مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الرابعة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1958 إلى أخر يناير سنة 1959) - صـ 466

(38)
جلسة 27 من ديسمبر سنة 1958

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني وعلي إبراهيم بغدادي والدكتور محمود سعد الدين الشريف ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

القضية رقم 734 لسنة 3 القضائية

( أ ) موظف - الاحتفاظ للموظف على سبيل التذكار بدرجة في الميزانية تعلو على درجته - لا يكسبه مركزاً قانونياً فيها - الغرض من ذلك الإبقاء على درجة يمكن وضع الموظف فيها عند عودته - تضمن المادة 53 من القانون رقم 210 لسنة 1951 هذا الحكم.
(ب) تعيين - التعيين بوظائف هيئة التدريس بالكليات الجامعية - يعد تعييناً جديداً بصلاحية خاصة وليس مجرد ترقية من وظيفة مساعد مدرس - القانونان رقما 21 لسنة 1933 و149 لسنة 1950 - لا يتضمنان أحكاماً تلزم تعيين مساعد المدرس في وظيفة مدرس من تاريخ معين بعد حصوله على درجة الدكتوراه أو عودته من البعثة أو من الإجازة الدراسية - الأصل في هذا التعيين هو أفضلية المعين من حيث الكفاية - ليس القضاء الإداري سلطة التعقيب على القرار الذي تصدره الإدارة في هذا الشأن ما دام قد خلا من إساءة استعمال السلطة - مثال.
(ج) تعيين - المناط في تحديد بدء التعيين في وظائف هيئة التدريس بالكليات الجامعية في ظل القانون رقم 149 لسنة 1950 - هو تاريخ صدور قرار وزير التربية والتعليم بالموافقة على طلب مجلس الجامعة - إرجاع تعيين المدعي إلى تاريخ تسلمه العمل رغم عدم اشتمال الدعوى على طعن بالإلغاء في قرار صادر بالتعيين هو تعديل لقرار التعيين لا يدخل في ولاية القضاء الإداري.
1 - إن الاحتفاظ للموظف على سبيل التذكار بدرجة في الميزانية تعلو على درجته لا يكسبه فيها مركزاً قانونياً؛ إذ لا يعد تعييناً فيها ولا ترقية إليها؛ لكونه لا يتم بالأداة أو وفقاً للشروط اللازمة لذلك التعيين أو هذه الترقية, بل الغرض منه الإبقاء على درجة ما يمكن أن يوضع عليها عند عودته إلى أن تسوى حالته على الوظيفة التي تخلو من درجته. وقد نصت المادة 53 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة في فقرتها الأولى مصداقاً لذلك على أن "تحفظ على سبيل التذكار لأعضاء البعثات من الموظفين وللمجندين منهم وظائف بميزانيات الوزارة والمصالح المختلفة, ويجوز شغل هذه الوظائف بصفة مؤقتة على أن تخلى عند عودتهم".
2 - إن التعيين في وظائف هيئة التدريس بالكليات الجامعية يقوم على شروط واعتبارات خاصة, فضلاً عن وجوب الحصول على درجة الدكتوراه أو الإجازة العلمية المعادلة لها, وأن الإلحاق بهذه الوظائف يعد من هذه الوجهة تعييناً جديداً بصلاحية خاصة مقيدة بشروطها وليس مجرد ترقية من وظيفة مساعد مدرس, فيجوز أن يتناول مرشحين من الخارج أو من غير هذه الوظيفة ما دامت تتوافر فيهم شروط الصلاحية لهذا التعيين, كما لا يتعين أن يشمل من يشغل وظيفة مساعد مدرس متى أعوزته هذه الصلاحية مهما بلغت أقدميته في هذه الوظيفة. ولم يتضمن القانون رقم 21 لسنة 1933 بشروط توظف أعضاء هيئة التدريس بجامعة القاهرة وتأديبهم والقوانين المعدلة له ولا القانون رقم 149 لسنة 1950 بإعادة تنظيم جامعة القاهرة, أي إلزام على جهة الإدارة بأن تعين مساعد المدرس في وظيفة مدرس في تاريخ معين بعد حصوله على درجة الدكتوراه أو عودته من البعثة أو من الإجازة الدراسية؛ إذ أن اختيار الوقت المناسب للتعيين في الوظيفة العامة هو من الملاءمات التقديرية التي تترخص فيها الإدارة وفق مقتضيات المصلحة العامة وصالح العمل متى وجدت الوظيفة الخالية أولاً, والأصل في هذا التعيين هو أفضلية المعين من حيث الكفاية. وقد كانت المادة 22 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة, وقت إجراء الحركة موضوع النزاع وقبل تعديلها بالقرار بقانون رقم 73 لسنة 1957, تنص في صدرها على أنه "لا تمنح الدرجة المخصصة للوظيفة إلا لمن يقوم بعملها فعلاً..", وقد ترى الإدارة عند تقدير ملاءمة التعيين تفضيل من يقوم بأعباء العمل فعلاً على من كان خارج القطر ولم يعد إليه لأداء هذا العمل أو ليس في مقدوره ذلك عند الطلب, حتى لا يتعطل سير الدراسة. ومرد هذا إلى أن التعيين في وظائف هيئة التدريس هو مناسبة جديدة تقدرها الإدارة استقلالاً غير مقيدة بوجوب ترقية مدرسين مساعدين إلى تلك الوظائف, ما دامت ترى وجه المصلحة العامة في ذلك, وليس للقضاء الإداري سلطة التعقيب على القرار الذي تتخذه في هذا الشأن, ما دام قد خلا من إساءة استعمال السلطة. ولما كان الثابت من الأوراق أن الجامعة لم تنظر في تعيين المدعي في وظيفة مدرس "ب" إلى بعد عودته فعلاً من الخارج وتسلمه عمله في كلية الهندسة بعد أن حملها على مد بعثته بعد انتهاء مدتها التي كانت مقررة لها أصلاً, وتكرار دعوته إلى العودة دون جدوى, وعندئذ قدرت وجه الملاءمة في تعيينه فعينته قبل غيره في هذه الفترة. ومن ثم فليس في تصرفها على هذا النحو أية شائبة من إساءة استعمال السلطة, بل على العكس من ذلك قد أستهدت فيه بدواعي حسن سير العمل في الكلية والحرص على رعاية المصلحة العامة.
3 - إذا كان الثابت أن قرار مجلس الكلية بالموافقة على تعيين المدعي في وظيفة مدرس "ب" إنما صدر في 29 من سبتمبر سنة 1953, ووافق عليه مجلس الجامعة في 7 من أكتوبر سنة 1953, وصدق عليه وزير التربية والتعليم في 3 من نوفمبر سنة 1953, فإن هذا القرار هو الأداة التي أنشأت المركز القانوني في التعيين في تلك الوظيفة, ولا يملك القضاء الإداري تعديل هذا المركز بإرجاع التعيين إلى تاريخ تسلم العمل؛ لأن ذلك يكون تعديلاً للقرار يخرج عن حدود ولايته. وغني عن البيان أن هذا الوضع يختلف عما لو كان قد صدر في هذا التاريخ قرار بتعيين غير المدعي, وأقام هذا الأخير طعنه بالإلغاء فيه على أساس أنه كان أولى بالتعيين في التاريخ المذكور ممن شمله القرار؛ فتكون الدعوى عندئذ بمثابة طلب إلغاء جزئي للقرار إذ كان قد عين بعد ذلك بقرار تال. بيد أنه في خصوصية هذه الدعوى لم يصدر في أول أغسطس سنة 1953 أي قرار بالتعيين, وإنما قصدت المحكمة بحكمها المطعون فيه جعل بدء تعيين المدعي في وظيفة مدرس "ب" راجعاً إلى أول أغسطس سنة 1953, أي مقترناً ببدء تسلمه العمل عقب عودته من البعثة, وهو وضع لا ينطوي تحت أي معنى من معاني الإلغاء الكلي أو الجزئي, وإنما هو تعديل لقرار إداري, وهو ما لا يجوز. هذا إلى أن المادة 20 من القانون رقم 149 لسنة 1950 نصت في فقرتها الأولى على أن "يعين وزير المعارف العمومية الأساتذة وسائر أعضاء هيئة التدريس في الجامعة بناء على طلب مجلس الجامعة بعد أخذ رأي مجلس الكلية المختصة أو مجلس المعهد المستقل المختص". ومن ثم فإن الأصل في تحديد بدء التعيين في وظائف هيئة التدريس المعنية بهذه المادة في ظل نفاذ حكمها هو تاريخ صدور قرار وزير التربية والتعليم بالموافقة على طلب مجلس الجامعة بعد أخذ رأي مجلس الكلية المختصة أو مجلس المعهد المستقل المختص. وإذا كان قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 345 لسنة 1956 في شأن تنظيم الجامعات المصرية قد نص في الفقرة الثانية من المادة 41 منه على أنه "ويكون التعيين من تاريخ موافقة مجلس الجامعة", فإن الحكم المستحدث بهذا النص لم يكن قائماً وقت تعيين المدعي في وظيفة مدرس "ب", ولم ينص الشارع صراحة على سريانه بأثر رجعي.


إجراءات الطعن

في 11 من مايو سنة 1957 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 734 لسنة 3 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الهيئة الثالثة "أ") بجلسة 14 من مارس سنة 1957 في الدعوى رقم 10152 لسنة 8 القضائية المقامة من الدكتور علي عبد العزيز صبري ضد كل من: 1 - السيد وزير التربية والتعليم, و2 - السيد عميد كلية الهندسة بجامعة القاهرة, 3 - السيد مدير جامعة القاهرة, القاضي "باعتبار المدعي شاغلاً لوظيفة مدرس "ب" من أول أغسطس سنة 1953, مع ما يترتب على ذلك من آثار, ورفض باقي الطلبات, وألزمت الجامعة المصروفات المناسبة لما حكم به". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين - للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه - "قبول الطعن شكلاً, وفي الموضوع إلغاء الحكم المطعون فيه, والقضاء برفض الدعوى, وإلزام المدعي بالمصروفات". وقد أعلن هذا الطعن إلى السيد وزير التربية والتعليم في 13 من أكتوبر سنة 1957 وإلى كل من السيد عميد كلية الهندسة بجامعة القاهرة والسيد مدير جامعة القاهرة في 16 منه, وإلى المطعون عليه في 26 منه. وبعد أن انقضت المواعيد القانونية المقررة دون أن يقدم أي من الطرفين مذكرة بملاحظاته عين لنظر الطعن أمام هذه المحكمة جلسة 10 من مايو سنة 1958. وفي 18 من مارس سنة 1958 أبلغ الطرفان بميعاد هذه الجلسة, وفيها أجل نظر الطعن إلى 11 من أكتوبر سنة 1958, وبعد أن سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة قررت إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم. وقد أودع المطعون عليه مذكرة بملاحظاته مشفوعة بحافظة مستندات.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة, حسبما يبين من أوراق الطعن, تتحصل في أن المدعي أقام الدعوى رقم 10152 لسنة 8 القضائية ضد كل من: (1) السيد وزير التربية والتعليم, و(2) السيد عميد كلية الهندسة بجامعة القاهرة, و(3) السيد مدير جامعة القاهرة, أمام محكمة القضاء الإداري بعريضة أودعها سكرتيرية المحكمة في 7 من يوليه سنة 1954 قال فيها إنه حصل في شهر يوليه سنة 1941 على بكالوريوس الهندسة القسم المدني بدرجة امتياز, والتحق اعتباراً من 3 من يوليه سنة 1941 بوظيفة مهندس في الدرجة السادسة بمصلحة السكك الحديدية, وفي شهر يوليه سنة 1946 قرر مجلس الوزراء اختياره عضواً ببعثة دراسية في انجلترا, ثم نقل في 2 من نوفمبر سنة 1946 معيداً بكلية الهندسة بجامعة الإسكندرية. وفي أوائل سنة 1947 رشحته جامعة القاهرة لبعثة علميه وعملية في دراسة ميكانيكا التربة, واعتبر منقولاً إلى جامعة القاهرة منذ ذلك التاريخ. وفي 28 من فبراير سنة 1948 نفذت البعثة حيث حصل في 15 من يوليه سنة 1952 على درجة الدكتوراه بامتياز. وقد حفظت له الجامعة إحدى الدرجتين الخامستين التذكاريتين المخصصتين لمدرس "ب". ولما كانت ترقيته تسري أثناء البعثة فهو يستحق درجة أستاذ مساعد من تاريخ حصوله على الدكتوراه في 15 من يوليه سنة 1952. وحيث إن الجامعة رقته إلى درجة مدرس "ب" اعتباراً من 3 من نوفمبر سنة 1953 فإن هذه الترقية تقتضي تعديلاً, إذ يجب ترقيته إلى درجة أستاذ مساعد من 15 من يوليه سنة 1952 وهو تاريخ حصوله على الدكتوراه. وخلص المدعي من هذا إلى طلب "الحكم بإلغاء القرار الصادر في 3 من نوفمبر سنة 1952 بترقية الطالب مدرساً "ب" من تاريخ 3 من نوفمبر سنة 1952 وتعديله وجعل ترقية الطالب إلى أستاذ مساعد بالدرجة الثالثة من تاريخ 15 من يوليه سنة 1952, مع إلزام المقدم ضدهم متضامنين بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة, وحفظ حق الطالب في المطالبة بفرق المرتب والتعويض". وقد ردت كلية الهندسة بجامعة القاهرة على هذه الدعوى بأن المادة الثانية من القانون رقم 21 لسنة 1933 المعدل بالمرسوم رقم 97 لسنة 1935 بشروط توظف أعضاء هيئة التدريس بالجامعة وتأديبهم تنص على أنه يشترط فيمن يعين مدرساً أن يكون حاصلاً على درجة دكتور من الجامعة وفي الجراحة وجراحة طب الأسنان والصيدلة على درجة الماجستير أو أن يكون حاصلاً على درجة معادلة لها من جامعة أجنبية أو معهد علمي معترف بهما, كما أن المادة الثالثة من القانون عينه تنص على أنه يشترط فيمن يعين أستاذاً مساعداً أن يكون حاصلاً على درجة من الدرجات المذكورة في المادة السابقة, أن يكون قد شغل وظيفة مدرس أربع سنوات على الأقل في إحدى كليات الجامعة أو في معهد علمي من طبقتها, وأن يكون قضى في خدمة الحكومة ثماني سنوات أو مضت عشر سنوات على حصوله على درجة بكالوريوس أو ليسانس, ويجوز استثناء أن يعين مرشحون من غير المدرسين. وبناء على حكم المادة 20 من القانون رقم 149 لسنة 1950 الخاص بإعادة تنظيم الجامعة وعلى فتوى مجلس الدولة, رأى ديوان الموظفين أن يكون الأساس في التعيين في وظيفة مدرس "ب" هو تاريخ موافقة وزير التربية والتعليم, إلا إذا نص في قرار الوزير على غير ذلك. وقد أبدى قسم الرأي بمجلس الدولة أن قصد الشارع إذ اشترط في القانون رقم 21 لسنة 1933 قضاء مدة أربع سنوات في التدريس لإمكان الترقية إلى وظيفة أستاذ مساعد إنما هو الاشتغال الفعلي بالتدريس, ولا يغني عن ذلك أية مدة اعتبارية في تحقيق الغرض الذي استهدفه القانون, وهو توافر المران والخبرة فيمن يعين أستاذاً مساعداً. ولما كان المدعي قد حصل على درجة الدكتوراه من جامعة ألينوى بأمريكا في 15 من أكتوبر سنة 1952 وتسلم عمله بالكلية بعد عودته من البعثة من أول أغسطس سنة 1953, فقد وافق مجلس الكلية بجلسته المنعقدة في 29 من سبتمبر سنة 1953 على تعيينه في وظيفة مدرس "ب", كما وافق على هذا القرار مجلس الجامعة بجلسته المنعقدة في 7 من أكتوبر سنة 1953, ووافق وزير التربية والتعليم على تعيين المذكور في وظيفة مدرس "ب" اعتباراً من 3 من نوفمبر سنة 1953؛ ومن ثم فإنه يكون قد عومل معاملة تتفق والقانون؛ إذ أنه لم يشتغل بالتدريس الفعلي مدة أربع سنوات على الأقل. وقد أودع السيد مفوض الدولة أمام محكمة القضاء الإداري تقريراً مؤرخاً 31 من يناير سنة 1956 بالرأي القانوني مسبباً ذهب فيه إلى أن الدعوى غير مقبولة شكلاً لرفعها بعد الميعاد القانوني, ذلك أن المدعي لم يعامل مالياً باعتباره في درجة مدرس "ب" إلا منذ 3 من نوفمبر سنة 1953, وهو التاريخ الذي يبدأ منه علمه اليقيني بقرار تعيينه في هذه الوظيفة, وعلى الأكثر فإن تحقق هذا العلم قد تم اعتباراً من أول ديسمبر سنة 1953, تاريخ قبضه مرتبه على أساس الوظيفة الجديدة, ولما كان لم يرفع دعواه الحالية بطلب إلغاء قرار تعيينه في وظيفة مدرس "ب" إلا في 7 من يوليه سنة 1954, أي بعد أكثر من ثمانية أشهر من تاريخ علمه اليقيني بالقرار المطعون فيه, فإن الدعوى تكون غير مقبولة شكلاً لرفعها بعد الميعاد. وقال السيد المفوض في تقريره عن الموضوع إن الدعوى جديرة بالرفض مع إلزام رافعها بالمصروفات, لعدم قضاء المدعي مدة أربع سنوات في الاشتغال الفعلي بالتدريس حتى يتوافر له المران والخبرة طبقاً لما يتطلبه القانون لإمكان ترقيته إلى وظيفة أستاذ مساعد. وقد عقب المدعي على تقرير السيد مفوض الدولة بمذكرة احتفظ فيها بالحق في التدليل على أنه رفع دعواه في الميعاد, وذكر عن الموضوع أن ثمت مخالفة القانون البعثات في تخطيه في الترقية إلى الدرجة الخامسة في سنة 1948, وأن المادة الثانية من القانون رقم 21 لسنة 1933 المعدل بالمرسوم رقم 97 لسنة 1935 تجيز استثناء أن يعين مرشحون من غير المدرسين الذين أمضوا مدة في الخدمة في الحكومة تزيد على عشر سنوات, وأنه يطلب تطبيق هذه المادة على حالته أسوة بما اتبع مع زملائه في الجامعات, حيث لم يسبق له التعيين في هيئة التدريس, وقد قضى مدة تزيد على عشر سنوات في خدمة الحكومة علاوة على خبرته العلمية والعملية. كما وأن القانون رقم 508 لسنة 1954 بإعادة تنظيم الجامعات المصرية يعزز هذا الطلب. هذا إلى أنه كلف رسمياً ببعثة عملية عقب انتهائه من الحصول على شهادة الدكتوراه, وهذا التكليف يعتبر بمثابة تسلمه العمل تماماً, فكان الواجب أن يصدر قرار تعيينه في هيئة التدريس عند ذلك, وألا يضار بتأخير صدور قرار تعيينه؛ ولذا فإنه يطلب أن يكون تعيينه في هيئة التدريس من تاريخ تكليفه العمل في 16 من يوليه سنة 1952 نظراً إلى أنه غير مسئول عن تأخير صدور قرار تعيينه. وبجلسة 11 من أكتوبر سنة 1956 قرر المدعي أنه تظلم من القرار المطعون فيه في 8 من مارس سنة 194, وطلب احتياطياً اعتباره عضواً في هيئة التدريس "ب" من 15 من يوليه سنة 1952. وبجلسة 14 من مارس سنة 1957 قضت محكمة القضاء الإداري (الهيئة الثالثة "أ") "باعتبار المدعي شاغلاً لوظيفة مدرس "ب" من أول أغسطس سنة 1953, مع ما يترتب على ذلك من آثار, ورفض باقي الطلبات, وألزمت الجامعة المصروفات المناسبة لما حكم به". وأقامت قضاءها على أن المدعي قد مارس عمله فعلاً كمدرس بكلية الهندسة بجامعة القاهرة اعتباراً من أول أغسطس سنة 1953, وهو مستوف لكافة شروط شغل الوظيفة؛ وبذلك يعتبر معيناً فيها من هذا التاريخ، ولا يجوز أن يؤثر على ذلك المركز تراخي إجراءات التعيين, ويلزم رد تاريخ قرار تعيينه في وظيفة مدرس "ب" إلى أول أغسطس سنة 1953. ولا وجه لما يطالب به من جعل أقدميته بين أعضاء هيئة التدريس راجعة إلى تاريخ حصوله على الدكتوراه؛ لأن ذلك لا يكون إلا في حالة ما إذا كلف عضو البعثة بعد حصوله على الدكتوراه متابعة الدراسة واعتبر مجلس الجامعة هذا العمل من أعمال التدريس. ولما كان المدعي هو الذي طلب مد مدة بعثته, وألح في ذلك أكثر من مرة, ولم يقرر مجلس الجامعة أن الأعمال التي قام بها بعد حصوله على الدكتوراه تدخل في نطاق التدريس بالكلية, فإنه يكون غير محق في هذا الطلب. أما طلب تعيينه بوظيفة أستاذ مساعد من تاريخ حصوله على الدكتوراه فليس له سند صحيح؛ ذلك أن الاستثناء الوارد في المادة الثالثة من القانون رقم 21 لسنة 1933 إنما هو أمر تترخص فيه جهة الإدارة بحسب تقديرها المطلق بما يتلاءم والمصلحة العامة, ما دامت تعمل في الحدود المرسومة قانوناً وبغير إساءة لاستعمال السلطة , ولا سيما أن المدعي قد أوفد في بعثة دراسية لحساب الجامعة ليكون مدرساً فيها, وقد أصبح مدرساً بالفعل ولا يمكن اعتباره من غير طبقة المدرسين؛ ومن ثم يتعين رفض هذا الطلب. وقد طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة في هذا الحكم بعريضة أودعها سكرتيرية هذه المحكمة في 11 من مايو سنة 1957 طلب فيها "قبول الطعن شكلاً, وفي الموضوع إلغاء الحكم المطعون فيه, والقضاء برفض الدعوى, وإلزام المدعي بالمصروفات". واستند في أسباب طعنه إلى أن المدعي لا يطعن بالإلغاء في قرارات محددة بعينها فيما تضمنته من تخطيه في الترقية إلى وظيفة مدرس "ب" أو إلى وظيفة أستاذ مساعد, وإنما ينحصر طلبه في إلزام جهة الإدارة بتعيينه مدرساً أو أستاذاً مساعداً من تاريخ حصوله على الدكتوراه في 15 من يوليه سنة 1952, وهذا الطلب لا يقوم إلا إذا وجد على الجهة الإدارية إلزام قانون بذلك. وبالرجوع إلى القانون رقم 21 لسنة 1933 بشروط توظيف أعضاء هيئة التدريس بالجامعة المصرية وتأديبهم وإلى القانون رقم 149 لسنة 1950 بإعادة تنظيم الجامعة وإلى القواعد التنظيمية التي صدرت مكملة لأحكامهما, يتبين عدم وجود مثل الإلزام القانوني, سواء فيما يتعلق بالترقية إلى وظيفة أستاذ مساعد أو إلى وظيفة مدرس "ب" أي التعيين في هيئة التدريس, وبالتالي فلا أحقية للمدعي كقاعدة عامة في المطالبة بتعيينه أستاذاً مساعداً اعتباراً من تاريخ حصوله على الدكتوراه في 15 من يوليه سنة 1952, كما لا أحقية له في المطالبة بتعيينه عضواً في هيئة التدريس اعتباراً من هذا التاريخ؛ ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه يكون قد أصاب الحق فيما انتهى إليه من رفض طلبي المدعي في هذا الشأن. وتطبيقاً للمبدأ ذاته لا يكون المذكور محقاً في طلب تعيينه مدرساً اعتباراً من أول أغسطس سنة 1953 تاريخ تسلمه العمل بعد عودته من البعثة؛ لأن استيفاء شروط التعيين في الوظيفة لا يبلغ مبلغ الإجبار على هذا التعيين, ومرد ذلك كله إلى ما تتمتع به الجهة الإدارية أصلاً من سلطة تقديرية في اختيار الوقت الملائم لإصدار قرارها, بما لا معقب عليه إلا للانحراف عن المصلحة العامة, بحيث لا تنقلب سلطتها التقديرية إلى سلطة مقيدة في إصدار القرار إلا بإلزام قانوني على اتخاذ مثل هذا الإجراء في وقت معين؛ ومن ثم فإن ما قضى به الحكم المطعون فيه من اعتبار المدعي شاغلاً لوظيفة مدرس "ب" من أول أغسطس سنة 1953, بحجة أنه مارس فعلاً عمله كمدرس اعتباراً من هذا التاريخ بعد أن استكمل كافة الشروط القانونية اللازمة لشغل الوظيفة هو قضاء يقلب تقدير الإدارة إلى تقييد لسلطتها على الأقل فيما يتعلق بالوقت الملائم للترقية دون نص صريح بذلك أو مبرر من الظروف. وإذ ذهب الحكم المطعون فيه مذهباً مخالفاً في هذا الشق منه, فإنه يكون قد خالف القانون وقامت به حالة من حالات الطعن في الأحكام أمام المحكمة الإدارية العليا. وقد أودع المدعي سكرتيرية المحكمة قبل جلسة 11 من أكتوبر سنة 1958 مذكرة بملاحظاته على الطعن مشفوعة بحافظة مستندات, وأضاف في مذكرته إلى دفاعه السابق أن ثمت خطأ في مذكرة الجامعة التي اعتمد عليها الحكم المطعون فيه؛ إذ ورد أنه لم يحصل على الدكتوراه إلا في 15 من أكتوبر سنة 1952 مع أن تاريخ حصوله على هذه الدرجة العلمية هو 17 من يوليه سنة 1952, كما هو ثابت من الشهادة الصادرة من جامعة ألينوى, كما أن ثمت خطأ مادياً آخر هو القول بأن المدعي بعد حصوله على الدكتوراه رفض العودة لمباشرة عمله وبقى في الخارج, إذ الواقع أن اللجنة الإدارية للبعثات أصدرت قرارها في جلستي 14 من أبريل و7 من مايو سنة 1953 بالموافقة على مد بعثته إلى شهر مايو سنة 1953. ولما كانت الجامعة قد احتفظت له عند إيفاده في البعثة بإحدى الدرجتين الخامستين الخاليتين لمدرس "ب" على سبيل التذكار, فإنه إذا حصل على الدرجة العلمية التي التحق بالبعثة من أجلها كان جديراً أن يعتبر في هذه الدرجة لا من تاريخ حصوله المؤهل العلمي بل من تاريخ الاحتفاظ له بالدرجة المذكورة, هذا إلى أن المادة 53 من القانون رقم 210 لسنة 1951 نصت على أن تحفظ على سبيل التذكار لأعضاء البعثات من الموظفين وظائفهم بميزانيات الوزارات والمصالح المختلفة, وتدخل مدة البعثة الرسمية في حساب المعاش أو المكافأة وفي استحقاق العلاوة والترقية بالنسبة إلى المبعوثين. وقد درجت الجامعة على اعتبار المدة التي يقضيها كل منهم في البعثة كأنه أمضاها في العمل فعلاً, هذا فضلاً عن أن زملاء المدعي في التخرج في سنة 1941 الذين لم ينالوا الدرجة العلمية التي نالها هو قد رقوا فعلاً إلى الدرجة الخامسة قبله, ومتى كان الأمر كذلك فإن في مخالفة هذه القاعدة مع المدعي وحده إجحافاً به لا مبرر له. ومهما يكن من أمر فلا نزاع في أن المدعي باشر عمله في كلية الهندسة فعلاً من يوم أول أغسطس سنة 1953, وهو - حتى لو لم يكن موظفاً - قد أصبح له الحق في الدرجة المخصصة لعمله من تاريخ مباشرته إياه, ولا يؤثر في هذا الحق التراخي في إصدار قرار التعيين. ومن المقرر في الجامعة وفي جميع مصالح الحكومة أن تاريخ مباشرة الموظف للعمل هو الذي يجب أن يحسب له في الأقدمية وفي الدرجة. وخلص المدعي من هذا إلى طلب "قبول الطعن شكلاً, وفي الموضوع بتعديل أقدمية المدعي في درجة مدرس "ب" من تاريخ احتفاظ الجامعة له بهذه الدرجة التذكارية وهو 28 من مارس سنة 1948 بالخطاب 2829 مع حقه القانوني فيما يترتب على هذا الوضع من ترقية من ذلك التاريخ". وقد أودع المدعي بعد حجز الطعن للحكم مذكرة ثانية ردد فيها أن الاحتفاظ بالدرجة الخامسة التذكارية المخصصة لمدرس "ب" يجعل المبعوث عضواً في هيئة التدريس من ذلك التاريخ وهو 28 من مارس سنة 1948 تاريخ التحاقه بالبعثة لا من 26 من يناير سنة 1950 تاريخ منحه الدرجة الخامسة, وذلك بناء على نص المادة 53 من قانون نظام موظفي الدولة, وأن وضعه الخاطئ الذي وضعته فيه الجامعة ترتب عليه أن تخطاه من حصلوا على بكالوريوس الهندسة في السنين التالية لحصوله عليها, بل أصبح البعض منهم أساتذة مساعدين, وفات الجامعة أن تلاحظ أقدميته معهم في الدرجة والترقية, هذا إلى أن الجامعة تباطأت في اتخاذ إجراءات التعيين من تاريخ تسلمه العمل بعد عودته من البعثة في أول أغسطس سنة 1953 إلى نوفمبر سنة 1953, ولم تجعل قرار الوزير ذا أثر رجعي كما فعلت مع سواه, مع أن وضعه في الدرجة الخامسة يجب قانوناً أن يرجع لا إلى تاريخ حصوله على الدكتوراه, ولا إلى تاريخ تسلمه العمل, بل إلى تاريخ التحاقه بالبعثة والاحتفاظ له بالدرجة الخامسة التذكارية. وانتهى المدعي من هذا إلى التصميم على طلباته.
ومن حيث إن المدعي لا يهدف في الواقع من الأمر إلى إلغاء قرار إداري معين بذاته فيما تضمنه من تخطيه في الترقية مما يمكن أن يسري على الطعن فيه ميعاد رفع دعوى الإلغاء, وإنما يقصد بدعواه تسوية حالته من حيث تحديد أقديمته في وظيفة مدرس "ب" على الأساس الذي يذهب إليه, وما يترتب على ذلك من آثار من حيث تدرجه في الترقية إلى وظيفة أستاذ مساعد بعد ذلك؛ ومن ثم فإن دفع السيد مفوض الدولة أمام محكمة القضاء الإداري بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد القانوني يكون غير مستند إلى أساس سليم من القانون.
ومن حيث إنه يبين من استظهار حالة المدعي من واقع ملف خدمته أنه حصل على درجة بكالوريوس في الهندسة المدنية من جامعة القاهرة في سنة 1941, وعين في وظيفة مهندس بمصلحة السكك الحديدية بأول مربوط الدرجة السادسة خصماً على اعتمادات الأعمال الجديدة للجيش البريطاني بعقد اعتباراً من 3 من يوليه سنة 1941, ثم نقل إلى وظيفة معيد من الدرجة السادسة بكلية الهندسة بجامعة الإسكندرية اعتباراً من أول نوفمبر سنة 1946, واختير بعد ذلك عضواً ببعثة كلية الهندسة بجامعة القاهرة التي نقل إليها على درجة سادسة في وظيفة معيد وذلك اعتباراً من 28 من فبراير سنة 1948 تاريخ إيفاده في البعثة إلى أمريكا لدراسة ميكانيكا التربة, ومنح علاوة دورية قدرها خمسة جنيهات شهرياً من أول نوفمبر سنة 1949, ثم رقى إلى الدرجة الخامسة في وظيفة مساعد مدرس اعتباراً من 26 من يناير سنة 1950, تاريخ موافقة وزير التربية والتعليم, مع منحه علاوة الترقية وقدرها أربعة جنيهات شهرياً من أول فبراير سنة 1950, وذلك بالأولوية على زملائه الآخرين المعيدين بكلية الهندسة الذين رقوا معه في ذات الحركة وعددهم ستة بوصفه الأول بينهم في ترتيب الأقدمية. ثم منح بدل تخصص قدره تسعة جنيهات شهرياً اعتباراً من أول فبراير سنة 1950, ورفع مرتبه إلى 25 جنيهاً شهرياً وهو مبدأ مربوط درجته اعتباراً من أول مايو سنة 1950, ومنح علاوة دورية قدرها جنيهان من أول مايو سنة 1952. وقد انتهت بعثته في يونيه سنة 1952, فقررت اللجنة الوزارية الاستشارية لبعثات الحكومة بجلستها المنعقدة في 6 من أغسطس سنة 1952 أن يقتصر تمرينه العملي على ستة أشهر يقضيها في أمريكا وتنتهي في ديسمبر سنة 1952 يعود بعدها إلى مصر رأساً, بيد أنه تقدم بالتماس مؤرخ 25 من أكتوبر سنة 1952 يرجو فيه مد بعثته العلمية هذه إلى شهر سبتمبر سنة 1953, إلا أنه رؤى أن يعود إلى الكلية نظراً إلى ضغط العمل بها وقتذاك. وبناء على ذلك طلبت الكلية من الجامعة استدعاءه فوراً, إلا أنه لم يعد, بل تقدم بالتماس آخر مؤرخ 12 من يناير سنة 1953 كرر فيه طلبه السابق. ورداً على ذلك أبلغت الكلية الجامعة أنها ليست على استعداد لإعادة النظر في هذا الموضوع, وطلبت اتخاذ الإجراءات اللازمة لاستعجال عودته ووقف صرف مرتبه في حالة عدم تنفيذه قرار الكلية. ولكنه أعاد الكرة بالتماس ثالث مؤرخ 20 من يناير سنة 1953, فردت عليه الكلية بأنها متمسكة بقرارها السابق, ثم تقدم شقيقه بخطاب مؤرخ 23 من مارس سنة 1953 يلتمس فيه إعادة النظر في مد بعثته إلى شهر يوليه سنة 1953 لاستكمال دراسته. وعلى الرغم من تمسك الكلية بموقفها منه فقد قررت اللجنة الوزارية الاستشارية لبعثات الحكومة بجلستها المنعقدة في 14 من أبريل سنة 1953 و7 من مايو سنة 1953 الموافقة على مد بعثته إلى شهر مايو سنة 1953 على أن يكون هذا آخر امتداد لها. ولما لم يعد حتى نهاية شهر مايو سنة 1953 طلبت الكلية من الجامعة وقف صرف مرتبه. وعلى إثر ذلك عاد وتسلم عمله بالكلية في يوم أول أغسطس سنة 1953. وإذ كان يشغل وظيفة مدرس "ب" على سبيل التذكار فقد حولت إلى وظيفة مدرس "ب" ذات مربوط اعتباراً من أول يوليه سنة 1953. وقد وافق مجلس الكلية بجلسته المنعقدة في 29 من سبتمبر سنة 1953على تعيينه في وظيفة مدرس "ب" نظراً لما لديه من المؤهلات العلمية التي تسمح بتعيينه في هذه الوظيفة, وهي درجة ماجستير من جامعة هارفارد في يونيه سنة 1949 ودكتوراه من جامعة ألينوى بأمريكا في 15 من أكتوبر سنة 1952, ووافق مجلس الجامعة على ذلك بجلسته المنعقدة في 7 من أكتوبر سنة 1953, كما وافق وزير التربية والتعليم على هذا التعيين في 3 من نوفمبر سنة 1953؛ حيث بلغ مرتبه 500 م و28 ج شهرياً، وثبت في وظيفته من أول فبراير سنة 1953.
ومن حيث إنه يخلص مما تقدم أن المدعي لم يكن من أعضاء هيئة التدريس بجامعة القاهرة إبان وجوده في بعثة كلية الهندسة في أمريكا, وما كان يمكن أن يكون كذلك قبل حصوله على درجة الدكتوراه؛ ذلك أن المادة الأولى من القانون رقم 21 لسنة 1933 بشروط توظف أعضاء هيئة التدريس بجامعة القاهرة وتأديبهم والقوانين المعدلة له نصت على أن "أعضاء هيئة التدريس في الجامعة فؤاد الأول هم: ( أ ) الأساتذة ذوو الكراسي (ب) الأساتذة المساعدون (ج) المدرسون", كما نصت المادة الثانية منه على أنه "يشترط فيمن يعين مدرساً أن يكون حاصلاً على درجة دكتور من جامعة فؤاد الأول, وفي الجراحة وجراحة طب الأسنان والصيدلة على درجة الماجستير, أو أن يكون حاصلاً على درجة تعتبر معادلة لها من جامعة أجنبية أو معهد معترف بهما. ومع ذلك يجوز بصفة استثنائية أن يعفى المرشح من شرط حصوله على هذه الدرجة إذا كانت لديه إجازات علمية أخرى تعتبر كافية". والثابت أن المدعي نقل من وظفيه مهندس من الدرجة السادسة التي كان يشغلها بمصلحة السكك الحديدية إلى وظيفة معيد في الدرجة ذاتها بكلية الهندسة بجامعة الإسكندرية ثم إلى مثل هذه الوظيفة والدرجة بجامعة القاهرة, وأنه رقى في دوره أثناء غيابه في البعثة إلى الدرجة الخامسة في وظيفة مساعد مدرس بكلية الهندسة بجامعة القاهرة اعتباراً من 26 من يناير سنة 1950, ومنح العلاوات القانونية المستحقة له؛ وذلك بالتطبيق لحكم الفقرة الثالثة من المادة 53 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة التي تنص على أنه "وتدخل مدة البعثة الرسمية والتجنيد في حساب المعاش أو المكافأة وفي استحقاق العلاوة والترقية بالنسبة إلى المبعوثين من الموظفين والمجندين منهم". ولم يكن من الجائز قانوناً أن يعين في وظيفة مدرس, وهي أدنى وظائف أعضاء هيئة التدريس, قبل تحقق شرط الصلاحية فيه لإسناد هذه الوظيفة إليه, وهو حصوله على الدرجة العلمية المتطلبة لها. ولما كان نيل درجة الدكتوراه هو شرط التعيين في الوظيفة المذكورة, فإن ما يطلبه المدعي من اعتباره معيناً في درجة مدرس "ب" من تاريخ احتفاظ جامعة القاهرة له بدرجة خامسة تذكارية في 28 من فبراير سنة 1948 يوم رحيله من مصر في بعثة إلى أمريكا يكون غير قائم على سند من القانون؛ ذلك أن الاحتفاظ للموظف على سبيل التذكار بدرجة في الميزانية تعلو على درجته لا يكسبه فيها مركزاً قانونياً؛ إذ لا يعد تعييناً فيها ولا ترقية إليها، لكونه لا يتم بالأداة أو وفقاً للشروط اللازمة لذلك التعيين أو هذه الترقية, بل الغرض منه الإبقاء على درجة ما يمكن أن يوضع عليها عند عودته إلى أن تسوى حالته على الوظيفة التي تخلو من درجته. وقد نصت المادة 53 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة في فقرتها الأولى مصداقاً لذلك على أن "تحفظ على سبيل التذكار لأعضاء البعثات من الموظفين وللمجندين منهم وظائف بميزانيات الوزارة والمصالح المختلفة, ويجوز شغل هذه الوظائف بصفة مؤقتة على أن تخلى عند عودتهم".
ومن حيث إنه فيما يتعلق بطلب المدعي ترقيته إلى وظيفة أستاذ مساعد في الدرجة الثالثة من تاريخ حصوله على درجة الدكتوراه في 17 من يوليه سنة 1952 على حد قوله, فإن المادة الثالثة من القانون رقم 21 لسنة 1933 السارية وقتذاك تنص على أنه "يشترط فيمن يعين أستاذاً مساعداً أن يكون حاصلاً على درجة من الدرجات المذكورة في المادة السابقة, وأن يكون قد شغل وظيفة مدرس أربع سنوات على الأقل في إحدى كليات الجامعة أو في معهد على من طبقتها, وأن يكون قضى في خدمة الحكومة ثماني سنوات أو مضت عشر سنوات على حصوله على درجة بكالوريوس أو ليسانس, ويجوز استثناء أن يعين مرشحون من غير المدرسين", كما أن المادة الخامسة من القانون عينه, المعدلة بالقانون رقم 97 لسنة 1935, تتطلب علاوة على الشروط المتقدمة في المدرس الذي يرشح لوظيفة أستاذ مساعد أن يكون له أبحاث قيمة مبتكرة. وقد سبق لهذه المحكمة أن قضت [(1)] بأنه يستخلص من حكم المادة الثالثة من القانون رقم 21 لسنة 1933 بشوط توظف أعضاء هيئة التدريس بجامعة القاهرة وتأديبهم أن الحكمة التشريعية التي قام عليها شرط استلزام أن يكون المرشح لوظيفة أستاذ مساعد قد شغل وظيفة مدرس مدة أربع سنوات على الأقل في إحدى كليات الجامعة أو في معهد علمي من طبقتها, إنما تستند إلى رغبة المشرع في أن تتوافر فيمن يولى منصب أستاذ مساعد خبرة مهنية خاصة ومران عملي في ممارسة التدريس بالفعل, وهو شرط أساسي يتعلق بالمصلحة العامة. ولما كانت الأقدمية الاعتبارية تقوم على محض افتراض مجازي مقرر بصفة ميزة لصالح الحاصلين على دكتوراه العلوم الفنية؛ لكي يفيدوا منه في حساب أقدميتهم, مقتصراً أثره على هذه الأقدمية وتحديد الماهية, فإنه لا يجدي في اكتساب الخبرة والمران العمليين المتطلبين للترقية إلى وظيفة أستاذ مساعد, ولا يغني عن عنصر الزمن الذي يجب قضاؤه بالفعل في عمل وظيفة مدرس والذي قرر له المشرع حداً أدنى اعتبره القرينة الوحيدة على تحصيل هذا المران وتلك الخبرة.
ومن حيث إن مما يؤكد اهتمام المشرع بالشرط الزمني للممارسة العملية للتدريس بالفعل ما نص عليه في البند 2 من المادة 54 من القانون رقم 508 لسنة 1954 بإعادة تنظيم الجامعات المصرية, وفي المادة 44 من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 345 لسنة 1956 في شأن تنظيم الجامعات المصرية من أنه "يشترط فيمن يعين أستاذاً مساعداً:.... (2) أن يكون قد شغل وظيفة مدرس مدة ست سنوات على الأقل في إحدى كليات الجامعات المصرية أو في معهد علمي من طبقتها.."؛ إذ رفع المدة التي استلزمها لتوافر الخبرة والمران في التدريس من أربع سنوات إلى ست سنوات على الأقل لإمكان تعيين المدرس في وظيفة أستاذ مساعد, وليس من شك في أن مدة الدراسة للدكتوراه نظرياً أو علمياً لا تنطوي في المدة المتقدم ذكرها؛ إذ لا تتحقق فيها الحكمة التي ابتغاها المشرع بهذه الأخيرة, وإذا كان هذا هو الأصل وكان الاستثناء أن يعين مرشحون من غير المدرسين, فإن تقدير ملاءمة استعمال هذه الرخصة يكون من إطلاقات الإدارة التي تخضع لسلطتها التقديرية المحضة وفقاً لمقتضيات الصالح العام.
ومن حيث إن هذه المحكمة سبق أيضاً أن قضت [(2)] بأن مجرد استيفاء الشروط المقررة وقيام أسباب الصلاحية للتعيين في الوظيفة العامة لا يكفي بمفرده لاعتبار المرشح معيناً في الوظيفة المذكورة من تلقاء ذاته, ما دام هذا الحق لا ينشأ إلا من القرار الإداري الفردي الذي يصدر بتعيينه فيها, وما دام هذا التعيين يخضع لقيود لا بد من مراعاتها, ولا يوجد نص يرتب حقاً ذاتياً مباشراً للموظف في هذه الوظيفة أو ينشئ له فيها مركزاً قانونياً حتماً وبقوة القانون.
ومن حيث إن النقطة القانونية مثار النزاع بعد ذلك تنحصر فيما إذا كانت الإدارة تلتزم بتعيين مساعد المدرس في وظيفة مدرس على أساس أقدميته في الدرجة المذكورة بعد حصوله على درجة الدكتوراه, أم أن التعيين في وظائف هيئة التدريس هو ملاءمة تقديرية جديدة تستقل الإدارة بتقدير مناسباتها ووزنها بمراعاة شتى الظروف والملابسات, بصرف النظر عما إذا كان الترشيح لهذه الوظائف يشمل في ضمن المرشحين من كانوا في وظائف مساعدي مدرسين.
ومن حيث إنه يؤخذ من النصوص السابق إيرادها أن التعيين في وظائف هيئة التدريس بالكليات الجامعية يقوم على شروط واعتبارات خاصة, فضلاً عن وجوب الحصول على درجة الدكتوراه أو الإجازة العلمية المعادلة لها, وأن الإلحاق بهذه الوظائف يعد من هذه الوجهة تعييناً جديداً بصلاحية خاصة مقيدة بشروطها وليس مجرد ترقية من وظيفة مساعد مدرس, فيجوز أن يتناول مرشحين من الخارج أو من غير هذه الوظيفة ما دامت تتوافر فيهم شروط الصلاحية لهذا التعيين, كما لا يتعين أن يشمل من يشغل وظيفة مساعد مدرس متى أعوزته هذه الصلاحية مهما بلغت أقدميته في هذه الوظيفة. ولم يتضمن القانون رقم 21 لسنة 1933 بشوط توظف أعضاء هيئة التدريس بجامعة القاهرة وتأديبهم والقوانين المعدلة له ولا القانون رقم 149 لسنة 1950 بإعادة تنظيم جامعة القاهرة, أي إلزام على جهة الإدارة بأن تعين مساعد المدرس في وظيفة مدرس في تاريخ معين بعد حصوله على درجة الدكتوراه أو عودته من البعثة أو من الإجازة الدراسية؛ إذ أن اختيار الوقت المناسب للتعيين في الوظيفة العامة هو من الملاءمات التقديرية التي تترخص فيها الإدارة وفق مقتضيات المصلحة العامة وصالح العمل متى وجدت الوظيفة الخالية أولاً, والأصل في هذا التعيين هو أفضلية المعين من حيث الكفاية. وقد كانت المادة 22 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة, وقت إجراء الحركة موضوع النزاع وقبل تعديلها بالقرار بقانون رقم 73 لسنة 1957, تنص في صدرها على أنه "لا تمنح الدرجة المخصصة للوظيفة إلا لمن يقوم بعملها فعلاً..", وقد ترى الإدارة عند تقدير ملاءمة التعيين تفضيل من يقوم بأعباء العمل فعلاً على من كان خارج القطر ولم يعد إليه لأداء هذا العمل أو ليس في مقدوره ذلك عند الطلب, حتى لا يتعطل سير الدراسة. ومرد هذا إلى أن التعيين في وظائف هيئة التدريس هو مناسبة جديدة تقدرها الإدارة استقلالاً غير مقيدة بوجوب ترقية مدرسين مساعدين إلى تلك الوظائف, ما دامت ترى وجه المصلحة العامة في ذلك, وليس للقضاء الإداري سلطة التعقيب على القرار الذي تتخذه في هذا الشأن, ما دام قد خلا من إساءة استعمال السلطة.
ومن حيث إنه يبين من الأوراق أن الجامعة لم تنظر في تعيين المدعي في وظيفة مدرس "ب" إلا بعد عودته فعلاً من الخارج وتسلمه عمله في كلية الهندسة بعد أن حملها على مد بعثته بعد انتهاء مدتها التي كانت مقررة لها أصلاً وتكرار دعوته إلى العودة دون جدوى, وعندئذ قدرت وجه الملاءمة في تعيينه فعينته قبل غيره في هذه الفترة؛ ومن ثم فليس في تصرفها على هذا النحو أية شائبة من إساءة استعمال السلطة, بل على العكس من ذلك قد استهدت فيه بدواعي حسن سير العمل في الكلية والحرص على رعاية المصلحة العامة.
ومن حيث إن حكم محكمة القضاء الإداري المطعون فيه, إذ قضى باعتبار المدعي شاغلاً لوظيفة مدرس "ب" وهي أولى وظائف هيئة التدريس من أول أغسطس سنة 1953 تاريخ مباشرته العمل بالكلية, مع ما يترتب على ذلك من آثار, يكون قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه؛ ذلك أن قرار مجلس الكلية بالموافقة على تعيين المدعي في هذه وظيفة إنما صدر في 29 من سبتمبر سنة 1953, ووافق عليه مجلس الجامعة في 7 من أكتوبر سنة 1953, وصدق عليه وزير التربية والتعليم في 3 من نوفمبر سنة 1953, فهذا القرار هو الأداة التي أنشأت المركز القانوني في التعيين في تلك الوظيفة, ولا يملك القضاء الإداري تعديل هذا المركز بإرجاع التعيين إلى تاريخ تسلم العمل؛ لأن ذلك يكون تعديلاً للقرار يخرج عن حدود ولايته. وغني عن البيان أن هذا الوضع يختلف عما لو كان قد صدر في هذا التاريخ قرار بتعيين غير المدعي, وأقام هذا الأخير طعنه بالإلغاء فيه على أساس أنه كان أولى بالتعيين في التاريخ المذكور ممن شمله القرار، فتكون الدعوى عندئذ بمثابة طلب إلغاء جزئي للقرار إذ كان قد عين بعد ذلك بقرار تال. بيد أنه في خصوصية هذه الدعوى لم يصدر في أول أغسطس سنة 1953 أي قرار بالتعيين, وإنما قصدت المحكمة بحكمها المطعون فيه جعل بدء تعيين المدعي في وظيفة مدرس "ب" راجعاً إلى أول أغسطس سنة 1953, أي مقترناً ببدء تسلمه العمل عقب عودته من البعثة, وهو وضع لا ينطوي تحت أي معنى من معاني الإلغاء الكلي أو الجزئي, وإنما هو تعديل لقرار إداري, وهو ما لا يجوز. هذا إلى أن المادة 20 من القانون رقم 149 لسنة 1950 نصت في فقرتها الأولى على أن "يعين وزير المعارف العمومية الأساتذة وسائر أعضاء هيئة التدريس في الجامعة بناء على طلب مجلس الجامعة بعد أخذ رأي مجلس الكلية المختصة أو مجلس المعهد المستقل المختص"؛ ومن ثم فإن الأصل في تحديد بدء التعيين في وظائف هيئة التدريس المعنية بهذه المادة في ظل نفاذ حكمها هو تاريخ صدور قرار وزير التربية والتعليم بالموافقة على طلب مجلس الجامعة بعد أخذ رأي مجلس الكلية المختصة أو مجلس المعهد المستقل المختص. وإذا كان قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 345 لسنة 1956 في شأن تنظيم الجامعات المصرية قد نص في الفقرة الثانية من المادة 41 منه على أنه "ويكون التعيين من تاريخ موافقة مجلس الجامعة", فإن الحكم المستحدث بهذا النص لم يكن قائماً وقت تعيين المدعي في وظيفة مدرس "ب", ولم ينص الشارع صراحة على سريانه بأثر رجعي؛ ومن ثم تكون الدعوى في كل وجوهها على غير أساس سليم من القانون, ويكون الحكم المطعون فيه, إذ قضى باعتبار المدعي شاغلاً لوظيفة مدرس "ب" من أول أغسطس سنة 1953 مع ما يترتب على ذلك من آثار, قد جانب الصواب, ويتعين القضاء بإلغائه في هذا الشق منه, وبرفض الدعوى, مع إلزام المدعي بمصروفاتها.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً, وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه, وبرفض الدعوى, وألزمت المدعي بالمصروفات.


[(1)] راجع السنة الثانية من هذه المجموعة بند 8 صفحة 78.
[(2)] راجع السنة الثانية من هذه المجموعة بند 37/ ج ص 324.