مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الرابعة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1958 إلى أخر يناير سنة 1959) - صـ 303

(24)
جلسة 6 من ديسمبر سنة 1958

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني وحسن أبو علم ومحيى الدين حسن وعلي إبراهيم بغدادي المستشارين.

القضية رقم 892 لسنة 3 القضائية

محاكمة تأديبية - المادة 86 مكرراً من القانون رقم 210 لسنة 1951 قبل تعديلها بالقانون رقم 73 لسنة 1957 - المناط في تعيين مجلس التأديب المختص طبقاً لأحكامها هو محل وقوع الجريمة - اختصاص المجلس التأديبي الخاص بالوزارة التي كان يتبعها الموظف عند وقوع الجريمة ولو كان تابعاً عند المحاكمة لوزارة أخرى - عدم انطباق هذه القاعدة إذا كانت الوزارة التي يتبعها الموظف عند المحاكمة قد حلت محل الوزارة الأولى في القيام على المرفق الذي وقعت في شأنه الجريمة التأديبية - مثال.
إن المادة 86 مكرراً من القانون رقم 210 لسنة 1951 قبل تعديلها بالقرار بقانون رقم 73 لسنة 1957 كانت تنص على أن "تكون محاكمة الموظف أو الموظفين المتهمين بارتكاب جريمة واحدة أو جرائم مرتبطة ببعضها أمام مجلس التأديب الخاص بالوزارة التي وقعت فيها الجريمة أو الجرائم المذكورة ولو كانوا تابعين عند المحاكمة لوزارات أخرى, فإذا تعذر تعيين الوزارة على الوجه السابق تكون المحاكمة أمام مجلس التأديب الخاص بالوزارة التي يتبعها العدد الأكبر من الموظفين, فإذا تساوى العدد عين رئيس مجلس الوزراء مجلس التأديب المختص, ويكون مجلس التأديب الاستئنافي في هذه الحالة هو المجلس المختص بنظر الطعن في قرارات المجلس الذي تولى المحاكمة". ومفاد ذلك أن المناط في تعيين مجلس التأديب المختص هو بمحل وقوع الجريمة التي يحاكم الموظف من أجلها, أي أن المجلس التأديبي المختص بمحاكمة الموظف هو المجلس التأديبي الخاص بالوزارة التي كان يتبعها الموظف عند وقوع الجريمة ولو كان تابعاً عند المحاكمة لوزارة أخرى, ولا يصدق هذا القول بطبيعة الحال إلا إذا كانت الوزارة التي يتبعها الموظف عند وقوع الجريمة والوزارة التي يتبعها عند المحاكمة كلتاهما منفصلة عن الأخرى, ولم تحل إحداهما قانوناً محل الأخرى في القيام على المرفق العام الذي وقعت في شأنه الجريمة التأديبية, أما إذا كانت الوزارة التي يتبعها الموظف عند المحاكمة قد حلت محل الوزارة الأولى في القيام على هذا المرفق, فيكون مجلس تأديب الوزارة التي يتبعها الموظف أخيراً هو المختص؛ نتيجة حلول تلك الوزارة محل الوزارة الأخرى في اختصاصاتها في هذا الشأن. وترتيباً على ما تقدم فإنه ولئن كانت الجريمة المنسوبة إلى المدعي قد وقعت في وقت كان فيه موظفاً بمجلس مديرية المنوفية التابع لوزارة الداخلية وكان يقوم هذا المجلس على مرفق التعليم الذي وقعت في شأنه الجريمة التأديبية, إلا أنه لما كان نقل المدعي بعد ذلك إلى وزارة التربية والتعليم إنما يرجع إلى حلول تلك الوزارة محل مجلس مديرية المنوفية في القيام على مرفق التعليم تنفيذاً للقانون رقم 108 لسنة 1950 الذي نقل اختصاص مجالس المديريات بشئون التعليم إلى وزارة التربية والتعليم, فإن مجلس التأديب الخاص بموظفي وزارة التربية والتعليم أصبح بحكم القانون هو المختص بمحاكمة المدعي نتيجة لحلول وزارة التربية والتعليم محل مجلس مديرية المنوفية التابع لوزارة الداخلية في هذا الشأن.


إجراءات الطعن

في 18 من يوليه سنة 1957 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة طعناً في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لوزارة التربية والتعليم بجلسة 21 من مايو سنة 1957 في الدعوى رقم 125 لسنة 3 ق المرفوعة من عبد الوهاب أحمد هاشم ضد وزارة التربية والتعليم, القاضي "بإلغاء القرار الصادر بتاريخ 5 من يوليه سنة 1954 من مجلس التأديب الاستئنافي لموظفي الوزارة فيما تضمنه من تأييد قرار مجلس التأديب الابتدائي لموظفي وزارة المعارف الصادر في 14 من مايو سنة 1953, مع ما يترتب على ذلك من آثار, وإلزام الوزارة بالمصروفات". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين - للأسباب التي استند إليها في صحيفة الطعن - الحكم "بقبول الطعن شكلاً, وفي الموضوع أولاً - وأصلياً: بإلغاء الحكم المطعون فيه, والقضاء برفض دعوى المدعي مع إلزامه بالمصروفات, ثانياً - واحتياطياً: بتعديل الحكم المطعون فيه, والقضاء بإلغاء قرار مجلس تأديب وزارة التربية والتعليم الصادر في 14 من مايو سنة 1953 بخصم شهر من راتب المدعي, وتأييد الحكم فيما عدا ذلك, مع إلزام الحكومة بالمصروفات". وقد أعلن الطعن للحكومة في 7 من ديسمبر سنة 1957, وللمدعي في 21 منه, وعين لنظره جلسة 8 من نوفمبر سنة 1958، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات, ثم أرجأت النطق بالحكم لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من الأوراق - تتحصل في أنه بصحيفة أودعت سكرتيرية محكمة القضاء الإداري في 30 من نوفمبر سنة 1954 أقام المدعي الدعوى رقم 547 لسنة 9 ق ضد وزارة المعارف, طالباً الحكم بإلغاء القرار الصادر من مجلس التأديبي الاستئنافي لموظفي وزارة المعارف في 5 من يوليه سنة 1954 بجميع أجزائه واعتباره كأن لم يكن مع إلزام الوزارة بالمصروفات. وقال في بيان ذلك إنه في أواخر سنة 1950 طلب مجلس مديرية المنوفية استئجار مكان جديد لمدرسة بناء منشاة صبري التي كانت تابعة لهذا المجلس قبل انتقال تبعيتها لوزارة المعارف, وقد تشكلت لجنة من مدير التعليم بمجلس المديرية ومن المدعي بصفته مهندساً لهذا المجلس ومن طبيب وزارة المعارف بالمنطقة ومأمور المركز وعمدة الناحية لمعاينة الأمكنة المعروضة من أصحابها لهذا الغرض. وفي 16 من نوفمبر سنة 1950 انتقلت اللجنة بكامل هيئتها إلى ناحية منشأة صبري وعاينت عدة أماكن ومنها المكان المعروض من المهندس عبد العزيز إبراهيم خليل, والذي استقر رأي اللجنة على أنه أصلح الأمكنة المعروضة من حيث الموقع والمساحة والأجرة المطلوبة. وتحرر بذلك محضر معاينة تضمن وصفاً شاملاً للمكان المقترح تأجيره ورأي اللجنة في شأنه, ووقع على هذا المحضر جميع أعضاء اللجنة بغير استثناء, ثم رفع إلى الجهات المختصة للتصرف. وما أن علم أصحاب المكان الذي كانت تشغله المدرسة بما استقر عليه رأي اللجنة حتى سارعوا إلى تقديم عدة شكاوي إلى وزارة الداخلية التي كان يتبعها مجلس المديرية ضد المدعي وباقي أعضاء اللجنة, زعموا فيها أن المكان المقترح لا يصلح للمدرسة, وأن ما جاء بمحضر المعاينة لا يطابق الواقع, وأن اختيار اللجنة لهذا المكان كان مجاملة منها لمالكه بوصفه زميلاً للمدعى في المهنة. وقد أجرت وزارة الداخلية تحقيقاً في تلك الشكاوى مع المدعي وطبيب المنطقة, وانتهى التحقيق باتهامهما بإحداث تزوير في محضر المعاينة سالفة الذكر, بأن دون الأول به مواصفات غير مطابقة للحقيقة ومغايرة للواقع مجاملة منه لصاحب المبنى, ووقع عليه الثاني مع علمه بأن البيانات المدونة به كاذبة ومغايرة للواقع, وفي تلك الأثناء أنشأت وزارة المعارف منطقة التعليم بمديرية المنوفية وانتقلت إليها اختصاصات إدارة التعليم بمجلس المديرية, كما نقل إليها موظفو هذه الإدارة ومن بينهم المدعي, وأصبحوا بذلك تابعين مباشرة لوزارة المعارف بدلاً من وزارة الداخلية, وترتب على ذلك إحالة أوراق التحقيق إلى وزارة المعارف للتصرف. وفي 8 من يونيه سنة 1952 صدر القرار الوزاري رقم 10762 بإحالة المدعي إلى مجلس التأديب الابتدائي لموظفي الوزارة لمحاكمتهما على التهمة المنسوبة إليهما, وفي 14 من مايو سنة 1953 أصدر المجلس قراره بمعاقبة المدعي بخصم شهر من راتبه, والطبيب بخصم خمسة أيام من راتبه, استناداً إلى أنه وإن كان التغيير الحاصل في المحضر لا يرقى إلى مرتبة التزوير لعدم توافر أركانه القانونية, إلا أنه يعتبر تقصيراً من الناحية الإدارية لعدم اتباع واجبات الوظيفة, والبعد عن الكذب وتغيير الحقائق في المحررات الرسمية مهما كانت المبررات والبواعث الملجئة لذلك. وقد استأنف المدعي هذا القرار أمام مجلس التأديب الاستئنافي لوزارة المعارف, وعين لنظره جلسة 5 من يوليه سنة 1954, وفيها أصدر المجلس قراره بتأييد القرار الابتدائي. وينعي المدعي على ذلك القرار مخالفته للقانون وبطلانه بطلاناً مطلقاً لصدوره من جهة غير مختصة بإصداره, ذلك أن ما نسب إلى المدعي قد وقع - بفرض صحته - وقت أن كان مهندساً بمجلس مديرية المنوفية الذي كان تابعاً وقتذاك لوزارة الداخلية, أي عندما كان تابعاً لوزارة الداخلية وقبل نقله إلى وزارة المعارف, وكان الفعل المنسوب إليه متعلقاً بعمل من الأعمال الإدارية الخاصة بالوزارة التي كان تابعاً لها في ذلك الحين, وعملاً بحكم المادة 86 من قانون موظفي الدولة كان يتعين محاكمته أمام المجلس التأديبي الخاص بموظفي وزارة الداخلية التي كان تابعاً لها وقت وقوع الفعل المنسوب إليه, حتى ولو كان تابعاً لوزارة المعارف وقت المحاكمة؛ إذ الاختصاص يتحدد بالوزارة التي وقعت فيها الجريمة لا الوزارة التي يتبعها الموظف وقت المحاكمة, هذا إلى أن المدعي لم يرتكب أي تقصير في أداء مأموريته على النحو الذي جاء بالقرار؛ وبيان ذلك أن العبارات التي ذكرها في محضر المعاينة المقول بحصول تغيير الحقيقة فيها تدل دلالة واضحة على هذه الحقيقة كما كانت تماماً بغير تحريف أو تغيير, ولا يقدح في ذلك تأويل هذه العبارات تأويلاً غير الذي كان يقصده المدعي, فقد أورد هذا في محضر المعاينة مواصفات المنزل المقترح تأجيره حسبما هي وأضحية في الرسم الهندسي الذي تقدم به صاحبه لا حسب الطبيعة الراهنة في حينه؛ مما يدل على قصده الحقيقي وأنه لم يقصد على الإطلاق تصوير الأشياء تصويراً خاطئاً؛ ومن ثم يكون القرار المطعون فيه قد جاء مخالفاً للقانون. وردت الوزارة على الدعوى بأن المدقق في نص المادة 86 يستبين له أمر آخر خلاف ما يقول به المدعي؛ إذ أن إدارة التعليم بمجلس المديرية قد انتقلت إلى وزارة التربية والتعليم بمن فيها من الموظفين وبميزانيتها, أي أنه يجب في مجال إعمال نص المادة 86 التفرقة بين نقل الموظف من وزارة إلى أخرى وبين نقل المصلحة بمن يتبعها من الموظفين وإلحاقها بوزارة أخرى, أي أن هناك فارقاً بين نقل الموظف نفسه وبمفرده حيث ينطبق النص وبين نقل مصلحة برمتها حيث لا ينطبق النص. ولما كان القانون رقم 108 لسنة 1950 قد نقل اختصاص مجالس المديريات بشئون التعليم إلى الوزارة, فإنه يكون قد نقل إلى الوزارة الاختصاص بشئون الموظفين وتكون بذلك هي المختصة بمحاكمة الموظفين المنقولين إليها تأديبياً عما يقع منهم من مخالفات؛ ومن ثم تكون محاكمة المدعي أمام مجلس التأديب لموظفي التربية والتعليم سليمة لا مطعن عليها. ثم قالت الوزارة إن المدعي يأخذ على القرار المطعون فيه نسبة التقصير إليه مدعياً أن العبارات التي أوردها بمحضر المعاينة إن هي إلا مواصفات المنزل المقترح تأجيره حسبما هي واضحة في الرسم الهندسي الذي تقوم به صاحبة لا حسب الطبيعة, وهنا يناقض المدعي نفسه بنفسه حيث ذكر بعريضة دعواه أنه انتقل مع اللجنة المشكلة لمعاينة الأمكنة, أي أنه استقى البيانات من واقع الطبيعة لا من الأوراق كما يقول, وإلا ما كانت تسمى معاينة, وخلصت الوزارة من ذلك إلى أن دعوى المدعي لا تقوم على أساس سليم من القانون. وقد أحيلت الدعوى بعد ذلك إلى المحكمة الإدارية لوزارة التربية والتعليم عملاً بأحكام المادة 73 من القانون رقم 165 لسنة 1955, وبجلسة 21 من مايو سنة 1957 حكمت المحكمة المذكورة "بإلغاء القرار الصادر بتاريخ 5 من يوليه سنة 1954 من مجلس التأديب الاستئنافي لموظفي الوزارة فيما تضمنه من تأييد قرار مجلس التأديب الابتدائي لموظفي وزارة المعارف الصادر في 14 من مايو سنة 1953, مع ما يترتب على ذلك من آثار, وألزمت الحكومة بالمصروفات". وأقامت المحكمة قضاءها على أنه يبين من الاطلاع على نص المادة 86 من قانون موظفي الدولة "أن هدف الشارع والحكمة التي تغياها هو أن الوزارة التي وقعت فيها الجريمة هي الجهة الأقدر من غيرها على تبيان ظروف الجريمة ووقائعها ومدى مخالفة الموظف لأصول وظيفته وتقدير الجزاء المناسب للجريمة, فالنص على النحو المشار إليه في صريح عبارته والحكمة منه لا يدع مجالاً للشك في أن العبرة بتحديد اختصاص مجلس التأديب هو بالوزارة التي حدثت فيها الجريمة, بصرف النظر عن تبعية الموظف وقت المحاكمة لوزارة أو لأخرى, وسواء أكانت هذه التبعية قد نشأت بناء على نقل الموظف بمفرده من وزارة لأخرى أو كأثر لنقل الإدارة التي يعمل بها من وزارة إلى أخرى, فإن النص يشمل الصورتين في إطلاقه وعموم لفظه, وإلا كان القول بغير ذلك تخصيصاً بغير مخصص وتقييداً لحكم النص, هذا بالإضافة إلى أن المدعي لم يكن في مجلس مديرية المنوفية موظفاً تابعاً لمرفق التعلم بالمجلس, بل كان يباشر اختصاصه في مجلس المديرية بصفته مهندساً يسند إليه من أعمال المجلس ما عسى أن يكون متصلاً بفئة", وأنه لما كانت "الجريمة التأديبية موضوع المحاكمة قد وقعت في مجلس مديرية المنوفية التابع لوزارة الداخلية فيكون مجلس التأديب المختص بهذه المحاكمة طبقاً للنص سالف الذكر هو مجلس التأديب الخاص بوزارة الداخلية، وتكون إحالة المدعي إلى المحاكمة التأديبية أمام مجلس التأديب الخاص بموظفي وزارة التربية والتعليم وما يتبعها من إجراءات قد صدرت على غير مقتضى النص؛ ومن ثم يكون القرار المطعون فيه قد صدر من جهة غير مختصة قانوناً بإصداره مما يتعين معه الحكم بإلغائه".
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن المادة 86 من القانون رقم 210 لسنة 1951 المضافة بالقانون رقم 94 لسنة 1953 تنص على أن "تكون محاكمة الموظف أو الموظفين المتهمين بارتكاب جريمة واحدة أو جرائم مرتبطة بعضها أمام مجلس التأديب الخاص بالوزارة التي وقعت فيها الجريمة أو الجرائم المذكورة، ولو كانوا تابعين عند المحاكمة لوزارات أخرى", والمقصود من هذا النص انعقاد الاختصاص في المحاكمة التأديبية لمجلس تأديب الوزارة التي وقعت فيها الجريمة؛ لأن هذه الوزارة أقدر على الإحاطة بظروف الجريمة وعناصرها وأكثر إدراكاً لمداها في مجال العمل وأثرها فيه, وهذا الحكم يتعين إنفاذه إذا ارتكب الموظف الجريمة في وزارة يعمل فيها بطريق الندب وظل ندبه قائماً أو ألغي قبل المحاكمة التأديبية, أو إذا ارتكب الموظف الجريمة في وزارة ثم نقل إلى وزارة أخرى, ففي جميع هذه الحالات ينعقد الاختصاص لمجلس تأديب الوزارة التي وقعت فيها الجريمة, أما إذا كانت الوزارة التي نقل منها الموظف قد حلت محلها في إدارة المرفق الذي وقعت فيه الجريمة الوزارة التي نقل إليها فعندئذ يصبح مجلس تأديب الوزارة التي نقل إليها الموظف هو المختص بمحاكمته تأديبياً, وترتيباً على ما تقدم يكون مجلس تأديب وزارة التربية والتعليم هو المختص بمحاكمة المدعي ابتدائياً واستئنافياً؛ لأن القانون رقم 108 لسنة 1950 أقام هذه الوزارة على مرفق التعليم بمجلس مديرية المنوفية, ولأن المدعي نقل من المجلس إلى الوزارة عملاً بهذا القانون, وبالتالي فإن هذه الحالة تخرج من نطاق تطبيق المادة 86 من القانون رقم 210 لسنة 1951, ويكون الحكم المطعون فيه قد خالف القانون. على أنه إذا أخذ بدفاع المدعي من أنه كان مهندساً للمجلس ولم يكن موظفاً بإدارة التعليم به وأن نقله إلى الوزارة قد تم باختياره وموافقته, فإنه بالتطبيق لحكم المادة 86 مكرراً من القانون رقم 210 لسنة 1951 تكون محاكمة المدعي من اختصاص مجلس تأديب وزارة الداخلية, ويتعين - والحالة هذه - القضاء بإلغاء قرار مجلس التأديب الابتدائي؛ ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه - إذ قصر قضاءه على إلغاء قرار مجلس التأديب الاستئنافي - يكون قد خالف القانون.
ومن حيث إن المادة 86 مكرراً من القانون رقم 210 لسنة 1951 قبل تعديلها بالقرار بقانون رقم 73 لسنة 1957 كانت تنص على أن "تكون محاكمة الموظف أو الموظفين المتهمين بارتكاب جريمة واحدة أو جرائم مرتبطة ببعضها أمام مجلس التأديب الخاص بالوزارة التي وقعت فيها الجريمة أو الجرائم المذكورة ولو كانوا تابعين عند المحاكمة لوزارات أخرى, فإذا تعذر تعيين الوزارة على الوجه السابق تكون المحاكمة أمام مجلس التأديب الخاص بالوزارة التي يتبعها العدد الأكبر من الموظفين، فإذا تساوى العدد عين رئيس مجلس الوزراء مجلس التأديب المختص, ويكون مجلس التأديب الاستئنافي في هذه الحالة هو المجلس المختص بنظر الطعن في قرارات المجلس الذي تولى المحاكمة". ومفاد ذلك أن المناط في تعيين مجلس التأديب المختص هو بمحل وقوع الجريمة التي يحاكم الموظف من أجلها, أي أن المجلس التأديبي المختص بمحاكمة الموظف هو المجلس التأديبي الخاص بالوزارة التي كان يتبعها الموظف عند وقوع الجريمة ولو كان تابعاً عند المحاكمة لوزارة أخرى, ولا يصدق هذا القول بطبيعة الحال إلا إذا كانت الوزارة التي يتبعها الموظف عند وقوع الجريمة والوزارة التي يتبعها عند المحاكمة منفصلة كل منهما عن الأخرى, ولم تحل إحداهما قانوناً محل الأخرى في القيام على المرفق العام الذي وقعت في شأنه الجريمة التأديبية, أما إذا كانت الوزارة التي يتبعها الموظف عند المحاكمة قد حلت محل الوزارة الأولى في القيام على هذا المرفق, فيكون مجلس تأديب الوزارة التي يتبعها الموظف أخيراً هو المختص نتيجة حلول تلك الوزارة محل الوزارة الأخرى في اختصاصاتها في هذا الشأن.
ومن حيث إنه ترتيباً على ما تقدم فإنه ولئن كانت الجريمة المنسوبة إلى المدعي قد وقعت في وقت كان فيه موظفاً بمجلس مديرية المنوفية التابع لوزارة الداخلية, وكان هذا المجلس يقوم على مرفق التعليم الذي وقعت في شأنه الجريمة التأديبية, إلا أنه لما كان نقل المدعي بعد ذلك إلى وزارة التربية والتعليم إنما يرجع إلى حلول تلك الوزارة محل مجلس مديرية المنوفية في القيام على مرفق التعليم تنفيذاً للقانون رقم 108 لسنة 1950 الذي نقل اختصاص مجالس المديريات بشئون التعليم إلى وزارة التربية والتعليم, فإن مجلس التأديب الخاص بموظفي وزارة التربية والتعليم أصبح بحكم القانون هو المختص بمحاكمة المدعي نتيجة لحلول وزارة التربية والتعليم محل مجلس مديرية المنوفية التابع لوزارة الداخلية في هذا الشأن.
ومن حيث إنه يبين من الأوراق أن مجلس مديرية المنوفية رغب في استئجار مكان جديد لمدرسة بنات منشأة صبري بدلاً من مكانها القديم, وفي 30 من أكتوبر سنة 1950 قدم السيد/ عبد العزيز إبراهيم خليل المهندس ببلدية شبين الكوم طلباً إلى رئيس مجلس مديرية المنوفية يعرض فيه منزلاً مملوكاً له بمنشأة صبري لتأجيره للمجلس لاستعماله مقراً للمدرسة الجديدة, وقرر أنه يشتمل على ثماني حجرات متسعة وصالتين كبيرتين وفناء وحديقة, وطلب معاينته وتقدير أجرته, فأشر المدعي على الطلب بكلمة معاينة. وفي 2 من نوفمبر سنة 1950 أشر بأنه بالمعاينة وجد أن المنزل صالح لأن يكون مدرسة, وفي 16 من نوفمبر سنة 1950 انتقلت لجنة الإيجارات المشكلة من مأمور المركز ومدير التعليم وطبيب المعارف بالمنطقة والمدعى وعمدة الناحية لمعاينة المبنى وحررت تقريراً بنتيجة معاينتها جاء به ما يأتي:".... ثم انتقلت اللجنة إلى المنزل المعروض من حضرة عبد العزيز إبراهيم خليل فوجدته يحتوي على تسع حجرات, 6 منها صالحة لأن تكون فصولاً دراسية, والثلاث الأخرى لسكن المدرسات والناظرة والمخزن وبه دورة مياه بها خمس مراحيض صحية وفناء متسع وحديقة بها أشجار وبه مضختان, وموصل إليه مياه البلدية, وذلك بحسب الرسم المقدم, وقد اتفقت اللجنة مع المالك على أن يقوم بتسليم المبنى تاماً بعد شهر من تاريخ الاعتماد نظير إيجار شهري قدره عشرة جنيهات مصرية شهرياً, وترى أن هذا الإيجار مناسب جداً نظراً لما يحتوي عليه من حجرات ومنافع ولأنه صالح في جملته لأن يكون مدرسة؛ لذلك توصي باعتماد محضرها". وقد وقع أعضاء لجنة الإيجارات - ومن بينهم المدعي - على هذا المحضر, وقد قدم وكيل مالك المكان الذي تشغله المدرسة شكوى إلى الوزارة تتحصل في أن المكان الذي تشغله المدرسة يفضل المكان المطلوب استئجاره من جميع النواحي بناء ومشتملات، فأحيلت الشكوى إلى إدارة التفتيش العام لوزارة الداخلية لبحث الموضوع, وقد تبين من معاينة مفتش الداخلية للمبنى المذكور أنه يحتوي على ست حجرات ثلاث منها متسعة وكاملة البناء وتامة البياض وثلاث أخرى واقعة في فناء المنزل للمواشي والدواجن ومخزن للحبوب وبه مرحاض وحمام, ولا يليق لأن يكون مدرسة إلا إذا حصلت فيه إصلاحات كثيرة بالهدم وبالبناء. وقد أجرى التحقيق مع المدعي في شأن إثباته في محضر لجنة الإيجارات بيانات تخالف الواقع وكان مما جاء بإجاباته في التحقيق ما يأتي: "طبيعي أن المالك بعد اعتماد الحضر سيقوم بتسليم المبنى تاماً أي صالحاً للاستعمال ولأن يكون مدرسة وعلى حسب الرسم المعمول بمعرفتي, وقد ذكر في المحضر أن بالمبنى دورة مياه صحية بها خمسة مراحيض وهي ليست موجودة إطلاقاً بالمبنى, وإنما المفروض أن يقوم المالك بإنشائها بعد اعتماد المحضر كما يقوم بعمل التعديلات والإصلاحات المطلوبة بعد الاعتماد أيضاً؛ إذ لا داعي لأن يقوم المالك بصرف مئات الجنيهات على مبناه قبل التأكد من الاعتماد". وسئل المدعي عما إذا كان قد أخذ تعهداً كتابياً من مالك المبنى لإعادة بناء الزرائب والمخازن الموجودة في ملكه لتصبح سكناً للمدرسات وفصولاً للمدرسة وهل وقع بإمضائه على الخريطة بأنه سيقوم بتسليم مبناه على أساسها, فرد بأنه "لم نتعود أخذ إقرارات كتابية من الملاك, وطبيعي لم نأخذ مثل هذا الإقرار من عبد العزيز خليل, كما أن الرسم هو الذي قدمه ورسمه لأنه مهندس". ثم سئل بأن "المفهوم من محضر لجنة الإيجارات والخريطة المرفقة به أنهما صورة حقيقية لمبنى عبد العزيز خليل بحالته الراهنة فنرجو أن ترشدونا في الأوراق عن أي عبارة أو تعهد أو شرح يمكن الوزارة والمسئولين فيها من إدراك أن محضر لجنة الإيجارات والخريطة إنما هما عن حالة المبنى بعد التعديل". فأجاب بأنه "بعد الاعتماد تتسلم المدرسة المبنى ثم تقوم بعمل محضر استلام حتى إذا وجد شناكل أو ترابيس أو مفصلات ناقصة للمبنى فتذكر عادة في محضر استلام المدرسة, ثم تقوم هندسة المجلس على أساس هذا المحضر بتكليف المالك بالقيام بتكملة الناقص من خردوات أو خلافه...". وأخيراً سئل المدعي بأن "هذه الإجراءات جميعها التي ذكرتها لا تغني عن وجوب إتمام عملية المعاينة سليمة ومطابقة للواقع ولا نزال نصر على أن ما قررته حضرتكم من صلاحية المبنى قبل انعقاد لجنة الإيجارات غير صحيح", فرد بأن "الإصلاحات والترميمات تتم بعد الاعتماد؛ إذ لا داعي لأن يقوم المالك بعمل الإصلاحات قبل الاعتماد". وقد سئل باقي أعضاء لجنة الإيجارات فقرروا بأنهم وقعوا المحضر بدون تمحيص اعتماداً على أمانة المدعي وهو مهندس ومختص أصلاً بالمعاينة وبدون أن ينتبهوا إلى عدم صحة ما دونه المهندس في المحضر. وقد قدم المدعي إلى مجلس التأديب الابتدائي لموظفي وزارة التربية والتعليم بتهمة أنه "ارتكب تزويراً بأن حرر - بصفته عضواً بلجنة الإيجارات التي انعقدت لمعاينة مبنى لتشغيله مدرسة بنات منشأة صبري - محضراً دون به مواصفات غير مطابقة للحقيقة ومغايرة للواقع مجاملة منه لصاحب هذا المبنى عبد العزيز إبراهيم خليل المهندس وزميله في المهنة". وقد قرر المجلس بجلسته المنعقدة في 14 من مايو سنة 1953 معاقبة المدعي بخصم شهر من مرتبه, واستند المجلس في قراره إلى أن المدعي "اعترف في التحقيقات بأنه حرر محضر المعاينة موضوع التهمة على خلاف الحقيقة بقصد مجاملة زميله في المهنة مالك المبنى, ولم يظهر من التحقيقات أنه كان يرمي من وراء ذلك إلى أي منفعة مادية أو يقصد الإضرار بالغير", وأنه "ثابت من الأوراق ومحاضر التحقيق أن محضر المعاينة موضوع التهمة هو الخطوة الأولى التي تتخذ عادة لتأجير الأمكنة التي يقع الاختيار عليها؛ إذ يتلوها حتماً خطوات أخرى لا بد من تنفيذها قبل حصول التعاقد, وعلى هذا الأساس فللوزارة الحق في أي وقت تشاء وقبل التعاقد أن ترفض التأجير, وفي ذلك كل الضمان لحماية الوزارة من العبث الذي يحصل من تقصير موظفيها", وأنه "إذ وضحت هذه الظروف والملابسات تكون تهمة التزوير في محضر المعاينة الموجهة إلى المتهم غير قائمة لعدم توافر أركانها, ولا يترتب على ذلك بطبيعة الحال إعفاء المتهم من التقصير من الناحية الإدارية لعدم اتباع واجبات الوظيفة والبعد عن الكذب وتغيير الحقائق في المحررات الحكومية مهما كانت المبررات والبواعث الملجئة إلى ذلك", وقد استأنف المدعي قرار المجلس سالف الذكر, وعرض الاستئناف على مجلس التأديب الاستئنافي لموظفي وزارة التربية والتعليم, فقرر بجلسته المنعقدة في 5 من يوليه سنة 1954 "قبول الاستئناف شكلاً, وفي الموضوع برفضه وتأييد القرار المستأنف" مؤيداً في ذلك مجلس التأديب الابتدائي للأسباب التي بنى عليها والتي أخذ بها المجلس المذكور.
ومن حيث إن هذه المحكمة سبق أن قضت بأن القرار التأديبي - شأنه شأن أي قرار إداري آخر - يجب أن يقوم على سبب يسوغ تدخل الإدارة لإحداث أثر قانوني في حق الموظف هو توقيع الجزاء للغاية التي استهدفها القانون - وهو الحرص على حسن سير العمل - ولا يكون ثمت سبب للقرار إلا إذا قامت حالة واقعية أو قانونية تسوغ التدخل, وللقضاء الإداري في حدود رقابته القانونية أن يراقب صحة قيام هذه الوقائع وصحة تكييفها القانوني, وهذه الرقابة القانونية لا تعني أن يحل القضاء الإداري نفسه محل السلطات التأديبية المختصة فيما هو متروك لتقديرها ووزنها, فيستأنف النظر بالموازنة والترجيح فيما يقوم لدى السلطات التأديبية المختصة من دلائل وبيانات وقرائن أحوال إثباتاً أو نفياً في خصوص قيام أو عدم قيام الحالة الواقعية أو القانونية التي تكون ركن السبب, بل إن هذه السلطات حرة في تقدير تلك الدلائل والبيانات وقرائن الأحوال, تأخذها دليلاً إذا اقتنعت بها وتطرحها إذا تطرق الشك إلى وجدانها, وإنما الرقابة التي للقضاء الإداري في ذلك تجد حدها الطبعي - كرقابة قانونية - في التحقق مما إذا كانت النتيجة التي انتهى إليها القرار التأديبي في هذا الخصوص مستفادة من أصول موجودة أو أثبتتها السلطات المذكورة وليس لها وجود, وما إذا كانت النتيجة مستخلصة استخلاصاً سائغاً من أصول تنتجها مادياً أو قانوناً, فإذا كانت منتزعة من غير أصول موجودة أو كانت مستخلصة من أصول لا تنتجها أو كان تكييف الوقائع على فرض وجودها مادياً لا ينتج النتيجة التي يتطلبها القانون, كان القرار فاقداً لركن من أركانه - وهو ركن السبب - ووقع مخالفاً للقانون, أما إذا كانت النتيجة مستخلصة استخلاصاً سائغاً من أصول تنتجها مادياً أو قانوناً فقد قام القرار على سببه وكان مطابقاً للقانون. وسبب القرار التأديبي بوجه عام - كما سبق لهذه المحكمة أن قضت به - هو إخلال الموظف بواجبات وظيفته أو إتيانه عملاً من الأعمال المحرمة عليه, فكل موظف يخالف الواجبات التي تنص عليها القوانين أو القواعد التنظيمية العامة أو أوامر الرؤساء في حدود القانون, أو يخرج على مقتضى الواجب في أعمال وظيفته, تلك التي يجب أن يقوم بها بنفسه إذا كان ذلك منوطاً به, وأن يؤديها بدقة وأمانة, إن هذا الموظف إنما يرتكب ذنباً إدارياً هو سبب القرار يسوغ تأديبه فتتجه إرادة الإدارة لإنشاء أثر قانوني في حقه هو توقيع جزاء عليه بحسب الشكل والأوضاع المقررة قانوناً وفي حدود النصاب المقرر.
ومن حيث إنه يبين مما سبق بيانه أن ما استخلصه القرار المطعون فيه من النتيجة التي انتهى إليها في إدانة المدعي هو استخلاص من أصول موجودة بطريقة سائغة؛ فمن ثم يكون القرار قائماً على سببه ومطابقاً للقانون, ويتعين من أجل ذلك إلغاء الحكم المطعون فيه ورفض الدعوى.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً, وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون وبرفض الدعوى, وألزمت المدعي بالمصروفات.