مجلس الدولة - المكتب الفني لرئيس مجلس الدولة - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة والثلاثون - الجزء الثاني (من أول مارس سنة 1994 إلى 15 سبتمبر سنة 1994) – صـ 1081

(104)
جلسة 19 من مارس سنة 1994

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ فاروق عبد السلام شعت - نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة: رأفت محمد يوسف، وأبو بكر محمد رضوان، ومحمد أبو الوفا عبد المتعال، وغبريال جاد عبد الملاك - نواب رئيس مجلس الدولة.

الطعن رقم 3433 لسنة 37 القضائية

عاملون بالمحاكم - محضرون - تزوير واستعمال محرر مزور - أثر الحكم بالحبس على العلاقة الوظيفية.
المادة (94) من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978. الحكم على العامل بعقوبة جناية أو بعقوبة مقيدة للحرية في جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة لا يترتب عليه انتهاء خدمته بقوة القانون إذا كان ذلك لأول مرة - إنهاء الخدمة في هذه الحالة متروك للجهة الإدارية بحسب ما تقدره في ضوء ظروف الواقعة وأسباب الحكم - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الأربعاء 17/ 7/ 1991 أودع الأستاذ/........ المحامي الوكيل عن الطاعن بالتوكيل رقم 1626 لسنة 1991 إسكندرية قلم كتاب هذه المحكمة تقرير طعن قيد برقم 3433/ 37 ق في القرار الصادر من مجلس تأديب محكمة الإسكندرية الابتدائية بجلسة 10/ 6/ 1991 في الدعوى رقم 6 لسنة 1991 والقاضي بمجازاة الطاعن بالفصل من الخدمة.
وطلب الطاعن - للأسباب المبينة في تقرير الطعن - الحكم بقبول الطعن شكلاً وبوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وفي الموضوع ببطلان هذا الحكم واحتياطياً ببراءة الطاعن مما نسب إليه.
وقد أعلن الطعن إلى وزارة العدل.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني في الطعن ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً.
ونظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة بجلسة 23/ 10/ 1991 وتداول بالجلسات وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة بدفاعها في الطعن بجلسة 13/ 1/ 1993 وقدم الطاعن مذكرة وحافظة مستندات بجلسة 10/ 2/ 1993 وبجلسة 10/ 3/ 1993 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة ونظر الطعن أمام المحكمة بجلسة 10/ 4/ 1993 وقدم الطاعن مذكرة وتداول الطعن بالجلسات وبجلسة 15/ 1/ 1994 قررت المحكمة إصدار الحكم في الطعن بجلسة 5/ 3/ 1994 ثم قررت المحكمة مد أجل النطق بالحكم لجلسة 19/ 3/ 1994 وبهذه الجلسة صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات والمداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى سائر أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تخلص - حسبما يبين من الأوراق - في أنه بتاريخ 30/ 5/ 1991 أصدر السيد المستشار/ رئيس محكمة الإسكندرية الابتدائية قراراً بإحالة/ ........ المحضر بمحكمة إسكندرية الابتدائية إلى المحاكمة التأديبية وذلك لأنه نفاذاً لأمر صادر من السيد الأستاذ قاضي التنفيذ في الدعوى رقم 2648 لسنة 1974 مدني كلي قام بتنفيذ هذا الأمر بتاريخ 28/ 6/ 1990 بإخلاء بعض شقق العقار من شاغليها وورشتين في ذات العقار الكائن بشارع بن بطوطة وأجرى تسليم ماكيناتها وآلاتها التي تعذر نقلها إلى طالب التنفيذ ووقع على محضر التنفيذ من طالب التنفيذ ورجل الشرطة والمهندس المرافقين إلا أن المذكور قام بتغيير الحقيقة في هذا المحضر بتعديل بعض البيانات بما يفيد عدم التنفيذ على الورشتين المشار إليهما بأن أضاف إلى الصفحة الأخيرة الممهورة بالتوقيعات أداة النفي "لم" توصلاً إلى نفي التنفيذ واستعمل هذا المحضر بتقديمه للسيد الأستاذ/ قاضي التنفيذ للاعتداد به.
وبجلسة 10/ 6/ 1991 أصدر مجلس تأديب محكمة الإسكندرية الابتدائية القرار المطعون فيه وأقام قضائه على أن ما نسب إلى المتهم من تزويره في محضر تنفيذ قرار الهدم رقم 54 لسنة 1974 واستعماله هذا المحرر بعرضه على قاضي التنفيذ ثابت في حقه من الحكم الصادر في القضية رقم 358 لسنة 1990 كلي غرب الإسكندرية والذي قضى بمعاقبته بالحبس مع الشغل لمدة ستة أشهر ومن المقرر أن الحكم على العامل لارتكابه إحدى الجرائم الجنائية يعد مخالفة تأديبية متعلقة بالوظيفة ولما كان الفعل الذي ارتكبه المتهم يقلل الثقة في الوظيفة ويفقده الصلاحية اللازمة لشغلها الأمر الذي يتعين معه فصله من الخدمة.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الحكم المطعون فيه خالف القانون للأسباب الآتية:
أولاً: بطلان إجراءات محاكمته تأديبياً حيث لم تقم الدعوى بناء على طلب رئيس المحكمة طبقاً لنص المادة 168 من قانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة 1972 كما أن الأوراق خلت من إعلان ورقة الاتهام وقرار إحالته إلى الطاعن.
ثانياً: إن المادة 169 من القانون المشار إليه تقضي بأن تكون المحاكمة في جلسة سرية والثابت من الحكم أن الإجراءات لم تتم في سرية كما ينص القانون وكذلك فإن عضو اليسار بمجلس التأديب السيد/....... كبير المحضرين لم يثبت أنه حلف اليمين قبل عمله بمجلس التأديب.
ثالثاً: إن الحكم الذي استند إليه قرار مجلس التأديب طرح ما أثبته الطاعن في دفاعه وأقواله في التحقيقات من أن التنفيذ لم يتم لأن الإشكال الأول في القضية يقتضي وقف التنفيذ بقوة القانون وأن ما قام به الطاعن هو إثبات الحالة فلا تزوير في الأمر والثابت فعلاً أنه لم يقم بتسليم الآلات لطالب التنفيذ.
رابعاً: إن الجزاء الموقع على الطاعن لا يتناسب مع الجريمة المنسوبة إليه إذا ما روعيت الظروف والملابسات التي اقترنت بها إذ أن الجريمة المنسوبة له لا تعدو أن تكون جريمة شكلية وهذا ثابت من أسباب الحكم الجنائي الذي أشار إلى أن العبرة في تزوير المحرر الرسمي ليست بحقيقة الواقع ولكن بالحقيقة الثابتة في المحرر الرسمي وإنه أياً كان الرأي بالنسبة لحقيقة الواقع فإنه لا يغير من الأمر شيئاً وبالتالي فظروف هذه الجريمة لا تكشف عن نوازع انحراف أو فساد في شخص الطاعن يبرر تشديد العقاب عليه.
ومن حيث إنه عن الوجه الأول من أوجه الطعن المتعلق بما أثاره الطاعن من بطلان إجراءات محاكمته لأن إحالته لم تكن بقرار من رئيس المحكمة وأنه لم يتم إعلانه بقرار الاتهام فإن الثابت من الأوراق أن الطاعن قد أحيل إلى مجلس التأديب بقرار رئيس محكمة إسكندرية الابتدائية وبذلك تكون إحالته للمحاكمة التأديبية قد تمت طبقاً لحكم المادة 168 من قانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة 1972 أما ما دفع به الطاعن من عدم إعلانه بقرار إحالته فإنه لما كان الثابت من محاضر جلسات مجلس التأديب أن المذكور قد حضر أمام مجلس التأديب بجلسة 8/ 6/ 1991 وطلب أجلاً للاطلاع والاستعداد ومن ثم فإن ذلك يتحقق به الغرض من إعلانه بقرار إحالته للمحاكمة التأديبية وهو علمه بالاتهام المسند إليه وتمكينه من الدفاع عن نفسه وبناء عليه فإن الدفع ببطلان إجراءات محاكمته يكون على غير أساس من القانون يتعين الرفض.
ومن حيث إنه عن الوجه الثاني من الطعن المتعلق بأن محاكمته لم تكن في جلسة سرية فإنه يبين من الاطلاع على محاضر جلسات مجلس التأديب المطعون في قراره والنسخة الأصلية لهذا القرار أنها خلت من أي إشارة تدل على أن محاكمته المذكور كانت علنية ولا ينال من ذلك أن نسخة هذه المحاضر والقرار المطعون فيه الأصلية قد خلت من النص على أن المحاكمة كانت سرية إذ الأصل أن المحاكمة جرت سرية ما لم يقم الدليل على العكس وليس في الأوراق دليل كما لم يقدم الطاعن دليلاًَ على أن محاكمته لم تكن سرية وأما القول ببطلان القرار المطعون فيه لأن عضو اليسار السيد/........ كبير المحضرين لم يحلف اليمين فإن هذا الدفع لا أساس له من القانون إذ لم تستلزم نصوص قانون السلطة القضائية المشار إليه والمنظمة لمجالس تأديب العاملين بالمحاكم أداء اليمين بالنسبة لكبير المحضرين ومن ثم فلا يبطل قرار مجلس التأديب لعدم أدائه اليمين وبناء عليه يكون هذا الوجه على غير أساس من الواقع والقانون متعيناً رفضه.
أما ما أثاره الطاعن في مذكرته المقدمة بجلسة 10/ 2/ 1993 من أن السيد/....... كان أحد من سمعت أقوالهم في التحقيقات في الموضوع كما هو ثابت من الحكم الجنائي بالصفحة الثانية منه وأنه لذلك يكون غير صالح لعضوية مجلس التأديب المشكل لمحاكمة الطاعن لإبدائه رأياً سابقاًَ فإنه يبين من الاطلاع على الحكم الجنائي على الحكم الجنائي المشار إليه أنه لم يرد به أي إشارة إلى أن السيد/........ قد سمعت أقواله في التحقيقات كما يبين من الاطلاع على صورة هذه التحقيقات المرفقة بحافظة مستندات الطاعن المقدمة بجلسة 10/ 2/ 1993 أنها خلت من سماع أقوال السيد/ المذكور ومن ثم يكون ما أبداه الطاعن في هذا الشأن لا أساس ولا ختمة له.
ومن حيث إنه عن الموضوع فإن المخالفات المنسوبة إلى الطاعن من تزوير في محضر تنفيذ قرار الهدم رقم 54 لسنة 1974 واستعماله هذا المحضر بعرضه على قاضي التنفيذ ثابتة قبله بالحكم الجنائي الصادر من محكمة جنايات إسكندرية بجلسة 20/ 3/ 1991 في القضية رقم 358 لسنة 1990 كلي غرب بعاقبته بالحبس مع الشغل لمدة ستة أشهر بعد أن أوضح هذا الحكم في أسبابه ثبوت جريمة التزوير في محرر رسمي وجريمة استعمال هذا المحرر من واقع التحقيقات وتقرير أبحاث التزييف والتزوير ولا ريب أن هذه المخالفة تشكل في المجال الوظيفي إخلالاً جسيماً من الطاعن بواجبات وظيفته تستوجب مساءلته عنها تأديبياً.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أنه ولئن كان للسلطات التأديبية سلطة تقدير خطورة الذنب الإداري وما يناسبه من جزاء بغير معقب عليها في ذلك إلا أن مناط مشروعية هذه السلطة - شأنها شأن أي سلطة تقديرية أخرى - إلا يشوب استعمالها غلو ومن صور هذا الغلو عدم الملائمة الظاهرة بين درجة خطورة الذنب الإداري ونوع الجزاء ومقداره.
ومن حيث إنه ولئن كان ما يثبت في حق الطاعن يمثل خروجاً وإخلالاً جسيماً بواجبات وظيفته إلا أن هذه المحكمة ترى أن معاقبة المذكور عما نسب إليه جنائياً بعقوبة الحبس مع الشغل لمدة ستة أشهر تعد أحد العناصر التي تدخل في التقدير عند توقيع الجزاء التأديبي عن ذات الواقعة التي عوقب عنها جنائياً ومراعاة ذلك تجعل توقيع جزاء الفصل من الخدمة عن هذه الواقعة منطوياً على غلو في تقدير الجزاء ومن ناحية أخرى فإن المحكمة تفسح المجال للطاعن لتقويم سلوكه وتراعي المحافظة على مستقبل أسرته فتوقع عليه جزاء رادعاً غير جزاء الفصل الأمر الذي يتعين معه الحكم بتعديل القرار المطعون فيه ليكون بمجازاة الطاعن بخفض وظيفته إلى وظيفة من الدرجة الأدنى مباشرة.
ومن حيث إنه لا ينال من سلامة تعديل جزاء الفصل الموقع على الطاعن إلى الجزاء المشار إليه ما قد يثار من أن الطاعن وقد حكم عليه بعقوبة مقيدة للحرية في جريمة مخلة بالشرف تعتبر خدمته منتهية ذلك أن المادة 94 من القانون رقم 47 لسنة 1978 بنظام العاملين المدنيين بالدولة تنص على أن "تنتهي خدمة العامل لأحد الأسباب الآتية:.........
3 - الحكم عليه بعقوبة جنائية في إحدى الجرائم المنصوص عليها في قانون العقوبات أو ما يماثلها من جرائم منصوص عليها في القوانين الخاصة أو بعقوبة مقيدة للحرية في جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة ما لم يكن الحكم مع وقف التنفيذ.
ومع ذلك فإذا ما كان الحكم قد صدر عليه لأول مرة فلا يؤدي إلى إنهاء الخدمة إلا إذا قدرت لجنة شئون الموظفين بقرار مسبب من واقع أسباب الحكم وظروف الواقعة أن بقاء العامل يتعارض مع مقتضيات الوظيفة أو طبيعة العمل".
ومفاد هذا النص أن الحكم على العامل بعقوبة جناية أو بعقوبة مقيدة للحرية في جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة لا يترتب عليه انتهاء خدمته بقوة القانون إذا كان ذلك لأول مرة وأن إنهاء خدمته في هذه الحالة أمر متروك للجهة الإدارية بحسب ما تقدره في ضوء ظروف الواقعة وأسباب الحكم وبناء عليه ولما كان الثابت أن الواقعة التي عوقب عنها الطاعن بالحبس لمدة ستة أشهر هي الواقعة الأولى ولم تصدر الجهة الإدارية قرار بإنهاء خدمته طبقاً للفقرة الثانية من المادة 94 المشار إليها ومن ثم تكون خدمته مستمرة وعلاقته بالجهة الإدارية قائمة لم تنته بقوة القانون باعتبار أن الحكم على الطاعن كان لأول مرة ويجوز بالتالي مساءلته تأديبياً عن هذه الواقعة وهو ما صدر بشأنه قرار مجلس التأديب المطعون فيه بمجازاته عنها بالفصل من الخدمة وقد انتهت هذه المحكمة إلى عدم مناسبته لأسباب السابق بيانها والقضاء بتعديله إلى مجازاة الطاعن بالخفض إلى وظيفة من الدرجة الأدنى مباشر.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بتعديل القرار المطعون فيه ليكون بمجازاة الطاعن بخفض وظيفته إلى وظيفة من الدرجة الأدنى مباشرة.