مجلس الدولة - المكتب الفني- مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السابعة عشرة - العدد الثاني (من منتصف فبراير سنة 1972 إلى أخر سبتمبر سنة 1972) - صـ 391

(59)
جلسة 2 من أبريل سنة 1972

برئاسة السيد الأستاذ المستشار الدكتور أحمد ثابت عويضة، رئيس المحكمة. وعضوية السادة الأساتذة أحمد فؤاد أبو العيون وسليمان محمود جاد ومحمد فهمي طاهر ومحمد عوض الله مكي، المستشارين.

القضية رقم 1285 لسنة 14 القضائية

عاملون مدنيون "مرتب" - حجية الأمر المقضى.
القانون رقم 111 لسنة 1951 - ترخيصه لجهة الإدارة في الخصم من مرتب العامل لأداء ما يكون مطلوباً لها منه بسبب وظيفته دون حاجة إلى استصدار حكم - مناط أعمال هذه الرخصة أن تقوم دلالات جدية على مسئولية العامل عن المبالغ المطلوبة منه - المنازعة في الخصم من المرتب طبقاً للقانون المشار إليه تدخل في عداد المنازعات الخاصة بالمرتبات - الحكم الصادر من القضاء الإداري في هذه المنازعة لا يجوز حجية تقيد القضاء المدني بالنسبة إلى أصل الحق - بيان ذلك.
إنه ولئن كان الخصم الذي أجرته الإدارة من مرتبي المطعون ضده الأول ومورث باقي المطعون ضدهم قد استند إلى القانون رقم 111 لسنة 1951 المعدل بالقانون رقم 324 لسنة 1956، والذي أجاز لها هذا الإجراء لأداء ما يكون مطلوباً لها من الموظف بسبب يتعلق بأداء وظيفته دون حاجة إلى استصدار حكم بذلك أو اتخاذ أي إجراء قضائي، إلا أن هذه الرخصة تجد حدها الطبيعي في وجوب التزام الإدارة في ممارستها نطاق التطبيق السليم للتشريع الذي خولها تلك الرخصة التي تعد استثناءاً يجري على خلاف الأصل ومن ثم فإن التشريع المشار إليه لا يعني إطلاق يد الإدارة في اتخاذ الإجراء المشار إليه لمجرد الإدعاء القائم على شبهة أو مظنة في استحقاق مبلغ في ذمة الموظف بسبب أداء وظيفته، وإنما يجب أن يقوم حسبما قضت هذه المحكمة على استحقاقها في ذمة الموظف دلالات جدية من حكم أو قرار تأديبي أو تحقيق إداري صحيح منتج في تحديد مصدر التزام الموظف بتلك المبالغ أو إقرار صريح منه بمديونيته حتى يقوم إجراء الخصم على سببه المبرر له قانوناً. وغنى عن البيان أن لجوء الإدارة لإجراء الخصم من المرتب بالتطبيق لأحكام القانون المشار إليه بما يثيره من منازعة تدخل في عداد المنازعات الخاصة بالمرتبات، يخضع لرقابة القضاء الإداري ليزن مشروعية هذا التصرف من جانب الإدارة وذلك دون المساس بأصل الحق الذي يمكن لأي من أطراف النزاع طرحه على القضاء المدني ليحسم النزاع في شأنه ودون أن يكون لحكم القضاء الإداري في هذا الصدد ثمة حجية بالنسبة لأصل الحق محل المنازعة.


"المحكمة"

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يخلص من أوراق الطعن - في أن المطعون ضدهم أقاموا الدعوى رقم 725 لسنة 10 القضائية ضد وزارة المواصلات والهيئة العامة للسكك الحديدية بعريضة أودعت سكرتارية المحكمة الإدارية بالإسكندرية في 13 من سبتمبر سنة 1962 وطلبوا فيها الحكم بإلغاء القرار الصادر من مدير عام هيئة السكك الحديدية في 22 من مارس سنة 1961 بمجازاة المدعي الأول ومورث باقي المدعين بخصم خمسة أيام من مرتب كل منهما وبخصم ربع المكافأة البالغ قدرها 318.55 جنيه الخاصة بالعامل المتوفى.... والتي صرفت خطأ وذلك من كل منهما ورد ما خصم من راتب المدعي الأول ومورث باقي المدعين وإلزام الهيئة المدعى عليها المصروفات، وقالوا شرحاً لدعواهم أن القرار المطعون فيه صدر بناء على تحقيق أجرته النيابة الإدارية نسبت فيه إلى المرحوم.... أنه تلقى مستندات طلب المكافأة الخاصة بالعامل المتوفى.... دون أن يعني بطلب قرار سلب الولاية وتعيين وصي، كما أسندت إلى المدعي الأول أنه اعتمد إرسال السيد/ .... للمستندات، وشاركه الإهمال في عدم طلب قرار سلب الولاية وتعيين وصي، وأنهما معاً قد أهملا في إرسال قرار سلب الولاية عندما قدمته الوصية بتاريخ 10 من أكتوبر سنة 1965 إلى الجهة المختصة وذلك بأن أرسلاه إلى الوحدة الحسابية للوابورات ولم يرسلاه إلى قلم المتنوعات بالقسم الميكانيكي أو قلم المكافآت بالإدارة المالية. ثم استطردوا قائلين أن المدعي الأول ومورث باقي المدعين قدما عدداً من التظلمات ينفيان فيها عن نفسيهما الإهمال أو الخطأ بأدلة قاطعة رسمية دون جدوى الأمر الذي يكون معه هذا القرار معيباً واجب الإلغاء لاسيما وأنهما أوضحا بالمستندات أنهما لم يقوما بالتصرفات التي نسبت إليهما في التحقيق وأن ذلك يتضح مما يلي:
أولاً - إن المرحوم.... وهو كاتب باليومية ومنتدب للمساعدة في أعمال التصاريح لا يجوز أن يسأل عن أي إهمال بسبب عدم طلبه لقرار الوصاية لأن هذا العمل فني وقانوني لا يفهمه إلا مختصون. والمختص بذلك هو قلم المتنوعات الذي يدخل في صميم عمله تجميع الأوراق ومراجعتها وإرسالها للإدارة المالية (قلم المكافآت).
ثانياً - إن.... لم يكن مختصاً بتلقي مستندات الصرف وإنما المسئول عن ذلك بحكم طبيعة عمله هو رئيس القلم السيد/.... الذي يكلف الأول بتحرير المراسلة التي يرى القلم إرسالها بالمضمون الذي يراه الرئيس مناسب. ثم يقوم رئيس القلم بالتوقيع على خطاب الإرسال الذي يشير بتحريره.
ثالثاً - إن.... قام - عند ورود قرار سلب الولاية - بإرسال خطابين أحدهما إلى قلم المتنوعات المختص والثاني إلى الوحدة الحسابية حسب توجيه رئيس القلم.
رابعاً - إن المدعي الأول كان في يومي 10، 11 من أكتوبر سنة 1956 منتدب عمل رسمي بالقاهرة وهذا الوقت هو الذي تم فيه تقديم وإرسال قرار سلب الولاية. وأنه لم يشرف على أي عملية من عمليات تقديم المستندات ولم يقم بإرسال أي منها.
وخلص المدعون إلى عدم وجود أي خطأ أو إهمال من المدعي الأول ومورث باقي المدعيين.
وقد أجابت الجهة الإدارية على الدعوى بأن المدير العام المالي للهيئة كان قد أبلغ النيابة الإدارية بتاريخ 28 من نوفمبر سنة 1959 بأن المكافأة المستحقة لورثة المرحوم.... تحولت للصرف يوم 19 من نوفمبر سنة 1956 على أساس 259.020 جنيه لأرملته، 318 جنيه و55 مليماً للجد بصفته ولياً شرعياً على كريمتي المذكور وبتاريخ 8 من ديسمبر سنة 1956 وبعد أن تم الصرف أرسلت الأرملة إنذاراً للهيئة بإيقاف الصرف للجد لأن الولاية على كريمتها سلبت منه واتضح أن الأرملة حصلت بتاريخ 4 من إبريل سنة 1955 على حكم مقبول تنحي جد القاصرتين عن الولاية وتعيينها وصية عليهما وقد حكمت المحكمة الإدارية في 18 من مارس سنة 1958 بإلزام الإدارة بأن تدفع للأرملة بصفتها وصية ما يوازي نصيب القاصرتين والمصروفات وأتعاب المحاماة، وقد قامت النيابة الإدارية بتحقيق الموضوع وانتهت في تحقيقها إلى إدانة المدعي الأول لخروجه على مقتضى الواجب في أعمال وظيفته بأن قصر تقصيراً ترتب عليه ضياع حق من الحقوق المالية للهيئة بتقصيره في جميع المستندات الخاصة بصرف المكافأة السابق الإشارة إليها وقد أوصى السيد المهندس مفتش عام الهندسة الميكانيكية والكهربائية بمجازاة المذكور بخصم يومين من مرتبه واعتبار الخطأ الذي وقع فيه خطأ مادي أو خطأ مهني تتحمل الهيئة الخسارة التي عادت عليها من جراء هذا الخطأ ورفعت التوصيات إلى المدير العام فوافق في 21 من مارس سنة 1961 على معاقبة المدعي الأول بخصم خمسة أيام من مرتبه على أن تستكمل إجراءات الرجوع مدنياً وبالخصم من مرتبه بواقع الربع شهرياً وذلك قيمة ربع المكافأة التي صرفت للجد بدون وجه حق وقدرها 318 جنيه و55 مليماً لأن خطأه كان جسيماً وأن هذا الخطأ ترتب عليه ضرر للهيئة بأن تحملت رد المبلغ إلى الأرملة وقد قامت علاقة السببية بين الخطأ والضرر وتوافرت بذلك أركان المسئولية التقصيرية وعلى ذلك يكون الجزاء الموقع قد صدر في حدود القانون.
وبجلسة 29 من إبريل سنة 1963 حكمت المحكمة الإدارية بالإسكندرية بإحالة الدعوى إلى المحكمة الإدارية لوزارة المواصلات وهيئة السكك الحديدية، وذلك لقيام ارتباط بين هذه الدعوى وبين الدعوى رقم 1210 لسنة 6 القضائية والمنظورة أمام هذه المحكمة. وبجلسة 7 من أكتوبر سنة 1964، قررت المحكمة الإدارية لوزارة المواصلات إحالة الدعوى بحالتها إلى محكمة القضاء الإداري للفصل فيها طبقاً للمادتين 1، 3 من القانون رقم 144 لسنة 1964.
وبجلسة 27 من مايو سنة 1968 حكمت محكمة القضاء الإداري برفض الدعوى في شقها الخاص بطلب إلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من مجازاة المدعي الأول ومورث باقي المدعين بخصم خمسة أيام من راتب كل منهما وبإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من تحميل المذكورين نصف مكافأة العامل المتوفى على نحو ما جاء بالأسباب وبإلزام كل من طرفي الخصومة المصروفات المناسبة وأقامت قضاءها بالنسبة للشق الثاني من حكمها وهو محل هذا الطعن على أنه مع ثبوت خطأ الموظفين المذكورين وباقي من شملهم القرار المطعون فيه، فإن ضياع هذا المبلغ على الدولة ليس مرده إلى خطئهم فحسب وإنما يرجع ذلك أيضاً إلى تقصير موظفين آخرين في الرجوع على الجد الذي قام بالصرف بغير وجه حق الأمر الذي كان يتعين معه أن يعرض الأمر على القضاء ليقرر نصيب كل من كان سبب في تحمل الدولة لهذا المبلغ ويكون ما صدر به هذا القرار من تحديد نسبة نصيب الموظفين المذكورين في المكافآت التي صرفت دون وجه حق بالنصف، هذا التحديد غير قائم على سند قانوني الأمر الذي يعيبه ويتعين معه إلغاؤه فيما تضمنه في هذا الشأن ليعاد النظر في الأمر على الأساس الذي سبق أن استعرضته المحكمة.
ومن حيث إن الطعن، الذي اقتصر على هذا الشق من الحكم يقوم على أن المسئولية التأديبية مسئولية شخصية شأنها في ذلك شأن المسئولية الجنائية وأنه في حالة شيوع التهمة فإنه يكفي لإدانة الموظف أن يكون قد وقع منه فعل إيجابي أو سلبي محدد بعد مساهمة منه في وقوع المخالفات الإدارية وأنه إذ كان الثابت من وقائع الدعوى أن خطأ وقع من المطعون ضده الأول ومورث باقي المطعون ضدهم على نحو أدى إلى تحميل الجهة الإدارية الخسارة المالية السابق الإشارة إليه، فإنه يسوغ لجهة الإدارة أن ترجع عليهما بالمبالغ التي دفعتها دون إلزام عليها ولا يصح القول بأن آخرين مسئولون معهم عن ضياع هذا المبلغ إذ فضلاً عن أن خطأ هذا الغير وشخصية مرتكبه لم يكن محل بحث أو تحقيق بما لا يجوز معه افتراض وجود خطأ من الغير دون ثبوت هذا الخطأ وتحديد شخصية مرتكبه فإن الرجوع على من قبض هذا المبلغ دون وجه حق يشكل مرحلة غير مرتبطة بالخطأ الذي ارتكبه المطعون ضدهما.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن مورث المطعون ضدهم عدا الأول - الكاتب باليومية بإدارة ورش القباري - تلقى أوراق المكافأة الخاصة بالمرحوم.... ومن بينهم الإعلام الشرعي بالوراثة وأرسلها وفق خطاب معتمد من المطعون ضده الأول بوصفه وكيل قلم المستخدمين بورش القباري - إلى قلم المتنوعات بالقسم الميكانيكي حيث قام السيد/ .... الموظف بالقلم المذكور بتسوية المكافأة على أساس أن والد المتوفى يعتبر ولياً شرعياً تصرف إليه مكافأة أولاد المتوفى القصر ثم أحال الأوراق إلى قلم المكافآت بالإدارة المالية في 8 من مارس سنة 1956 حيث تلقاها السيد/ .... الموظف بالقلم المذكور لمراجعتها فطلب إلى القسم الميكانيكي في 26 من مارس سنة 1956 إرفاق قرار الوصاية على القصر لعدم وروده ضمن الأوراق، فرد القسم الميكانيكي في 26 من إبريل سنة 1956 بأن اسم والد المتوفى ورد ضمن الورثة وهو بذلك يكون الولي الشرعي على القصر وبالتالي فلا داعي لقرار الوصاية، فقام السيد/ .... بتسوية المكافأة على هذا الأساس. وفي 10 من أكتوبر سنة 1956 قدمت الأرملة إلى إدارة ورش القباري قرار سلب ولاية الجد بمناسبة طلبها صرف المتأخر من المرتب الخاص بزوجها المتوفى فقامت إدارة الورش بإرسال القرار مع طلب صرف المتأخر من المرتب إلى الوحدة الحسابية المختصة رفق كتابها رقم 73/ 16/ 6 المؤرخ في 10 من أكتوبر سنة 1956 كما أرسلت صورة من الكتاب إلى مفتش عام القسم الميكانيكي. وفي 19 من نوفمبر سنة 1956 تم صرف المكافأة على أساس 159.020 جنيه للأرملة، 318.055 للجد باعتباره الولي الشرعي على القصر. وفي 8 من ديسمبر سنة 1956 - وبعد أن تم صرف المكافأة على الوجه المتقدم - أرسلت الأرملة إنذاراً بإيقاف صرف المكافأة للجد استناداً إلى حكم صادر لها من محكمة المنشية الشرعية في 4 من إبريل سنة 1955 بسلب ولاية الجد. ثم أقامت الأرملة دعوى أمام المحكمة الإدارية بالإسكندرية حكم فيها بجلسة 18 مارس سنة 1958 بإلزام الجهة الإدارية بأن تدفع للمدعية بصفتها وصية نصيب القاصرتين.. و.. من المكافأة المستحقة لمورثهما. وقد أحيل الموضوع إلى النيابة الإدارية للتحقيق فانتهت إلى تحديد المسئولية في هذا الشأن في كل من (1) السيد/ .... الكاتب بقلم المتنوعات (2) السيد/ .... رئيس قلم المتنوعات (3) السيد/ الموظف بقلم المكافآت (4) السيد/ .... وكيل قلم المكافآت (5) السيد/ .... رئيس قلمي المكافآت (6) السيد/ .... (مورث المطعون ضدهم عدا الأول الكاتب بورش القباري (7) السيد/ .... (المطعون ضده الأول) وكيل قلم المستخدمين بورش القباري وذلك لأنهم - حسبما جاء بتقرير النيابة الإدارية - خرجوا على مقتضى الواجب الوظيفي فقصروا تقصيراً ترتب عليه ضياع حق من الحقوق المالية للهيئة بأن تلقى السادس باعتباره الكاتب المختص بورش القباري أوراق مكافأة المرحوم.... وأرسلها باعتماد السابع إلى قلم المتنوعات ولم يكن بينها قرار الوصاية. كما أنه عندما قدمت الأرملة في 10 من أكتوبر سنة 1956 قرار سلب ولاية الجد أرسلاه للوحدة الحسابية ضمن مستندات صرف الأجر وأهملا إبلاغه إلى قلم المتنوعات أو قلم المكافآت بالإدارة المالية رغم أنهما لم يكونا قد أخطرا بصرف المكافأة حتى ذلك التاريخ. وبأن قصر الأول والثاني في تجميع المستندات الخاصة بصرف المكافأة وأعد الأول استمارة الصرف واعتمدها الثاني دون أن يطلبا قرار الوصاية مكتفين بوجود الجد ضمن الورثة على أنه الولي الشرعي وخرجا على نص الإعلام الشرعي الذي يعطي الوصاية للأم، كما أنهما أعطيا لنفسيهما اختصاص البت في المسائل القانونية فرداً على قلم المكافآت بالإدارة المالية بأنه لا محل لطلب قرار الوصاية أو سلب الولاية، وبأن قصر الثالث والرابع والخامس في طلب قرار الوصاية أو سلب الولاية عند مراجعتهم استمارات صرف مكتفين برد قلم المتنوعات ورغم أنهم جهة أصلية في المراجعة الأمر الذي ترتب عليه صرف المكافأة للجد دون الوصية التي استصدرت حكماً بإلزام الهيئة بدفع المبلغ مرة أخرى، وقد صدر استناداً إلى ذلك قرار مدير عام هيئة السكك الحديدية بتاريخ 22 من مارس سنة 1961 ويقضي بمجازاة المطعون ضده الأول ومورث باقي المطعون ضدهم والسيدين.... و.... بخصم خمسة أيام من مرتب كل منهم وخصم قيمة المكافأة التي صرفت خطأ وقدرها 318.055 جنيه بالتساوي فيما بينهم وذلك في حدود الربع شهرياً تطبيقاً للقانون رقم 324 لسنة 1956.
ومن حيث إنه يبين مما سلف بيانه أن القرار الصادر بمساءلة المطعون ضده الأول ومورث باقي المطعون ضدهم قد قام على سببين أولهما تقصير الثاني - بوصفه الكاتب المختص بورش القباري - في طلب قرار سلب ولاية الجد عند تجميعه أوراق طلب المكافأة المتقدم ذكرها وتقصير الأول، بصفته وكيل المستخدمين في مراجعة عمل الثاني وثانيهما أن الثاني عندما تسلم قرار سلب الولاية في 10 من أكتوبر سنة 1956 أرسله إلى الوحدة الحسابية ضمن مستندات صرف متأخر مرتب العامل المتوفى دون أن يخطر قلم المتنوعات بالقسم الميكانيكي أو قلم المكافآت بالإدارة المالية وأن الأول بوصفه رئيساً للثاني أهمل في الإشراف على عمله في هذا الشأن.
ومن حيث إنه بالنسبة للسبب الثاني فقد أثبت عضو النيابة في التحقيق من واقع الملفات المتعلقة بموضوعه أن مدير إدارة الورش قد أرسل إلى مدير الوحدة الحسابية الكتاب رقم 73/ 16/ 6 في 10 من أكتوبر سنة 1956 مرفقاً به قرار سلب الولاية المقدم من الأرملة كما أرسل صورة من هذا الكتاب إلى مفتش عام القسم الميكانيكي الأمر الذي يصبح معه السبب الثاني الذي استند إليه القرار المطعون فيه غير قائم على سند من الواقع وبالتالي فإن نطاق الخطأ المنسوب إلى المطعون ضده الأول ومورث باقي المطعون ضدهم أصبح محصوراً في واقعة عدم طلب الثاني - عند تجميعه أوراق طلب مكافأة العامل المتوفى - قرار سلب ولاية الجد وتقصير الأول بوصفه رئيساً للثاني في الإشراف على عمله في هذا الشأن.
ومن حيث إنه ولئن كان الخصم الذي أجرته الإدارة من مرتبي المطعون ضده الأول ومورث باقي المطعون ضدهم قد استند إلى القانون رقم 111 لسنة 1951 المعدل بالقانون رقم 324 لسنة 1956، والذي أجاز لها هذا الإجراء لأداء ما يكون مطلوباً لها من الموظف بسبب يتعلق بأداء وظيفته دون حاجة إلى استصدار حكم بذلك أو اتخاذ أي إجراء قضائي، إلا أن هذه الرخصة تجد حدها الطبيعي في وجوب التزام الإدارة في ممارستها نطاق التطبيق السليم للتشريع الذي خولها تلك الرخصة التي تعد استثناء يجري على خلاف الأصل ومن ثم فإن التشريع المشار إليه لا يعني إطلاق يد الإدارة في اتخاذ الإجراء المشار إليه لمجرد الادعاء القائم على شبهه أو مظنة في استحقاق مبالغ في ذمة الموظف بسبب أداء وظيفته، وإنما يجب أن يقوم حسبما قضت هذه المحكمة على استحقاقها في ذمة الموظف دلالات جدية من حكم أو قرار تأديبي أو تحقيق إداري صحيح منتج في تحديد مصدر التزام الموظف بتلك المبالغ أو إقرار صريح منه بمديونيته حتى يقوم إجراء الخصم على سببه المبرر له قانوناً. وغنى عن البيان أن لجوء الإدارة لإجراء الخصم من المرتب بالتطبيق لأحكام القانون المشار إليه بما يثيره من منازعة تدخل في عداد المنازعات الخاصة بالمرتبات، يخضع لرقابة القضاء الإداري ليزن مشروعية هذا التصرف من جانب الإدارة وذلك دون المساس بأصل الحق الذي يمكن لأي من أطراف النزاع طرحه على القضاء المدني ليحسم النزاع في شأنه ودون أن يكون لحكم القضاء الإداري في هذا الصدد ثمة حجية بالنسبة لأصل الحق محل المنازعة.
ومن حيث إن الخطأ المنسوب إلى المطعون ضده الأول ومورث باقي المطعون ضدهم في نطاقه السالف بيانه وما استظهره الحكم المطعون فيه من وهن علاقة السببية بين الخطأ المشار إليه والضرر الذي لحق جهة الإدارة لا يبدو منه قيام دلالات جدية على توفر أركان المسئولية المدنية التقصيرية بالنسبة إليهما، فإن القرار المطعون فيه فيما تضمنه من إجراء الخصم من مرتب المطعون ضده الأول ومورث باقي المطعون ضدهم لأداء نصف قيمة المكافأة التي صرفت خطأ يكون قد قام على غير دلالات جدية تبرره قانوناً ويكون بهذه المثابة قد صدر معيباً في هذا الصدد متعيناً إلغاؤه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه - إذ قضى بإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من تحميل المطعون ضده الأول ومورث باقي المطعون ضدهم نصف مكافأة العامل المتوفى - يكون قد صادف الحق فيها انتهى إليه ويكون الطعن الموجه إليه غير قائم على سند من القانون متعيناً رفضه وإلزام الجهة الإدارية الطاعنة بمصروفاته.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً وألزمت الجهة الإدارية بالمصروفات.