مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة عشرة - (من أول أكتوبر سنة 1973 إلى أخر سبتمبر سنة 1974) - صـ 17

(7)
جلسة 24 من نوفمبر سنة 1973

برياسة السيد الأستاذ المستشار علي محسن مصطفى - رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة الدكتور أحمد ثابت عويضة ومحمد صلاح الدين السعيد ومحمود طلعت الغزالي وأبو بكر محمد عطية - المستشارين.

القضية رقم 1314 لسنة 13 القضائية

عقد إداري - وجوب تصحيح الأخطاء المادية التي تشوب العقد - وقوع المتعاقد مع الإدارة في خطأ مادي - تنبيه الإدارة إلى الخطأ قبل البت في المناقصة - تجاهل الإدارة للخطأ وإرساء العطاء على المتعاقد رغم ذك يعد مخالفة للقانون - أحقية المتعاقد في التعويض عما لحقه من أضرار - أساس ذلك، ومثال.
إن من المقرر قانوناً في مجال العقود إدارية كانت أو مدنية أن الغلطات المادية في الكتابة أو في الحساب التي يقع فيها أحد المتعاقدين واجبة التصحيح، إذ تنص المادة 123 من القانون المدني على أنه لا يؤثر في صحة العقد مجرد الغلط في الحساب ولا غلطات القلم، ولكن يجب تصحيح الغلط كما تقضي لائحة المناقصات والمزايدات الصادر بها قرار وزارة المالية والاقتصاد رقم 542 لسنة 1957 في المادة 44 منها على أن يكون للمصلحة أو السلاح أو الوزارة الحق في مراجعة الأسعار المقدمة سواء من حيث مفرداتها أو مجموعها وإجراء التصحيحات المادية، كما تقضي في المادة 64 منها بأن يكلف موظف مسئول أو أكثر بمراجعة العطاءات قبل تفريغها مراجعة حسابية تفصيلية.. وإذا وجد اختلاف بين سعر الوحدة وإجمالي سعر الوحدات يعول على سعر الوحدة ويؤخذ بالسعر المبين بالتفقيط في حالة وجود اختلاف بينه وبين السعر المبين بالأرقام وتكون نتيجة هذه المراجعة هي الأساس الذي يعول عليه في تحديد قيمة العطاء وترتيبه. ولما كان الأمر كذلك وكانت سلطة القاضي في تبيان الغلط الذي يقع في العقود لا يقل عن سلطته في فسخه وتعديله، فله أن يتحرى الإرادة الظاهرة للمتعاقد للوقوف على الغلط الذي شاب هذه الإرادة من واقع الظروف والملابسات التي صاحبت عملية التعاقد، فإذا استبان له وجود غلط قام بتصحيحه على وجه يتحقق معه التعبير الصحيح للإرادة بحيث لا يستغل أحد طرفي العقد ما وقع فيه الطرف الآخر من غلط في الحساب أو في الكتابة.
ومن حيث إن الظروف والملابسات التي أحاطت بالتعاقد على ما سلف بيانه تقطع بأن ما وقع فيه المدعي من غلط كان من غلطات القلم إذ أخطأ في كتابة تمييز الرقم الذي دونه سعراً للكيلو متر الواحد من أعمال البندين المشار إليهما وهو ثلاثة آلاف وخمسمائة فذكر أنه المليم بينما كانت إرادته متجهة فعلاً إلى القرش على ما يبين من القيمة الإجمالية التي دونها بهذين البندين وهي 4375 جنيهاً وهي حاصل الضرب الصحيح لفئة الكيلو متر الواحد مقدرة على أساس القرش مضروبة في عدد الكيلومترات وهو 125 كيلو متراً، وبالبناء على ذلك حدد المدعي القيمة الإجمالية لعطائه وحدد قيمة خطاب الضمان الذي قدمه لجهة الإدارة. ومن ثم فلا شبهة في أن قلم المدعي قد جرى بكلمة المليم المذكورة دون القرش تحت تأثير ما درج عليه في كتابة كل فئات بنود وحدات العمل السابقة على البندين المذكورين بالمليم فقط ولذلك فقد انساق وراء هذا اللفظ مردداً إياه عند تحديد فئة هذين البندين تلقائياً دون إعمال فكر، أما إرادته الحقيقية فقد كشف عنها بجلاء جملة المبلغ الذي دونه لإعمال البندين المشار إليهما، في المناقصة مثار المنازعة على ما سلف بيانه، وكذلك في المناقصة السابقة عليها آنفة الذكر والتي أثبت فيها المدعي فئة البند التاسع بمبلغ 25 جنيهاً للكيلو متر الواحد وقيمة أعمال البند 1500 جنيه وفئة البند العاشر 35 جنيهاً وقيمة أعمال البند 2275 ج بما مفاده أن أعمال البندين كانت في هذا العطاء 3775 جنيهاً وهو مبلغ يقل قليلاً عن جملة قيمة أعمال البندين المذكورين في المناقصة الثانية مثار هذا الطعن والتي بلغت 3850 جنيهاً مخفضة بالنسبة التي قررها المدعي في عطائه وهي 12% ولا يعقل أن يهوى المدعي بأسعاره بالنسبة لذات البندين في مدة تقل عن شهر ونصف إلى ثلاثة جنيهات ونصف للكيلو متر الواحد تخفض بنسبة 12% لتصبح ثلاثة جنيهات وثمانين مليماً وبقيمة إجمالية قدرها 437.5 جنيهاً تخفض بالنسبة المذكورة لتصبح 385 جنيهاً، وذلك في الوقت الذي ظلت فيه قيمة العطاء الثاني في مجموعة حسب نظر المدعي تقارب قيمة عطائه السابق عليه حيث جدد المدعي قيمة عطائه الأول بمبلغ 26940 جنيهاً والثاني 25427.600 مليمجـ.
ومن حيث إنه لما كان الأمر كذلك وكان المدعي قد بادر فور فض المظاريف وقبل البت في المناقصة إلى إخطار الجهة الإدارية بالغلط الذي وقع فيه، فإنها إذ طرحت اعتراض المدعي رغم قيامه على أساس سليم من الواقع والقانون ولم تقم بما يوجبه عليها القانون من وجوب تصحيح عطاء المدعي على أساس أن ما وقع فيه كان من غلطات القلم حين سجل في عطائه خطأ أن قيمة الكيلو متر الواحد لأعمال البندين التاسع والعاشر المشار إليهما ثلاثة آلاف وخمسمائة مليم بدلاً من ثلاثة آلاف وخمسمائة قرش، وليس على أساس أن ما وقع فيه كان مجرد غلط في الحساب على ما ذهبت إليه الجهة الإدارية وهو ما ترتب عليه تخفيض إجمالي قيمة هذين البندين بمقدار 3937.5 ج وهو يوازي 3465 جنيهاً بعد التخفيض بنسبة الـ 12% التي حددها المدعي في عطائه أن جهة الإدارة إذ انصرفت عن اعتراضات المدعي في هذا الشأن في الوقت الذي كان يتعين عليها فيه أن تنظر في عطائه وتتصرف فيه على أساس صواب نظره، وأرست العملية عليه بمبلغ لم يعرضه في عطائه ولم يصدر به إيجاب منه وبتغاضيها عن كل اعتراضاته وتحفظاته، فإنها تكون بذلك قد خالفت حكم القانون على وجه يتحقق به ركن الخطأ الموجب لمسئوليتها.
ومن حيث إن المدعي يطالب في الواقع من الأمر بتعويضه عن الأضرار التي لحقت به بسبب إرساء المناقصة عليه على خلاف القانون بمبلغ يقل عن المبلغ الذي تقدم به في عطائه، وقدر هذا التعويض على أساس أن فئة الكيلو متر الواحد من أعمال البندين المشار إليهما هي 3500 قرش لا الفئة التي تمت المحاسبة وفقاً لها وهي 3500 مليم.
ومن حيث إن جهة الإدارة قد أخطأت على ما سلف بيانه في عدم القيام بما يفرضه عليها القانون من وجوب تصحيح ما وقع فيه المدعي من خطأ في كتابة فئة البندين المشار إليهما وأرست العطاء عليه بمبلغ يقل عن المبلغ الذي صدر إيجابه على أساسه، الأمر الذي ترتب عليه الإضرار بحقوق المدعي، فمن ثم فإنه يحق له أن يطالبها بما لحقه من أضرار.