مجلس الدولة - المكتب الفني- مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السابعة عشرة - العدد الثاني (من منتصف فبراير سنة 1972 إلى أخر سبتمبر سنة 1972) - صـ 412

(62)
جلسة 22 من إبريل سنة 1972

برئاسة السيد الأستاذ المستشار يوسف إبراهيم الشناوي، رئيس المحكمة، وعضوية السادة الأساتذة حسين عوض بريقي ومحمد صلاح الدين السعيد ويحيى توفيق الجارحي وأبو بكر محمد عطية، المستشارين.

القضيتان رقما 1185 و1203 لسنة 14 القضائية

( أ ) دعوى "حكم فيها".
فتح باب المرافعة في الدعوى لا يستلزم إعلان الخصوم إذا لم يكونوا حاضرين - أساس ذلك.
(ب) حكم - خطأ مادي.
صدور الحكم من محكمة مشكلة برئاسة وكيل مجلس الدولة - تضمنه أن المحكمة مشكلة برئاسة وكيل النيابة الإدارية - خطأ مادي لا يؤدي إلى بطلان الحكم.
(ج) عاملون بالقطاع العام "تأديب. جزاءات تأديبية":
اشتمال نص المادة السادسة من القانون رقم 19 لسنة 1959 على الجزاءات التأديبية التي يجوز توقيعها على العاملين بالشركات والجمعيات والهيئات الخاصة - صدور تشريعات بعد هذا القانون تنظم أوضاع العاملين بالقطاع العام وتشتمل على الجزاءات التأديبية يجوز توقيعها عليهم - أثر ذلك - زوالا مقتضى تطبيق نص المادة السادسة من القانون رقم 19 لسنة 1959 والتزام السلطات التأديبية بتوقيع الجزاءات الواردة في التشريعات الجديدة دون غيرها - بيان ذلك.
1 - إن المادة 173 من قانون المرافعات لا تتطلب عند فتح باب المرافعة إعلان طرفي النزاع وكل ما تطلبته هو أن يكون فتح باب المرافعة لأسباب جدية تبين في ورقة الجلسة وفي المحضر وهذا ما حرصت المحكمة على إثباته في محضر بالجلسة، إذ قررت أن إعادة الدعوى للمرافعة كان بسبب تغير الهيئة ويضاف إلى ذلك أنه من المبادئ الأساسية في فقه المرافعات أنه إذا حضر المدعى عليه في أية جلسة أو أودع مذكرة بدفاعه اعتبرت الخصومة حضورية في حقه ولو تخلف بعد ذلك، كما أن النظام القضائي بمجلس الدولة يقوم أساساً على مبدأ المرافعات التحريرية في مواعيد محددة وليس من حق ذوي الشأن أن يصروا أمام المحكمة على طلب المرافعة الشفهية وإن كان للمحكمة أن تطلب إلى الخصوم أو إلى المفوض ما تراه لازماً من إيضاحات ومتى كان الأمر كذلك وكان الثابت أن الطاعن قد قدم العديد من المذكرات المشتملة على دفاعه فإنه لا يكون هناك ثمة إخلال بحقه في الدفاع ويكون النعي على الحكم المطعون فيه بالبطلان لا يستند على أساس من القانون.
2 - إن الثابت من الاطلاع على الحكم أن المحكمة كانت مشكلة برئاسة السيد الأستاذ وكيل مجلس الدولة فإذا ذكر أمام اسمه كلمة وكيل النيابة الإدارية فإن هذا لا يعدو أن يكون خطأ مادياً وقع عند نقل الحكم المطعون فيه من المسودة ولا يمكن أن ينال ذلك من صحة شكل الحكم المطعون فيه.
3 - يبين من تقصي الأحكام الخاصة بتأديب العاملين بالقطاع العام، أنه بتاريخ 15 من يناير سنة 1959 أصدر المشرع القانون رقم 19 لسنة 1959 المشار إليه، وبموجبه امتد اختصاص النيابة الإدارية والمحاكم التأديبية إلى العاملين بالمؤسسات والهيئات العامة والعاملين بالجمعيات والهيئات الخاصة التي يصدر بتحديدها قرار من رئيس الجمهورية، والعاملين بالشركات التي تساهم فيها الحكومة أو المؤسسات العامة بنسبة لا تقل عن 25% من رأسمالها أو تضمن لها حداً أدنى من الأرباح: وإذا كان المكان الطبيعي لتحديد المخالفات التأديبية والجزاءات التي يجوز للسلطات التأديبية توقيعها على العاملين، هو تشريعات التوظف غير أنه نظراً لأنه لم يكن قد صدرت بعد حتى تاريخ نفاذ ذلك القانون أية تشريعات تنظم شئون التوظف الخاصة بالعاملين بالشركات، فقد ضمن المشرع المادة السادسة من القانون المشار إليه الجزاءات التي يجوز للمحاكم التأديبية توقيعها على هؤلاء العاملين، وعقب صدور القوانين الاشتراكية في سنة 1961 التي ترتب عليها أيلولة عدد كبير من الشركات والمنشآت والمؤسسات الخاصة إلى الدولة، اتجه المشرع إلى تنظيم أوضاع العاملين بجهات القطاع العام بموجب قرارات تنظيمية عامة، تضمنت أحكام التوظف الخاصة بهم، وتحديد واجباتهم والأعمال المحظورة عليهم، وأوضاع التحقيق معهم وتأديبهم والجزاءات التي يجوز للسلطات التأديبية توقيعها عليهم سواء كانت المحاكم التأديبية أو السلطات الرئاسية. وليس من شك في أن المحاكم التأديبية تلتزم بتوقيع العقوبات المنصوص عليها في تشريعات التوظف الخاصة بالعاملين في القطاع العام، ولو اختلفت هذه العقوبات عن العقوبات الواردة في القانون 19 لسنة 1959 المشار إليه، ذلك لأنه كما سبق القول، لم يضمن المشرع المادة السادسة تلك العقوبات إلا بسبب عدم وجود التشريعات المنظمة لأحكام التوظف الخاصة بهؤلاء العاملين، فإذا ما وجدت هذه التشريعات وتضمنت العقوبات التي قدر المشرع أنها تتلاءم مع طبيعة العلاقة التي تربط هؤلاء العاملين بالجهات التي يعملون فيها، فقد زال مقتضى تطبيق نص المادة السادسة المشار إليها والتزمت السلطات التأديبية بما فيها المحاكم التأديبية بتوقيع العقوبات الواردة في اللوائح الجديدة دون غيرها.


"المحكمة"

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعنين قد استوفيا أوضاعهما الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل حسبما يبين من الأوراق، في أنه بتاريخ 23 من إبريل سنة 1967 أودعت النيابة الإدارية قلم كتاب المحكمة التأديبية لموظفي الدرجة الثانية فما فوقها تقرير اتهام ضد كل من.... مدير إدارة الاستثمار والتمويل بالمؤسسة المصرية الاستهلاكية العامة والمندوب المفوض على شركة القمصان والملابس العربية سابقاً بمرتب 104 جنيهات شهرياً.... عضو مجلس الإدارة المنتدب بشركة محلات شيكوريل الكبرى ومنتدب للإشراف على الإدارة المالية والتجارية بشركة القمصان والملابس العربية بمرتب 1450 جنيهاً سنوياً و.... كاتبة حسابات بالإدارة المالية بشركة القمصان والملابس العربية بمرتب شهري قدره 12 جنيهاً شهرياً لأنهم خلال عام 1964 و1965 بشركة القمصان والملابس العربية التابعة للمؤسسة المصرية الاستهلاكية خرجوا على مقتضى الواجب الوظيفي ولم يحافظوا على أموال الشركة محافظتهم على أموالهم الخاصة بأن: -
المتهم الأول: بصفته مندوباً مفوضاً على شركة القمصان والملابس العربية خلال المدة من 1/ 9/ 1963 حتى 5/ 4/ 1965.
1 - لم يتبع الإجراءات الصحيحة في مناقصة بناء مصنع الشركة وانفرد بالبت في العطاءات المقدمة في هذه المناقصة دون تشكيل لجنة من المختصين للبت فيها وقام بممارسة أحد مقدمي العطاءات دون الباقين مخالفاً بذلك القواعد الخاصة بالمناقصات.
2 - تراخي في التعاقد مع شركة صدقي الهندسية التي اسند إليها تنفيذ العملية مما دعاها إلى المطالبة برفع قيمة العطاء المقدم منها بالنسبة للأعمال الاعتيادية فوافقها على ذلك الأمر الذي أدى إلى إلحاق ضرر مالي بالشركة.
3 - لم يتخذ الإجراءات الواجبة للمحافظة على أموال الشركة بأن تنازل لشركة صدقي الهندسية عن الأنقاض المختلفة عن عملية هدم المخازن مقابل مصاريف الهدم دون التحقق من أن هذا التنازل في صالح الشركة.
المتهم الثاني: بصفته المشرف على الأعمال المالية والتجارية بالشركة تراخي في تنفيذ ما كلف به من إخلاء بعض مخازن الشركة وتسليمها لشركة صدقي الهندسية التي أسندت إليها عملية بناء مصنع الشركة مما أدى إلى توقفها عن العمل ومطالبتها بتعويض عن الخسائر التي لحقت بها نتيجة لذلك.
المتهمة الثالثة: أهملت في المحافظة على المستندات المسلمة إليها والخاصة بالناقصة موضوع التحقيق مما أدى إلى فقد بعضها وبناء عليه يكون العاملون المذكورون قد ارتكبوا المخالفات المالية والإدارية المنصوص عليها في المواد 51/ ج: د، 53 من القرار الجمهوري رقم 3546/ 1962 وطلبت النيابة الإدارية محاكمتهم بالمواد سالفة الذكر وتطبيقاً للمواد 14 من القانون رقم 117 لسنة 1958، 4، 5 من القانون رقم 19 لسنة 1959 من القرار الجمهوري رقم 3309 لسنة 1966.
وبجلسة 4 من مايو سنة 1968 قضت المحكمة التأديبية في الدعوى:
(أولاً) بالنسبة للمخالف الأول.... بإدانته في المخالفات المنسوبة إليه وتوقيع جزاء اللوم عنها.
(ثانياً) بالنسبة للمخالف الثاني.... برفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى وباختصاصها ورفض الدفع بعدم قبول الدعوى وبقبولها وفي الموضوع بإدانته في المخالفة المنسوبة إليه وتوقيع جزاء اللوم عنها.
(ثالثاً) بالنسبة للمخالفة الثالثة.... بإدانتها في المخالفة المنسوبة إليها وتوقيع جزاء الخصم من راتبها لمدة عشرة أيام.
وقد أقامت المحكمة قضاءه فيما يتعلق برفض الدفع بعدم الاختصاص على أن مجمل هذا الدفع أن المادة 60 من القرار الجمهوري رقم 3309 لسنة 1966 المعدل بالقرار الجمهوري رقم 802 لسنة 1967 قد حددت الجزاءات التي يكون لرئيس مجلس الإدارة توقيعها على العاملين شاغلي الوظائف من الفئة الثانية وما يعلوها وحددت الجزاءات التي تملك المحاكم التأديبية توقيعها على العاملين من الفئة الثانية وما يعلوها. ولما كانت النيابة الإدارية لم تطلب الحكم بأقصى العقوبة كما أنها لم تطلب الحكم بعقوبات معينة مما يندرج في اختصاص المحكمة التأديبية فإن هذه المحكمة والحالة هذه تكون غير مختصة، وقد ردت المحكمة على هذا الدفع بقولها إنه ولئن كانت المادة 60 سالفة الذكر قد تناولت بالتنظيم سلطة توقيع العقوبات وطريقة التظلم منها والطعن فيها واستهدفت تحديد السلطة المخولة لرئيس مجلس الإدارية في هذا الشأن إلا أنها لم تتناول بالتعديل سلطة المحكمة التأديبية في توقيع الجزاء المناسب ومن ثم فإن المحكمة التأديبية لها كامل الولاية في توقيع أي عقوبة تراها مناسبة إذا كانت المخالفة المنسوبة للعامل لا تستوجب عقوبة أشد، هذا فضلاً عن أن القواعد الأصولية المسلم بها أن من يملك الأكثر يملك الأقل وبديهي أن المنع لا يكون إلا بنص صريح وبالتالي فإن ما أوردته المادة 60 لا يحول بين المحكمة التأديبية وبين إيقاع كافة العقوبات المنوطه بها وفقاً لأحكام القانون رقم 19 لسنة 1959 إذ ما رفعت الدعوى إليها دون أن يكون لما تطلبه النيابة الإدارية أي أثر في ذلك وانتهت المحكمة إلى رفض الدفع بعدم الاختصاص. ثم تعرضت المحكمة للدفع الذي أثاره المتهم الثاني.... وفحواه أن المادة 58 من القرار الجمهوري رقم 3309 لسنة 1966 تقضي بأنه لا يجوز توقيع عقوبة على العامل إلا بعد التحقيق معه كتابة وسماع أقواله وتحقيق دفاعه وأنه لما كانت النيابة الإدارية قد سمعت أقواله لأول مرة في 31/ 8/ 1966 بعد حلف اليمين بصفته شاهد إثبات كما سئل في 4/ 1/ 1966 كشاهد إثبات أيضاً ولم يوجه إليه أي اتهام ليبدي دفاعه بشأنه وتكون الضمانات التي نص عليها القانون قد أهدرت وقد ردت المحكمة على هذا الدفع بأن النصوص الواردة في شأن تأديب العاملين سواء في قانون تنظيم النيابة الإدارية أو لائحة نظام العاملين المشار إليها لا توجب إفراغ التحقيق في شكل معين وكل ما تهدف إليه هو أن يتم التحقيق وفق الأصول العامة وبمراعاة الضمانات الأساسية تحقيقاً للعدالة فإذا تحقق ذلك واستجوب العامل في وقائع الاتهام ووجه بما هو منسوب إليه ومكن من إبداء دفاعه فإن الغاية التي استهدفها المشرع من ذلك تكون قد تحققت. ولما كان الثابت أن النيابة الإدارية قامت بالتحقيق مع هذا المتهم وواجهته صراحة بما هو منسوب إليه وذلك بجلسة 9/ 1/ 1967 صفحة 61 من التحقيق فإن هذا الدفع يكون في غير محله متعين الرفض.
ومن حيث إن المحكمة استعرضت بعد ذلك التهم المنسوبة إلى المتهمين الثلاثة فتناولت أولاً: المخالفات الثلاث المنسوبة إلى المتهم الأول السيد/ .... والتي سبق بيانها بتقرير الاتهام وانتهت إلى أنها جميعاً ثابتة قبله ففيما يتعلق بالمخالفة الأولى من أنه لم يتبع الإجراءات الصحيحة في مناقصة بناء مصنع الشركة وانفرد بالبت في العطاءات المقدمة في هذه المناقصة دون تشكيل لجان من المختصين للبت فيه وقام بممارسة أحد مقدمي العطاءات دون الباقين مخالفاً بذلك القواعد الخاصة بالمناقصات فإن المتهم الأول وقد كان مندوباً مفوضاً على الشركة لم يشكل لجنة للبت وانفرد بإجراءات المناقصة إلى الحد الذي أخرجها عن طبيعتها كمناقصة إلى عملية ممارسة واتفاق مباشر ولا حجة فيما يثيره هذا المتهم من أن اللجنة التي شكلها لفتح المظاريف تولت عملية البت في العطاءات إذ فضلاً عن عدم قيام دليل على ذلك من الأوراق فإن لكل من لجنتي فتح المظاريف والبت مهمة واختصاص مستقل عن الأخرى. كما أنه لا يجوز إسناد العمليتين إلى لجنة واحدة وذلك لصالح الشركة ذاتها ولكفالة المساواة بين المتناقصين جميعاً ولاختيار أصلح العطاءات وهذا ما توجبه القواعد العامة ولا أدل على أن المتهم انفرد بإجراءات البت في المناقصات من أنه قبل عطاء تقدم به المهندس.... عن أساسات يدوية بعد فتح المظاريف في المناقصة وعن نوع من الأساسات لم تطرح المناقصة على أساسه ثم قام بممارسة شركة صدقي الهندسية - التي لم تقدم عطاء بالنسبة لعملية الأساسات - على هدى عرض المندس.... المشار إليه ثم على أساس عرض شركة الحماقي وهو أحد المتناقصين مهدراً بذلك عملية المناقصة والمراكز التي تحددت للمتناقصين بعد فتح المظاريف. وبذلك يكون قد ثبت في حق المندوب المفوض على الشركة عدم اتباع الإجراءات الصحيحة في مناقصة بناء مصنع الشركة.
أما بالنسبة للمخالفة الثانية من الاتهام وهي أنه تراخى في التعاقد مع شركة صدقي الهندسية مما ترتب عليه رفع قيمة العطاء المقدم منها بالنسبة للأعمال الاعتيادية فالحق بذلك ضرراً مالياً بالشركة فإن الثابت مما تقدم أن المتهم لم يلتزم باتباع الإجراءات السليمة في المناقصة مما أدى إلى سلسلة من الأخطاء تتمثل في حرصه على ممارسة شركة صدقي الهندسية لتقوم بعملية الأساسات وتخبطه في الإجراءات معها إذ اتفق أولاً مع هذه الشركة على أن تكون أساسات المصنع يدوية (ستراوس) بتخفيض 2% من عرض المقاول....، على الرغم من أن المناقصة كانت تتطلب أن تكون الأساسات ميكانيكية وقد بلغ إجمالي العملية بعد هذا التعديل في مواصفات الأساسات 43630 جنيهاً و710 مليمات ثم تراخى وطلب من شركة صدقي مد عطائها فقبلت على أساس زيادة الأعمال الاعتيادية 15% فوافق على ذلك وحرر معها عقداً في 11/ 8/ 1964 بإجمالي 44757 جنيهاً و710 مليمات لكنه لم ينفذ هذا العقد بدعوى أن مهندس العملية لم يقبل هذا النوع من الأساسات اليدوية (ستراوس) مصراً على أن تكون ميكانيكية وهذا يؤكد تخبط المتهم في الإجراءات التي اتبعها لأنه من المفروض أن يكون رأي مهندس المشروع محل اعتبار منذ البداية، وقد اقتضى ذلك من المتهم الأول العودة إلى ممارسة شركة صدقي الهندسية للقيام بعملية الأساسات الميكانيكية وذلك على أساس العرض الذي تقدمت به شركة الحماقي في المناقصة، وهي الأساسات الميكانيكية (ستروميك) بخفض مقداره 2% من هذا العرض وقد كان الواجب على المتهم وقد تصدى لهذا العمل منفرداً المبادرة إلى قبول عطاء شركة صدقي الهندسية عن الأعمال الاعتيادية وإسناد عملية الأساسات إلى صاحب أقل العطائين المقدمين عن هذا الجزء من المناقصة وهو عطاء شركة الحماقي طالما رأى عدم جدوى إعادة طرح المناقصة عن هذا الشق منها وكان بذلك قد تجنب الأخطاء التي وقعت، وتوفير الوقت الذي ضاع على الشركة وكان من نتيجة كل ذلك تحرير العقد الأخير مع شركة صدقي في 31 من ديسمبر سنة 1964 وعلى أساسه بلغ إجمالي العملية 48954 جنيهاً و70 مليماً وبذلك زادت أسعار الأعمال الاعتيادية عما كانت عليه في عملية المناقصة دون مبرر وانتهت المحكمة إلى أن هذه المخلفة ثابتة بدورها في حق المندوب المفوض أما الاتهام الخاص بتنازل المندوب المفوض عن الأنقاض المتخلفة من عملية هدم المخازن لشركة صدقي الهندسية مقابل مصاريف الهدم دون التحقق من أن هذا التنازل في صالح الشركة فإن الثابت من مطالعة البند التاسع من العقد المؤرخ 31/ 12/ 1964 أن جميع أنقاض المباني التي في موقع العمل والمكونة من عنبرين ودورتي مياه يكون من حق شركة صدقي الهندسية مقابل أعمال الهدم عدا الكرينال والأدوات الصحية المركبة في هذه المباني فتكون حقاً لشركة القمصان والملابس وواضح أن المندوب المفوض قدر أن قيمة الأنقاض ما عدا الكرينال والأدوات الصحية تساوي مصاريف الهدم التي تتحملها شركة صدقي الهندسية وظاهر من الأوراق أن هذا التقدير تم بطريقة جزافية دون أخذ رأي أهل الخبرة في ذلك وبالتالي يكون مسئولاً عن هذه المخالفة. ووقعت المحكمة على المخالف عقوبة اللوم.
ومن حيث إن المحكمة تناولت بعد ذلك المخالفة المنسوبة إلى المتهم الثاني السيد/ .... من أنه تراخى في تنفيذ ما كلف به من إخلاء بعض مخازن الشركة وتسليمها لشركة صدقي الهندسية التي أسندت إليها عملية بناء مصنع الشركة مما أدى إلى توقفها عن العمل ومطالبتها بتعويض عن الخسائر التي لحقت بها نتيجة لذلك فقالت في أسباب حكمها أن الثابت من الأوراق والتحقيقات أن شركة صدقي الهندسية طلبت من شركة القمصان والملابس العربية إخلاء باقي موقع العملية وتسليمها المخزنين الباقيين لهدمهما حتى يمكن الانتهاء من عملية الأساسات، وكان ذلك بموجب مكاتبات متكررة منذ شهر إبريل سنة 1965 وقد كلف المندوب المفوض الجديد على الشركة السيد/ .... المتهم بصفته المدير المالي والتجاري بإخلاء هذين المخزنين وتسليمهما للشركة المذكورة ولكنه تراخى في التنفيذ مما اضطر شركة صدقي الهندسية إلى التوقف عن العمل والمطالبة بتعويض عما لحقها من أضرار، وهذه الواقعة ثابتة من أقوال المندوب المفوض المذكور ومن تأشيرته المثبتة على كتاب المؤسسة المؤرخ 21/ 8/ 1965 والمتضمنة سبق تكليفه للمتهم مراراً بإنجاز هذه المهمة بل لقد سبق إن كلف المتهم بهذا العمل من جانب المندوب المفوض السابق السيد/ .... قبل تركة العمل بشركة القمصان والملابس ولكنه لم ينفذ ما طلب منه، وهذا ما شهد به في التحقيقات المهندس.... صاحب شركة صدقي الهندسية بل إن المتهم لم ينكر في أقواله أن السيد/ .... كان قد طلب منه نقل البضائع الموجودة بالمخازن إلى مكان أخر ولو أنه تعلل يتعذر ذلك لعدم وجود المكان المناسب لنقل البضائع إليه وأن المتهم المذكور لم يولي العمل الذي كلف به العناية الكافية وكان يكتفي تارة بإلقاء التبعة على رئيس المخازن وتارة بتكليف مراقب الأمن بالبحث عن مخزن خال وتارة أخرى بتبادل المكاتبات مع المندوب المفوض على الشركة فيما لا طائل تحته وظل الوضع بذلك يدور في حلقة مفرغة أما ما أثاره المتهم من دفاع يعزو فيه سبب توقف العمل بالموقع إلى مخالفة شركة صدقي لشروط ومواصفات المدن تارة وتارة أخرى إلى عدم سداد مطلوبات هذا الشركة أو لعدم دراسة التصميمات اللازمة لبناء المصانع أو لأنه لم يكن مختصاً بهذا العمل وأن المسئول عن ذلك هو رئيس المخازن فإن جميع هذه الأسباب فضلاً عن تضاربها وعدم قيام دليل عليها لا تعدو أن تكون أعذاراً قصد بها دفع التهمة وإلقاء التبعة على غيره وخلصت المحكمة إلى مسئولية المتهم عن هذه المخالفة ووقعت عليه جزاء اللوم.
ومن حيث إنه بالنسبة للمخالفة المنسوبة للمتهمة الثالثة.... من أنها أهملت المحافظة على المستندات المسلمة إليها والخاصة بالمناقصة موضوع التحقيق مما أدى إلى فقد بعضها فقد قالت المحكمة أن هذه المتهمة قد أقرت في التحقيقات بأنها تسلمت هذه المستندات إلا أن المندوب المفوض على الشركة كان قد طلبها فسلمتها بملفها إلى سكرتيره السيد/ .... دون أن يوقع باستلامها وقد ثبت صحة أقوال هذه المتهمة من قيام السيد/ .... بتسليم الملف المذكور للمهندس.... ليتولى العمل الذي كان قد كلف به من المؤسسة، وأن هذا الملف سلم أخيراً على النيابة الإدارية إلا أن المحكمة رأت أن هذا لا ينال من مسئولية المتهمة إذ كان يجب عليها أن تلزم جانب الحيطة والدقة في المحافظة على مثل هذا الملفات وما بداخلها من أوراق ومستندات هامة وهذا يفرض عليها معرفة ما بداخل الملف وتعلية أوراقه والمستندات التي به وترقيمها وأن تكون حركات هذه الملفات محكومة بالقواعد الإدارية الموضوعة لهذا الغرض وأخصها رصد حركتها في السجلات وتسليمها بالإيصال اللازم فإذا كانت لم تتخذ الحيطة الواجبة في عملية تسليم هذا الملف فإنها تكون مسئولة عن تقصيرها في هذا الشأن مما يقتضي مساءلتها ومجازاتها بالخصم من راتبها لمدة عشرة أيام.
ومن حيث إن مبنى الطعن الذي أقامه السيد/ .... أن الحكم المطعون فيه خالف القانون للأسباب الآتية:
أولاً: عن الدفع بعدم الاختصاص: ومحصله أن المحكمة التأديبية العليا لا تختص بنظر الدعوى لأن النيابة الإدارية لم تطلب في تقرير الاتهام توقيع عقوبة الفصل بل طلبت عقاب المتهمين بالمادة 59 من القرار رقم 3309 لسنة 1966 المعدل بالقرار رقم 802 لسنة 1967 وأن ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه برفض هذا الدفع مردود بأن القرار الجمهوري رقم 3309 لسنة 1966 المعدل بالقرار الجمهوري رقم 802 لسنة 1967 قد صدر بعد صدور القانون رقم 19 لسنة 1959 وفي هذا القرار تحديد لاختصاص رئيس مجلس الإدارية ولاختصاص المحكمة التأديبية ولما كان القانون اللاحق ينسخ القانون السابق فيما تضمنه من أحكام مخالفة ومن ثم فإن ما جاء بالمادة 60 من القرار الجمهوري رقم 3309 لسنة 1966 معدلاً بالقرار الجمهوري رقم 802 لسنة 1967 يعتبر معدلاً لاختصاص المحكمة التأديبية إذ انتزعت بعض ما كان من اختصاصها وأسندته إلى رئيس مجلس الإدارة ولا حجة فيما تقول به المحكمة من أن من يملك الأكثر يملك الأقل لأن ذلك يتعارض مع توزيع الاختصاص ودرجات التقاضي وهي الأحكام التي استحدثها المشرع في المادة 60 سالفة الذكر.
ثانياً: عن الدفع بعدم القبول وأساس هذا الدفع أن المادة 58 من القرار الجمهوري رقم 3309 لسنة 1966 تقضي بأنه لا يجوز توقيع عقوبة على العامل إلا بعد التحقيق معه كتابة وسماع أقواله وتحقيق دفاعه والحال في هذه الدعوى أن الطاعن سمعت أقواله كشاهد إثبات بعد حلف اليمين ولم يوجه الاتهام إليه صراحة حتى يبدي دفاعه على عكس ما ذهبت إليه المحكمة التأديبية.
ثالثاً: بطلان الحكم المطعون فيه ويندرج تحت هذا السبب وجهان أحدهما بطلان الإجراءات وثانيهما الخطأ في البيانات الجوهرية للحكم أما عن بطلان الإجراءات فإن الهيئة التي سمعت المرافعة في الدعوى هي غير الهيئة التي أصدرت الحكم بجلسة 4/ 5/ 1968 إذ استبدل بالسيد المستشار محمد بهجت عتيبه السيد المستشار محمد عوض الله مكي مما يستتبع بطلان الحكم إعمالاً لنص المادة 339 من قانون المرافعات وقد عمدت الهيئة إلى تصحيح هذا البطلان بإصدار قرار في جلسة 2/ 3/ 1968 يقضي بإعادة الدعوى للمرافعة لجلسة ذلك اليوم لتغير الهيئة ثم حجزت الدعوى للحكم بجلسة 6 من إبريل سنة 1968، دون أن يكون أحد المخالفين حاضراً وصدر الحكم المطعون فيه بجلسة 4/ 5/ 1968 ووجه البطلان يتمثل في عدم إعلان الطاعن بقرار إعادة الدعوى للمرافعة والحضور لإبداء دفاعه أمام الهيئة الجديدة التي أصدرت الحكم بالمخالفة لصريح نص المادة 339 ومفهوم نص المادة 344 مرافعات، والوجه الثاني ومؤداه الخطأ في البيانات الجوهرية للحكم فإن الثابت بصدر الحكم المطعون فيه أن المحكمة التي أصدرته مشكلة برئاسة وكيل النيابة الإدارية وهذا غير صحيح لأنها كانت مشكلة برئاسة وكيل مجلس الدولة والخطأ في ذكر هذه الصفة بالحكم خطأ جسيم يترتب عليه بطلان الحكم عملاً بنص المادة 349 من قانونه المرافعات.
رابعاً: مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون فقد أخطأت المحكمة في القانون عندما وقعت على الطاعن عقوبة اللوم إعمالاً لحكم المادة 4 من القانون رقم 19 لسنة 1959 الخاص بالنيابة الإدارية بينما الجزاءات التي يجوز توقيعها على العاملين بالمؤسسات العامة والشركات التابعة لها قد حددتها المادة 59 من نظام العاملين بالقطاع العام الصادر بالقرار الجمهوري رقم 3309 لسنة 1966 وليس من بينها عقوبة اللوم وقد نسخت هذه المادة ما كان سارياً من أحكام في ظل القانون رقم 19 لسنة 1959 المشار إليه.
خامساً: خطأ الحكم المطعون فيه في الإسناد ومخالفة ما هو ثابت في الأوراق إذ أنه لم يثبت من التحقيقات ما يؤيد إدعاء المندوب المفوض بأنه كلف الطاعن مراراً بإنجاز هذه المهمة وهذه الواقعة التي أسس عليه الحكم قضاءه كان يتعين تحقيقها ولا يجوز مطلقاً الاستناد فيها إلى مجرد أقوال المندوب المفوض لأنه هو الذي كان متهماً أصلاً في هذه العملية وتوجد ضغائن بينهما كما أن الطاعن كان منتدباً فقط للإشراف على الإدارة المالية والتجارية وهذا العمل لا شأن له بإخلاء المخازن التي تخص المدير الإداري ورئيس المخازن تحت إشراف المندوب المفوض كما أن لا يجوز الاعتداد بشهادة المهندس.... لأن الطاعن كان يقف لهذا المهندس بالمرصاد في مخالفاته مواصفات البناء هذا فضلاً عن أن الطاعن بذل جهده للمعاونة في حل هذه المشكلة رقم عدم اختصاصه بأدائها وقد رفض المندوب المفوض كل اقتراح تقدم به الطاعن بل ورفض هدم المخزن الذي تمكن الطاعن من إخلائه في 3/ 9/ 1965 بقصد عدم تنفيذ مشروع المباني الذي تعاقد عليه سلفه السيد/ .... ومحاولته أن يستبدل به مشروعاً أخر يتكلف 160000 جنية يتعاقد عليه ويقوم على تنفيذه وانتهى الطاعن إلى أن الاتهام المنسوب إليه لا يستند إلى أساس.
ومن حيث إن مبنى طعن السيد مدير النيابة الإدارية أن الحكم المطعون فيه قد صدر بالمخالفة للقانون والخطأ في تطبيقه وتأويله إذ أوقع عقوبة اللوم على كل من المتهمين الأول والثاني والخصم من المرتب لمدة عشرة أيام بالنسبة للمتهمة الثالثة وذلك تطبيقاً لأحكام القانون رقم 19 لسنة 1959 ذلك لأن نص المادة السادسة من القانون المشار إليه قد نسخت بالنسبة للعاملين بالمؤسسات العامة وشركاتها بمقتضى القرار الجمهوري رقم 3546 لسنة 1962 بنظام العاملين بالشركات التابعة للمؤسسات العامة الذي تضمن الجزاءات الجائز توقيعها على هؤلاء وامتد إلى موظفي المؤسسات العامة بالقرار الجمهوري رقم 800 لسنة 1963 وقد تضمن نظام العاملين بالقطاع العام الصادر بالقرار الجمهوري رقم 3309 لسنة 1966 العقوبات الجائز توقيعها على هؤلاء العاملين ولما كان الثابت أن المتهمين من العاملين بالمؤسسات العامة والشركات التابعة لها فإن العقوبات الجائز توقيعها هي تلك التي أوردتها المادتان 59، 60 من نظام العاملين بالقطاع العام معدلتين بالقرار الجمهوري رقم 802 لسنة 1967 والتي ليس من بينها جزاء اللوم على أنه إذا فرض جدلاً انطباق القانونين رقمي 117 لسنة 1958، 19 لسنة 1959 فإن توقيع عقوبة اللوم على المطعون ضده الثاني تكون غير جائزة باعتبار أن القانون رقم 19 لسنة 1959 قد فرق بين الجزاءات التي توقع على العاملين بالشركات وتلك التي توقع على العاملين بالمؤسسات العامة فعددت المادة 6 من القانون رقم 19 لسنة 1959 الجزاءات التي توقع على العاملين بالشركات والتي تتراوح بين الإنذار والعزل وليس من بينها عقوبة اللوم.
ومن حيث إنه عن الوجه الأول من طعن السيد محمود أحمد عبد الجليل والمتعلق بعدم اختصاص المحكمة التأديبية بنظر الدعوى فإن المحكمة العليا قضت بجلسة 3 من يوليو سنة 1971 في الدعوى رقم 4 لسنة 1 القضائية (دستورية) بعدم دستورية حكم المادة 60 المشار إليها فيما تضمنه من تعديل اختصاص المحاكم التأديبية المنصوص عليها في القانون رقم 19 لسنة 1959 بسريان أحكام القانون رقم 117 لسنة 1958 بإعادة تنظيم النيابة الإدارية المحاكمات التأديبية على موظفي المؤسسات العامة والشركات والجمعيات والهيئات الخاصة، ومن ثم تكون المحكمة الأديبة في ظل اللائحة المشار إليها، هي المختصة وحده بإيقاع الجزاء بالطاعن طبقاً لأحكام القانون رقم 19 لسنة 1959 المشار إليه، ولم يتغير هذا الواضع بصدر القانون رقم 61 لسنة 1971 بنظام العملين بالقطاع العام الذي عمل به اعتباراً من أول أكتوبر سنة 1971، ذلك لأنه وإن كانت المادتان 49، 50 منه قد خولتا السلطات الرئاسية سلطة واسعة في توقيع الجزاءات التأديبية على العاملين بالمؤسسات العامة والوحدات الاقتصادية التابعة لها تصل إلى حد توقيع عقوبة الفصل من الخدمة على العاملين شاغلي الوظائف من المستوى الثالث عدا أعضاء مجلس إدارة التشكيلات النقابية وأعضاء مجلس الإدارة المنتخبين كما خولها سلطات تأديبية واسعة بالنسبة للعاملين شاغلي وظائف المستويين الثاني والأول وكذلك على العاملين شاغلي وظائف مستوى الإدارة العليا على النحو المبين المادتين سالفتي الذكر بينما نصت المادة 49 المذكورة على أن يكون للمحكمة التأديبية المختصة سلطة توقيع جزاءات خفض المرتب وخفض الوظيفة وخفض المرتب والوظيفة معاً على العاملين شاغلي وظائف الإدارة العليا وتوقيع جزاء الفصل من الخدمة على العاملين شاغلي الوظائف من المستوى الثاني وما يعلوه. إلا أن هذه الأحكام لم تنطو صراحة أو ضمناً على ما يدل على اتجاه المشرع إلى قصر سلطة المحكمة التأديبية وهي بصدد ممارسة اختصاصها في تأديب العاملين شاغلي الوظائف من المستوى الثاني وما يعلوه وأعضاء مجالس إدارة الشركات النقابة وأعضاء مجلس الإدارة المنتخبين على توقيع الجزاءات الواردة في البند الثالث من الفقرة ثانياً والبند الثالث من الفقرة ثالثاً من المادة (49) السالفة الذكر دون الجزاءات التأديبية الأدنى منها والتي قد تراها المحكمة التأديبية مناسبة في الحالة المطروحة عليها إذ أن كل ما استهدفه القانون رقم 61 لسنة 1971 المذكور هو بيان حدود السلطات الموسعة التي منحها للسلطات الرئاسية في توقيع الجزاءات التأديبية على العاملين دون ثمة قيد على سلطة المحاكم التأديبية في توقيع أحد الجزاءات الملائمة التي تضمنتها المادة 48 من القانون إذا ما قام دليل على إدانة المخالف المحال إليها أو الحكم ببراءته إذا ثبت له غير ذلك. ولما كان القانون رقم 61 لسنة 1971 لم يلغ العمل بأحكام القانون رقم 19 لسنة 1959 السالف الإشارة إليه ولم ينسخه فيما تضمنه من أحكام من اعتبار المحكمة التأديبية هي صاحب الولاية العامة في تأديب العاملين بالمؤسسات العامة والوحدات الاقتصادية التابعة لها، لما كان الأمر كذلك فإن ولاية المحكمة التأديبية في محاكمة من يحال إليه من العاملين شاغلي الوظائف من المستوى الثاني وما يعلوه وأعضاء مجالس إدارات التشكيلات النقابية ومجالس الإدارات المنتخبين تنبسط شاملة سلطة تقدير قيام المخالفة المسندة إليهم في الواقع والقانون وتقدير الجزاء التأديبي الذي تراه مناسباً لها من بين الجزاءات المنصوص عليها في المادة 48 من القانون رقم 61 لسنة 1971.
ومن حيث إنه يبين من الأوراق أن الطاعن السيد/ محمود أحمد عبد الجليل عضو مجلس الإدارة - المنتدب بشركة محلات شيكوريل الكبرى ومنتدب للإشراف على الإدارة المالية والتجارية بشركة القمصان والملابس وأنه يتقاضى مرتباً قدره 1450 جنيهاً سنوياً ومن ثم تكون المحكمة التأديبية هي المختصة بتأديبه ويكون الحكم المطعون فيه قد أصاب فيما انتهى إليه برفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة التأديبية وباختصاصها للأسباب السالفة الذكر ويكون هذا الوجه من الطعن على غير أساس.
ومن حيث إنه بالنسبة للوجه الثاني من الطعن السالفة الذكر والخاص بالدفع بعدم القبول فإن الحكم المطعون فيه قد أصاب في قضائه برفض هذا الدفع وذلك للأسباب التي بني عليها والتي تأخذ بها هذه المحكمة وتعتبرها أساساً لحكمها.
ومن حيث إنه بالنسبة لما ينعاه الطاعن من بطلان الحكم المطعون فيه بمقولة أن الهيئة التي أصدرت الحكم لم تستمع إلى المرافعة كما أن المحكمة عندما أعادت الدعوى للمرافعة بجلسة 2/ 3/ 1968 كان يجب عليها إعلان الطاعن بذلك لإبداء دفاعه ولكنها لم تفعل وحجزت الدعوى للحكم في الجلسة ذاتها هذا النعي مردود بأن الهيئة التي أصدرت الحكم ووقعت عليه هي نفس الهيئة التي سمعت المرافعة في الدعوى وقررت حجز القضية للحكم لجلسة 6/ 4/ 1968 ذلك لأن الثابت من مطالعة محاضر جلسات المحكمة التأديبية أن المحكمة قررت بجلسة 2/ 12/ 1967 إصدار الحكم بجلسة 3/ 2/ 1968 وصرحت المحكمة بتقديم مذكرات ومستندات خلال أربعة أسابيع وبجلسة 3/ 2/ 1968 حضر السيد المستشار محمد عوض الله مكي بدلاً من المستشار محمد بهجت عتيبه ثم قررت المحكمة في هذه الجلسة من أجل النطق بالحكم لجلسة 2/ 3/ 1968 لإتمام بالمداولة وبجلسة 2 من مارس قررت المحكمة المشكلة بالهيئة الجديدة إعادة الدعوى للمرافعة لتغير الهيئة، ثم حجزت الدعوى للحكم على النحو الذي سبق بيانه وبذلك تكون المحكمة قد فتحت المرافعة في الدعوى وأعادت الإجراءات أمام الهيئة الجديدة. أما القول بأن فتح باب المرافعة يستلزم إعلان طرفي النزاع إذا لم يكونوا حاضرين لإبداء الدفاع فهو قول لا سند له من القانون، ذلك لأن المادة 173 من قانون المرافعات لا تتطلب عند فتح باب المرافعة إعلان طرفي النزاع وكل ما تطلبته هو أن يكون فتح باب المرافعة لأسباب جدية تبين في ورقة الجلسة وفي المحضر وهذا ما حرصت المحكمة على إثباته في محضر بالجلسة، إذ قررت أن إعادة الدعوى للمرافعة كان بسبب تغير الهيئة ويضاف إلى ذلك أنه من المبادئ الأساسية في فقه المرافعات أنه إذا حضر المدعى عليه في أية جلسة أو أودع مذكرة بدفاعه اعتبرت الخصومة حضورية في حقه ولو تخلف بعد ذلك، كما أن النظام القضائي بمجلس الدولة يقوم أساساً على مبدأ المرافعات التحريرية في مواعيد محددة وليس من حق ذوي الشأن أن يصروا أمام المحكمة على طلب المرافعة الشفهية وإن كان للمحكمة أن تطلب إلى الخصوم أو إلى المفوض ما تراه لازماً من إيضاحات ومتى كان الأمر كذلك وكان الثابت أن الطاعن قد قدم العديد من المذكرات المشتملة على دفاعه فإنه لا يكون هناك ثمة إخلال بحقه في الدفاع ويكون النعي على الحكم المطعون فيه بالبطلان لا يستند على أساس من القانون.
ومن حيث إنه بالنسبة إلى ما أثاره الطاعن من أنه شاب الحكم المطعون فيه البطلان إذ ورد بصدره أن المحكمة التي أصدرت الحكم مشكلة برئاسة السيد وكيل النيابة الإدارية مع أن المحكمة كانت مشكلة برئاسة السيد المستشار وكيل مجلس الدولة فإنه على غير أساس أيضاً ذلك أن الثابت من الاطلاع على الحكم أن المحكمة كانت مشكلة برئاسة السيد الأستاذ وكيل مجلس الدولة فإذا ذكر أمام اسمه كلمة وكيل النيابة الإدارية فإن هذا لا يعدو أن يكون خطأ مادياً وقع عند نقل الحكم المطعون فيه من المسودة ولا يمكن أن ينال ذلك من صحة شكل الحكم المطعون فيه.
ومن حيث إنه بالنسبة إلى موضوع الدعوى التأديبية فإن الحكم المطعون فيه قد أصاب الحق فيما انتهى إليه من إدانة المخالفين الثلاثة للأسباب التي بني عليها والتي تأخذ بها هذه المحكمة وتعتبرها أسباباً لحكمها، ولم يتضمن الطعن المقدم من السيد/ محمود أحمد عبد الجليل جديداً لم يتناوله الحكم المطعون فيه بالرد، ومن ثم فإن الطعن بالنسبة إلى هذا الوجه يكون على غير أساس.
ومن حيث إنه بالنسبة لا وجه الطعن المتعلقة بالعقوبات التي أوقعها الحكم المطعون فيه على المخالفين الثلاثة ومدى مشروعيتها، فإنه [يبين من تقصي الأحكام الخاصة بتأديب العاملين بالقطاع العام: أنه بتاريخ 15 من يناير سنة 1959 أصدر المشرع القانون رقم 19 لسنة 1959 المشار إليه، وبموجبه امتد اختصاص النيابة الإدارية والمحاكم التأديبية إلى العاملين بالمؤسسات والهيئات العامة والعاملين بالجمعيات والهيئات الخاصة التي يصدر بتحديدها قرار من رئيس الجمهورية، والعاملين بالشركات التي تساهم فيها الحكومة أو المؤسسات العامة بنسبة لا تقل عن 25% من رأسمالها أو تضمن لها حداً أدنى من الأرباح، وإذا كان المكان الطبيعي لتحديد المخالفات التأديبية والجزاءات التي يجوز للسلطات التأديبية توقيعها على العاملين، هو تشريعات التوظف، غير أنه نظراً لأنه لم يكن قد صدرت بعد حتى تاريخ نفاذ ذلك القانون أية تشريعات تنظم شئون التوظف الخاصة بالعاملين بالشركات، فقد ضمن المشرع المادة السادسة من القانون المشار إليه الجزاءات التي يجوز للمحاكم التأديبية توقيعها على هؤلاء العاملين، وعقب صدور القوانين الاشتراكية في سنة 1961 التي ترتب عليها أيلولة عدد كبير من الشركات والمنشآت والمؤسسات الخاصة إلى الدولة، اتجه المشرع إلى تنظيم أوضاع العاملين بجهات القطاع العام بموجب قرارات تنظيمية عامة، تضمنت أحكام التوظف الخاصة بهم، وتحديد واجباتهم والأعمال المحظورة عليهم، وأوضاع التحقيق معهم وتأديبهم، والجزاءات التي يجوز للسلطات التأديبية توقيعها عليهم سواء كانت المحاكم التأديبية والسلطات الرئاسية. وليس من شك في أن المحاكم التأديبية تلتزم بتوقيع العقوبات المنصوص عليها في تشريعات التوظف الخاصة بالعاملين في القطاع العام، ولو اختلفت هذه العقوبات عن العقوبات الواردة في القانون 19 لسنة 1959 المشار إليه، ذلك لأنه كما سبق القول، لم يضمن المشرع المادة السادسة تلك العقوبات إلا بسبب عدم وجود التشريعات المنظمة لأحكام التوظف الخاصة بهؤلاء العاملين، فإذا ما وجدت هذه التشريعات وتضمنت العقوبات التي قدر المشرع أنها تتلاءم مع طبيعة العلاقة التي تربط هؤلاء العاملين بالجهات التي يعملون فيها، فقد زال مقتضى تطبيق نص المادة السادسة المشار إليها والتزمت السلطات التأديبية بما فيها المحاكم التأديبية بتوقيع العقوبات الواردة في اللوائح الجديدة دون غيرها.
ومن حيث إنه لما كانت عقوبة اللوم التي أوقعها الحكم المطعون فيه بالمطعون ضدهما الأولين لم ترد في ضمن العقوبات يجوز توقيعها على العاملين في القطاع العام طبقاً للتشريعات المنظمة لشئون التوظف الخاص بهم والمنتهية بالقانون رقم 61 لسنة 1971 بإصدار نظام العاملين بالقطاع العام، فمن ثم يكون الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تطبيق القانون، ويتعين لذلك تعديله وإيقاع جزاء من الجزاءات التي تضمنتها المادة 48 من هذا القانون تتناسب مع المخالفة التي ثبتت في حق كل من المطعون ضدهما، وتقدرها هذه المحكمة بالنسبة إلى المطعون ضده الأول بالإنذار مراعية في ذلك أن رائد المخالف الأول فيما ارتكب من مخالفات كان تنفيذ العملية بأقل الأسعار، وأما بالنسبة للمخالف الثاني فإن المحكمة تقدر العقوبة المناسبة لما وقع منه بالخصم من مرتبه لمدة خمسة عشرة يوماً.
ومن حيث إنه بالنسبة إلى المطعون ضدها الثالثة فإن الجزاء الموقع عليها يتناسب مع المخالفة التي ثبتت في حقها ومن ثم يكون طعن النيابة الإدارية بالنسبة إليها على غير أساس حقيقاً بالرفض.
ومن حيث إنه يخلص من كل ما تقدم أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تطبيق القانون عندما وقع على المخالفين الأول والثاني عقوبة اللوم ويتعين لذلك الحكم بتعديله ومجازاة المطعون ضدهما الأولين بالجزاء المشار إليه فيما تقدم ورفض الطعن فيما عدا ذلك مع إلزامهما بالمصروفات، أما بالنسبة إلى الطعن رقم 1185 لسنة 14 القضائية فهو على غير أساس ويتعين لذلك رفضه مع إلزام الطاعن بمصروفاته.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعنين المضمومين شكلاً وفي موضوعهما أولاً: بالنسبة إلى الطعن رقم 1203 لسنة 14 القضائية، بتعديل الحكم المطعون فيه وبمجازاة السيد.... بالإنذار والسيد/ .... بالخصم من مرتبه لمدة خمس عشر يوماً وبرفض الطعن فيما عدا ذلك وألزمت المطعون ضدهما الأول والثاني بالمصروفات. ثانياً: بالنسبة إلى الطعن رقم 1185 لسنة 14 برفضه وألزمت الطاعن بالمصروفات.