مجلس الدولة - المكتب الفني لرئيس مجلس الدولة - مجموعه المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة والثلاثون - الجزء الثاني (من أول مارس سنة 1994 إلى 15 سبتمبر سنة 1994) - صـ 1113

(108)
جلسة 22 من مارس سنة 1994

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ حنا ناشد مينا حنا - نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة: فاروق علي عبد القادر، وعلي فكري حسن صالح، والصغير محمد محمود بدران، ومحمد إبراهيم قشطة - نواب رئيس مجلس الدولة.

الطعن رقم 1645 لسنة 36 القضائية

( أ ) دعوى الإلغاء - ما يخرج عن نطاقها - الإجراءات التي تتخذها الإدارة استناداً لعقودها.
الخصومة في دعوى الإلغاء هي خصومة عينية مناطها اختصام القرار الإداري في ذاته استهدافاً لمراقبة مشروعيته - يخرج عن نطاق القرار الإداري الذي يكون محلاً لدعوى الإلغاء كل ما يصدر عن الإدارة استناداً إلى أحكام العقود التي تبرمها - الإجراءات التي تتخذها الإدارة استناداً إلى العقود التي تبرمها تدخل المنازعات التي تتولد عنها في ولاية القضاء الكامل - أساس ذلك أنه لا يجوز الاستناد إلى مخالفة الإدارة لالتزاماتها التعاقدية كسبب من الأسباب التي تجيز طلب إلغاء ما اتخذته من إجراءات - دعوى الإلغاء هي جزاء لمخالفة المشروعية بينما الالتزامات المترتبة على العقود الإدارية هي التزامات شخصية - طلب وقف تنفيذ وإلغاء القرار الصادر بإنهاء التعاقد ومصادرة التأمين النهائي هو طلب يستند إلى أحكام العقد - أثر ذلك: أن المنازعة التي تثار بشأنه هي من المنازعات الحقوقية تدخل في ولاية القضاء الكامل وتخرج من نطاق ولاية الإلغاء مؤدى ذلك: عدم قبول طلب وقف تنفيذ وإلغاء القرار المشار إليه - تطبيق.
(ب) عقد إداري - القرار الصادر بفسخ العقد - طبيعته.
القرار الصادر بفسخ العقد لا يعتبر من القرارات الإدارية المنفصلة التي يجوز مخاصمتها بدعوى الإلغاء - أساس ذلك: أن فسخ العقد لا يعدو أن يكون إجراء تتخذه الإدارة كمتعاقد وليس كسلطة عامة - أثر ذلك: عدم قبول طلب تنفيذه - تطبيق.
(جـ) مسئولية عقدية - ركن الخطأ فيها - عدم إخطار المتعاقد بإجراء فسخ العقد. (تأمين). المادتان 20 و24 من قانون تنظيم المناقصات والمزايدات الصادر بالقانون رقم 9 لسنة 1983.
في حالة عدم التزام المتعاقد بتكملة التأمين المؤقت يكون للإدارة أن تفسخ العقد مع مصادرة التأمين المؤقت - أو تقوم بتنفيذ العقد على حساب المتعاقد - يشترط لاتخاذ أي من الإجرائين السابقين إخطار المتعاقد بكتاب موصى عليه مصحوب بعدم الوصول حتى يكون على بينة من الإجراء الذي اتخذ في مواجهته - عدم الإخطار يتعارض مع حسن النية في العقود الإدارية ويمثل ركن الخطأ في مسئولية الإدارة - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الخميس الموافق 5/ 4/ 1990 أودع الأستاذ/....... المحامي المقبول أمام المحكمة الإدارية بصفته وكيلاً عن السيد/...... الممثل القانوني للمكتب الفني التجاري (تاكو) بالتوكيل الخاص رقم 1508 لسنة 1990 توثيق الجيزة النموذجي - تقرير الطعن رقم 1645 لسنة 36 ق ضد السيد/ الدكتور وزير الصحة في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري دائرة العقود والتعويضات - بجلسة 4/ 2/ 1990 في الدعوى رقم 2879 لسنة 41 المقامة من الطاعن ضد المطعون ضده والذي قضى برفضها بشقيها العاجل والموضوعي وإلزام رافعها المصروفات.
وطلب الطاعن بختام تقرير الطعن - للأسباب الواردة به - الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون عليه وإلغاء القرار المطعون فيه وبإلزام الجهة المطعون ضدها بأن تؤدي إليه تعويضاً قدره (124000 جنيهاً) مائة وأربعة وعشرون ألف جنيه مع إلزامها بالمصروفات.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه مع إلزام الإدارة بالتعويض الذي تقدره المحكمة فضلاً عن المصروفات.
ونظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون التي قررت بجلسة 21/ 4/ 1993 إحالته إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الثالثة) لنظره بجلسة 11/ 5/ 1993 - وتدوول الطعن أمام المحكمة على النحو الثابت بمحاضرها حيث تقرر النطق بالحكم بجلسة اليوم وقد صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطعن استوفى سائر أوضاعة الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة - حسبما هو ثابت بالأوراق - تخلص في أن الطاعن أقام الدعوى رقم 2879 لسنة 41 ق أمام محكمة القضاء الإداري طالباً الحكم أولاً: - بصفة أصلية وقف تنفيذ وإلغاء القرار الصادر بإلغاء أمر التوريد المؤرخ في 26/ 6/ 1986 والاستمرار في تنفيذ التوريد وببراءة ذمته من سداد مبلغ يقدر بنسبة 10% من مشمول أمر التوريد. ثانياً: وبصفة احتياطية إلزام الإدارة بأن تؤدي إليه تعويضاً مقدراه اثني عشر ألف وأربعمائة جنيه (12400 جنيه) جبراً للأضرار المادية والأدبية التي أصابته نتيجة لإلغاء أمر التوريد وذلك على سند من القول بأنه تعاقد مع الإدارة العامة للتموين الطبي بوزارة الصحة - على توريد 2 جهاز امتصاص ذري موديل 902 إنتاج شركة G – B - C الاسترالية وذلك خلال ثلاثة أشهر من تاريخ تسليمه لأمر التوريد وأن يكون سداد القيمة بالعملة المحلية مقدماً بنسبة 100% من الثمن مقابل خطاب ضمان بنفس القيمة من أحد البنوك المعتمدة وعليه صدر إليه أمر التوريد المؤرخ في 26/ 6/ 1986 وأن الجهة المختصة باستلام الأجهزة وسداد القيمة (مركز صحة البيئة والصحة المهنية) وقضت منحه الدفعة المقدمة مع تكرار مطالبتها - فإنه أخطر تلك الجهة بأن الأجهزة محل التوريد حاضرة وأن الخبير الأجنبي سيحضر للقاهرة لإتمام عملية التسليم في 7/ 10/ 1986 بما يقتضي تشكيل لجنة الاستلام تلك الأجهزة مع توفير الاستعدادات اللازمة لذلك إلا أنه فوجئ بإخطاره بأن الأمر معروض على وزارة الصحة مما حدا به إلى تقديم مذكرة للسيد الوزير أعقبها بإنذار على يد محضر ثم توجه يوم 7/ 10/ 1986 إلى مركز صحة البيئة عارضاً تسليم الأجهزة المتعاقد عليها حيث أشر مدير المركز على فاتورة التوريد بأن الجهاز رهن الفحص القانوني بالوزارة ويرجأ التسليم لحين وروده - تعليمات وأمام ذلك بادر بتحرير محضر إثبات حالة بقسم شرطة إمبابة في 9/ 10/ 1986 إلا أن الإدارة أخطرته بتاريخ 17/ 11/ 1986 بإلغاء التعاقد ونظراً لأن القرار الصادر بإلغاء التعاقد جاء مخالفاً وترتب عليه إصابته بأضرار مادية وأدبية فإنه يلتمس إجابته إلى طلباته.
وبجلسة 4/ 2/ 1990 قضت محكمة أول درجة برفض الدعوى بشقيها العاجل والموضوعي تأسيساً على أن الثابت بالأوراق إخلال المدعي (الطاعن) بالتزامه بالتوريد خلال الميعاد المتفق عليه وبالتالي فإن الجهة الإدارية إعمالاً لحكم المادة 92 من اللائحة التنفيذية للقانون رقم 9 لسنة 1983 تنظيم المناقصات والمزايدات (إلغاء التعاقد ومصادرة التأمين بما يوازي 10% من قيمة الأصناف المتعاقد عليها) وهو ما أعملته الجهة الإدارية في حق الدعي (الطاعن) الأمر الذي ينفي ركن الخطأ في حق الإدارة بما لا وجه فيه لإلزامها بالتعويض.
ومن حيث إن مبنى الطعن هو مخالفة الحكم المطعون عليه للقانون والخطأ في تطبيقه وتأويله وكونه مشوباً بالفساد في الاستدلال وعدم استخلاص ما انتهى إليه استخلاصاً سائغاً من الأوراق تأسيساً على أن الإدارة لم تفي بالتزامها بسداد الدفعة المقدمة رغم مطالبتها بذلك أكثر من مرة وإخطارها بتسليمها خطاب الضمان عند استلام بقيمة تلك الدفعة - هذا فضلاً عن أنه أخطر الإدارة خلال مدة التوريد برغبته في التوريد مع تحديد موعد التسليم وأن الخبير الاسترالي سوف يحضر يوم 7/ 10/ 1986 لتركيب وتشغيل الأجهزة إلا أن الإدارة المختصة أخطرته بأن الأمر محل بحث من الوزارة مما حدا به إلى إرسال الفاتورة رقم 15435 بتاريخ 7/ 10/ 1986 إلا أن الجهة المختصة بالاستلام أشرت على الفاتورة بإرجاء عملية الاستلام لحين انتهاء الوزارة من البحث مع ملاحظة عدم سداد قيمة التأمين النهائي وعليه بادر إلى نقل الأصناف المتعاقد عليها إلى الجهة المختصة بالاستلام والتي رفضت استلامها فقام بتحرير المحضر رقم 6745 لسنة 1990 إداري قسم شرطة إمبابة إلا أن الجهة الإدارية أخطرته بتاريخ 17/ 11/ 1986 بإلغاء التعاقد وذلك بالمخالفة للقانون الذي يستوجب تنفيذ العقد بحسن نية بما يستوجب إلغاء القرار الصادر من الإدارة بإلغاء أمر التوريد هذا فضلاً عن أن الإدارة بإصدارها لقرار إلغاء التعاقد بالمخالفة للقانون ترتب عليها أضرار مادية - لحقت به نظراً لعدم قدرته على تصريف الأجهزة المتعاقد عليها مع تحمله نفقات حضور الخبير الاسترالي وإقامته بالقاهرة.
ومن حيث إنه بالنسبة لطلب الطعن وقف تنفيذ وإلغاء القرار الصادر بإنهاء التعاقد ومصادرة التأمين النهائي - فإن قضاء هذه المحكمة مستقر على أن الخصومة في دعوى الإلغاء هي خصومة عينية مناطها اختصاص القرار الإداري في ذاته استهدافاً لمراقبة مشروعيته ولما كان القرار الإداري على هذا النحو هو موضوع الخصومة ومحلها في دعوى الإلغاء فإنه يتعين أن توجه الدعوى إلى قرار إداري الذي هو إفصاح جهة الإدارة عن إرادتها الملزمة بما لها من سلطة بمقتضى القوانين واللوائح أي تستند الإدارة في إصداره إلى أحكام القوانين واللوائح وبالتالي يخرج عن نطاق هذا القرار الذي يكون محلاً لدعوى الإلغاء كل ما يصدر عن الإدارة استناداً إلى أحكام العقود التي تبرمها الجهة الإدارية حيث لا يكسب ما صدر عن الإدارة من إجراءات استناداً إلى نصوص العقد أو تنفيذاً له - صفة القرار الإداري وبالتالي فلا تكون الإجراءات التي تتخذها الإدارة استناداً إلى العقود التي تبرمها أو إجراءات تنفيذها محلاً لدعوى الإلغاء وإنما تدخل المنازعات التي تتولد عن تلك الإجراءات التعاقدية في ولاية القضاء الكامل ذلك لأنه لا يمكن الاستناد إلى مخالفة الإدارة لالتزاماتها التعاقدية كسبب من الأسباب التي تجيز طلب إلغاء ما اتخذته الإدارة - بحسبان دعوى الإلغاء هي جزاء لمخالفة المشروعية بينما الالتزامات المترتبة على العقود الإدارية هي التزامات شخصية وعليه فإنه لما كان القرار المطعون عليه قد تضمن إلغاء التعاقد مع الطاعن استناداً إلى ما نسب إليه من إخلاله بالتزاماته التعاقدية بعدم سداد قيمة التأمين النهائي والتوريد خلال المواعيد المقررة - فإنه والحالة هذه يكون مستنداً إلى أحكام العقد - ومن ثم فإن المنازعة التي تثار بشأنه هي من المنازعات الحقوقية والتي تكون محلاً للطعن على أساس استدعاء ولاية القضاء الكامل وتخرج من ثم نطاق ولاية الإلغاء الأمر الذي يتعين معه القضاء بعدم قبول طلب وقف تنفيذ وإلغاء هذا القرار بحسبانه لا يكتسب وصف القرار الإداري الذي يتعين وجوده كشرط لقبول دعوى الإلغاء.
ومن حيث إنه لما سبق وكان من غير الجائز إصدار القضاء أمراً لجهة الإدارة لاتخاذ إجراء يدخل في شئونها هذا فضلاً عن أن القرار الصادر بفسخ العقد لا يعتبر من القرارات الإدارية المنفصلة والتي يجوز مخاصمتها بدعوى الإلغاء بحسبان فسخ العقد لا يعدو أن يكون إجراء تتخذه الإدارة كمتعاقدة وليس كسلطة عامة - فإنه يتعين القضاء بعدم قبول الطلب الأصلي من طلبات الطاعن.
ومن حيث إنه وقد انتهت المحكمة إلى عدم قبول الطلب الأصلي - فإنه يتعين الفصل في الطلب الاحتياطي وقوامه المطالبة بالتعويض عن الأضرار التي أصابت الطاعن نتيجة لفسخ التعاقد معه.
ومن حيث إن مناط القضاء بالتعويض عن الأضرار الناشئة عن إخلال الإدارة لالتزاماتها التعاقدية - هو توافر أركان المسئولية العقدية وقوامها الخطأ والضرر وعلاقة السببية بين هذا الخطأ والضرر المطالب بالتعويض عنه.
ومن حيث إنه بالنسبة لمدى توافر ركن الخطأ في حق الجهة الإدارية المطعون ضدها فإن قضاء هذه المحكمة متواتر على أنه من الأمور المسلمة في العقود كافة سواء أكانت عقود إدارية أو مدنية أن الخطأ العقدي هو عدم قيام المدين بتنفيذ التزاماته الناشئة عن العقد أياً كان السبب يستوي في ذلك أن يكون عدم التنفيذ ناشئاً عن عمده أو إهماله أو عن فعله دون عمد أو إهمال ومن ثم فإنه يتعين بيان ما إذا كانت الإدارة حينما استخدمت الرخصة المخولة إياها بفسخ التعاقد مع الطاعن ومصادرة التأمين قد أخلت بتنفيذ التزاماتها التعاقدية بتمكين الطاعن من توريد الأصناف المتعاقد عليها أم إنها التزمت بصحيح أحكام التعاقد والقواعد القانونية المقررة في هذا الشأن.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن الطاعن تعاقد مع وزارة الصحة (الإدارة العامة للتموين الطبي) على توريد 2 جهاز معلمي للشبكة القومية لملوثات المياه مع بعض الأصناف الأخرى وأنه قد صدر إليه أمر التوريد المؤرخ في 26/ 6/ 1986 والذي تضمن تحديد مدة التوريد بثلاثة أشهر من تاريخ استلام هذا الأمر وأن يقوم مركز صحة البيئة والصحة المهنية بإمبابة باستلام الأجهزة وفحصها وقبولها وأن سداد القيمة بالجنيه المصري وأن الإدارة ستقوم بسداد قيمة الأجهزة مقدماً مقابل خطاب ضمان بنكي صادر - من أحد البنوك المعتمدة وأن قيمة التأمين النهائي 5% من قيمة الأصناف وتسدد لمركز البيئة إلى أن الطاعن لم يقدم بسداد قيمة التأمين النهائي ولم يقدم خطاب الضمان البنكي نظير حصوله على قيمة الأصناف المتعاقد عليها مقدماً كما وأن الأصناف محل التعاقد لم يتم استلامها من جانب الجهة المختصة وبتاريخ 27/ 10/ 1986 وافق السيد/ وزير الصحة على إلغاء (فسخ) العقد وقد أسس هذا القرار (حسبما يبين من مذكرة السيد المستشار المشرف على الشئون القانونية بوزارة الصحة إلى السيد/ مدير الإدارة العامة للتموين الطبي بتاريخ 3/ 10/ 1986 والمودع بحافظة مستندات الإدارة - أمام محكمة أول درجة على أن (الطاعن لم يقم بعملية التوريد خلال المدة المحددة بأمر التوريد والتي تنتهي بتاريخ 28/ 9/ 1986 فضلاً عن عدم سداد قيمة التأمين النهائي) ومن ثم فإن الأمر يقتضي بحث مدى توافر الأسباب التي استندت إليها الإدارة في فسخ العقد.
ومن حيث إنه بالنسبة لما استندت إليه الإدارة من عدم قيام الطاعن بتوريد الأجهزة المتعاقد عليها خلال المدة المحددة وهي ثلاثة أشهر من تاريخ استلامه لأمر التوريد الخاص في 29/ 6/ 1986 - فإن حافظة مستندات الإدارة المودعة أمام محكمة أول درجة تحتوي على صورة كتاب مدير عام التموين الطبي الموجه للسيد/...... مدير عام مركز صحة البيئة والصحة المهنية بإمبابة والذي يحمل رقم 1285 - بتاريخ 18/ 6/ 1986 والذي تضمن أنه رداً على ملاحظات المركز بشأن عملية البت والتعاقد مع شركة تاكو فقد تم إخطار المركز بالرد على تلك الملاحظات وأن تلك الإدارة قد استلمت صورة كتاب الشركة الموردة (الطاعن) الموجه للمركز والمسلم صورته بالإدارة بتاريخ 17/ 9/ 1986 وأن هذا الكتاب (المورد) تضمن أن الجهازين جاهزان للتوريد وأن الخبير الفني للشركة الاسترالية سوف يحضر يوم 7/ 10/ 1986 لتركيب وتشغيل الأجهزة مع طلب تحديد لجنة الاستلام وتثبيت موعد التسليم فضلاً عن طلب تجهيز اسطوانات الاسيتلين وقد طلبت إدارة التموين الطبي في ختام كتابها من المركز اتخاذ اللازم والرد على الشركة ثم أضيف العبارة الآتية في نهاية الكتاب (والإدارة العامة للتموين الطبي تخلي مسئوليتها نتيجة تمسك المركز بطريقته) أي أن الشركة الموردة أخطرت الجهات المختصة بوزارة الصحة برغبتها في التوريد وأن الأجهزة جاهزة لتوريدها على أن يتم تسليمها بعد إجراء عملية التركيب والتشغيل عن طريق خبير الشركة المنتجة يوم 7/ 10/ 1986 هذا فضلاً عما تضمنه الكتاب من وجود خلاف في الرأي بين الإدارة القائمة بالتعاقد والجهة التي تم التعاقد لصالحها.
ومن حيث إن الإدارة لم تقدم ردها على طلب الطاعن بكتابه المؤرخ 17/ 9/ 1986 بشأن صلاحية الأجهزة للتوريد مع تحديد موعد التشغيل كما وأنها لم تنكر الصورة الضوئية لكتاب مركز صحة البيئة والصحة المهنية بإمبابة الموجه للطاعن بتاريخ 23/ 9/ 1986 برقم 186 والمودعة بحافظة مستندات الطاعن أمام محكمة أول درجة - والتي تضمنت بأنه رداً على كتاب الشركة بتاريخ 16/ 9/ 1986 فإن هذا الكتاب (معروض على السادة المسئولين بالوزارة للإفادة بالرأي وسنوافيكم بالرد في حينه) كما وأن الإدارة لم تنكر الصورة الضوئية للفاتورة الصادرة من الطاعن بتاريخ 7/ 10/ 1986 - والمودعة بحافظة مستنداته سالفة الإشارة والتي تحمل التأشيرة الآتية (موضوع هذا الجهاز رهن الفحص القانوني بالوزارة ويرجئ التسليم لحين ورود تعليمات بهذا الشأن مع ملاحظة أن شركتكم لم تقم بدفع التأمين النهائي طبقاً للتعليمات واللوائح) أي أن الطاعن قد عرض على الجهة المختصة توريد الأجهزة محل التعاقد وذلك خلال المدة المحددة بأمر التوريد (التي تنتهي في 28/ 9/ 1986) وأن عملية التركيب والتشغيل سوف تتم بحضور خبير الشركة المنتجة يوم 7/ 10/ 1986 كما أصدر الفاتورة عن شمول أمر التوريد بتاريخ 7/ 10/ 1986 قبل أن نتصدر الإدارة إقرارها بفسخ العقد في 17/ 10/ 1986 وأن تلك الجهة نظراً لما لها من ملاحظات قد أخطرت الطاعن بأن الأمر محل بحث لدى وزارة الصحة وعقب الانتهاء من ذلك سوف تخطره بما اتخذ في هذا الشأن وعليه يكون تأجيل التوريد راجعاً إلى جهة الإدارة وليس إلى تراخي الطاعن وذلك بحسبان التوريد يختلف عن أعمال التسليم
والتشغيل - والتوريد للأجهزة لا بد وأن يسبق عملية تشغيل تلك الأجهزة والذي يتم عن طريق المختصين من ذوي الخبرة ويستلزم الاتفاق على ميعاد محدد للقيام به وفي ضوء التشغيل تتم عملية التسليم وتبدأ فترة الضمان - ومن ثم فإنه لذلك يكون السبب الأول أقامت عليه الجهة الإدارية قرارها بفسخ التعاقد مع الطاعن غير قائم على أساس من الواقع والقانون.
ومن حيث إنه بالنسبة للسبب الثاني الذي أسست الإدارة عليه قرارها بفسخ العقد وهو عدم سداد الطاعن التأمين النهائي - فإن المادة (20) من القانون رقم 9 لسنة 1983 بشأن المناقصات والمزايدات تنص على أنه (على صاحب العطاء المقبول أن يودع في قدره لا تجاوز عشرة أيام من تاريخ اليوم التالي لإخطاره بكتاب موصى عليه بعلم الوصول بقبول عطائه ما يكمل التأمين المؤقت إلى ما يساوي 5% من قيمة مقاولات الأعمال التي رست عليه، 10% من قيمة العقود الأخرى بالنسبة للعقود التي تبرم مع متعاقد في الخارج...... ويكون التأمين النهائي ضامناً بتنفيذ العقد) كما تنص المادة (24) من القانون المشار إليه على أنه (إذ لم يقم صاحب العطاء المقبول بأداء التأمين النهائي الواجب إيداعه في المدة المحددة له فتجوز للجهة المتعاقدة بموجب إخطار بكتاب موصى عليه بعلم الوصول ودون حاجة لاتخاذ أية إجراءات أخرى أو الالتجاء إلى القضاء أن تلغي العقد وتصادر التأمين المؤقت أو أن تنفذه كله أو بعضه على حساب صاحبه بمعرفة الجهة المتعاقدة أو بوسطه أحد مقدمي العطاءات التالية لعطائه أو بالمناقصة أو الممارسة أو بالطريق المباشر) بما مفاده أن المشرع أوجب على صاحب العطاء المقبول المبادرة خلال المدة المحددة بالمادة (20) إلى تكملة التأمين المؤقت في عقود التوريد إلى 10% من قيمة العطاء الذي رست به المناقصة وهذا المبلغ يعتبر تأميناً نهائياً لضمان تنفيذ العقد وفي حالة عدم الالتزام بتكملة التأمين يكون للإدارة أن تتخذ أحد إجرائين: 1 - فسخ العقد مع مصادرة التأمين المؤقت. 2 - تنفيذ العقد كله أو بعضه على حسابه - واتخاذ الإدارة لأحد هذين الإجرائين سلطة تقديرية لجهة الإدارة تباشرها وفقاً لما تراه محققاً للصالح العام وكل ما استلزمه المشرع في هذا الشأن هو قيام الإدارة بإخطار المتعاقد بكتاب موصى عليه مصحوب بعلم الوصول بما اتخذته حتى يكون على بينة من الإجراء الذي اتخذ في مواجهته - ومن ثم فإنه لذلك وبمراعاة أن الأوراق - أجدبت عن أن الإدارة قد أخطرت الطاعن بالإجراء الذي اتجهت إليه قبل إخطارها بتحديد موعد تسليم الأجهزة المتعاقد عليها كما وأن الأوراق أجدبت عن أن الإدارة شرعت في اتخاذ إجراءات فسخ العقد لعدم قيام الطاعن بتكملة التأمين النهائي وذلك قبل صدور كتاب مركز صحة البيئة والصحة المهنية بإمبابة رقم 186 والموجه للطاعن بتاريخ 23/ 9/ 1986 رداً على كتابه المؤرخ 17/ 9/ 1986 للإدارة بأن الأجهزة المتعاقد عليها جاهزة للتوريد ومع ملاحظة أن كتاب الإدارة عطف مسألة سداد التأمين على مسألة بحث طلب الطاعن التوريد على المسئولين بالوزارة - ومن ثم فإنه لذلك ولما استقرت عليه أحكام هذه المحكمة من أنه من المبادئ المسلمة أن العقود تخضع لأصل عام من أصول القانون يقضي بأن يكون تنفيذها بطريقة تتفق مع ما يوجبه حسن النية وهذا الأصل مطبق في العقود الإدارية شأنها في ذلك شأن العقود المدنية ومن ثم ما كان يجوز للإدارة وقد تراخت في مباشرة إجراءات فسخ العقد حتى أخطرها الطاعن برغبته في التوريد مع تحديد ميعاد تشغيل الأجهزة وبالتالي التسليم أن تتخذ من واقعة عدم استكمال الطاعن للتأمين النهائي كمبرر لفسخ العقد وإلا كان في ذلك مخالفة لمبدأ حسن النية الواجب مراعاته وخاصة أنه كان يمكن للإدارة خصم قيمة التأمين من القيمة المستحقة له بعد التوريد وبالتالي يكون هذا السبب بدوره مخالفاً للقانون الأمر الذي يستتبع توافر خطا الإدارة في فسخ العقد مع الطاعن ومصادرة التأمين النهائي مع مطالبته بقيمة هذا التأمين وعليه يكون ركن الخطأ قد توافر في حق الجهة الإدارية.
ومن حيث إنه بالنسبة لركن الضرر فإنه لما كان من شأن فسخ الإدارة للعقد المبرم مع الطاعن بعد إخطارها بأن الأجهزة محل التعاقد للتوريد وأن خبير الشركة المنتجة قد حدد ميعاد وصوله للقاهرة ولحضور عملية تشغيل الأجهزة وتسليمها قد أصاب الطاعن بأضرار لما لحق به من خسارة في استيراد الأجهزة وتحمل نفقات حضور الخبير الأجنبي وما فات عليه من كسب نتيجة لتنفيذ العقد - وأن هذا الضرر الذي أصاب الطاعن جاء نتيجة لخطأ الجهة الإدارية وهو ما يعني توافر علاقة السببية بين خطأ والضرر الذي أصاب الطاعن وبالتالي فإن مناط القضاء بإلزام الإدارة بالتعويض يكون قد تحقق مما يتعين معه إلزام الإدارة بالتعويض وإذ كان الطاعن قد حدد هذا التعويض بصحيفة دعواه أمام محكمة أول درجة (مبلغ 12400 جنيهاً اثني عشر ألف وأربعمائة جنيهاً تعويضاً لما أصابه من أضرار مادية وأدبية) فإن المحكمة تقضي له بهذا المبلغ كتعويض جابر لكافة الأضرار التي أصابته مراعية في ذلك أن الطاعن وقد ثبت خطأ الإدارة في حقه بإلغاء العقد المبرم معه لا يكون ملزماً بسداد قيمة التأمين النهائي الذي قدرت الإدارة مصادرته فضلاً عن أن الطاعن لم يقدم بأسباب تقرير الطعن ما يفيد أن هناك أضراراً جديدة لحقت به بعد صدور الحكم المطعون عليه نتيجة لفسخ العقد معه كما وأن الضرر الذي أصاب الطاعن إنما تولد مباشرة عن فسخ العقد وبالتالي فلا يكون هناك محلاً للقول بتزايد تلك الأضرار بعد ذلك حتى يمكن له المطالبة بها أمام محكمة الطعن وبالتالي فإن المحكمة لا تجيبه إلى طلبه الوارد بتقرير الطعن فيما يتعلق بتحديد التعويض المطالب به بمبلغ مائة وأربعة وعشرون ألفاً وأربعمائة جنيه باعتبار ذلك يجاوز التعويض المطالب به أمام محكمة أول درجة دون أن يكون هناك ما يفيد تجاوز الأضرار المطالب بالتعويض عنها عما كان قائماً قبل صدور الحكم المطعون عليه.
ومن حيث إنه عن مصروفات الطعن فإن المحكمة تلزم بها الإدارة تطبيقاً لأحكام المادة 186 من قانون المرافعات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبعدم قبول الطلب الأصلي بإلغاء القرار الصادر بفسخ العقد المبرم مع الطاعن وفي الطلب الاحتياطي بإلزام الإدارة بأن تؤدي للطاعن مبلغ 12400 جنيهاً (اثني عشر ألفاً وأربعمائة جنيه) جبراً للأضرار التي أصابته وألزمت الإدارة المصروفات.