 3 القضائية لعدم إعلان صحيفة الدعوى إلى المدعي إعلاناً صحيحاً.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبطلان الحكم الصادر في الدعوى رقم 390 لسنة 3 القضائية، من المحكمة الإدارية لوزارة الخزانة في 17 من ديسمبر سنة 1957 وألزمت الحكومة بالمصروفات.