أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثالث - السنة 10 - صـ 590

جلسة 22 من أكتوبر سنة 1959

برياسة السيد محمود عياد المستشار، وبحضور السادة: محمد فؤاد جابر، والحسيني العوضي، ومحمد رفعت، وعبد السلام بلبع المستشارين.

(89)
الطعن رقم 189 لسنة 25 القضائية

( أ ) بيع "آثار عقد البيع" "التزامات البائع" "الالتزام بالتسليم". قطن "بيع أقطان". محكمة الموضوع.
استظهار محكمة الموضوع نية المتعاقدين واستخلاصها من أوراق الدعوى وظروفها أن يوماً معيناً هو الميعاد الذي تخلف البائع فيه عن توريد باقي كمية القطن المبيعة والذي يحق فيه للمشتري ممارسة حقه في الشراء وإجراء المحاسبة على هذا الأساس. تقدير موضوعي تستقل به بمنأى عن رقابة محكمة النقض.
(ب) عقد "آثار العقد" "انحلال العقد" "شرط الإعذار". تعويض. "شرط الإعذار". إعذار. حكم "الطعن فيه" "شرط المصلحة" نقض "المصلحة في الطعن".
النعي على الحكم مخالفته مقتضى المادتين 157، 158 مدني فيما توجبانه من إعذار المدين كشرط لاستحقاق التعويض غير منتج ولا مصلحة فيه إذا كان قد قضى بالتعويض فعلاً واقتصر الطعن على طلب زيادته تبعاً لتحديد تاريخ التخلف عن الوفاء.
(جـ) حكم "عيوب التدليل" "القصور" "ما لا يعد كذلك".
عدم التزام محكمة الموضوع بتعقب حجج الخصوم في جميع مناحي أقوالهم استقلالاً. يكفي لسلامة الحكم أن يكون مقاماً على أسباب تكفي لحمله.
(د) حكم "تسبيبه" "كفاية الرد الضمني".
إقامة الحكم على اعتبارات تبرره يعتبر رداً ضمنياً على ما أثير من دفاع.
1 - إذا كان الواقع في الدعوى أن المطعون عليه باع للشركة الطاعنة كمية من القطن واتفقا سلفاً على تحديد الميعاد الذي يجب أن يتم فيه التسليم ورتبا الجزاء على عدم قيام المطعون عليه بالتوريد فيه بأن يدفع للطاعنة الفرق بين سعر البيع والسعر الجاري التعامل به للبضاعة الحاضرة في اليوم الذي يظهر فيه العجز أو عدم التسليم، وكان تحديد هذا اليوم إنما يكون باستظهار نية المتعاقدين وما تستخلصه المحكمة من أوراق الدعوى وظروفها، وكانت محكمة الموضوع إذ خلصت إلى تحديد يوم معين اعتبرته أخر ميعاد قدم فيه المطعون عليه للطاعنة قدراً من القطن المبيع، وقررت أنه لم يحصل بعد ذلك التاريخ عرض من المطعون عليه ولا قبول من الطاعنة لأي مقدار آخر، وكان لا يبين من وقائع الحكم وأسبابه ما يفيد أن المطعون عليه كان ينتوي الاستمرار في توريد باقي الأقطان المبيعة بعد التاريخ الذي حددته وأن المحكمة رتبت على ذلك أن اليوم التالي هو الميعاد الذي يحق للطاعنة ممارسة حقها في شراء ما تخلف المطعون عليه عن توريده من القطن المبيع وإجراء محاسبته على هذا الأساس، فإن هذا الذي انتهت إليه المحكمة يعتبر تقديراً موضوعياً مما يستقل به قاضي الموضوع دون رقابة فيه لمحكمة النقض.
2 - إذا كانت الطاعنة قد نعت على الحكم المطعون فيه مخالفته مقتضى المادتين 157، 158 من التقنين المدني فيما توجبانه من إعذار المدين كشرط لاستحقاق التعويض. فإن نعيها يكون غير منتج ولا مصلحة لها فيه ما دام قد قضي لها بالتعويض فعلاً واقتصر طعنها على طلب زيادة مبلغ التعويض المقضى به تبعاً لتحديد التاريخ الذي يثبت فيه العجز عن توريد باقي القدر المبيع ويتعين فيه الشراء على حساب المطعون عليه.
3 - محكمة الموضوع غير ملزمة بتتبع أقوال الخصوم والرد على كل منها استقلالاً متى كانت قد أقامت قضاءها على ما يكفي لحمله.
4 - إقامة الحكم على اعتبارات تبرره يعتبر رداً ضمنياً على ما أثير من دفاع.


المحكمة

تتحصل واقعة الدعوى. على ما يستفاد من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - في أن شركة رينهارت الطاعنة أقامت الدعوى رقم 269 لسنة 50 كلي الإسكندرية وطلبت الحكم فيها بإلزام المطعون عليه بأن يدفع لها مبلغ 2593 جنيهاً، 982 مليماً والفوائد بواقع 8% سنوياً من 15/ 12/ 1949 حتى السداد والمصاريف والأتعاب والنفاذ، وقالت شرحاً لدعواها إن المطعون عليه باع لها بموجب عقد مؤرخ 24/ 5/ 1949 عدد 500 قنطاراً من القطن الأشموني محصول سنة 1949 - 1950 وتعهد بتسليم ذلك القدر في ميعاد غايته 10/ 10/ 1949 وذلك بعلاوة قدرها 100 قرش فوق شعر كونتراتات القطن متوسط التيلة من رتبة الجود تسليم أكتوبر سنة 1949 ببورصة العقود بالإسكندرية، وللبائع الحق في قطع السعر في اليوم الذي يختاره لغاية 25/ 9/ 1949، وقد قطع المطعون عليه سعر كمية القطن المتعهد بتوريدها جميعها بسعر يوم 5/ 8/ 1949 وهو 44.58 ريالاً للقنطار ولكنه لم يسلم القدر المبيع جميعه بل تأخر في تسليم 251.63 قنطاراً، وطالبته الشركة الطاعنة بتوريدها ودياً فلم يقبل فأنذرته بخطاب موصى عليه بتاريخ 10/ 12/ 1949 بالتوريد في 12/ 12/ 1949 وإلا قامت بشرائها على حسابه بسعر قفل البورصة الساعة الواحدة من يوم 13/ 12/ 1949 وأن عملية الشراء أجلت بسعي المطعون عليه إلى يوم 15/ 12/ 1949 وفيه اشترت الطاعنة القدر الباقي بسعر 79.55 ريالاً للقنطار وبذلك صار مديناً لها في فرق قدره 1759 جنيهاً، 900 مليم عن القدر الذي لم يتم توريده ومبلغ 251 جنيهاً، 630 مليماً تعويض بواقع 1 جنيه عن كل قنطار طبقاً للبند الثاني من عقد البيع ومبلغ 178 جنيهاً، 657 مليماً وهو الفرق بين ثمن البيع والثمن الجاري للبضاعة الحاضرة (بريم) ومبلغ 222 جنيهاً، 500 مليم ثمن تقاوي وبتصفية حساب ما قبضه المطعون عليه من الطاعنة وقدره 2600 جنيه مما هو في ذمته على الأساس المذكور يكون مديناً لها في مبلغ 2593 جنيهاً، 982 مليماً وهو المطالب به في الدعوى. وبتاريخ 9/ 12/ 1951 قضت محكمة أول درجة حضورياً بإلزام المطعون عليه بأن يدفع للطاعنة مبلغ 1437 جنيهاً، 491 مليماً والفوائد المستحقة عن مبلغ 181 جنيهاً، 295 مليماً من 24/ 5/ 1949 وعلى مبلغ 782 جنيهاً، 66 مليماً من 12/ 10/ 1949 وعلى مبلغ 474 جنيهاً، 170 مليماً اعتباراً من 15/ 12/ 1949 على أن تكون الفوائد عن هذه المبالغ جميعها بسعر 7% لغاية السداد مع المصروفات المناسبة والنفاذ، وقد استأنفت الشركة الطاعنة هذا الحكم بالاستئناف رقم 36 سنة 8 ق كما استأنف المطعون عليه استئنافاً مقابلاً برقم 27 سنة 9 ق طالباً إلغاءه كما طلبت الطاعنة في استئنافها الأصلي تعديل الحكم المستأنف وإلزام المطعون عليه بأن يدفع لها مبلغ 2593 جنيهاً، 982 مليماً والفوائد القانونية والمصاريف عن الدرجتين. وبتاريخ 12/ 12/ 1954 قضت محكمة استئناف الإسكندرية في الاستئنافين الأصلي والمقابل بتعديل الحكم المستأنف وإلزام المطعون عليه بأن يدفع للطاعنة مبلغ 2119 جنيهاً، 564 مليماً والفوائد بواقع 7% سنوياً من تاريخ 30 سبتمبر سنة 1949 للسداد عن مبلغ 222 جنيهاً، 500 مليم وبواقع 4% من تاريخ المطالبة الرسمية في 14/ 2/ 1950 للسداد عن مبلغ 1645 جنيهاً، 434 مليماً مع المصروفات المناسبة عن الدرجتين وإلزام الشركة الطاعنة بباقي المصروفات والمقاصة في أتعاب المحاماة. طعنت الشركة الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض، وقد عرض الطعن على دائرة فحص الطعون بعد أن قدمت النيابة مذكرة برأيها وذلك في 26 إبريل سنة 1959 فرأت إحالته إلى هذه المحكمة لنظره بجلسة 8 أكتوبر سنة 1959 وقد صمم الطرفان على دفاعهما كما طلبت النيابة رفض الطعن. وقد أقيم الطعن على سببين.
ومن حيث إن السبب الأول يتحصل في أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه من وجهين، الأول أنه اعتبر سعر يوم 15/ 11/ 1949 وهو اليوم التالي لأخر توريد قام به المطعون عليه أساساً للمحاسبة عن باقي مقدار القطن الذي لم يقم المطعون عليه بتوريده، في حين أن عقد البيع وإن عنى بتحديد تاريخ التسليم في 10/ 10/ 1949 والأثر المترتب على مخالفته، إلا أنه لم يعين تاريخاً ثابتاً للشراء على حساب المطعون عليه وترك تحديد ذلك إلى حين تحقق واقعة عجز المطعون عليه عن التوريد أو امتناعه عن التسليم واعتبر أن يوم تحقق هذه الواقعة هو اليوم الذي يتحدد به الشراء على حساب المطعون عليه ومؤدى هذا أن اعتبار البائع "المطعون عليه" عاجزاً عن التوريد أو ممتنعاً عنه متروك لظروف التوريد تبعاً لنضج المحصول أو تأخره ولقرائن الأحوال وإعمال نصوص القانون، ولو قصد المتعاقدان اعتبار يوم 10/ 10/ 1949 وهو ميعاد التوريد المتفق عليه دليلاً بذاته على العجز عن التوريد لنصا على ذلك صراحة في العقد إذ لا تلازم بين انقضاء الأجل المحدد للتوريد وبين وقت ظهور العجز أو الامتناع عن التوريد، ولو فرض جدلاً اتحاد الأمرين في تاريخ واحد لنص في العقد على إعفاء الطاعنة من الإعذار، فإذا خلا العقد من النص على هذا الإعفاء وجب حصول هذا الإعذار إثباتاً للعجز أو الامتناع عن التسليم. والثاني - أن الحكم المطعون فيه خالف مقتضى المادتين 157 و158 مدني وهما توجبان على الدائن إعذار المدين لإثبات التقصير إلا إذا نص المتعاقدان على الإعفاء من الإعذار والعقد جاء خلواً من هذا الإعفاء، ونزولاً على حكم هذين النصين قد أعذرت الطاعنة المطعون عليه ومنحته مهلة وتمسكت بذلك الدفاع إلا أن الحكم المطعون فيه أغفله وقضى بوجوب الشراء على حساب المطعون عليه في اليوم التالي لأخر توريد بعد أن امتد أجل التوريد باتفاق الطرفين ضمناً وبغير حاجة إلى إعذار وبغير أن يفصح المطعون عليه عن نيته عند توريد الكمية الأخيرة في 14/ 11/ 1949 بأنها كانت أخر توريد له ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه متعيناً نقضه.
وحيث إن هذا النعي مردود في وجهيه بأنه يبين من مراجعة عقد البيع الرقيم 7/ 4/ 1949 أن الطرفين حددا سلفاً الميعاد الذي يجب أن يتم فيه تسليم القطن المبيع وهو يوم 10/ 10/ 1949 ورتبا الجزاء على عدم قيام المطعون عليه بالتوريد فيه بأن يدفع المطعون عليه للطاعنة الفرق بين سعر البيع والسعر الجاري التعامل به للبضاعة الحاضرة في اليوم الذي يظهر فيه العجز أو عدم التسليم، ولما كان تحديد هذا اليوم إنما يكون باستظهار نية المتعاقدين وما تستخلصه المحكمة من أوراق الدعوى وظروفها وكانت المحكمة إذ خلصت إلى أن يوم 14/ 11/ 1949 يعتبر أخر ميعاد قدم فيه المطعون عليه للطاعنة قدراً من القطن المبيع ولم يحصل بعد ذلك التاريخ عرض المطعون عليه ولا قبول من الطاعنة لأي مقدار أخر، كما لم يبين من وقائع الحكم وأسبابه ما يفيد أن المطعون عليه كان ينتوي الاستمرار في توريد باقي الأقطان المبيعة بعد تاريخ 14/ 11/ 1949 المشار إليه، وأن المحكمة اعتبرت لذلك أن يوم 15/ 11/ 1949 هو الميعاد الذي يحق للطاعنة ممارسة حقها في شراء ما تخلف المطعون عليه عن توريده من القطن المبيع وإجراء محاسبته على هذا الأساس، فإن هذا الذي انتهت إليه المحكمة يعتبر تقديراً موضوعياً مما يستقل به قاضي الموضوع دون رقابة فيه لمحكمة النقض، وأما ما تمسكت به الطاعنة من وجوب حصول الإعذار كشرط لاستحقاق التعويض فهو نعي غير منتج ولا مصلحة للطاعنة فيه ما دام قد قضى لها بالتعويض فعلاً واقتصر طعنها على طلب زيادة مبلغ التعويض المقضى به تبعاً لتحديد التاريخ الذي يثبت فيه العجز عند التوريد ويتعين فيه الشراء على حساب المطعون عليه وقد حددته المحكمة على ما سبق بيانه ومن ثم يتعين رفض هذا السبب.
وحيث إن محصل السبب الثاني إن الطاعنة ناقشت في دفاعها محكمة الاستئناف مسألة تحديد اليوم الذي يظهر فيه العجز أو الامتناع عن التسليم واستبعدت يوم 10/ 10/ 1949 لأن ما ورده المطعون عليه كان لاحقاً لهذا التاريخ مما يدل على امتداد أجل التوريد كما استبعدت يوم 15/ 11/ 1949 الذي اعتمده الحكم المطعون فيه ميعاداً لحصول العجز أو الامتناع عن التسليم لعدم حصول اتفاق بين الطرفين على مد الأجل حتى يوم 14/ 11/ 1949 كما لم يكن التوريد في أيام متتالية حتى تفطن الطاعنة إلى أن انقطاع المطعون عليه عن التوريد بعد يوم 14/ 11/ 1949 دليل على امتناعه ولأن المطعون عليه لم يفصح عن نيته في عدم التوريد في يوم 14/ 11/ 1949 وهو ما دعا الطاعنة إلى انتظاره حتى يوم 18/ 11/ 1949 حيث استحثته على متابعة التوريد فلم يفصح عن نيته إلا بعد إنذاره في يوم 10/ 12/ 1949 بأن الطاعنة سوف تشتري قطناً على حسابه فأبرق إليها في 12/ 12/ 1949 معترضاً على هذا الإجراء طالباً الانتظار حتى 10 يناير سنة 1950 لتسوية الموضوع، وما كان للطاعنة أن تشتري على حسابه في يوم 18/ 11/ 1949 لضرورة فوات المهلة المحددة له بإنذارها، والحكم المطعون فيه إذ لم يعرض لهذا الدفاع إلا بقوله إن أجل التوريد لم يمتد بعد 14/ 11/ 1949 ودون أن يبين وجه إطراحه الأخذ بسعر يوم 18/ 11/ 1949 على الأقل رغم أن المحكمة بهيئة سابقة كانت بسبيل اعتماد هذا التاريخ أساساً للمحاسبة إذ قررت تكليف الطاعنة بتقديم نشرات أسعار البورصة في ذلك اليوم، فإن ذلك يعتبر قصوراً يعيب الحكم ويبطله.
وحيث إن هذا النعي مردود بما سبق الرد به على السبب الأول من أسباب هذا الطعن وبأن المحكمة غير ملزمة بتتبع أقوال الخصوم والرد على كل منها استقلالاً متى كانت قد أقامت قضاءها على ما يكفي لحمله وبأن قرار المحكمة بتكليف الطاعنة بتقديم نشرات أسعار البورصة في يوم 18/ 11/ 1949 هو قرار تحضيري لا يقيد المحكمة وأن في اعتماد المحكمة لأسعار يوم 15/ 11/ 1949 الذي أجرت المحاسبة على أساسه فيه الرد الضمني على ما أثارته الطاعنة من إطراح أسعار باقي الأيام الأخر مما يتعين معه رفض هذا السبب.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس ويتعين رفضه.