مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الرابعة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1958 إلى أخر يناير سنة 1959) - صـ 157

(14)
جلسة 22 من نوفمبر سنة 1958

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني ومحيي الدين حسن وعلي إبراهيم بغدادي ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

القضية رقم 722 لسنة 3 القضائية

استقالة - طلب اعتزال الموظف الخدمة طبقاً لقرارات مجلس الوزراء الصادر في 4 و25/ 11 و 9/ 12/ 1953 - مجلس الوزراء هو السلطة التي تملك التصرف في هذا الطلب - إنهاء رابطة التوظف يكون بصدور قرار من مجلس الوزراء بالموافقة على طلب اعتزال الخدمة وليس بقرار الوزير الذي يصدر تنفيذاً لقرار المجلس - استمرار الموظف في عمله بعد ذلك بالتطبيق للمادتين 111 و114 من قانون نظام موظفي الدولة لا يغير من الأمر شيئاً - الأجر في هذه الحالة يكون نظير العمل الذي يقوم به بعد إنهاء مدة خدمته - صدور قرار بترقية موظف بعد موافقة مجلس الوزراء على اعتزاله الخدمة - قرار معدوم لأنه لم يصادف محلاً.
أصدر مجلس الوزراء في 4 من نوفمبر سنة 1953 قراراً يقضي بضم مدة خدمة لا تجاوز السنتين مع أداء الفرق بين المرتب والمعاش مشاهرة لموظفي الدرجة الثانية فأعلى الذين يقدمون طلباً خلال ستين يوماً باعتزال الخدمة متى أجاز المجلس ذلك, وكشف في القرار ذاته عن المصلحة العامة التي تغياها من إصداره, وهي الرغبة في إفساح مجال الترقي أمام العناصر الممتازة وخريجي الجامعات والمعاهد العالية. وفي 25 من نوفمبر سنة 1953 أصدر قراراً مكملاً للأول بالموافقة على منح الموظفين المشار إليهم الفرق مشاهرة عن المدة المضافة على أساس المرتب مضافاً إليه إعانة الغلاء وبين المعاش مضافاً إليه إعانة الغلاء خلال تلك المدة مع عدم إدخال العلاوات التي تستحق أثناء المدة المضافة في حساب المعاش. وفي 9 من ديسمبر سنة 1953 صدر قرار من مجلس الوزراء بسريان القرارين المشار إليهما على موظفي الدرجة الثالثة فما دونها. وظاهر مما تقدم أن نصوص القرارات المذكورة صريحة بأن مجلس الوزراء هو السلطة التي تملك التصرف في طلب اعتزال الخدمة سواء بالقبول أو الرفض على خلاف التصرف في طلب الاستقالة العادية, فالوزير المختص أو رئيس المصلحة بحسب الأحوال هو الذي يملك ذلك؛ ومن ثم فإن رابطة التوظف تنتهي بصدور قرار مجلس الوزراء بالموافقة على طلب اعتزال الخدمة, وليس بقرار الوزير الذي يصدر تنفيذاً لقرار مجلس الوزراء المذكور. وبناء على ذلك فلا وجه لما يتحدى به المدعي من أن قرار ترقيته صدر سليماً بمقولة إن رابطة التوظف تظل قائمة حتى 5 من فبراير سنة 1954, وهو اليوم التالي لإبلاغه قرار مجلس الوزراء بالموافقة على اعتزاله الخدمة وفقاً للمادتين 111 و115 من القانون رقم 210 لسنة 1951 اللتين تقضيان بأنه يجب على الموظف أن يستمر في عمله إلى أن يبلغ قرار قبول الاستقالة, وفي حالة انتهاء الخدمة بقرار من مجلس الوزراء يستحق الموظف مرتبه إلى اليوم الذي يبلغ فيه القرار؛ ذلك أن العلاقة الوظيفية بين الحكومة والموظف إنما تنفصم عراها متى قام سبب من أسباب انتهاء الخدمة التي عددتها المادة 107 من القانون المشار إليه, وهو في هذه الحالة القرار الصادر من مجلس الوزراء بالموافقة على اعتزال الخدمة. أما استمرار الموظف في القيام بأعمال وظيفته, سواء بالتطبيق للمادة 111 أو بالتطبيق للمادة 114 فلا يغير من الأمر شيئاً؛ ذلك أن الخدمة تعتبر منتهية بتحقق سببها طبقاً للمادة 107 وإنما يعتبر الأجر الذي يستحقه الموظف إذا استمر في عمله مؤقتاً بعد ذلك كمكافأة نظير العمل يقوم به بعد انتهاء مدة الخدمة. ومن ثم فمتى كانت مدة خدمة المطعون عليه قد انتهت بالقرار الصادر من مجلس الوزراء في 7 من يناير سنة 1954 بالموافقة على اعتزاله الخدمة, فإن القرار الصادر بترقيته بعد ذلك في 19 من يناير سنة 1954 يكون معدوماً؛ إذ لم يصادف محلاً يقبله ويقع عليه بعد إذ لم يعد المدعي موظفاً قابلاً للترقية.


إجراءات الطعن

في 4 من مايو سنة 1957 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية هذه المحكمة عريضة طعن قيد تحت رقم 722 لسنة 3 ق في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لوزارات الصحة والشئون البلدية والقروية والأوقاف بجلسة 2 من مارس سنة 1957 في الدعوى رقم 414 لسنة 2 ق المقامة من السيد/ محمد متولي زين الدين ضد وزارة الشئون البلدية والقروية, القاضي بإلغاء القرار رقم 10 لسنة 1955 الصادر في 2 من مايو سنة 1955 فيما تضمنه من إلغاء قرار ترقية المدعي إلى الدرجة الرابعة, وما يترتب على ذلك من آثار, وبإلزام الوزارة المدعى عليها المصروفات ومائتي قرش مقابل أتعاب المحاماة. وقد أعلن الطعن إلى المطعون عليه في 25 من يونيه سنة 1957, وإلى وزارة الشئون البلدية والقروية في 23 من يونيه سنة 1957, وعين لنظر الدعوى جلسة 25 من أكتوبر سنة 1958, وفيها سمعت المحكمة الإيضاحات على الوجه المبين بالمحضر, ثم أرجأت النطق بالحكم لجلسة اليوم, ورخصت في تقديم مذكرات خلال عشرة أيام.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
( أ ) عن الدفع بعدم قبول الطعن لرفعه بعد الميعاد:
من حيث إن المطعون عليه دفع بعدم قبول الطعن شكلاً لرفعه بعد الميعاد بمقولة إن الحكم المطعون فيه صدر في 2 من مارس سنة 1957, وقدم الطعن في 4 من مايو سنة 1957 بعد انقضاء الستين يوماً المحددة لتقديمه.
ومن حيث إن ميعاد الستين يوماً كان ينتهي في أول مايو سنة 1957, إلا أن اليوم الأخير صادف عطلة رسمية لمناسبة عيد الفطر من يوم الثلاثاء من 30 من أبريل سنة 1957 حتى يوم الجمعة 3 من مايو سنة 1957. ولما كانت المادة 23 من قانون المرافعات المدنية والتجارية تنص على أنه "إذا صادف آخر الميعاد عطلة رسمية امتد إلى أول يوم عمل بعدها", وكان الطعن الحالي قد رفع بإيداع صحيفته سكرتيرية المحكمة في 4 من مايو سنة 1957 فإنه يكون مرفوعاً في الميعاد القانوني.
ومن حيث إن الطعن استوفي أوضاعه الشكلية.
ب) عن الموضوع:
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة, حسبما يبين من أوراق الطعن, تتحصل في أن المطعون عليه أقام الدعوى رقم 414 لسنة 2 القضائية على وزارة الشئون البلدية والقروية أمام المحكمة الإدارية لوزارات الصحة والشئون البلدية والقروية والأوقاف بعريضة أودعها سكرتيرية المحكمة في 4 من يوليه سنة 1955 طلب فيها الحكم بإلغاء قرار وزارة الشئون البلدية والقروية رقم 10 لسنة 1955 الصادر في 2 من مايو سنة 1955 بإلغاء ترقيته إلى الدرجة الرابعة وما يترتب على ذلك من آثار مع إلزام الحكومة المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وأورد بياناً لدعواه في عريضتها وفي مذكراته أنه في 30 من ديسمبر سنة 1953 قدم طلباً لاعتزال الخدمة طبقاً لقرارات مجلس الوزراء الصادر في ديسمبر سنة 1953. وفي 7 من يناير سنة 1954 وافق مجلس الوزراء على طلب الاعتزال وأبلغ إليه هذا القرار في 4 من فبراير سنة 1954؛ إذ ظل مستمراً في عمله إلى هذا التاريخ. وقد لاحظ عند قبضه مرتبه بعد اعتزاله الخدمة أنه مقيد في الدرجة الخامسة مع أنه كان قد رقى إلى الدرجة الرابعة بقراري لجنة شئون الموظفين في 26 و27 من ديسمبر سنة 1953 المعتمدين من الوكيل الدائم للوزارة في 19 من يناير سنة 1954 أثناء قيامه بعمله, وقبل أن يبلغ بقرار الموافقة على طلب اعتزال الخدمة. فبادر إلى تقديم طلب لتسوية حالته على أساس الترقية سالفة الذكر. وفي 30 من مايو سنة 1955 تلقى كتاباً من مفتش مباني الجيزة والفيوم يبلغه فيه بأن الوزارات أصدرت القرار رقم 10 لسنة 1955 في 2 من مايو سنة 1955 بإلغاء القرار رقم 6131 لسنة 1953 الصادر في 5 من أبريل سنة 1954 فيما تضمنه من ترقية إلى الدرجة الرابعة، فقدم تظلماً إلى الوزير في أول يونيه سنة 1955 طالباً إلغاء قرار سحب الترقية المشار إليها. وفي 4 من يوليه سنة 1955 تلقى رد الوزارة برفض تظلمه, وأضاف أن قرار 2 من مايو سنة 1955 بإلغاء ترقيته إلى الدرجة الرابعة جاء مخالفاً للقانون؛ لأنه منح تلك الدرجة طبقاً لدوره في الأقدمية ووفقاً لإجراءات صحيحة تمت أثناء وجوده في الخدمة وقبل أن يبلغ بقرار مجلس الوزراء بالموافقة على اعتزاله الخدمة, وقد أيدته شعبة الأشغال العامة في موقفه من الوزارة المدعى عليها؛ ولأن قرار الترقية قد اكتسب حصانة تمنع من الإلغاء أو السحب بانقضاء الستين يوماً من تاريخ اعتماده في 19 من يناير سنة 1954.
ومن حيث إن الوزارة المدعى عليها ردت على الدعوى بكتابها المؤرخ 9 من أغسطس سنة 1955, فقالت إن المدعي عين بالخدمة اعتباراً من 30 من مايو سنة 1918, وتدرج في الوظائف الحكومية إلى أن رقى للدرجة الخامسة اعتباراً من أول سبتمبر سنة 1950, وبمناسبة قرار مجلس الوزراء الصادر في 4 من نوفمبر سنة 1953 بضم مدة خدمة لا تجاوز السنتين من أداء الفرق بين المرتب والمعاش مشاهرة لموظفي الدرجة الثانية فأعلى الذين يقدمون طلبات خلال ستين يوماً باعتزال الخدمة متى أجاز المجلس ذلك, وأن هذا المبدأ يطبق بمقتضى القرار الصادر من المجلس في 9 من ديسمبر سنة 1953 على موظفي الدرجة الثالثة فما دونها. وقد تقدم المدعي بطلب لاعتزال الخدمة في 30 من ديسمبر سنة 1953, فوافق مجلس الوزراء على طلبه في 7 من يناير سنة 1954, وأحيل فعلاً إلى المعاش اعتباراً من 5 من فبراير سنة 1954 بموجب قرار وزارة الأشغال العمومية رقم 1202/ 3 الصادر في 20 من أبريل سنة 1954. وقبيل تقديمه طلب اعتزاله الخدمة كانت لجنة شئون الموظفين بالمصلحة قد وافقت بجلستها في 26 و27 من ديسمبر سنة 1953 على ترقيته للدرجة الرابعة في نسبة الأقدمية, وقد اعتمد الوكيل الدائم هذه الترقية بتاريخ 19 من يناير سنة 1954 وصدر القرار الوزاري رقم 1131/ 53 بترقيته إلى الدرجة الرابعة اعتباراً من 19 من يناير سنة 1954, وعندما أحيل إلى المعاش في 5 من فبراير سنة 1954 طالب باستحقاقه لعلاوة الترقية من أول فبراير سنة 1954, وبالاستعلام من ديوان الموظفين أفتى بكتابه رقم 163/ 1/ 3 في 15 من نوفمبر سنة 1954 بأن مجلس الوزراء قرر إحالة هذا الموظف إلى المعاش بجلسته المنعقدة في 7 من يناير سنة 1954, وقد أصبح القرار نافذاً من تاريخ صدوره وترتب عليه أثره وهو انتهاء الخدمة فلم تصادف الترقية الصادرة في 19 من يناير سنة 1954 محلاً لها مما يتعين معه رفض الطلب المقدم منه واعتبار 7 من يناير سنة 1954 هو تاريخ انتهاء الخدمة قانوناً, وأما استحقاق الراتب حتى تاريخ التبليغ فلا يؤثر في اعتبار الخدمة منتهية؛ إذ هو حكم خاص محدود في خصوصيته, إلا أن شعبة الأشغال العامة أفتت بجلستها المنعقدة في 17 من مارس سنة 1954 بأن هذه الترقية قد صادفت محلاً ما دامت العلاقة الوظيفية قد ظلت مستمرة حتى تاريخ إبلاغه القرار الصادر من مجلس الوزراء بالموافقة على طلبه اعتزال الخدمة. وللخلاف في الرأي بين ديوان الموظفين وشعبة الأشغال العامة في هذا الموضوع اقترح الديوان بكتابه رقم 163/ 1/ 3 في 24 من مارس سنة 1955 استفتاء قسم الرأي مجتمعاً, وفي 21 من أبريل سنة 1955 أشر وكيل الوزارة بألا محل للترقية بعد صدور قرار مجلس الوزراء, فصدر القرار رقم 10/ 1955 بإلغاء ترقية المدعي, ثم خلصت الوزارة من ذلك إلى ما يأتي: أولاً - إن مجلس الوزراء وافق على طلب اعتزال الخدمة في 7 من يناير سنة 1954 وأخطر به المدعي في 23 من يناير سنة 1954 وظل في العمل لإخلاء طرفه حتى يوم 4 من فبراير سنة 1954 وأحيل إلى المعاش من 5 من فبراير سنة 1954 مع ضم سنتين من أول يناير سنة 1954 وفقاً للشروط التي قررها مجلس الوزراء في 25 من نوفمبر سنة 1953. ثانياً - إن القرار الصادر بترقية المدعي لم يكتسب حصانة بل دارت مكاتبات بشأنه بين وزارة الإشغال وديوان الموظفين بصدد قانونيته إلى أن انتهى الرأي بسحبه وإلغاء الترقية في الميعاد القانوني. ثالثاً - إن قرار مجلس الوزراء الصادر في 25 من نوفمبر سنة 1953 يقضي بأن يكون منح الفرق مشاهرة عن المدة المضمونة على أساس المرتب مضافاً إليه إعانة الغلاء مع عدم إدخال العلاوات التي تستحق أثناء المدة المضافة في حساب المعاش، فإذا اعتبرت الترقية الصادر بها قرار 19 من يناير سنة 1954 قائمة لها وجود فيستحق علاوة الترقية من أول فبراير سنة 1954, أي بعد أول يناير سنة 1954, الأمر المخالف لنص قرار مجلس الوزراء المشار إليه من عدم إدخال العلاوات التي تستحق أثناء المدة المضافة, وأضافت أن نص المادة 110 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة تقضي بانتهاء خدمة الموظف بالقرار الصادر بقبول الاستقالة, وانتهت في دفاعها إلى طلب الحكم برفض الدعوى.
ومن حيث إن المحكمة الإدارية لوزارات الصحة والشئون البلدية والقروية والأوقاف قضت بجلسة 2 من مارس سنة 1957 بإلغاء القرار رقم 10/ 1955 الصادر في 21 من مايو سنة 1955 فيما تضمنه من إلغاء ترقية المدعي إلى الدرجة الرابعة وما يترتب على ذلك من آثار, وألزمت المدعى عليها بالمصروفات والأتعاب, مؤيدة في ذلك ما انتهى إليه رأي مفوض الدولة أمامها في تقريره الثاني الذي ذهب فيه إلى أن قرار الترقية صدر صحيحاً مستكملاً أوضاعه القانونية؛ ومن ثم يكون القرار القاضي بسحبه وإلغاء ترقية المدعي على غير أساس قانوني. وقالت المحكمة الإدارية إن مجلس الوزراء وافق على مذكرة وزارة الأشغال من حيث المبدأ إعمالاً للسلطة المخولة له في قراري 4 من نوفمبر و9 من ديسمبر سنة 1953 على أن تتم إجراءات اعتزال المدعي للخدمة بوساطة السلطات المختصة, أي أن إنهاء مدة خدمة المدعي في الحكومة لا تتم إلا بقرار وزاري من الوزير المختص أو من ينوب عنه وفقاً لأحكام القانون, وقد ظل المدعي قائماً بأعباء وظيفته حتى بعد إبلاغه قرار مجلس الوزراء إلى يوم 5 من فبراير سنة 1954 تاريخ إحالته إلى المعاش بقرار أقرت فيه الوزارة بأنه موظف بالدرجة الرابعة؛ وبذلك تكون علاقته الوظيفية قائمة ومستمرة إلى ذلك التاريخ.
ومن حيث إن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة طعن في هذا الحكم بعريضة أودعها سكرتيرية هذه المحكمة في 4 من مايو سنة 1957 طلب فيها الحكم بقبول الطعن شكلاً, وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء برفض الدعوى وإلزام رافعها بالمصروفات, واستند في أسباب طعنه إلى أن المادة 110 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة تنص على أن للموظف أن يستقيل من الوظيفة وتكون الاستقالة مكتوبة وخالية من أي قيد أو شرط, ولا تنتهي خدمة الموظف إلا بالقرار الصادر بقبول الاستقالة, وقال إن هذه المادة قد عينت التاريخ الذي تنتهي فيه خدمة الموظف المستقيل بمجرد قبول الاستقالة من يملك ذلك, وبالتالي يكون القرار الصادر بترقية المدعي إذ جاء لاحقاً للقرار الصادر من مجلس الوزراء بقبول استقالته قد وقع على غير محل مما يخول الإدارة الحق في سحبه نزولاً على أحكام القانون؛ ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه قد خالف القانون.
ومن حيث إنه يخلص مما تقدم أن مثار النزاع ينحصر في نقطتين: (الأولى) تكييف ماهية الطلب المقدم من المدعي في 30 من ديسمبر سنة 1953 لاعتزال الخدمة طبقاً لقرارات مجلس الوزراء الصادرة في 4 و25 من نوفمبر سنة 1953 و9 من ديسمبر سنة 1953 بتيسير خروج الموظفين من الخدمة وتسوية معاشهم على هذا الأساس. و(الثانية) تاريخ انتهاء خدمة الموظف المشار إليه وهل تعتبر من تاريخ موافقة مجلس الوزراء على قبول الاستقالة, أو من تاريخ صدور القرار من الوزير المختص بإبلاغ الموظف موافقة مجلس الوزراء أو من تاريخ إبلاغ الموظف وعلمه بالموافقة.
ومن حيث إنه عن النقطة الأولى فقد سبق لهذه المحكمة أن قضت بأن مثل هذا الطلب لا يعتبر طلباً باعتزال الخدمة بطريق الاستقالة العادية بالمعنى وبالشروط والقيود المبينة في المادة 110 وما بعدها من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة, بل هو اعتزال للخدمة من نوع خاص على مقتضى قرارات مجلس الوزراء المشار إليها, ولو أنه يتلاقى مع الاستقالة العادية في أن الموضوع في كل منهما يثار بطلب من جانب صاحب الشأن وتنقطع رابطة التوظف بالقرار الإداري الصادر بقبوله من الجهة المختصة، إلا أن اعتزال الخدمة هذا يتميز عن الاستقالة العادية بأحكام وأوضاع خاصة هي المشار إليها في القرارات سالفة الذكر فتتخصص صفته وطبيعته وآثاره بالأحكام والأوضاع الخاصة به.
ومن حيث إنه عن النقطة الثانية فإن مجلس الوزراء أصدر في 4 من نوفمبر سنة 1953 قراراً يقضي بضم مدة خدمة لا تجاوز السنتين مع أداء الفرق بين المرتب والمعاش مشاهرة لموظفي الدرجة الثانية فأعلى الذين يقدمون طلباً خلال ستين يوماً باعتزال الخدمة متى أجاز المجلس ذلك, وكشف في القرار ذاته عن المصلحة العامة التي تغياها من إصداره - وهي الرغبة في إفساح مجال الترقي أمام العناصر الممتازة وخريجي الجامعات والمعاهد العالية -، وفي 25 من نوفمبر سنة 1953 أصدر قراراً مكملاً للأول بالموافقة على منح الموظفين المشار إليهم الفرق مشاهرة عن المدة المضافة على أساس المرتب مضافاً إليه إعانة الغلاء وبين المعاش مضافاً إليه إعانة الغلاء خلال تلك المدة مع عدم إدخال العلاوات التي تستحق أثناء المدة المضافة في حساب المعاش. وفي 9 من ديسمبر سنة 1953 صدر قرار من مجلس الوزراء بسريان القرارين المشار إليهما على موظفي الدرجة الثالثة فما دونها. وظاهر مما تقدم أن نصوص القرارات المذكورة صريحة بأن مجلس الوزراء هو السلطة التي تملك التصرف في طلب اعتزال الخدمة سواء بالقبول أو الرفض على خلاف التصرف في طلب الاستقالة العادية؛ فالوزير المختص أو رئيس المصلحة بحسب الأحوال هو الذي يملك ذلك؛ ومن ثم فإن رابطة التوظف تنتهي بصدور قرار مجلس الوزراء بالموافقة على طلب اعتزال الخدمة, وليس بقرار الوزير الذي يصدر تنفيذاً لقرار مجلس الوزراء المذكور. وبناء على ذلك فلا وجه لما يتحدى به المدعي من أن قرار ترقيته صدر سليماً بمقولة إن رابطة التوظف تظل قائمة حتى 5 من فبراير سنة 1954, وهو اليوم التالي لإبلاغه قرار مجلس الوزراء بالموافقة على اعتزاله الخدمة وفقاً للمادتين 111 و115 من القانون رقم 210 لسنة 1951 اللتين تقضيان بأنه يجب على الموظف أن يستمر في عمله إلى أن يبلغ قرار قبول الاستقالة, وفي حالة انتهاء الخدمة بقرار من مجلس الوزراء يستحق الموظف مرتبه إلى اليوم الذي يبلغ فيه القرار؛ ذلك أن العلاقة الوظيفية بين الحكومة والموظف إنما تنفصم عراها متى قام سبب من أسباب انتهاء الخدمة التي عددتها المادة 107 من القانون المشار إليه, وهو في هذه حالتنا القرار الصادر من مجلس الوزراء بالموافقة على اعتزال الخدمة. أما استمرار الموظف في القيام بأعمال وظيفته, سواء بالتطبيق للمادة 111 أو بالتطبيق للمادة 114 فلا يغير من الأمر شيئاً؛ ذلك أن الخدمة تعتبر منتهية بتحقق سببها طبقاً للمادة 107، وإنما يعتبر الأجر الذي يستحقه الموظف إذا استمر في عمله مؤقتاً بعد ذلك كمكافأة نظير العمل الذي يقوم به بعد انتهاء مدة الخدمة.
ومن حيث إنه يخلص من كل ما تقدم أن المطعون عليه قد انتهت مدة خدمته بالقرار الصادر من مجلس الوزراء في 7 من يناير سنة 1954 بالموافقة على اعتزاله الخدمة, فيكون القرار الصادر بترقيته بعد ذلك في 19 من يناير سنة 1954 معدوماً؛ إذ لم يصادف محلاً يقبله ويقع عليه، بعد إذ لم يعد المدعي موظفاً قابلاً للترقية؛ ومن ثم يتعين الحكم بإلغاء الحكم المطعون, وبرفض دعوى المدعي, وإلزامه مصروفاتها.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً, وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه, وبرفض الدعوى, وألزمت المدعي بالمصروفات.