مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الرابعة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1958 إلى أخر يناير سنة 1959) - صـ 30

(4)
جلسة أول نوفمبر سنة 1958

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني وعلي إبراهيم بغدادي والدكتور محمود سعد الدين الشريف ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

القضية رقم 133 لسنة 3 القضائية

( أ ) موظف فني بإدارة قضايا الحكومة - شروط تعيينه وتحديد مرتبه - القانون رقم 113 لسنة 1946 بإنشاء إدارة قضايا الحكومة - إحالته في ذلك إلى ما نص عليه قانون استقلال القضاء بخصوص رجال النيابة العامة.
(ب) موظف - إعادة تعيينه - المادة 23 من القانون رقم 210 لسنة 1951 - تنظيمها إعادة تعيين الموظف السابق الذي يكون قد ترك خدمة الحكومة - عدم انطباقها على الموظف الذي يعين في وظيفة أخرى ثم يعاد تعيينه في وظيفته الأولى.
(ج) مرتب - المواد 11 و22 و78 و79 من المرسوم بقانون رقم 188 لسنة 1952 في شأن استقلال القضاء - تحديدها مرتبات رجال القضاء والنيابة عند تعيينهم في مناصبهم أو إعادة تعيينهم في هذه المناصب - المادة 11 - حظرها تقدير مرتبات بصفة شخصية أو مرتبات إضافية لأحد من القضاة - عدم ترديد المادة 78 الخاصة بتحديد مرتبات رجال النيابة هذا الحظر - لا يفيد اقتصار هذا الحظر على رجال القضاء الجالس وأن يتحلل منه رجال النيابة - السماح باصطفاء أحد رجال النيابة بالنقل إلى وظيفة أعلى أو مرتب أكبر خارج السلك القضائي, ثم عودته بعد ذلك إلى منصبه القضائي بالدرجة الأعلى أو الراتب الأكبر - إخلال ذلك بالحكمة التي يقوم عليها الحظر - حرص الشارع في حالة العودة إلى المنصب القضائي على احترام الأقدميات السابقة التي كانت تحفظ الموازنة بين القاضي وعضو النيابة تؤكد منحاه عدم اتخاذ النقل إلى خارج النقل القضائي سبيلاً لتحسين وضع القاضي أو عضو النيابة أو زيادة مرتبه بالنسبة إلى زملائه.
1 - إن القانون رقم 113 لسنة 1946 بإنشاء إدارة قضايا الحكومة قد أحال في مادته السابعة إلى ما نظمه قانون استقلال القضاء في خصوص رجال النيابة العامة بالنسبة لتحديد مرتبات الموظفين الفنيين بإدارة قضايا الحكومة وشروط تعيينهم, قضت هذه المادة (معدلة بالقانون رقم 43 لسنة 1948) على أن "يكون شأن الرئيس بالنسبة إلى المرتب وشروط التعيين شأن وكيل مجلس الدولة. أما المستشارون الملكيون والمستشارون المساعدون فشأنهم في ذلك شأن مستشاري قسم الرأي والتشريع بمجلس الدولة ومستشاريه المساعدين. وشأن باقي الموظفين الفنيين في ذلك شأن رجال النيابة العمومية. وفيما عدا من تقدم ذكرهم تسري في شأنهم القواعد المقررة بالنسبة لسائر الموظفين".
2 - إن المادة 23 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة إنما تنظم إعادة تعيين موظف سابق كان قد ترك خدمة الحكومة, أي كانت قد انقطعت رابطة التوظف بينهما, فنصت تلك المادة على أنه "فيما عدا الوظائف التي يكون التعيين فيها بمرسوم أو أمر جمهوري لا يجور إعادة تعيين موظف سابق في درجة أعلى من الدرجة التي كان يشغلها عند تركه خدمة الحكومة ولا منحه مرتباً يزيد على المرتب الذي كان يتقاضاه في تلك الدرجة", يقطع في ذلك أن الفقرة الثالثة وهي تحدد أقدمية مثل هذا الموظف إنما تتحدث عن الفترة التي قضاها خارج الحكومة مشتغلاً بإحدى الهيئات أو المؤسسات أو الأعمال الحرة التي يفيد منها خبرة. وغني عن القول أن المادة المذكورة لا تنطبق على حالة المدعي؛ لأنه لم يترك خدمة الحكومة بأية حال, وغاية الأمر أنه عين في وظيفة أخرى بمصلحة الضرائب, ثم أعيد تعيينه في سلك إدارة قضايا كما كان.
3 - عالج المرسوم بقانون رقم 188 لسنة 1952 في شأن استقلال القضاء أوضاع رجال القضاء والنيابة من ناحية تحديد مرتباتهم عند تعيينهم في مناصبهم أو إعادة تعيينهم في هذه المناصب, فنصت المادة الحادية عشرة على ما يأتي:"حددت مرتبات القضاة بجميع درجاتهم وفقاً للجدول الملحق بهذا القانون, ولا يصح أن يقرر لأحد منهم مرتب بصفة شخصية ولا مرتب إضافي من أي نوع كان, أو أن يعامل معاملة استثنائية بأية صورة", كما نصت المادة 78 من المرسوم بقانون سالف الذكر على أنه قد "حددت مرتبات رجال النيابة بجميع درجاتهم وفقاً للجدول الملحق بهذا القانون", ثم نصت الفقرة الأخيرة من المادة 22 من ذات المرسوم بقانون على أن "تعتبر أقدمية القضاة الذين يعادون إلى مناصبهم من تاريخ المرسوم الصادر بتعيينهم أول مرة". وقد تقرر هذا المبدأ بالنسبة إلى أعضاء النيابة العامة، فنصت المادة 79 من المرسوم بقانون رقم 188 لسنة 1952 في شأن استقلال القضاء على أنه "تتقرر أقدمية أعضاء النيابة بالطريقة المقررة لأقدمية رجال القضاء وفقاً للمادة 22 من هذا القانون. ولئن كانت المادة 78 من المرسوم بقانون سالف الذكر لم تردد الحظر المنصوص عليه في الفقرة الثانية من المادة 11, إلا أنه ليس المقصود من ذلك هو اقتصار هذا الحظر على القضاء الجالس وأن يتحلل منه رجال النيابة وهم القضاء الواقف, بل إن الروح المستفادة من هذه النصوص والحكمة التي تغياها المشرع في قانون استقلال القضاء سالف الذكر تقطع بأنه حرص على ألا يظفر القاضي جالساً أو واقفاً بميزة في مرتبه من أي نوع يختص بها دون زملائه, بل لا ينال من ذلك إلا ما تسمح به قواعد جدول المرتبات الملحق بقانون استقلال القضاء والميزات التي قد يضفيها عليه هذا القانون. وإنه وإن كان هذا الحكم قد ورد في الفصل الثالث من الباب الأول الخاص بمرتبات القضاة, إلا أن اقتران مرتبات القضاة بمرتبات رجال النيابة في الجدول الملحق بقانون استقلال القضاء, وترابط وظائف هاتين الفئتين وجواز التبادل بينهما - كل ذلك يؤكد بأن هذا الحظر, وقد رتب ضمانة أصلية تطميناً للمتقاضين, دفعاً لأية مظنة, حقيق بأن يجري على رجال النيابة بحكم الضرورة, بل إن هذه الضمانة ألزم وأدعى في حقهم, وهم أكثر اتصالاً بالسلطة التنفيذية؛ إذ أن السماح باصطفاء أحد رجال النيابة بالنقل إلى وظيفة أعلى أو مرتب أكبر خارج السلك القضائي ثم عودته بعد ذلك إلى منصبه القضائي بالدرجة الأعلى أو الراتب الأكبر يخل أساساً بالحكمة التي يقوم عليها الحظر المذكور؛ لأنه يغري رجال النيابة بالانتقال إلى خارج سلكهم كي يظفروا بمثل تلك المعاملة الاستثنائية في درجاتهم أو رواتبهم, كما يغري رجال القضاء بالانتقال إلى وظائف النيابة كي يظفروا بمثل تلك المعاملة, وفي هذا إخلال بالضمانات الأساسية التي يقوم عليها استقلال القضاء وتطمين للمتقاضين. ولا شك أن حرص الشارع من ناحية أخرى, في حالة العودة إلى المنصب القضائي, على احترام الأقدميات السابقة التي كانت تحفظ الموازنة بين القاضي أو عضو النيابة وبين أقرانه طبقاً للمادتين 22 و79 من المرسوم بقانون رقم 188 لسنة 1952 يؤكد منحاه واتجاهه إلى عدم اتخاذ النقل إلى خارج السلك القضائي سبيلاً لتحسين وضع القاضي وعضو النيابة أو زيادة راتبه بالنسبة إلى زملائه على النحو الذي حظرته المادة الحادية عشرة من قانون استقلال القضاء.


إجراءات الطعن

في 12 من أكتوبر سنة 1957 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 133 لسنة 3 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الهيئة الرابعة "أ") بجلسة 12 من نوفمبر سنة 1956 في القضية رقم 2019 لسنة 9 القضائية المقامة من الأستاذ حسن نصار أحمد النائب بإدارة قضايا الحكومة ضد وزارة العدل, القاضي "برفض الدعوى, وألزمت المدعي بالمصروفات". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين - للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه - "قبول الطعن شكلاً, وفي الموضوع إلغاء الحكم المطعون فيه, والقضاء باستحقاق المدعي مرتباً قدره خمسة وستون جنيهاً شهرياً اعتباراً من أول مايو سنة 1954 تاريخ إعادة تعيينه في وظيفة محام من الدرجة الأولى الممتازة بإدارة قضايا الحكومة, مع إلزام الحكومة المصروفات". وقد أعلن هذا الطعن إلى وزارة العدل في 18 من فبراير سنة 1957, وإلى المطعون لصالحه في 16 من مايو سنة 1957, وبعد أن انقضت المواعيد القانونية دون أن يقدم أي من الطرفين مذكرة بملاحظاته عين لنظر الطعن أمام هذه المحكمة جلسة 4 من أكتوبر سنة 1958, وفي أول يوليه سنة 1958 أبلغ الطرفان بميعاد هذه الجلسة, وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة, ثم قررت إرجاء النطق بالحكم إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفي أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة, حسبما يبين من أوراق الطعن, تتحصل في أن المطعون لصالحه أقام الدعوى رقم 99 لسنة 1 القضائية بعريضة أودعها سكرتيرية المحكمة الإدارية لوزارة العدل في 17 من يوليه سنة 1954 يطلب فيها الحكم ضد وزارة العدل باستحقاقه لمرتب قدره 65 ج بدلاً من 62 ج شهرياً بوظيفة محام من الدرجة الأولى الممتازة, وذلك اعتباراً من أول مايو سنة 1954, مع ما يترتب على ذلك من آثار, مع إلزام الوزارة بالمصروفات. وقال شرحاً لدعواه إنه عين محامياً بإدارة قضايا الحكومة في سنة 1942, وتدرج في وظائفها حتى بلغ وظيفة محام من الدرجة الأولى الممتازة (660 - 780 ج) وبلغ راتبه الشهري 61 ج, وبتاريخ 28 من ديسمبر سنة 1953 نقل إلى وزارة المالية بمصلحة الضرائب بوظيفة من الدرجة الثالثة ثم إلى الدرجة الثانية فالأولى وبلغ راتبه الشهري 750 م و71 ج, وفي شهر أبريل سنة 1954 أبدى رغبته شفاهاً إلى السيد رئيس إدارة قضايا الحكومة في العودة إلى العمل بإدارة القضايا, وبعد أن حرر هذا الرئيس بالموافقة على طلبه إلى السيد وزير المالية والاقتصاد وافق هذا على نقله إلى إدارة القضايا, وفي 29 من أبريل سنة 1954 أصدر السيد وزير العدل قراراً بتعيينه "محامياً من الدرجة الأولى الممتازة بإدارة قضايا الحكومة في الدرجة (660 - 780 ج), ونص بالقرار على وضعه في الأقدمية التي كان بها عند نقله إلى مصلحة الضرائب, وفي أول مايو سنة 1954 تسلم العمل بإدارة القضايا, وحرر في ذات التاريخ المذكور إقراراً "بقبوله العودة بالمرتب المخصص لوظيفة محام من الدرجة الأولى الممتازة كما تسمح به التعليمات, وبتنازله عن الدرجتين الثانية والأولى اللتين منحتا له بوزارة المالية". وفي ذات اليوم - أول مايو سنة 1954 - أصدر السيد وزير العدل قراراً بإجراء حركة ترقيات بإدارة القضايا تضمنت ترقيته إلى درجة نائب من الدرجة الثانية في الدرجة (780 - 840 ج), وفي 21 من يونيه سنة 1954 حرر مدير المستخدمين بإدارة القضايا كتاباً إلى السيد رئيس الإدارة يقرر فيه أنه يرى "إصدار قرار بربط راتب الطالب على أساس المرتب الذي كان يتقاضاه فعلاً قبل نقله إلى مصلحة الضرائب, أو استطلاع رأى الموظفين في هذا الشأن", وطبقاً لفتوى أبداها رئيس ديوان الموظفين في كتابه الرقيم 172 - 3/ 10 والمحرر في 24 من يونيه سنة 1954 إلى السيد رئيس إدارة قضايا الحكومة أصدر السيد وزير العدل في ذات التاريخ قراراً بمنح الطالب مرتباً مقداره 61 ج شهرياً على أساس أنه المرتب الذي كان يتقاضاه قبل نقله إلى مصلحة الضرائب, ثم تعدل هذا المرتب إلى 62 ج شهرياً بقرار آخر صدر بناء على القانون رقم 253 لسنة 1954 بوضع استثناء وقتي من القواعد الخاصة بعلاوات الترقية والعلاوات الاعتيادية, ثم صدر بعد ذلك قرار وزاري ثالث بتعديل راتب الطالب إلى 250 م و64 ج شهرياً بناء على ترقيته إلى وظيفة نائب من الدرجة الثانية على ما سلف البيان. وقد اعترض المطعون لصالحه على تحديد راتبه على هذا النحو موضحاً أن هذا التحديد - على نحو ما سلف - خالف القواعد المسلمة التي تقضي بعدم جواز المساس بالمراكز الذاتية للموظفين, كما أنه لم يلق بالاً إلى صيغة الإقرار الذي حرره المطعون لصالحه على نفسه من أنه قبل العودة بالمرتب المخصص لوظيفة محام من الدرجة الأولى الممتازة كما تسمح به التعليمات, وهي عبارة لا تؤدي معنى قبوله العودة بمرتبه السابق كما ذهب إلى ذلك السيد رئيس ديوان الموظفين. ثم أوضح المطعون لصالحه أن حالته ليست حالة تعيين جديد؛ لأنه بالرجوع إلى جدول المرتبات الملحق بالقانون رقم 188 لسنة 1952 بشأن استقلال القضاء يبين منه أن مرتب وكيل النائب العام من الدرجة الأولى الممتازة, وهي المقابلة لوظيفته, تتراوح ما بين (660 - 780 ج), وجاء بنهاية الجدول العبارة الآتية "وجميع ذلك بحيث لا يتعدى الراتب والعلاوة معاً نهاية مربوط الدرجة", وأضاف إلى ما تقدم أنه لم يرد في قانون استقلال القضاء حكم بشأن تحيد مرتب العائد إلى المناصب القضائية, وكل ما ورد به إنما هو خاص بتحديد الأقدمية عند العودة, وانتهى إلى طلب الحكم باستحقاقه لمرتب 65 ج شهرياً بدلاً من 62 ج في وظيفة محام من الدرجة الأولى الممتازة. وأثناء تداول القضية بالجلسات صدر القانون رقم 165 لسنة 1955 بشأن تنظيم مجلس الدولة, فأصبحت هذه الدعوى من اختصاص محكمة القضاء الإداري باعتبار المطعون لصالحه من الموظفين الداخلين في الهيئة من الفئة العالية بالتطبيق لأحكامه, فأحيلت الدعوى إلى محكمة القضاء الإداري (الهيئة الرابعة "أ"). وقد دفعت الحكومة الدعوى بأن حالة المدعي هي حالة تعيين جديد في إحدى الوظائف القضائية, وأن هذه الحالة محكومة بالفقرة ثانياً من القواعد الواردة بجدول مرتبات رجال القضاء والنيابة, وهي تقضي بأن "كل من يعين في وظيفة من الوظائف المرتبة في درجات ذات مبدأ ونهاية يمنح أول مربوط الدرجة من تاريخ التعيين على أن يمنح العلاوات المقررة بحسب القانون", كما أن أقدمية المدعي خاضعة كذلك للفقرة 3 من المادة 22 من المرسوم بقانون رقم 188 لسنة 1952 في شأن استقلال القضاء وهي تجرى بما يأتي "وتعتبر أقدمية الذين يعادون إلى مناصبهم من تاريخ المرسوم الصادر بتعيينهم أول مرة", ويتبين من ذلك أن إعادة المدعي بالمرتب الذي كان يتقاضاه قبل نقله وبأقدميته السابقة بين زملائه قبل النقل إنما تم بناء على أحكام قانون استقلال القضاء؛ فتكون دعواه على غير أساس سليم من القانون واجبة الرفض". وفي 12 من نوفمبر سنة 1956 حكمت محكمة القضاء الإداري "برفض الدعوى, وألزمت المدعي بالمصروفات". وأقامت قضاءها على أن هذه الحالة المعروضة لا يحكمها نص في قانون استقلال القضاء, وعليه يتعين الرجوع إلى المادة 23 من القانون 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة, وهي تنص على أنه "لا يجوز إعادة تعيين موظف سابق في درجة أعلى من الدرجة التي كان يشغلها عند تركة خدمة الحكومة ولا منحه مرتباً يزيد على المرتب الذي كان يتقاضاه في تلك الدرجة", وعلى أن المدعي وقد أعيد في ظل هذا القانون إلى وظيفة محام من الدرجة الأولى الممتازة بإدارة قضايا الحكومة التي كان يشغلها قبل نقله إلى مصلحة الضرائب يقدر له ذات المرتب الذي كان يتقاضاه وقت نقله إلى مصلحة الضرائب, ولا يجوز منحه أكثر منه؛ إعمالاً لحكم المادة 23 المشار إليها؛ ذلك لأن حالته هي حالة تعيين جديد ولا تعتبر نقلاً مكانياً بأية حال لتباين طبيعة العمل ومؤهلات التعيين وقيوده في الوظيفة المنقول منها عن الوظيفة المنقول إليها واختلاف الكادر الذي يحكم كلاً منهما, ولا محل للتمسك بقاعدة عدم جواز المساس براتب المدعي باعتباره حقاً مكتسباً؛ لأن هذه القاعدة يقصر إعمال حكمها على حالة النقل المكاني دون حالة النقل النوعي الذي ينزل منزلة التعيين الجديد.
ومن حيث إن الطعن قد بني على أن قانون استقلال القضاء لم يتناول سوى تحديد أقدمية رجال القضاء والنيابة الذين يعادون إلى مناصبهم, فجعلها من تاريخ تعيينهم لأول مرة في المادة 22 من هذا القانون, وعلى أنه فيما يتعلق بالمرتب توجد قاعدتان أصليتان: الأولى أن كل من يعين في وظيفة من الوظائف المرتبة في درجات ذات بداية ونهاية يمنح أول مربوط الدرجة من تاريخ التعيين, والثانية أن المرتب لا يتعدى نهاية مربوط الدرجة. فإذا استبعدت القاعدة الأولى من التطبيق على حالة المطعون لصالحه لكونه ليس من المعينين لأول مرة في إدارة قضايا الحكومة لم تبق إلا القاعدة الثانية الخاصة بعدم جواز أن يتعدى المرتب نهاية مربوط الدرجة, وهذه القاعدة إذا نظر إليها في ضوء قاعدة عامة أخرى تقضي بعدم المساس بالمركز القانوني الذاتي الذي اكتسبه الموظف فإن المدعي - وقد بلغ راتبه في مصلحة الضرائب 750 م و71 ج - يكون مستحقاً أن يحدد راتبه عند إعادته إلى وظيفة محام من الدرجة الأولى الممتازة بآخر مربوط درجاتها وهو خمسة وستون جنيهاً شهرياً. وإذ أخذ الحكم المطعون فيه بغير هذا النظر فقد خالف القانون.
ومن حيث إنه يبين من الأوراق أن المطعون لصالحه - بعد أن استحق علاوة دورية وهو في وظيفة محام من الدرجة الأولى الممتازة في 19 من أكتوبر سنة 1953 بلغ بها راتبه 61 ج شهرياً - نقل إلى مصلحة الضرائب اعتباراً من 28 من ديسمبر سنة 1953, ورقي بعد ذلك في هذه المصلحة إلى الدرجة الثانية المالية فالأولى, حتى بلغ راتبه 750 م و71 ج شهرياً, ثم قدم إقراراً كتابياً برغبته في العودة إلى إدارة القضايا محامياً من الدرجة الأولى الممتازة بالمرتب المخصص لهذه الوظيفة مع تنازله عن الدرجتين الأولى والثانية, فصدر قرار وزير العدل في 29 من أبريل سنة 1954 متضمناً تعيينه محامياً من الدرجة الأولى الممتازة بإدارة قضايا الحكومة, ثم صدر في 24 من يونيه سنة 1954 قرار من وزير العدل باعتباره في الدرجة (660 - 780 ج) بإدارة القضايا ومنحه مرتباً مقداره 61 ج شهرياً وهو المرتب الذي كان يتقاضاه قبل نقله إلى مصلحة الضرائب, وفي ذات التاريخ صدر قرار آخر من السيد وزير العدل بتعديل مرتبه إلى 62 ج شهرياً اعتباراً من اليوم الأول من شهر مايو سنة 1954 بالتطبيق لأحكام القانون رقم 253 لسنة 1954 بوضع استثناء وقتي من القواعد الخاصة بعلاوات الترقية والعلاوات الاعتيادية.
ومن حيث إن القانون رقم 113 لسنة 1946 بإنشاء إدارة قضايا الحكومة قد أحال في مادته السابعة إلى ما نظمه قانون استقلال القضاء في شأن خصوص رجال النيابة العامة بالنسبة لتحديد مرتبات الموظفين الفنيين بإدارة قضايا الحكومة وشروط تعيينهم؛ فنصت هذه المادة (معدلة بالقانون رقم 43 لسنة 1948) على أن "يكون شأن الرئيس بالنسبة إلى المرتب وشروط التعيين شأن وكيل مجلس الدولة, أما المستشارون الملكيون والمستشارون المساعدون فشأنهم في ذلك شأن مستشاري قسم الرأي والتشريع بمجلس الدولة ومستشاريه المساعدين, وشأن باقي الموظفين الفنيين في ذلك شأن رجال النيابة العمومية. وفيما عدا من تقدم ذكرهم تسري في شأنهم القواعد المقررة بالنسبة لسائر الموظفين".
ومن حيث إنه يجب التنبيه بادئ ذي بدء إلى أن المادة 23 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة إنما تنظم إعادة تعيين موظف سابق كان قد ترك خدمة الحكومة, أي كانت قد انقطعت رابطة التوظف بينهما, فنصت تلك المادة على أنه "فيما عدا الوظائف التي يكون التعيين فيها بمرسوم أو أمر جمهوري لا يجوز إعادة تعيين موظف سابق في درجة أعلى من الدرجة التي كان يشغلها عند تركه خدمة الحكومة ولا منحه مرتباً يزيد على المرتب الذي كان يتقاضاه في تلك الدرجة"؛ يقطع في ذلك أن الفقرة الثالثة وهي تحدد أقدمية مثل هذا الموظف إنما تتحدث عن الفترة التي قضاها خارج الحكومة مشتغلاً بإحدى الهيئات أو المؤسسات أو الأعمال الحرة التي يفيد منها خبرة.
وغني عن القول أن المادة المذكورة لا تنطبق على حالة المدعي؛ لأنه لم يترك خدمة الحكومة بأية حال, وغاية الأمر أنه عين في وظيفة أخرى بمصلحة الضرائب, ثم أعيد تعيينه في سلك إدارة القضايا كما كان. فمثار المنازعة - والحالة هذه - هو ما إذا كان يجوز تعيين رجال القضاء أو النيابة أو نظرائهم ممن ينطبق عليهم قانون استقلال القضاء في شأن شروط التعيين والمرتبات - هل يجوز إذا عينوا في وظيفة أخرى ذات درجة أعلى أو بالمرتب الأكبر, أن يعاد تعيينهم في السلك القضائي أو السلك النظير في الدرجة المماثلة الأعلى أو بالمرتب الأكبر, أم أن ذلك غير جائز, بل يجب ألا يجاوز الوضع المالي الذي بلغه أقرانهم في هذا السلك.
ومن حيث إنه بمراجعة أحكام المرسوم بقانون رقم 188 لسنة 1952 في شأن استقلال القضاء الذي عالج أوضاع رجال القضاء والنيابة من ناحية تحديد مرتباتهم عند تعيينهم في مناصبهم أو إعادة تعيينهم في هذه المناصب يتبين أن المادة الحادية عشرة قد جرى نصها بما يأتي: "حددت مرتبات القضاة بجميع درجاتهم وفقاً للجدول الملحق بهذا القانون. ولا يصح أن يقرر لأحد منهم مرتب بصفة شخصية ولا مرتب إضافي من أي نوع كان أو أن يعامل معاملة استثنائية بأية صورة", كما نصت المادة 78 من المرسوم بقانون سالف الذكر على أنه قد "حددت مرتبات رجال النيابة بجميع درجاتهم وفقاً للجدول الملحق بهذا القانون", ثم نصت الفقرة الأخيرة من المادة 22 من ذات المرسوم بقانون على أن "تعتبر أقدمية القضاة الذين يعادون إلى مناصبهم من تاريخ المرسوم الصادر بتعيينهم أول مرة". وقد تقرر هذا المبدأ بالنسبة إلى أعضاء النيابة العامة, فنصت المادة 79 من المرسوم بقانون رقم 188 لسنة 1952 في شأن استقلال القضاء بأنه "تتقرر أقدمية أعضاء النيابة بالطريقة المقررة لأقدمية رجال القضاء وفقاً للمادة 22 من هذا القانون".
ومن حيث إنه ولئن كانت المادة 78 من المرسوم بقانون سالف الذكر لم تردد الحظر المنصوص عليه في الفقرة الثانية من المادة 11 إلا أنه ليس المقصود من ذلك هو اقتصار هذا الحظر على القضاء الجالس وأن يتحلل منه رجال النيابة وهم القضاء الواقف, بل إن الروح المستفادة من هذه النصوص والحكمة التي تغياها المشرع في قانون استقلال القضاء سالف الذكر تقطع بأنه قد حرص على ألا يظفر القاضي جالساً أو واقفاً بميزة في مرتبه من أي نوع يختص بها دون زملائه, بل لا ينال من ذلك إلا ما تسمح به قواعد جدول المرتبات الملحق بقانون استقلال القضاء والميزات التي قد يضيفها عليه هذا القانون, وأنه وإن كان هذا الحكم قد ورد في الفصل الثالث من الباب الأول الخاص بمرتبات القضاة, إلا أن اقتران مرتبات القضاة بمرتبات رجال النيابة في الجدول الملحق بقانون استقلال القضاء وترابط وظائف هاتين الفئتين وجواز التبادل بينهما, كل ذلك يؤكد أن هذا الحظر, وقد رتب ضمانة أصلية تطميناً للمتقاضين دفعاً لأي مظنة, حقيق بأن يجري على رجال النيابة بحكم الضرورة, بل إن هذه الضمانة ألزم وأدعى في حقهم, وهم أكثر اتصالاً بالسلطة التنفيذية.
ومن حيث إن السماح باصطفاء أحد رجال النيابة بالنقل إلى وظيفة أعلى أو براتب أكبر خارج السلك القضائي ثم عودته بعد ذلك إلى منصبه القضائي بالدرجة الأعلى أو بالراتب الأكبر يخل أساساً بالحكمة التي يقوم عليها الحظر المذكور؛ لأنه يغري رجال النيابة بالانتقال إلى خارج سلكهم كي يظفروا بتلك المعاملة الاستثنائية في درجاتهم أو رواتبهم, كما يغري رجال القضاء بالانتقال إلى وظائف النيابة كي يظفروا بمثل تلك المعاملة, وفي هذا إخلال بالضمانات الأساسية التي يقوم عليها استقلال القضاء وتطمين المتقاضين.
ومن حيث إن حرص الشارع من ناحية أخرى في حلة العودة إلى المنصب القضائي على احترام الأقدميات السابقة التي كانت تحفظ الموازنة بين القاضي أو عضو النيابة وبين أقرانه طبقاً للمادتين 22 و79 من المرسوم بقانون رقم 188 لسنة 1952 يؤكد منحاه واتجاهه إلى عدم اتخاذ النقل إلى خارج السلك القضائي سبيلاً لتحسين وضع القاضي وعضو النيابة أو زيادة راتبه بالنسبة إلى زملائه على النحو الذي حظرته المادة الحادية عشرة من قانون استقلال القضاء.
ومن حيث إن المطعون لصالحه, وهو من موظفي إدارة القضايا الفنيين المقابلة وظيفته لوظيفة وكيل النائب العام من الدرجة الأولى الممتازة, لا شبهة في خضوعه لهذه القواعد السالفة من حيث تحديد مرتبه وأوضاع تعيينه في إدارة القضايا؛ حماية لكرامة وظيفته من عوامل التأثير والإغراء واحتراماً لأقدميته بين زملائه, ما دامت المادة السابعة من القانون رقم 113 لسنة 1946 بإنشاء إدارة قضايا الحكومة قد بسطت على موظفي إدارة القضايا الفنيين ذات الأحكام التي يخضع لها أعضاء النيابة من حيث شرائط التعيين وتحديد الراتب, ولا خفاء في أن هذه الصياغة تصدق على تحديد المرتب عند التعيين في المنصب القضائي ابتداء وعند إعادة التعيين فيه على السواء.
ومن حيث إنه ينبغي - ترتيباً على ما تقدم - أن يحدد راتب المدعي بالمقدار الذي كان يتقاضاه عند نقله من إدارة القضايا إلى مصلحة الضرائب في 28 من ديسمبر سنة 1953, وهو ما منحه فعلاً طبقاً لقرار وزير العدل الصادر في 24 من يونيه سنة 1954 على ما سلف البيان؛ ومن ثم يكون غير محق في المطالبة باستحقاقه مرتباً مقداره 65 ج شهرياً اعتباراً من تاريخ إعادته إلى إدارة القضايا, ويتعين لذلك رفض دعواه, مع إلزامه بالمصروفات.
ومن حيث إنه لما تقدم يكون الحكم المطعون فيه - إذ انتهى إلى هذه النتيجة - قد صادف وجه الحق في قضائه, ويكون الطعن من ثم على غير أساس من القانون حقيقاً بالرفض.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً , وبرفضه موضوعاً.