مجلس الدولة - المكتب الفني لرئيس مجلس الدولة - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة والثلاثون - الجزء الثاني (من أول مارس سنة 1994 إلى 15 سبتمبر سنة 1994) - صـ 1271

(123)
جلسة 17 من إبريل سنة 1994

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ علي فؤاد الخادم - رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة: محمد معروف محمد، وعبد القادر هاشم النشار، وإدوارد غالب سيفين، وأحمد عبد العزيز أبو العزم - نواب رئيس مجلس الدولة.

الطعن رقم 2682 لسنة 36 القضائية

مسئولية إدارية - مدى جواز التعويض عن تفاقم الحالة الصحية بسبب التجنيد الخاطئ (خدمة عسكرية).
الخدمة العسكرية فرض على كل مصري بلغ السن المقررة قانوناً التزاماً بما للوطن من حقوق في عنق كل مواطن تقتضي منه بذل الروح والمال في سبيل وطنه وذلك بالانخراط في سلك الخدمة العسكرية لأداء ضريبة الدم - قانون الخدمة العسكرية رتب للمجند مرتباً وعلاوات ومكافأة نهاية الخدمة فضلاً عن المزايا العينية التي يتمتع بها أثناء فترة تجنيده - لا وجه للقول بالتعويض على أساس أن التجنيد فوت على المجند كسباً - يستوي في ذلك أن يكون المجند لائقاً طبياً أو غير لائق وذلك لاتحاد العلة في الحالتين وهي أن كلاً منهما نال شرف الخدمة العسكرية وأدى بعض حق الوطن عليه ونال ما قرره للمجند من مزايا - إذا لحق المجند ضرر من جراء تجنيده وهو غير لائق طبياً بأن اشتدت عليه علته أو تضاعفت عاهته فإنه يكون على حق في المطالبة بالتعويض عما حاق به من أضرار ناجمة عن تدهور حالته الصحية وازديادها سوءاً بسبب تجنيده وهو غير لائق طبياً بالمخالفة للقانون - لا وجه للقول بأن استطالة المدة بين حدوث الخطأ ووقوع الضرر يمكن أن ينفي علاقة السببية بينهما - أساس ذلك:- أن العبرة دائماً يكون الضرر نجم عن الخطأ بغض النظر عن المدة الزمنية التي حدث الضرر خلالها - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الخميس الموافق 21 من يونيه سنة 1990 أودعت هيئة قضايا الدولة بصفتها نائبة عن وزير قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريراً بالطعن في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بالقاهرة بجلسة 22/ 4/ 1990 في الدعوى رقم 4911 لسنة 41 ق والذي قضى بإلزام المدعى عليه بصفته بأن يؤدي للمدعين مبلغ عشرة آلاف جنيه على سبيل التعويض يوزع فيما بينهم كل بحسب نصيبه الشرعي.
وطلب الطاعن للأسباب المبينة بتقرير الطعن وقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وقبول الطعن شكلاً وإلغاء الحكم المطعون فيه ورفض الدعوى وإلزام المطعون ضدهم المصروفات.
وقد تم إعلان المطعون ضدهم بتقرير الطعن على النحو المبين بالأوراق.
وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني في الطعن ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه ورفض الدعوى وإلزام رافعيها بالمصروفات.
وقد تحددت جلسة 3/ 1/ 1994 أمام دائرة فحص الطعون لنظر الطعن وتداولت الدولة نظره على النحو الثابت بمحاضر الجلسات، وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة أوضحت فيها أن المرض الذي أصاب مورث المطعون ضدهم كان قبل الخدمة العسكرية وأن أوراق الدعوى تخلو مما يشير إلى أن قرار التجنيد جعل حالته تزداد سوءاً مما يجعل علاقة السببية بين الخطأ والضرر غير متوافرة، وبإحدى الجلسات قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الأولى) لنظره بجلسة 20/ 3/ 1994، وبتلك الجلسة قررت المحكمة النطق بالحكم بجلسة 17/ 4/ 1994.
وبجلسة اليوم صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع المرافعة وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه وإجراءاته المقررة قانوناً.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل حسبما يبين من الأوراق في أنه بتاريخ 30/ 5/ 1985 م أقام مورث المطعون ضدهم الدعوى رقم 362 لسنة 1985 أمام محكمة عابدين الجزئية طالباً الحكم بإلزام وزير الدفاع بصفته بأن يدفع له مبلغ (51 جنيه) على سبيل التعويض المؤقت والمصروفات وذلك استناداً على أنه جند بالقوات المسلحة في 10/ 6/ 1980 بعد الكشف الطبي الدقيق وثبوت لياقته الطبية وخلوه من الأمراض وفي أوائل عام 1981 شعر بآلام في الصدر ولما تقدم للكشف الطبي تم تشخيص مرضه، نزلة شعبية وعولج على هذا الأساس ولما عاودته الآلام تم تحويله إلى المستشفى العسكري واستمر يعالج بها عدة أشهر اتضح بعدها إصابته بهبوط مزمن بالقلب وفشل كبدي، وعرضت حالته على اللجنة الطبية العليا للقوات المسلحة التي قررت عدم لياقته الطبية للخدمة العسكرية وبتاريخ 1/ 6/ 1982 أخلى طرفه من الخدمة دون صرف أي تعويض له عن إصابته الجسيمة التي أعجزته نهائياً عن القيام بأي عمل، ولذا يحق له المطالبة بالتعويض طبقاً للمادة 174 من القانون المدني من جراء إصابته.
وبجلسة 30/ 4/ 1986 قضت محكمة عابدين الجزئية برفض الدعوى استناداً على عدم وجود خطأ مُتابعي المدعى عليه في علاجهم للمدعي، ولما استأنف المدعي الحكم المذكور قضت محكمة جنوب القاهرة في 29/ 4/ 1987 بإلغاء الحكم المستأنف وبعدم اختصاص محكمة أول درجة وجهة القضاء العادي ولائياً بنظر الدعوى، وبإحالتها بحالتها إلى محكمة القضاء الإداري للاختصاص.
ونظراً لوفاة قام ورثته بتعجيل الدعوى تعديل الطلبات فيها إلى طلب الحكم بإلزام المدعى عليه بأن يؤدي لهم مبلغ ثلاثين ألف جنيه كتعويض عن الأضرار التي لحقت بمورثهم تجنيده الخاطئ، وعشرة آلاف جنيه عن الأضرار الأدبية الناجمة عن وفاته.
وبجلسة 22/ 4/ 1990 حكمت محكمة القضاء الإداري بإلزام المدعى عليه بصفته بأن يؤدي للمدعين مبلغ عشرة آلاف جنيه على سبيل التعويض يوزع فيما بينهم كل بحسب نصيبه الشرعي وألزمته المصروفات وأقامت المحكمة قضاءها على أن الثابت من الأوراق تحقق خطأ جهة الإدارة بتجنيد مورث المدعين رغم حالته المرضية التي تتعارض طبياً مع تجنيده, وأنه قد أصيب بأضرار مادية تمثلت في تدهور حالته الصحية إلى الحد الذي من أجله أنهيت خدمته العسكرية بنسبة عجز 98% وأضافت المحكمة بأن مورث المدعين كان قد طلب تعويضاً عن الأضرار الأدبية والمادية أمام القضاء ومن ثم ينتقل هذا الحق إلى ورثته، وخلصت المحكمة إلى أنها تقدر تعويضاً جابراً لما أصاب مورث المدعين من أضرار مادية وأدبية بمبلغ عشرة آلاف جنيه.
ومن حيث إن الطعن في الحكم يقوم على أن الحكم أخطأ في تطبيق القانون وأصابه الفساد في الاستدلال، ذلك أن أحكام المحكمة الإدارية العليا جرت على أن التجنيد فرض على كل مواطن وهو في حد ذاته لا يعود على المجند بأي كسب يبرر التعويض عنه يستوي في ذلك أن يكون من تم تجنيده لائقاً للخدمة طبياً أو عن لائق، ولما كان الثابت أن حالة مورث المطعون ضدهم كانت مزمنة قبل دخوله الخدمة العسكرية ولم يطرأ عليها أي تغيير أثناء الخدمة وأنه بمجرد شعر بألم تم إحالته للجنة العليا الطبية التي قررت عدم لياقته وأن خدمة مورث المطعون ضدهم انتهت في 1/ 6/ 1982 وظل حياً يرزق حتى انتقل إلى رحمة الله في 24/ 10/ 1985 مما يؤكد أن حالته كانت مستقرة وأن دخوله الخدمة العسكرية لم يؤد إلى تفاقم مرضه مما يجعل استناد الحكم إلى أن ضرراً أصاب مورث المطعون ضدهم نتيجة تجنيده الخاطئ هو استناد غير صحيح.
ومن حيث إن مناط مسئولية الإدارة عن القرارات التي تصدرها في تسييرها للمرافق العامة هو قيام خطأ من جانبها بأن يكون القرار الإداري قد أصابه عيب من العيوب التي نص عليها قانون مجلس الدولة، وأن يلحق صاحب الشأن ضرر وأن تقوم علاقة السببية بين الخطأ والضرر بأن يترتب على القرار غير المشروع ضرر يحيق بصاحب الشأن.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة جرى على أن الخدمة العسكرية والوطنية فرض على كل مصري متى بلغ السن المقررة قانوناً التزاماً بما للوطن من حقوق في عنق كل مواطن تقتضي منه بذل الروح والمال في سبيل وطنه وذلك بالانخراط في سلك الخدمة الوطنية لأداء ضريبة الدم وتقديم ضريبة من وقته وكده وعرقه تتعادل مع ما يقدمه له الوطن من أمن وأمان وخدمات، لما كان ذلك وكان قانون الخدمة العسكرية والوطنية يرتب للمجند، فضلاً عن المزايا العينية التي يتمتع بها أثناء فترة تجنيده، مرتبات وعلاوات ومكافأة نهاية الخدمة، فإنه يتأبى حينئذ القول بأن التجنيد في ذاته يفوت على المجند كسباً يبرر طلب التعويض يستوي في ذلك أن يكون لائقاً طبياً للخدمة أو غير لائق وذلك لاتحاد العلة في الحالين وهي أن كلاً منهما نال شرف الخدمة العسكرية وأدى بعض حق الوطن عليه ونال ما قرره القانون للمجند من مزايا وبهذه المثابة ينتفي ركن الضرر في دعوى المسئولية طالما كان طلب التعويض قائماً على مجرد المطالبة بما فات المجند من كسب نتيجة تجنيده رغماً عن عدم لياقته الطبية للخدمة شأنه في ذلك شأن من جند وهو لائق طبياً، أما إذا لحق بالمجند ضرر من جراء تجنيده وهو غير لائق طبياً بأن ترتب على تجنيده أن اشتدت عليه علته أو تضاعفت عاهته فإنه يكون على حق في المطالبة بالتعويض عما حاق به من أضرار ناجمة عن تدهور حالته الصحية وازديادها سوءاً بسبب تجنيده وهو غير لائق طبياً بالمخالفة للقانون.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن مورث المطعون ضدهم كان قد أقام دعواه بطلب الحكم له بتعويض مؤقت قدره 51 جنيه على سند من القول بأن تجنيده نجم عنه ضرراً مالياً تمثل في تدهور حالته الصحية من جراء علاجه الخاطئ لعدم تشخيص مرضه التشخيص الطبي الصحيح وقد عدل ورثة المدعي الطلبات بأن طلبوا الحكم لهم بتعويض قدرة أربعون ألف جنيه نتيجة تجنيد مورثهم الخاطئ الأمر الذي أدى إلى تفاقم الحالة الصحية لمورثهم إلى حد الوفاة.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن مورث المطعون ضدهم تم تجنيده عام 1981، وتبين بعد ذالك أنه مصاب بروماتيزم في القلب وارتجاع في الصمام الميترالي, وأن هذه الحالة المرضية كانت تلازمه قبل تجنيده, وهو ما يجعل قرار التجنيد غير صحيح قانوناً لأنه لم يكن لائقاً طبياً للخدمة العسكرية وقت التجنيد, وأنه إزاء ما تكشف للجهة الإدارية والجهة الطبية المختصة من عدم لياقة مورث المطعون ضدهم الطبية نظراً لحالته المرضية المزمنة، صدر قرار بإنهاء خدمته العسكرية عام 1982.
ومن حيث إن التجنيد الخاطئ لمورث المطعون ضدهم أصابه ولا شك بأضرار بالغة بالنظر إلى خطورة حالته المرضية وما يعاني منه من روماتيزم مزمن بالقلب وخلل في الصمام الميترالي والأورطي على النحو الذي تكشف عنة التقارير الطبية المودعة بملف الدعوى التي صدر فيها الحكم المطعون فيه.
ومن حيث إنه لا وجه لما أثير من عدم توافر علاقة السببية بين خطأ الجهة الإدارية في التجنيد الخاطئ لمورث المطعون ضدهم والضرر الذي أصابه والمتمثل في تدهور حالته الصحية وتفاقمها إلى حد الوفاة بحسبان أن وفاة مورث المطعون ضدهم حدثت بعد مضي نحو ثلاث سنوات من تاريخ انتهاء خدمته العسكرية، لا وجه لذلك إذ أنه لا يجوز القول بأن استطالة المدة بين حدوث الخطأ ووقوع الضرر يمكن أن ينفي علاقة السببية بينهما، فالعبرة دائماً بكون الضرر نجم عن الخطأ بغض النظر عن المدة الزمنية التي حدث الضرر خلالها، وترتيباً على ما تقدم فإن الوفاة التي حدثت لمورث المطعون ضدهم في عام 1985 كانت نتيجة تدهور حالته الصحية وتفاقمها بسبب التجنيد الخاطئ لمورثهم وإن سند المطالبة بالتعويض هو ما أصاب المورث من تدهور وتفاقم في الحالة الصحية نتيجة التجنيد الخاطئ وليس من شك في أن التجنيد وما يستلزمه من المجند من قيام بالواجبات البدنية والتدريبات العسكرية كان له عظيم الأثر بالنسبة للحالة الصحية التي كان مورث المطعون ضدهم يعاني منها وفضلاً عن ذلك فإن الثابت من الأوراق إن مدة التجنيد الخاطئ - بالنظر إلى حالة مورث المطعون ضدهم - قد استطالت لأكثر من سنة تقريباً بالإضافة إلى ما هو ثابت بالأوراق - ولم تدحضه الجهة الإدارية - وأن مورث المطعون ضدهم عولج في بداية تجنيده علاجاً خاطئاً نتيجة لعدم التشخيص الطبي الصحيح لمرضه كل ذلك يوفر ولا شك العلاقة السببية بين التجنيد الخاطئ لمورث المطعون ضدهم وتدهور حالته الصحية وتفاقمها الأمر الذي أدى إلى وفاته.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه انتهى إلى تعويض المطعون ضدهم بمبلغ عشرة آلاف جنيه نتيجة الأضرار التي لحقت بمورثهم فإنه يكون صحيحاً فيما انتهى إليه، ويكون النعي عليه في غير محله متعيناً رفضه.
ومن حيث إن الجهة الإدارية وقد خسرت الطعن فإنها تلزم بمصروفاته عملاً بنص المادة 184 من قانون المرافعات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وألزمت الجهة الإدارية الطاعنة بالمصروفات.