مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة عشرة - (من أول أكتوبر سنة 1973 إلى أخر سبتمبر سنة 1974) - صـ 28

(11)
جلسة 1 من ديسمبر سنة 1973

برياسة السيد الأستاذ المستشار الدكتور أحمد ثابت عويضة - رئيس المحكمة وعضوية السادة الأساتذة محمد صلاح الدين السعيد ومحمود طلعت الغزالي وأبو بكر محمد عطية ويوسف شلبي يوسف - المستشارين.

القضية رقم 593 لسنة 15 القضائية

عقد إداري - الجزاءات التي توقع على المتعاقد هي التي نص عليها العقد أما ما نصت عليه لائحة المناقصات والمزايدات فهي أحكام تكميلية - النص في العقد على إعادة البيع على حساب الراسي عليه المزاد في حالة تخلفه عن أداء الثمن - حق الإدارة في تطبيق هذا الجزاء. الجمع بينه وبين فسخ العقد ومصادرة التأمين - جائز - أساس ذلك. مثال.
إن الأصل في العقد الإداري شأنه في ذلك شأن سائر العقود التي تخضع لأحكام القانون الخاص أنه يتم بتوافق إرادتين تتجهان إلى إحداث أثر قانوني معين وهو إنشاء التزام أو تعديله، ومن ثم فإذا ما توقع المتعاقدان في العقد الإداري أخطاء معينة ووضعا لها جزاءات بعينها، فإنه يتعين التقيد بما جاء في العقد في هذا الصدد، دون الرجوع إلى أحكام لائحة المناقصات والمزايدات الصادر بها قرار وزير المالية والاقتصاد رقم 542 لسنة 1957، باعتبار أن ما اتفق عليه المتعاقدان هو شريعتهما وأن الأحكام التي تضمنتها اللائحة المذكورة في هذا الشأن هي من الأحكام التكميلية لإرادة الطرفين والتي يجوز الاتفاق على ما يخالفها.
ومن حيث إن المدعى عليه أخطر في 19 من ديسمبر سنة 1962 بالموافقة على عطائه ورسو المزاد مثار الدعوى عليه وبمطالبته بأداء ثمن البيع واستلامه ثم نبه إلى تنفيذ التزاماته هذه تليفونياً وبالكتابين المؤرخين في 31 من يناير سنة 1963، 17 من يونيه سنة 1963 دون ثمة استجابة، فإنه يكون بذلك قد أخل بما التزم به في البند السادس من الشروط العامة للعقد من أداء الثمن وتسلم الأصناف المبيعة في أسرع وقت ممكن وفي ميعاد لا يتجاوز أسبوعاً من تاريخ إخطاره.
ولما كان العقد قد انطوى على الجزاءات التي يخضع لها المتعاقد مع جهة الإدارة إذا أخل بهذا الالتزام فإنه يتعين إعمال مقتضاها دون الرجوع في شأنها إلى ما تضمنته لائحة المناقصات والمزايدات المذكورة من أحكام أخرى قد تكون مخالفة لما اتفق عليها المتعاقدان.
ومن حيث إن الشروط العامة للعقد تقضي في البند الخامس منه بأنه إذا تأخر صاحب العطاء المعتمد في دفع باقي الثمن كان للوزارة الحق في مصادرة التأمين المدفوع منه مع تطبيق الإجراءات الأخرى المنصوص عليها في البند الثامن، وقد نص هذا البند في الفقرة الأولى منه على أنه إذا امتنع مقدم العطاء المعتمد أو تأخر في دفع باقي الثمن خلال أسبوع من تاريخ إخطاره باعتماد عطائه يصادر التأمين المدفوع منه وتعرض الصفقة للبيع ثانية. ونصت الفقرة الثانية منه على أنه إذا أخل بأي شرط من الشروط المتقدمة للوزارة الحق في مصادرة تأميناته المدفوعة منه دون حاجة إلى إنذار أو تنبيه أو إجراء ما فضلاً عن حقها في إعادة البيع على حسابه وعن حقها في المطالبة بالفوائد والفروق والملحقات والتعويضات وغيرها. وإذا كانت الفقرة الأولى من البند الثامن المذكور قد قضت بأنه في حالة امتناع الراسي عليه المزاد أو تأخره في دفع الثمن خلال أسبوع من تاريخ إخطاره باعتماد عطائه يصادر التأمين المدفوع منه وتعرض الصفقة للبيع ثانية دون النص على أن تكون إعادة البيع على حسابه، وهو ما اتخذه الحكم المطعون فيه أساساً لما قضى به من أن العقد لا يجيز البيع على حساب المدعى عليه الذي امتنع عن أداء الثمن وتسلم المبيع، وإذا كان الأمر كذلك إلا أن الأصل في تفسير العقود هو البحث عن النية المشتركة للمتعاقدين، ويستهدى في الكشف عن هذه النية المشتركة بعوامل متعددة منها أن عبارات العقد تفسر بعضها البعض بمعنى أنه لا يجوز عزل العبارة الواحدة عن بقية العبارات بل يجب تفسيرها باعتبارها جزءاً من كل وهو العقد، فقد تكون العبارة مطلقة ولكن تحددها عبارة سابقة أو لاحقة، وقد تقرر العبارة أصلاً يرد عليه استثناء قبلها أو بعدها وقد تكون العبارة مبهمة وتفسرها عبارة وردت في موضوع آخر. وبتمحيص نصوص العقد وعباراته يبين أنها لا تنطوي على ما يسوغ القول بأن النية المشتركة للطرفين قد اتجهت إلى إعفاء المتعاقد مع جهة الإدارة من البيع على حسابه إذا امتنع عن دفع باقي الثمن خلال أسبوع من تاريخ إخطاره باعتماد عطائه اكتفاء بمصادرة التأمين المدفوع منه، والواقع أن العكس هو الصحيح. فقد نصت الفقرة الثانية من البند الثامن المذكور صراحة على أنه إذا أخل المتعاقد معه بأي شرط من شروط العقد المتقدمة على هذه الفقرة، يكون لجهة الإدارة الحق في إعادة البيع على حسابه وذلك بالإضافة إلى مصادرة التأمين المدفوع فيه والمطالبة بالفوائد والفروق والملحقات والتعويضات وغيرها. ومما لا شك فيه أن الامتناع عن أداء باقي الثمن وتسلم المبيع هو قوام العقد وهدفه وهو بالتالي ليس فقط أهم شروط العقد بل هو في الواقع من الأمر الالتزام الأساسي الذي يقوم عليه العقد. هذا وإذا كانت الفقرة (3) من البند السابع قد عرضت لحالة تأخر المتعاقد في تسلم الأصناف المبيعة بعد أداء ثمنها ورتبت على ذلك الحق في بيع الأصناف لحسابه على أن يحاسب على فرق الثمن ورسم الأرضية وما تكبدته جهة الإدارة من مصروفات، والحق في ألا يرد له سوى المبلغ الذي حصل منه بعد خصم المصروفات التي تكبدتها الجهة الإدارية مضافاً إليها رسم الأرضية إذا كان العقد قد عرض لهذه الحالة ووضع لها جزاءها على هذا النحو فلم يعد ثمة التزام في العقد ذو شأن يمكن أن تكون نية الطرفين قد اتجهت إلى إخضاعه لحكم الفقرة الثانية من البند الثامن المذكور إلا حالة من يمتنع عن أداء الثمن وتسلم المبيع، وبذلك تكون هذه الحالة هي المعنية أساساً في هذه الفقرة ومما يؤكد ذلك أن الجزاء على عدم تسلم المبيع بالرغم من أداء الثمن هو البيع لحساب المتعاقد مع التزامه بفروق الثمن في حالة البيع بسعر أقل وعدم أحقيته في أن يرد إليه فرق الثمن في حالة البيع بسعر أعلى والتزامه بكافة المصاريف ورسم الأرضية، وفي هذا تكاد أن تتفق آثار البيع على حساب المتعاقد مع البيع لحسابه بما لا يسوغ معه القول بأن نية الطرفين لم تتجه إلى حق جهة الإدارة في البيع على حساب من يمتنع عن أداء الثمن وتسلم المبيع وهو الإخلال الأخطر شأناً من مجرد عدم تسلم المبيع بالرغم من أداء الثمن وترتيباً على ذلك يكون لجهة الإدارة الحق وفقاً لشروط العقد أن تعيد البيع على حساب الراسي عليه المزاد الذي يتخلف عن أداء الثمن وتسلم المبيع وتطالبه بما تتكبده في هذا الشأن من مصروفات وتعويضات بالإضافة إلى حقها في مصادرة التأمين المدفوع منه.
ومن حيث إن ما أثاره الحكم المطعون فيه من عدم جواز الجمع بين فسخ العقد ومصادرة التأمين وبين البيع على حساب المتعاقد ومطالبته بفروق الثمن والمصاريف والتعويضات المترتبة على ذلك فلا حجة فيه ذلك أنه رغماً عن أن المستندات المقدمة في الدعوى لم تتضمن ما يفيد أن جهة الإدارة قد قامت بفسخ العقد مثار المنازعة، فإن فسخ العقد - أياً كان هذا العقد -
يخضع لقاعدة قانونية عامة مؤداها أن للدائن في حالة فسخ العقد أن يرجع بالتعويض عما أصابه من ضرر على المدين إذا كان عدم قيام هذا المدين بتنفيذ التزاماته راجعاً إلى خطئه، وترتب على هذا الخطأ ضرر بالدائن وهذه القاعدة بحكم عموميتها تطبق في حالة فسخ العقد الإداري كما تطبق في حالة فسخ العقد المدني على حد سواء، ومن ثم فإن هذا التعويض الذي مرده إلى القواعد العامة - مختلف في طبيعته وغايته عن شرط مصادرة التأمين وهو أحد الجزاءات المالية التي جرى العرف الإداري على اشتراطها في العقد الإداري، وما دام السبب في كل من مصادرة التأمين والتعويض مستقلاً والطبيعة والوجهة والغاية في كل منهما متباينة فلا تثريب أن اجتمع في حالة فسخ العقد مع مصادرة التأمين واستحقاق التعويض إذ لا يعتبر الجمع بينهما ازدواجاً للتعويض.