مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة عشرة - (من أول أكتوبر سنة 1973 إلى أخر سبتمبر سنة 1974) - صـ 20

(8)
جلسة 24 من نوفمبر سنة 1973

برياسة السيد الأستاذ المستشار علي محسن مصطفى - رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة الدكتور أحمد ثابت عويضة ومحمد صلاح الدين السعيد وأبو بكر محمد عطية ومحمد نور الدين العقاد - المستشارين.

القضية رقم 688 لسنة 14 القضائية

( أ ) دعوى - هيئة مفوضي الدولة - ليس ثمة إلزام على المحكمة بعد أن أصبحت الدعوى في حوزتها أن تلجأ إلى هيئة مفوضي الدولة لتهيئ لها الدعوى للحكم فيها - أساس ذلك، ومثال.
(ب) دعوى - الطعن بتزوير الأوراق - الحكم بالغرامة لا يكون إلا إذا قضي بسقوط حق مدعي التزوير في إدعائه أو برفضه، عدم جواز الحكم بالغرامة إذا قضي بعدم قبول الإدعاء بالتزوير لأنه غير منتج.
(جـ) عقد إداري - إن القبول بوصفه تعبيراً عن الإرادة لا يتحقق وجوده القانوني إلا إذا اتصل بعلم من وجه إليه - عدم ثبوت علم مقدم العطاء بقبول عطائه - عدم جواز التحدي بانعقاد العقد - أساس ذلك - مثال.
1 - إن النعي على الحكم المطعون فيه بأنه صدر دون أن تبدي هيئة مفوضي الدولة رأيها في موضوع الدعوى، فهو غير سديد ذلك أن قانون مجلس الدولة الصادر به القانون رقم 55 لسنة 1959 الذي صدر في ظله الحكم المطعون فيه، ناط بالهيئة المذكورة في المادتين 30، 31 منه تحضير الدعوى وتهيئتها للمرافعة وإيداع تقرير فيها يحدد المفوض فيه وقائعها والمسائل القانونية التي يثيرها النزاع ويبدي رأيه مسبباً، ثم تعرض الهيئة ملف الأوراق خلال ثلاثة أيام من تاريخ إيداع التقرير المشار إليه على رئيس المحكمة لتعيين تاريخ الجلسة التي تنظر فيها الدعوى، وأجاز القانون للمحكمة في المادتين 33، 34 أن تطلب إلى ذوي الشأن أو إلى المفوض ما تراه لازماً من إيضاحات وأن تباشر بنفسها أو بمن ترى انتدابه من أعضائها أو من المفوضين ما ترى ضرورة إجرائه من تحقيقات. ومقتضى هذا أن دور هيئة مفوضي الدولة قبل طرح الدعوى على المحكمة - يتحدد في تحضير الدعوى وتهيئتها للمرافعة وإيداع تقرير مسبب فيها بالرأي القانوني فإذا قامت بما نيط بها واتصلت الدعوى بالمحكمة أصبحت المحكمة هي المهيمنة على الدعوى وهي وحدها صاحبة الشأن في تهيئة الدعوى للحكم ولها في سبيل ذلك أن تطلب من ذوي الشأن أو من المفوض ما تراه لازماً من إيضاحات وأن تباشر ما ترى ضرورة إجرائه من تحقيقات بنفسها أو تنتدب لها أحد أعضائها أو أحد المفوضين. وبهذه المثابة فليس ثمة إلزام على المحكمة وقد أصبحت الدعوى في حوزتها وهي المهيمنة عليها أن تلجأ إلى هيئة مفوضي الدولة لتهيئ لها الدعوى للحكم فيها بإعادة تحضيرها أو باستكمال أوجه النقص أو القصور الذي يكون قد شاب تقريرها، ذلك أن الدور الإلزامي الذي حدده القانون لهذه الهيئة ينتهي بتهيئة الدعوى للمرافعة وتقديم تقرير بالرأي القانوني مسبباً فيها، أما الاستعانة بها أثناء نظر الدعوى أمام المحكمة فأمر جوازي متروك تقديره للمحكمة.
ومن حيث إنه لما كان الأمر كذلك وكانت هيئة مفوضي الدولة قد قامت بتحضير الدعوى الماثلة وهيأتها للمرافعة وأعدت تقريراً مسبباً بما ارتأته في شأنها، وكانت الدعوى صالحة للفصل في موضوعها بعد أن أبدى طرفا المنازعة دفاعهما كاملاً معززاً بما قدماه من مستندات، فإنه لا تثريب على المحكمة إن هي تصدت لموضوع الدعوى وفصلت فيه، بما لا يسوغ معه القول بأن تقرير هيئة مفوضي الدولة اقتصر على طلب الفصل في الادعاء الذي أثاره المدعى عليه بالتزوير لأنه ليس ثمة ما يلزم المحكمة - على ما سلف بيانه - بالرجوع إلى هيئة مفوضي الدولة لاستكمال ما شاب تقريرها من نقص أو قصور. وبناء عليه فليس صحيحاً في القانون ما ذهب إليه تقرير الطعن من أنه كان يتعين على المحكمة أن تعيد الدعوى للتحضير لتقول هيئة مفوضي الدولة تقريرها في موضوع الدعوى.
2 - إن ما ينعاه الطاعن من أن المحكمة قد أخطأت بعدم قضائها بإلزام المدعى عليه بالغرامة المنصوص عليها في المادة 288 من قانون المرافعات المدنية والتجارية القديم وذلك بعد أن قضت بعدم قبول الادعاء بتزوير الأوراق التي طعن عليها المدعى عليه بالتزوير، أن ما ينعاه الطاعن في هذا الشأن مردود بأن الحكم بالغرامة المذكورة لا يكون وفقاً لحكم المادة السابقة إلا إذا قضي بسقوط حق مدعي التزوير في ادعائه أو برفضه. ولما كان الأمر كذلك وكان الحكم المطعون فيه لم يقض بسقوط حق مدعي التزوير في ادعائه نظراً لأن المدعي قام بإعلان تقرير الادعاء بالتزوير وشواهده خلال الميعاد القانوني المبين في المادة 281 مرافعات كما لم يقض الحكم برفض الإدعاء بالتزوير، وإنما قضى بعدم قبوله تأسيساً على أنه غير منتج في الدعوى فإن النعي على الحكم المطعون فيه بهذا الوجه يكون على غير أساس.
3 - إنه دون ما حاجة إلى التصدي إلى بحث مدى صحة ما ادعاه المدعى عليه من إنكار التقدم بالعطاءين المنسوب صدورهما منه في العمليتين المشار إليهما وما ادعاه من تزوير التوقيعات المنسوبة إليه على أوراق هاتين العمليتين، ومع افتراض تقدم المدعى عليه إلى المزايدتين المذكورتين ورسو المزاد فيهما عليه، فقد لاحظت المحكمة من الاطلاع على ملفات العمليتين المذكورتين أنها لم تتضمن ما قد يفيد اتصال علم المدعى عليه بالكتب المحررة باسمه، في 24 من إبريل سنة 1961 بإخطاره بقبول عطائه في عملية استغلال بوفيه مراقبة تنظيم عابدين، وفي 2 من مايو سنة 1961 بإنذاره بإعادة طرح العملية على حسابه إن لم يذعن لتنفيذ التزاماته في هذا العطاء، وفي 26 من مارس سنة 1961 بإخطاره بقبول عطائه في عملية استغلال مقصف كازينو ناصر بكورنيش النيل، وفي 26 من إبريل سنة 1961 بإنذاره بإعادة طرح هذه العملية على حسابه لعدم تقدمه للتوقيع على الترخيص وتنفيذ التزاماته في هذا الشأن. وبناء على ذلك طلبت المحكمة من الحاضر عن المحافظة المدعية بالجلسة المعقودة في 24 من يونيه سنة 1972 تقديم ما يثبت إرسال الكتب المشار إليها إلى المدعى عليه وما يدل على استلامه لها. وأجل نظر الطعن لهذا السبب أكثر من جلسة، وأثناء فترة حجز الطعن للحكم تقدمت المحافظة المدعية بحافظة مستندات طوتها على كتاب السيد مدير إدارة المشتريات المؤرخ في 12 من مايو سنة 1973 إلى السيد مدير إدارة الشئون القانونية - قسم القضايا - متضمناً أن إدارة المحفوظات أفادت في 12 من مايو سنة 1973 بأنه اتضح لديها أن أصل الكتب المشار إليها صدرت بمعرفة العقود وأن العقود لم تستدل على الدفاتر المقيدة بها هذه الكتب نظراً لانقضاء حوالي 12 سنة عليها وأنه من المرجح أن يكون المتعهد قد تسلمها على الصور المرفقة بالملفات المودعة بالقضية.
ومن حيث إن المحافظة المدعية لم تقدم ثمة دليل على إرسال الكتب المشار إليها إلى المدعى عليه ولم يتضح من الاطلاع على صور هذه الكتب المرفقة بملفات العمليتين المذكورتين ما يفيد تسلم المدعى عليه أو سواه لأصولها فضلاً عن أنه لم يؤشر عليها بأرقام الصادر كما هو الشأن بالنسبة للعديد من الكتب التي تضمنتها الملفات المذكورة وخاصة تلك التي أخطر بها المدعى عليه لأداء الفروق المترتبة على إعادة طرح العمليتين المشار إليهما على حسابه وهي الكتب التي بادر المدعى عليه بالرد عليها فور إرسالها إليه، الأمر الذي يثير الشك في إرسال الكتب الخاصة بقبول العطاءين إلى المدعى عليه وتلك الخاصة بإنذاره بتنفيذ التزاماته في شأنها وإلا أعيد طرح العمليتين على حسابه. وبناء عليه ترجح المحكمة عدم اتصال قبول العطاءين المشار إليهما بعلم المدعى عليه. ولا غناء في الاستناد إلى البرقية المقول بأن المدعى عليه أرسلها إلى السيد وكيل وزارة الشئون البلدية في الأول من مايو سنة 1962 بسحب عطائه في عملية استغلال بوفيه مراقبة تنظيم عابدين لأنه لم يقم ثمة دليل على أن المدعى عليه هو الذي أرسلها فعلاً، وذلك بمراعاة الشكوك التي ثارت حول تقدمه في العمليتين المذكورتين وحول إخطاره بقبول العطاءين المقدمين باسمه فيهما.
ومن حيث إن الأصل أن القبول بوصفه تعبيراً عن الإرادة لا يتحقق وجوده القانوني ولا ينتج أثره إلا إذا اتصل بعلم من وجه إليه، وبالتالي لا يعتبر التعاقد تاماً إلا إذا علم الموجب بقبوله. ولما كان المستفاد من استقراء الأوراق على ما سلف البيان أن جهة الإدارة وإن كانت قد قبلت العطاءين المنسوب صدورهما إلى المدعى عليه - على فرض أنه قد تقدم بهما فعلاً إلا أن القبول على التفصيل السابق لم يتصل بعلم المدعى عليه - ومن ثم فإنه لا يجوز التحدي في مواجهة المدعى عليه بانعقاد العقد ويمتنع تبعاً لذلك إعمال آثاره والاستناد إلى أحكامه لطرح العمليتين على حساب المدعى عليه ومطالبته بالآثار المترتبة على ذلك.