مجلس الدولة - المكتب الفني- مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السابعة عشرة - العدد الثاني (من منتصف فبراير سنة 1972 إلى أخر سبتمبر سنة 1972) - صـ 323

(50)
جلسة 11 من مارس سنة 1972

برئاسة السيد الأستاذ المستشار عوضين إبراهيم الألفي، رئيس مجلس الدولة. وعضوية السادة الأساتذة حسين عوض بريقي ومحمد صلاح الدين السعيد ويحيى توفيق الجارحي وأبو بكر محمد عطية، المستشارين.

القضيتان رقما 922 و1262 لسنة 14 القضائية

( أ ) عاملون مدنيون "انتهاء الخدمة، إعادة تعيين".
القرارات الصادرة بإنهاء خدمة من صدرت ضدهم أحكام من محكمة الشعب - قرارات صحيحة ومنتجة لآثارها استناداً إلى القانون رقم 176 لسنة 1960 بالعفو عن بعض العقوبات وإجازة إعادة بعض الموظفين المحكوم عليهم من محكمة الشعب إلى الخدمة - إعادة تعيين من فصلوا من الخدمة - لا تعد سحباً لقرار الفصل - بيان ذلك.
(ب) دعوى "رسوم قضائية - طلبات احتياطية".
اشتمال الدعوى على طلب أصلي وآخر احتياطي - استحقاق أرجح الرسمين - بيان ذلك.
(ج) عاملون مدنيون "إعادة تعيين - أقدمية".
إعادة تعيين من فصل من الخدمة طبقاً لأحكام القانون رقم 176 لسنة 1960 - اعتبار مدة خدمتهم متصلة - أساس ذلك - القرار الجمهوري رقم 3602 لسنة 1966.
(د) دعوى - هيئة مفوضي الدولة - غرامة.
الغرامة التي يوقعها مفوض الدولة على أحد الخصوم - الإقالة منها من اختصاص مفوض الدولة طالما كانت الدعوى في مرحلة التحضير - بعد إحالة الدعوى إلى المحكمة يمتنع على المفوض كما يمتنع على المحكمة الإقالة من الغرامة - أساس ذلك.
1- إنه أياً كانت طبيعية الأحكام التي تصدرها محكمة الشعب وما إذا كانت بمثابة الأحكام الصادرة من المحاكم الجنائية بما يؤدي إليه ذلك من تطبيق قواعد إنهاء الخدمة الواردة في قوانين التوظف أو أنها تعتبر قرارات إدارية لا يترتب عليها ذلك الأثر فإن هذا البحث أصبح غير مجد في شأن المنازعة الحالية بعد أن صدر القانون رقم 176 لسنة 1960 المشار إليه واعتبر القرارات الصادرة بإنهاء خدمة من صدرت ضدهم أحكام من محكمة الشعب صحيحة ومطابقة للقانون ومنتجة للآثار التي تترتب عليها وأجاز للجهات الإدارية إعادة تعيين من صدر قرار بفصلهم من الخدمة على أساس الشروط والأوضاع التي حددها القانون وعلى هذا الوجه فلا يكون القرار الصادر بإعادة تعيين الموظف المفصول بمثابة سحب القرار الصادر بفصله.
2- إن تقدم المدعي بطلب أصلي وآخر احتياطي لا يترتب عليه اعتبار الدعوى مشتملة على طلبات متعددة يتعدد الرسم المستحق على كل منها ذلك أن المدعي لا يطلب الحكم له بالطلبين معاً وإنما يطلب الحكم بطلب واحد منهما فقط واختيار أحدهما بصفة أصلية والآخر بصفة احتياطية في حالة رفض الطلب الأصلي، وقد نصت الفقرة الرابعة من المادة السابعة من لائحة الرسوم القضائية ورسوم التوثيق في المواد المدنية الصادر بها القانون رقم 90 لسنة 1944 على أنه "في حالة وجود طلبات تبعية لبعض الطلبات الأصلية يستحق أرجح الرسمين للخزانة كذلك يكون الحكم في حالة ما إذا كانت بعض الطلبات مقدمة للمحكمة على سبيل الخبرة فيكتفي بالنسبة لها وللطلبات الأخرى محل الخبرة بأرجح الرسمين للخزانة".
3 - إن قرار رئيس الجمهورية رقم 3602 لسنة 1966 بشأن حساب مدد الفصل لمن يعادون للخدمة بعد صدور قرار العفو عنهم طبقاً لأحكام القانون رقم 176 لسنة 1960 ينص في مادته الأولى على أنه "تعتبر مدة الخدمة متصلة بالنسبة للعاملين الذين صدر عفو عنهم ويعادون إلى الخدمة بعد انتهائها نتيجة للحكم عليهم في قضايا سياسية ويطبق ذلك على من سبق إعادتهم إلى الخدمة قبل صدور هذا القرار" كما نصت المادة الثانية منه على أنه "لا يجوز الاستناد إلى الأقدمية التي يرتبها هذا لقرار الطعن في القرارات الصادرة بالترقية قبل صدوره، كما لا يترتب على حساب المدة وفقاً للمادة السابقة صرف أية فروق مالية عن الماضي ومفهوم هذا القرار أن من حكم عليهم من محكمة الشعب وصدر عفو عنهم ثم أعيدوا للخدمة طبقاً لأحكام القانون رقم 176 لسنة 1960 تعتبر مدة خدمتهم متصلة بعد إعادتهم إلى الخدمة كما يطبق ذلك الحكم على من أعيد إلى الخدمة منهم قبل صدور القرار المذكور إلا أن هذه الأقدمية الاعتبارية لا تجيز الطعن في قرارات الترقية الصادرة قبل صدوره كما لا يترتب عليها فروق مالية".
4 - إنه وإن كانت هيئة مفوضي الدولة هي أحد فروع القسم القضائي بمجلس الدولة طبقاً للمادة الثالثة من قانون المجلس رقم 55 لسنة 1959 فإنها وإن شاركت محكمة القضاء الإداري صفتها كأحد فروع هذا القسم إلا أن لكل منهما في نطاق هذا القانون ذاتيتها الخاصة واختصاصها المستقل ولما كانت المادة 109 من قانون المرافعات تقضي بأن تحكم المحكمة على من يتخلف من الخصوم أو موظفي المحكمة عن القيام بأي إجراء من إجراءات المرافعات في الميعاد الذي حددته له المحكمة بغرامة لا تقل عن جنيه ولا تجاوز خمسة جنيهات وللمحكمة أن تقيل المحكوم عليه من الغرامة إذا أبدى عذراً مقبولاً فإنه يستفاد من هذا النص أن الإقالة من الغرامة هي من سلطة المحكمة التي أوقعتها الأمر الذي يستفاد منه قياساً أن الاختصاص في الإقالة هو لذات الجهة التي فرضتها ولا يكون لذلك محل إلا قبل خروج الدعوى من حوزة هذه الجهة، وهذا الوقت بالنسبة إلى هيئة مفوضي الدولة هو الفراغ من تحضير الدعوى بإرسالها إلى محكمة القضاء الإداري وعرضها على رئيس المحكمة لتحديد جلسة لنظرها فإذا تم هذا الإجراء خرجت الدعوى من حوزة الهيئة وخرج من اختصاصها الإقالة من الغرامة التي فرضتها وفي الوقت ذاته لا تملك المحكمة إقالة الطرف الذي غرمته الهيئة من هذه الغرامة لأنها وقعت من جهة أخرى.


"المحكمة"

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعنين قد استوفيا أوضاعهما الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل حسبما يبين من الأوراق في أن المدعي أقام الدعوى رقم 3462 لسنة 19 القضائية ضد وزارة التموين بعريضة أودعها قلم كتاب محكمة القضاء الإداري في 18 من أغسطس سنة 1965 طلب في ختامها الحكم أصلياً باعتبار القرار رقم 44 لسنة 1955 الصادر بفصله غير قائم وما يترتب على ذلك من آثار واحتياطياً تسوية حالته بإعادته في درجته وأقدميته التي كان عليها يوم الحكم عليه دون إسقاط المدة التي قضاها في تنفيذ العقوبة من هذه الأقدمية وما يترتب على ذلك من آثار مع إلزام الجهة الإدارية المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة وقال بياناً لدعواه أنه كان موظفاً بوزارة التموين من الدرجة السادسة فني متوسط عندما اعتقل في 25/ 11/ 1954 وقدم للمحاكمة وحكمت عليه محكمة الشعب بالسجن عشر سنوات فأصدرت الوزارة القرار رقم 44 لسنة 1955 بفصله من الخدمة اعتباراً من يوم اعتقاله وقد أفرج عنه إفراجاً صحيحاً في 14/ 11/ 1964 فتقدم للوزارة في 18/ 11/ 1964 لاستلام عمله فصدر القرار رقم 395 لسنة 1964 بإعادته إلى عمله بالدرجة والمرتب اللذين كانا يتقاضاهما عند الاعتقال وفي 12/ 1/ 1965 قدم تظلماً إدارياً لإلغاء قرار فصله الرقيم 44 لسنة 1955 فأخطرته الوزارة برفض تظلمه بكتابها المؤرخ 27/ 4/ 1965 وفي أول يناير سنة 1965 أصدر السيد وكيل الوزارة القرار رقم 29 لسنة 1965 بإسقاط المدة من 26/ 11/ 1954 حتى 21/ 12/ 1964 التي قضاها منذ الحكم عليه وفصله حتى تاريخ عودته إلى الخدمة في 12/ 12/ 1964 من أقدميته في الدرجة السابعة كادر متوسط التي كان يشغلها قبل فصله واعتبار أقدميته فيها من 13/ 12/ 1964 تاريخ عودته للخدمة مضافاً إليها 19 يوماً من أقدميته قبل الفصل. ثم أضاف أنه تظلم من قرار فصله رقم 44 لسنة 1955 والقرار 29 لسنة 1965 بإسقاط المدة السابقة من أقدميته إلا أنه لم يتلق رداً فتقدم في 17/ 4/ 1965 بطلب إعفائه من رسوم الدعوى إلا أن طلبه رفض في 27/ 6/ 1965. ثم أخذ المدعي يورد أسانيده القانونية فقال أنه بالنسبة لطلب عدم اعتبار قرار الفصل أن محكمة الشعب التي حكمت عليه ليس لها من المحاكم إلا اسمها فهي من حيث وظيفتها تقوم بعمل إداري ويعتبر حكمها قراراً بالاعتقال للمدة التي تعينها أما من حيث شكلها فهي غير خاضعة لقانون السلطة القضائية ويشترك فيها رجال غير قضائيين وهي أشبه بالمحاكم العسكرية وقد استقر الرأي في الفقه والقضاء على أن المحاكم العسكرية والمحاكم الاستثنائية هي جهات إدارية وقراراتها إدارية يجوز الطعن فيها أمام مجلس الدولة وقد حكمت بذلك محكمة القضاء الإداري كما اضطرد قضاء مجلس الدولة الفرنسي في أحكامه على ذلك. وقد بينت محكمة النقض طبيعة أحكام المحاكم الاستثنائية في حكم أصدرته بخصوص محكمة الثورة في الطعن رقم 3 الصادر في 23 من يونيو سنة 1955 جاء به أن "محكمة الثورة هي محكمة ذات سيادة لا تسري على الجرائم التي تحكم فيها القواعد المنصوص عليها في الكتاب الأول من قانون العقوبات لأنها إذ تعاقب المتهم إنما تمارس سيادة عليا تسمو على القوانين العادية وأن الحكم بعقوبة جنائية لا يستلزم حتماً وبصفة عامة ترتيب الأحكام الواردة في الكتاب الأول من قانون العقوبات ومنها الآثار المنصوص عليها في المادة 25 من ذلك القانون كما قضت محكمة القضاء الإداري في 16/ 3/ 1960 بأن الحكم الصادر بالسجن من محكمة الشعب لا يعتبر حكماً صادراً بعقوبة جنائية في تطبيق نص المادة 25 من قانون العقوبات وبالتالي لا يستتبع حتماً وبطريقة آلية توقيع العقوبة التبعية ومنها إنهاء الخدمة إعمالاً لنص الفقرة الثامنة من المادة 107 من القانون رقم 210 لسنة 1951 وخلص المدعي من ذلك إلى أن حكم محكمة الشعب الصادر ضده بالسجن لا يعتبر حكماً صادراً بعقوبة جنائية في تطبيق نص المادة 25 عقوبات وبالتالي لا يستتبع حتماً وبطريقة آلية توقيع العقوبات التبعية ومنها إنهاء خدمة الموظف أما المحكمة الإدارية العليا فأصدرت حكماً في 10/ 1/ 1965 في شأن موظف محكوم عليه في جناية من محكمة الثورة وقررت أن الفصل الصادر بناء على هذا الحكم بعقوبة الجناية إنما يتم بقرار إداري بينما قررت في حكمها الصادر في 24/ 4/ 1965 أن الفصل بسبب الحكم بعقوبة الجناية - وكان من محكمة عادية - لا يكون بقرار إداري وإنما بعمل تنفيذي وهذه التفرقة الدقيقة التي استشعرتها المحكمة الإدارية العليا ترتبت في الغالب على أن حكم محكمة الثورة ليست له آثار تبعية فقرار الفصل في هذه الحالة يكون بقرار منشئ وليس تنفيذاً للقانون وتطبيقاً له وانتهى المدعي إلى أن قرار فصله لا موجب له ويتعين الحكم بإلغائه لأنه غير قائم على سببه واعتباره كأن لم يكن أما مجرد انقطاعه عن عمله مدة طويلة فليس من أسباب الفصل ثم تناول المدعي طلبه الاحتياطي قائلاً أن القانون رقم 176 لسنة 1960 بشأن العفو وإجازة إعادة الموظفين المحكوم عليهم من محكمة الشعب إلى الخدمة نص على أن يوضع الموظف في الدرجة التي كان عليها قبل فصله وفي أقدميته فيها ومفاد هذا النص أن الموظف يعود إلى الخدمة بالحالة التي كان عليها قبل فصله سواء من حيث الدرجة التي يعاد لتعيينه فيها أو من حيث ترتيبه في كشف الأقدمية وكذلك فإن احتفاظ الموظف بأقدميته في الدرجة التي كان معيناً عليها يستتبع حساب مدة الفصل في هذه الأقدمية وقد أخذت بهذا الرأي اللجنة الأولى وانتهى المدعي إلى طلباته السالفة الذكر".
وردت الجهة الإدارية على الدعوى بقولها أن القرار رقم 44 لسنة 1955 بإنهاء خدمة المدعي صدر طبقاً لأحكام القانون للحكم عليه بعقوبة جناية وقد صدر القرار بتاريخ 20/ 1/ 1955 ولم يتظلم منه المدعي إلا بعد فوات المواعيد القانونية أما طلب المدعي تعديل القرار رقم 29 لسنة 1965 فإن الوزارة استندت في إصدار هذا القرار إلى كتاب إدارة الفتوى والتشريع المتضمن فتوى الجمعية العمومية بجلسة 22/ 7/ 1963 التي انتهت فيها إلى إسقاط المدة التي قضاها الموظف منذ الحكم عليه وفصله حتى تاريخ عودته إلى وظيفته من الأقدمية ومن ثم يكون هذا القرار متفقاً وحكم القانون وبجلسة 7/ 6/ 1967 أثناء نظر الدعوى طلب الحاضر عن الحكومة إقالة هذه الجهة الإدارية من الغرامة التي وقعها عليها السيد المفوض أثناء تحضير الدعوى تأسيساً على أن تحضير هيئة المفوضين للدعوى هو عمل قضائي يدخل في اختصاص المحكمة أصلاً وأن قرار توقيع الغرامة هو حكم يفصل في خصومة قوامها تقصير طالب التأجيل في القيام بما كلف به فإنه يجوز التظلم منه أمام المحكمة. وبجلسة 20 من مارس سنة 1968 حكمت محكمة القضاء الإداري حكمها السالف الإشارة إليه وقد أقامت قضاءها بالنسبة للطلب الأصلي على أن المدعي قد حكم عليه بالسجن عشر سنوات وهو حكم صدر في جناية وبعقوبة جناية وكأثر قانوني لهذا الحكم تنتهي خدمة المدعي بالوزارة المدعى عليها إعمالاً لنص الفقرة الثامنة من المادة 107 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بنظام موظفي الدولة التي تنص على أن تنتهي خدمة الموظف المعين على وظيفة دائمة إذا حكم عليه في جناية أو جريمة مخلة بالشرف وبذلك فإن الحكم على موظف في جناية يستتبع بقوة القانون إنهاء خدمته أياًَ كان وصف الجناية سياسية أم عادية صادرة من محكمة جنائية أم عسكرية ذلك أن النص ورد عاماً غير مخصص بتخصيص من نوع أو وصف معين ومن ثم يكون القرار المطعون فيه قد أصاب الحق ولا مطعن عليه إلا أنه وقد صدر بشطب اسم المدعي من عداد موظفي الوزارة اعتباراً من 26/ 11/ 1954 وهو اليوم التالي لاعتقاله في 25/ 11/ 1954 يحتاج إلى تصويب فيما يتعلق بالتاريخ الذي عينه لهذا الشطب ليصبح 2/ 1/ 1955 تاريخ تصديق مجلس قيادة الثورة عليه بدلاً من 26/ 11/ 1954 مع ما يترتب على ذلك من آثار. أما بالنسبة للطلب الاحتياطي فقالت المحكمة أنه طلب تسوية وهو مغاير للطب الأصلي ومستقل عنه ولما كان المدعي لم يؤد إلا رسماً عن طلب واحد هو طلب إلغاء القرار المطعون فيه فإنه يجب استبعاد هذا الطلب الاحتياطي ثم تناولت المحكمة طلب إقالة الحكومة من الغرامة التي سبق أن أوقعها عليها السيد المفوض قائلة (أنه وإن كانت هيئة مفوضي الدولة هي أحد فروع القسم القضائي بمجلس الدولة طبقاً للمادة الثالثة من قانون المجلس رقم 55 لسنة 1959 فإنها وإن شاركت محكمة القضاء الإداري صفتها كأحد فروع هذا القسم إلا أن لكل منهما في نطاق هذا القانون ذاتيتها الخاصة واختصاصها المستقل ولما كانت المادة 109 من قانون المرافعات تقضي بأن تحكم المحكمة على من يتخلف من الخصوم أو موظفي المحكمة عن القيام بأي إجراء من إجراءات المرافعات في الميعاد الذي حددته له المحكمة بغرامة لا تقل عن جنيه ولا تجاوز خمسة جنيهات وللمحكمة أن تقيل المحكوم عليه من الغرامة إذا أبدى عذراً مقبولاً فإنه يستفاد منه قياساً أن الاختصاص في الإقالة هو لذات الجهة التي فرضتها ولما كانت الحكمة من الإقالة هو الغفران للمحكوم عليه بها إذا استجاب إلى طلب الجهة التي أوقعتها ولا يكون لذلك محل إلا قبل خروج الدعوى من حوزة هذه الجهة، وهذا الوقت بالنسبة إلى هيئة مفوضي الدولة هو الفراغ من تحضير الدعوى بإرسالها إلى محكمة القضاء الإداري وعرضها على رئيس المحكمة لتحديد جلسة لنظرها فإذا تم هذا الإجراء خرجت الدعوى من حوزة الهيئة وخرج من اختصاصها الإقالة من الغرامة التي فرضتها وفي الوقت ذاته لا تملك المحكمة إقالة الطرف الذي غرمته الهيئة من هذه الغرامة لأنها وقعت من جهة أخرى).
ومن حيث إن طعن الحكومة يقوم على أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تطبيق القانون فيما قضى به من اعتبار تاريخ الفصل راجعاً إلى 2 من يناير سنة 1955 في حين أن التاريخ الحقيقي للفصل هو 26/ 11/ 1954 اليوم التالي لاعتقال المطعون ضده مباشرة كما أخطأ الحكم فيما قرره من عدم اختصاص المحكمة بنظر طلب إقالة الحكومة من الغرامة التي وقعتها هيئة مفوضي الدولة ذلك أن المشرع قد أقام هيئة مفوضي الدولة مقام المحكمة في مرحلة تحضير الدعوى الإدارية وتهيئتها للمرافعة ولهذا فإن هذه الهيئة عندما تقوم بتحضير الدعوى فإنها تباشر عملاً قضائياً يدخل بحسب الأصل في اختصاص المحكمة، ولما كان القرار الصادر من الهيئة بالغرامة هو حكم وله ما للأحكام من معنى ولا شك أن للمحكمة الهيمنة الكاملة على الدعوى حتى أثناء مرحلة تحضيرها أمام هيئة المفوضين وبذلك يدخل في اختصاصها تقدير ما اتخذ من إجراءات لأن كل ما تم يعتبر بمثابة إجراء تم أمام المحكمة والقول بغير ذلك إبعاد للمحكمة عن الخصومة في هذه المرحلة وهو أمر غير مستساغ هذا بالإضافة إلى أن الحكم بالغرامة هو حكم تهديدي قصد به حث المتنازعين على تقديم ما لديهم من مستندات ومذكرات في المواعيد وهذا الحكم التهديدي لا يمنع المحكمة من إقالة المحكوم عليه من الغرامة.
ومن حيث إن الطعن المقام من المدعي يقوم على ذات الأسانيد التي أوردها أمام محكمة القضاء الإداري والتي سبق بيانها في وقائع الدعوى.
ومن حيث إن مثار النزاع في الخصومة المعروضة هو ما إذا كان القرار رقم 44 لسنة 1955 المطعون فيه منهياً لخدمة المدعي باعتباره نتيجة لصدور حكم من محكمة الشعب بالسجن أي بعقوبة جناية وبالتالي يطبق نص الفقرة الثامنة من المادة 107 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بنظام موظفي الدولة أم أن الحكم الصادر من محكمة الشعب لا يعتبر حكماً صادراً بعقوبة في تطبيق نص المادة 25 من قانون العقوبات وبالتالي لا يستتبع حتماً وبطريقة آلية إنهاء خدمة الموظف.
ومن حيث إنه يبين من مطالعة أوراق الطعن أن وكيل وزارة التموين أصدر بتاريخ 20/ 1/ 1955 القرار رقم 44 لسنة 1955 بشطب اسم المدعي من عداد موظفي الوزارة اعتباراً من 26/ 11/ 1954 للحكم عليه بالسجن عشر سنوات وبتاريخ 22/ 12/ 1964 أصدر نائب رئيس الوزراء للتموين والتجارة القرار رقم 395 لسنة 1964 بإعادة المدعي إلى الخدمة بنفس أقدميته السابقة وذلك إعمالاً لأحكام القانون رقم 176 لسنة 1960 بشأن العفو عن بعض العقوبات وأجازة عودة الموظفين المحكوم عليهم من محكمة الشعب إلى الخدمة.
ومن حيث إن القانون رقم 176 لسنة 1960 ينص في المادة الثانية منه على أنه "يجوز أن يعاد الموظف العمومي إلى الوظيفة التي كان يشغلها قبل الحكم عليه من محكمة الشعب أو إلى أية وظيفة أخرى مماثلة أو غير مماثلة إذا كان الحكم عليه مع وقف تنفيذ العقوبة إذ كان يدخل في حكم المادة السابقة أو كان قد استوفى العقوبة المحكوم عليه بها وذلك بالشرطين الآتيين:
( أ ) أن يقدم طلباً إلى الجهة التي كان يتبعها قبل فصله خلال ثلاثين يوماً من صدور هذا القانون.
(ب) أن يوضع في الدرجة التي كان عليها قبل فصله وفي أقدميته فيها كما يجوز عند عدم وجود درجة خالية تعيينه بمكافأة ولا يجوز الطعن في قرار إعادة الموظف.. "كما ينص في مادته الثالثة على أن يكون الموظف تحت الاختبار مدة خمس سنوات تبدأ من تاريخ إعادته إلى الخدمة ويجوز فصله خلالها لأسباب تتعلق بالأمن".
ومن حيث إنه يؤخذ مما تقدم أن المشرع رغبة منه في إفساح مجال العمل لمن صدرت ضدهم أحكام من محكمة الشعب - أجاز للجهة الإدارية أن تعيد تعيينهم في وظائفهم السابقة ذاتها وهي التي كانوا يشغلونها قبل إنهاء خدمتهم أو إلى أية وظيفة أخرى مماثلة أو غير مماثلة على أن يكون ذلك بناء على طلبهم في الميعاد الذي حدده وأن يوضعوا في الدرجة التي كانوا عليها وبأقدميتهم فيها قبل فصلهم أو أن يعينوا بمكافأة عند عدم وجود درجة خالية وذلك كله تحت الاختبار مدة خمس سنوات".
ومن حيث إنه أياً كانت طبيعة الأحكام التي تصدرها محكمة الشعب وما إذا كانت بمثابة الأحكام الصادرة من المحاكم الجنائية بما يؤدي إليه ذلك من تطبيق قواعد إنهاء الخدمة الواردة في قوانين التوظف أو إنها تعتبر قرارات إدارية لا يترتب عليها ذلك الأثر فإن هذا البحث أصبح غير مجد في شأن المنازعة الحالية بعد أن صدر القانون رقم 176 لسنة 1960 المشار إليه واعتبر القرارات الصادرة بإنهاء خدمة من صدرت ضدهم أحكام من محكمة الشعب صحيحة ومطابقة للقانون ومنتجة للآثار التي تترتب عليها وأجاز للجهات الإدارية إعادة تعيين من صدر قرار بفصلهم من الخدمة على أساس الشروط والأوضاع التي حددها القانون وعلى هذا الوجه فلا يكون القرار الصادر بإعادة تعيين الموظف المفصول بمثابة سحب للقرار الصادر بفصله ولما كان الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى رفض الدعوى فيما يتعلق بطلب إلغاء القرار المطعون فيه فإنه يكون قد صادف الصواب في نتيجته ويكون الطعن على الحكم في هذا الطلب على غير أساس من القانون حقيق بالرفض.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بالطلب الاحتياطي فإن الدعوى وقد تهيأت للحكم فيها فلا ترى المحكمة مندوحة من التصدي لهذا الطلب.
ومن حيث إنه فيما يتعلق برسوم هذا الطلب فإن تقدم المدعي بطلب أصلي وآخر احتياطي لا يترتب عليه اعتبار الدعوى مشتملة على طلبات متعددة بتعدد الرسم المستحق على كل منها ذلك أن المدعي لا يطلب الحكم له بالطلبين معاً وإنما يطلب الحكم بطلب واحد منهما فقط واختيار أحدهما بصفة أصلية والآخر بصفة احتياطية في حالة رفض الطلب الأصلي، وقد نصت الفقرة الرابعة من المادة السابعة من لائحة الرسوم القضائية ورسوم التوثيق في المواد المدنية الصادر بها القانون رقم 90 لسنة 1944 على أنه "في حالة وجود طلبات تبعية لبعض الطلبات الأصلية يستحق أرجح الرسمين للخزانة كذلك يكون الحكم في حالة ما إذا كانت بعض الطلبات مقدمة للمحكمة على سبيل الخيرة فيكتفي بالنسبة لها وللطلبات الأخرى محل الخيرة بأرجح الرسمين للخزانة".
وترتيباً على ذلك فإنه لما كان رسم الطلب الأصلي ثابت ومساو لرسم الطلب الاحتياطي وقد سدده المدعي حين رفع الدعوى بطلبه الأصلي ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه يكون مخالفاً للقانون فيما قضى به من استبعاد الطلب الاحتياطي.
ومن حيث إنه فيما يختص بموضوع هذا الطلب فإنه وإن كان مفاد أحكام القانون رقم 176 لسنة 1960 المشار إليه فيما تقدم أن قرار إعادة الموظف المفصول للخدمة ليس سحباً لقرار إنهاء خدمته وإنما هو إعادة تعيين طبقاً للشروط والأوضاع التي حددها القانون ومؤداها وفقاً لما جاء بالمادة الثانية منه وضع الموظف المعاد في الدرجة التي كان يشغلها وبأقدميته فيها، فإن قرار رئيس الجمهورية رقم 3602 لسنة 1966 بشأن حساب مدد الفصل لمن يعادون للخدمة بعد صدور قرار العفو عنهم طبقاً لأحكام القانون رقم 176 لسنة 1960 ينص في مادته الأولى على أنه "تعتبر مدة الخدمة متصلة بالنسبة للعاملين الذين صدر عفو عنهم ويعادون إلى الخدمة بعد انتهائها نتيجة للحكم عليهم في قضايا سياسية ويطبق ذلك على من سبق إعادتهم إلى الخدمة قبل صدور هذا القرار" كما نصت المادة الثانية منه على أنه "لا يجوز الاستناد إلى الأقدمية التي يرتبها هذا القرار للطعن في القرارات الصادرة بالترقية قبل صدوره، كما لا يترتب على حساب المدة وفقاً للمادة السابقة صرف أية فروق مالية عن الماضي ومفهوم هذا القرار أن من حكم عليهم من محكمة الشعب وصدر عفو عنهم ثم أعيدوا للخدمة طبقاً لأحكام القانون رقم 176 لسنة 1960 تعتبر مدة خدمتهم متصلة بعد إعادتهم إلى الخدمة كما يطبق ذلك الحكم على من أعيد إلى الخدمة منهم قبل صدور القرار المذكور إلا أن هذه الأقدمية الاعتبارية لا تجيز الطعن في قرارات الترقية الصادرة قبل صدوره كما لا يترتب عليها فروق مالية ولما كان المدعي ممن حكم عليهم من محكمة الشعب في قضية سياسية وصدر عفو عنه وقد أعيد للخدمة أعمالاً لأحكام القانون رقم 176 لسنة 1960 بشأن العفو عن بعض العقوبات فإنه يستفيد من أحكام هذا القرار ويكون له الحق تبعاً لذلك في اعتبار مدة خدمته متصلة مع مراعاة أن ذلك لا يسوغ له الطعن على القرارات الإدارية السابقة على صدور القرار الجمهوري السالف الذكر كما لا يعطيه الحق في صرف أية فروق مالية عن الماضي.
ومن حيث إنه بالنسبة لمدى اختصاص محكمة القضاء الإداري في الحكم بإقالة المحكمة من الغرامة التي وقعها عليها مفوض الدولة أثناء تحضير الدعوى فإن حكم محكمة القضاء الإداري وقد انتهى إلى عدم اختصاص المحكمة بالإقالة من هذه الغرامة وباختصاص الجهة التي فرضتها يكون قد أصاب الحق في قضائه وذلك للأسباب الواردة بذلك الحكم والتي تأخذ بها هذه المحكمة ومن ثم يتعين الحكم بقبول الطعنين شكلاً وفي الموضوع برفض الطعن رقم 922 لسنة 14 قضائية وإلزام الجهة الإدارية مصروفات هذا الطعن وثانياً برفض الطعن رقم 1262 لسنة 14 قضائية فيما يتعلق بشقه الخاص بإلغاء القرار المطعون فيه رقم 44 لسنة 1955 الصادر في 20/ 1/ 1955 وإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من استبعاد الطلب الاحتياطي والحكم باعتبار مدة خدمة المدعي متصلة على النحو الذي سبق بيانه مع إلزام الجهة الإدارية مصروفات هذا الطلب.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعنين المضمومين شكلاً وفي موضوعهما:
أولاً - برفض الطعن رقم 922 لسنة 14 ق وإلزام الحكومة المصروفات.
ثانياً - بالنسبة للطعن رقم 1262 لسنة 14 ق برفضه بالنسبة للطلب الأصلي وبإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من استبعاد الطلب الاحتياطي وباعتبار مدة خدمة المدعي متصلة طبقاً لقرار رئيس الجمهورية رقم 3602 لسنة 1966 مع إلزام الحكومة بالمصروفات.