أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثاني - السنة 10 - صـ 482

جلسة 11 من يونيو سنة 1959

برياسة السيد محمود عياد المستشار، وبحضور السادة: الحسيني العوضي، ومحسن العباسي، وعبد السلام بلبع، ومحمود القاضي المستشارين.

(73)
الطعن رقم 26 لسنة 27 ق أحوال شخصية

اختصاص "الاختصاص المتعلق بالولاية" "مسائل الوقف". وقف.
انحصار النزاع في ادعاء المدعي بدخول العين المتنازع عليها في الوقف المشمول بنظره وتمسك المدعى عليه بتبعية العين المذكورة للوقف المشمول بنظارته ويمتلكه لها بالتقادم. هي دعوى ملكية عين من اختصاص المحاكم المدنية. غير مؤثر أن تكون المنازعة قائمة بين جبهتي وقف. لا اعتداد بأن يكون سبب المنازعة سابقاً أو تالياً لإنشاء الوقف. م 16 لائحة ترتيب المحاكم الشرعية. م 16 من قانون نظام القضاء.
متى كان النزاع - بصورته الماثلة في الدعوى - لا ينصب على ذات الوقف من حيث إنشائه أو صحته أو الاستحقاق فيه أو تفسير شروطه أو الولاية عليه أو حصوله في مرض الموت - بل كان من جانب المدعي دعوى بدخول العين المتنازع عليها في الوقف المشمول بنظره - ومن جانب المدعى عليه إنكاراً لهذه الدعوى وتمسكاً بدخول العين المذكورة في الوقف المشمول بنظارته وبتملكه لها بالتقادم القصير والطويل المكسبين - فإن الدعوى بهذا الوصف هي دعوى ملكية عين مما تختص المحاكم المدنية بالفصل فيه - ولا يغير من هذا النظر أن تكون المنازعة قائمة بين جهتي وقف - ولا اعتداد أيضاً بأن يكون سبب المنازعة سابقاً على إنشاء الوقف (المدعي) أو تالياً لإنشائه - ذلك أن المحاكم المدنية هي محاكم القانون العام ولا يخرج من اختصاصها إلا ما استثنى بنص صريح - ولم تخرج المادة 16 من لائحة ترتيب المحاكم الأهلية (المقابلة للمادة 16 من قانون نظام القضاء) من اختصاص تلك المحاكم فيما يتعلق بمسائل الوقف إلا ما كان منها متعلقاً بأصله.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - في أنه بتاريخي 10، 14 مارس سنة 1949 أقام السيد/ محمد عبد الرحمن حافظ بصفته ناظراً على وقف جديه المرحومين السيد محمد المدعو هاشم ووالده السيد محمد زين العابدين الدعوى رقم 79 لسنة 1949 أمام محكمة مصر الابتدائية الشرعية ضد الطاعن والمرحوم على راتب - بصفتهما ناظرين على وقف المرحوم إسماعيل راتب - وضد السيد علي أمين يحيى - بصفته ناظراً على وقف المرحومة السيدة خديجة بهية هانم برهان - قائلاً في صحيفتها أن المرحوم السيد الشريف محمد المدعو هاشم ابن السيد محمد زين العابدين وقف الأعيان المبينة بكتاب وقفه الصادر أمام محكمة الصالحية النحمية في غرة رجب سنة 1090 هجرية - ومن تلك الأعيان الموقوفة المكان الكائن بشارع حسن الأكبر بالقرب من مسجد الواقف المشتمل على وكالة وحوانيت ومبين الحدود والمعالم بحجة الوقف المذكورة، وأن الواقف أنشأ وقفه هذا على عمارة المسجد المشار إليه ومرافقه وإقامة الشعائر الدينية فيه وما فضل من الريع يكون له مدة حياته ثم من بعده لأولاده.... إلخ وبعد انقراض الذرية يكون على الجهات التي عينها بكتاب وقف، وقد مات الواقف وآل الريع إلى الجهات الخيرية التي عينها الواقف وإلى ذريته. وأنه بتاريخ 27 من محرم سنة 1261 هـ أجر المرحوم عبد الرحمن مصطفى الشهير "بشحرور" بصفته ناظراً على الوقف المذكور - إذ ذاك - جميع بناء الوكالة وما اشتملت عليه من حوانيت وحواصل وطباق علوية إلى المغفور له محمد شريف باشا، ثم مات المستأجر وورثة المرحوم على باشا شريف، وبتاريخ 20 نوفمبر سنة 1879 باع على باشا شريف الوكالة ومشتملاتها وأعياناً أخرى إلى إسماعيل راتب وخديجة بهية وعثمان راتب وزينب دولت. وفي 29 محرم سنة 1299 اقتسم هؤلاء الأعيان التي اشتروها فخصت الوكالة بمشتملاتها كلاً من المرحومين إسماعيل راتب وخديجة بهية هانم برهان الأول بحق 18 قيراط والثانية بحق 6 قيراط وفي ربيع الثاني سنة 1299 وقف إسماعيل راتب حصته في تلك الوكالة كما وقفت السيدة خديجة بهية حصتها فيها في 19 صفر سنة 1300، ثم أقام اللواء محمد حافظ باشا "والد المدعي" وكان ناظراً على وقف السيد الشريف محمد المدعو هاشم الدعوى رقم 153 لسنة 24/ 1925 أمام محكمة القاهرة الابتدائية الشرعية ضد نظار وقفي إسماعيل راتب وخديجة بهية هانم برهان طالباً الحكم عليهم بصفتهم برفع أيديهم عن أرض الوكالة ومبانيها وتسليمها إليه ليحوزها لجهة الوقف وأمرهم بالكف عن المعارضة ثم قصر دعواه إلى الاكتفاء مؤقتاً بطلب الحكم بجريان أرض العين المذكورة في الوقف المشمول بنظره وأعرض مؤقتاً عما عدا ذلك. وبتاريخ 8 مارس سنة 1932 حكمت محكمة القاهرة الابتدائية الشرعية بجريان أرض العين المحدودة بالدعوى في وقف السيد الشريف محمد المدعو هاشم ووالده المشمول بنظر "المدعي"، وقد تعرض المدعى عليهم "ومنهم الطاعن" بصفتهم المذكورة في وضع يده على بناء الوكالة المشار إليها سابقاً - فأقام دعواه الحالية طالباً الحكم بجريان بناء الوكالة المشار إليها في الوقف المذكور مع إلزامهم بالمصروفات وأتعاب المحاماة. وبتاريخ 8 فبراير سنة 1953 قضت محكمة القاهرة الابتدائية الشرعية "غيابياً" بجريان بناء الوكالة المذكورة في الوقف المذكور مع إلزام المدعى عليهم المصروفات. وبتاريخ 31/ 5/ 1953 استأنف السيدان علي راتب وإسماعيل راتب بصفتهما ناظرين على وقف المرحوم إسماعيل راتب هذا الحكم - أمام المحكمة الشرعية العليا - ثم انفرد الطاعن بالاستئناف بعد وفاة أخيه علي راتب - وأدخلت فيه وزارة الأوقاف مستأنفاً عليها بدلاً من الناظر السابق - تطبيقاً للقانون رقم 247 لسنة 1953 - ثم أحيل الاستئناف إلى محكمة استئناف القاهرة فقيد بجدولها برقم 89 لسنة 73 ق وطلب المستأنف بالصحيفة قبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف بجميع أجزائه ورفض دعوى المستأنف عليه مع المصاريف والأتعاب وأبدى المستأنف في المذكرات المقدمة منه للمحكمة العليا الشرعية ولمحكمة القاهرة دائرة الأحوال الشخصية أنه يدفع الدعوى بدفعين أولهما - بعدم سماعها لمضي المدة إذ أن ملكية السيدين إسماعيل راتب للوكالة والدكاكين قد مضى عليها نحو السبعين سنة منذ اشتراها من علي باشا شريف وأنه لذلك تكون الدعوى غير مسموعة لمضي المدة المانعة من سماعها طبقاً للمادة 375 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية. وثانيهما - بعدم اختصاص المحاكم الشرعية بنظر الدعوى لأن النزاع فيها يدور حول ملكية مباني الوكالة والفصل في ذلك منوطاً بالمحاكم الوطنية. وبتاريخ 28/ 4/ 1957 قضت محكمة استئناف القاهرة برفض ما دفع به المستأنف وبتأييد الحكم المستأنف وألزمت المستأنف بالمصروفات وخمسة جنيهات أتعاب محاماة. وبتاريخ 13 مايو سنة 1957 طعن الطاعن بالنقض في هذا الحكم. وبعد استيفاء الإجراءات أبدت النيابة العامة رأيها بالمذكرة المرفقة برقم 6 بنقض الحكم المطعون فيه في خصوص السبب الثاني من سببي الطعن، وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون بجلسة 6 مايو سنة 1958 وفيها صممت النيابة العامة على ما جاء بمذكرتها وقررت دائرة الفحص إحالة الطعن إلى دائرة المواد المدنية والتجارية ومسائل الأحوال الشخصية، وأشر بهذا القرار على أصل تقرير الطعن وأمر رئيس المحكمة بإعلان تقرير الطعن إلى المطعون عليها وحدد لها أجلاً خمسة عشر يوماً من تاريخ إعلانها لإيداع مذكرة بدفاعها مشفوعة بالمستندات التي ترى تقديمها وللنيابة الواحد والعشرين يوماً التالية لإبداء رأيها في هذا الطعن. ونفذ هذا القرار فأعلنت المطعون عليها في 25/ 5/ 1958 وقدمت مذكرة بالرد على الطعن مرفقة برقم 11 وقدمت النيابة العامة مذكرة ثانية برأيها من 7/ 9/ 1958 تمسكت فيها بالرأي المبدى بمذكرتها السابقة.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الثاني على الحكم في خصوص قضائه برفض الدفع بعدم اختصاص المحاكم الشرعية بنظر الدعوى أنه أقام هذا القضاء على القول بأن اختصاص تلك المحاكم في قضايا الوقف يكون معقوداً لها كلما كان النزاع مبنياً على سبب لاحق لإنشاء الوقف كما هو الحال في الدعوى، وهذا الذي أقام الحكم المطعون فيه قضاءه عليه مخالف للقانون ذلك أنه لا اعتداد في شأن الاختصاص بما إذا كان سبب المنازعة تالياً لإنشاء الوقف أو سابقاً عليه بل المناط في هذا الخصوص هو تعلق النزاع بأصل الوقف أو عدم تعلقه به ودعوى النزاع الحالي ليس شيء منها متعلق بأصل الوقف أو متصل به بل هو في حقيقة الواقع يتمحض إلى أنه منازعة تقوم من جانب الوقف "الذي يمثله المطعون عليه" على القول بجريان العين موضوع النزاع فيه - بينما يدعي الطاعن أن تلك العين قد آلت ملكيتها بالتصرف الصادر من علي باشا شريف إلى المشترين الذين وقفوا العين المذكورة واستمرت في يد هذا الوقف الأخير وفي حيازته مدة تربوا على السبعين عاماً وبذلك أصبحت مملوكة ملكية تامة لهذا الوقف ولمن آلت إليهم ملكية أعيانه من ذوي الاستحقاق فيه. والنزاع على هذه الصورة منقطع الصلة بأصل الوقف ومن ثم تكون المحاكم المدنية دون المحاكم الشرعية هي المختصة بنظر هذه المنازعة.
وحيث إن هذا النعي في محله ذلك أنه يبين من الحكم المطعون فيه أنه أقام قضاءه في هذا الخصوص على ما أورده في أسبابه من قوله: "من حيث إن المستأنف يستند في دفعه بعدم الاختصاص إلى الفقرة الثانية من المادة 16 من قانون نظام القضاء لأن النزاع يقوم هنا بين وقف السيد محمد هاشم ووقف السيد إسماعيل راتب على ملكية المباني ثم يذهب في مذكرته إلى أن البيع الذي حصل من علي باشا شريف إلى السيد إسماعيل راتب وحرمه في 20/ 11/ 1879 مكسب للملكية لأنه لا يعدو أن يكون في حكم القانون بيع ملك الغير لأن المقطوع به أن المشترين من الأغيار بالنسبة للمستأجر وعلى الأخص بالنسبة لعلي باشا شريف البائع ومن ثم أنزل على هذه الواقعة حكم المادة 264 من القانون المدني القديم الذي تم التعاقد في ظلها وأخذ يوضح ذلك مستنداً إلى أقوال شراح القوانين - وواضح مما تقدم أن المستأنف يريد أن يثبت الملكية للعين المتنازع عليها بناء على سبب لاحق لوقف السيد محمد المدعو هاشم - وقد استقر قضاء هذه الدائرة على أن مثل هذا النزاع كان من اختصاص المحاكم الشرعية - يراجع حكم هذه الدائرة الصادر في القضية رقم 19 لسنة 73 بتاريخ 20/ 1/ 1957 وإذ كان هذا النزاع من اختصاص المحاكم الشرعية سابقاً وبالتالي يكون من اختصاص هذه الدائرة فيجب الرجوع عند الفصل في هذا النزاع إلى أرجح الأقوال من مذهب أبي حنيفة طبقاً للمادة 28 من اللائحة لا إلى القانون المدني قديمه وحديثه وإذن فلا وجه لما ذهب إليه المستأنف في الدفع بعدم الاختصاص..." وهذا الذي أقام الحكم المطعون فيه قضاءه عليه مخالف للقانون ذلك أنه متى كان النزاع بصورته الماثلة في الدعوى - لا ينصب على ذات الوقف من حيث إنشائه أو صحته أو الاستحقاق فيه أو تفسير شروطه أو الولاية عليه أو حصوله في مرض الموت بل كان من جانب المدعي "المطعون عليه" دعوى بدخول العين المتنازع عليها في الوقف المشمول بنظره - ومن جانب المدعى عليه "الطاعن" إنكاراً لهذه الدعوى وتمسكاً بدخول العين المذكورة في الوقف المشمول بنظارته وبتملكه لها بالتقادم القصير والطويل المكسبين - فإن الدعوى بهذا الوصف هي دعوى ملكية عين مما تختص المحاكم المدنية بالفصل فيه، ولا يغير من هذا النظر أن تكون المنازعة قائمة بين جهتي وقف، ولا اعتداد أيضاً بأن يكون سبب المنازعة سابقاً على إنشاء الوقف المدعى أو تالياً لإنشائه - ذلك أن المحاكم المدنية هي محاكم القانون العام ولا يخرج من اختصاصها إلا ما استثنى بنص صريح ولم تخرج المادة 16 من لائحة ترتيب المحاكم الأهلية "المقابلة للمادة 16 من قانون نظام القضاء" من اختصاص تلك المحاكم فيما يتعلق بمسائل الوقف إلا ما كان منها متعلقاً بأصله، ولما كان الحكم المطعون فيه قد جانب هذا النظر فإنه يكون معيباً بما يستوجب نقضه.
وحيث إن الاستئناف صالح للفصل فيه ولما سبق بيانه يتعين إلغاء الحكم المستأنف والقضاء بعدم اختصاص المحاكم الشرعية بنظر الدعوى.