مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الرابعة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1958 إلى أخر يناير سنة 1959) - صـ 487

(39)
جلسة 3 من يناير سنة 1959

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني وعلي إبراهيم بغدادي والدكتور محمود سعد الدين الشريف ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

القضية رقم 911 لسنة 3 القضائية

( أ ) بطلان - تجهيل صحيفة الطعن في قرار اللجنة القضائية موضوع الطعن - خلو رد الوزارة من توضيح هذا التجهيل - جزاء ذلك البطلان - حضور ممثل من الجهة الإدارية في الدعوى لا يزيل هذا البطلان - تواؤم ذلك مع ما تنص عليه المواد 14 من القانون رقم 9 لسنة 1949 و21 من القانون رقم 165 لسنة 1955 و79 و405 من قانون المرافعات.
(ب) ترقية - قرار وزير الأشغال في 10/ 6/ 1948 - قيامه على أساس أن التعيين في الوظائف هو الأساس في الترقيات إلى ما يعلوها من وظائف دون الاعتداد بالأقدمية في الدرجة المالية - تعارض هذه القاعدة مع تعليمات المالية رقم 30 لسنة 1924 والقواعد التي أقرها مجلس الوزراء في 17/ 5/ 1950 وأحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 - صدور القانون رقم 134 لسنة 1953 لتصحيح ضوابط الترقي بين مهندسي الري والمباني بوزارة الأشغال العمومية - قيامه على أساس القواعد المنصوص عليها بقرار 10/ 6/ 1948 القصد من إصدار هذا القانون ربط الماضي بالحاضر في هذا الخصوص وإقرار ما تم من أوضاع لتكون أساساً لتطبيقه في مرحلته الأولى - حجة ذلك.
1 - إذا كان الثابت أن بيانات صحيفة الطعن في قرار اللجنة القضائية قد جهلت موضوع الطعن, سواء من حيث إغفال تحديد القرار المطعون فيه وتاريخه, أو من ناحية ترك بيان موضوع التظلم الذي قضى فيه هذا القرار أو من جهة عدم تعيين فحوى القرار أو المعنى الذي صدر به, بل لقد أوردت صحيفة الطعن عن قرار اللجنة القضائية بيانات خاطئة تضلل الأفهام عن حقيقة مضمون هذا القرار ومنطوقه, وساقت له أسباباً غير الأسباب الحقيقية التي بني عليها, ثم نسبت إليه تاريخاً غير الذي صدر فيه؛ فقد ورد في صحيفة الدعوى أن قرار اللجنة القضائية موضوع الطعن قد صدر برفض التظلم في حين أنه صدر بعدم اختصاص اللجنة القضائية بالنسبة إلى أحد الطلبات, وبعدم قبول التظلم فيما يتعلق بطلب إلغاء قرارات الترقية, وجاء في صحيفة الطعن أن القرار المطعون فيه قد أصدرته اللجنة القضائية في 25 من فبراير سنة 1954 مع أنه صدر منها في 23 من يونيه سنة 1953 - إذا كان الثابت هو ما تقدم, فإن هذا كله قد أعان على تجهيل القرار محل الطعن تجهيلاً لم يجله جواب الوزارة المدعى عليها عن الدعوى, فقد خلا ردها من توضيح ما خفي, وتبيين ما جهل من أمر قرار اللجنة القضائية سالف الذكر, وبعد إذ استبان لمحكمة القضاء الإداري وجه التخلف البين بين ما جعل موضوعاً للطعن في صحيفته المودعة سكرتيرية محكمة القضاء الإداري في اليوم الأول من أغسطس سنة 1954, وبين القرار الحقيقي الذي أصدرته اللجنة القضائية لوزارة الأشغال في 23 من يونيه سنة 1953, كان حقاً عليها أن تورد في أسباب حكمها المطعون فيه ما لابس بيانات صحيفة الطعن من تجهيل صارخ وإغفال واضح للبيانات الجوهرية الواجب استيفاؤها لبيان موضوع الطعن, وأن تنتقل بعد ذلك - كما فعلت بحق - إلى تحصيل بطلانها, وإلى القضاء بعدم قبول الطعن لبطلان صحيفته. وهذا الذي انتهى إليه الحكم المطعون فيه يتواءم مع ما فرضته المادة الرابعة عشرة من القانون رقم 9 لسنة 1949 الخاص بمجلس الدولة من أنه "يجب أن تتضمن العريضة - عدا البيانات العامة المتعلقة بأسماء الخصوم وصفاتهم ومحال إقامتهم, موضوع الطلب, وبياناً للمستندات المؤيدة له, وأن تقرن بصورة أو ملخص من القرار المطعون فيه...", وما رددته المادة 21 من القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة من أنه "يجب أن تتضمن العريضة - عدا البيانات العامة المتعلقة بأسماء الطالب ومن يوجه إليهم الطلب وصفاتهم ومحال إقامتهم - موضوع الطلب وتاريخ التظلم من القرار إن كان مما يجب التظلم منه, ونتيجة التظلم وبياناً بالمستندات المؤيدة للطلب...", وما أوضحته المادة 405 من قانون المرافعات المدنية والتجارية من أن الاستئناف "يرفع بعريضة تقدم إلى قلم كتاب المحكمة المختصة بنظره موقعة من محام مقبول للمرافعة, وتشمل - عدا البيانات العامة المتعلقة بأسماء الخصوم وصفاتهم وموطن كل منهم - على بيان الحكم المستأنف وتاريخه والأسباب التي بني عليها الاستئناف وطلبات المستأنف... وإذا لم يحصل الاستئناف على الوجه المتقدم كان باطلاً وحكمت المحكمة من تلقاء نفسها ببطلانه", ثم ما أرسته المادة 79 من هذا القانون من قواعد لبطلان صحيفة افتتاح الدعوى, والتي فرق بموجبها بين خطأ أو نقص تبطل به تلك الصحيفة, وبين خطأ أو نقص يجوز أن يترتب عليه الحكم ببطلانها؛ ولهذا جرى نصها بما يأتي "إذا كان الخطأ أو النقص في بيانات صحيفة افتتاح الدعوى من شأنه أن يجهل بالمحكمة أو بالمدعي أو بالمدعى عليه أو المدعي به أو بتاريخ الجلسة بطلت الصحيفة, فإن وقع الخطأ أو النقص فيما عدا ذلك من بياناتها جاز الحكم بالبطلان". وعليه لا يكون شخوص الجهة الإدارية في الدعوى مزيلاً لذلك البطلان المطلق, وخاصة وأن هذه الجهة لم تبد جواباً في موضوع الطعن في قرار اللجنة القضائية لما أحاط به من تجهيل هذا إلى أن حضورها في ذاته ليس من شأنه أن يمحو صحيفة الطعن من عيوب جوهرية تبطلها على الوجه الذي حسمته المادة 26 من قانون المرافعات المدنية والتجارية.
2 - في 10 من يونيه سنة 1948 أصدر وزير الأشغال قراراً يقضي في مادته الأولى بأنه "في حالة الدرجات المخصصة لوظيفة أو أكثر يعلو بعضها فوق بعض من الوجهة المصلحية تعطى الأسبقية للمرقين للوظائف الأعلى من تاريخ الترقية إليها, ولا تتقيد هذه الأسبقية بسبب ترقية الأقدم في الدرجة المالية بعد الأحدث منه". وقد درجت وزارة الأشغال على هذه السنة من زمان بعيد يرجع إلى تاريخ صدور "كادهارفي", كما يبين ذلك بجلاء من المذكرة الإيضاحية المرافقة للقانون رقم 134 لسنة 1953. وهذا الذي جرت عليه وزارة الأشغال وطابقه قرار وزير الأشغال على ما سبق القول يتعارض مع تعليمات المالية رقم 30 لسنة 1924 التي نصت على جعل المدة التي يقضيها الموظف في الدرجة المالية أساساً الأقدمية, كما لا يتلاقى لا مع القواعد التي أرساها قرار مجلس الوزراء الصادر في 17 من مايو سنة 1950 في شأن قواعد التيسير وفصلها كتاب المالية الدوري رقم ف 234/ 5/ 24 المؤرخ 24 من مايو سنة 1950, ولا مع الأصول التي قررها قانون نظام موظفي الدولة رقم 210 لسنة 1951 أساساً للأقدمية, وقد قضت بتعيين نسب للترقية بالأقدمية المطلقة في الدرجة المالية وللترقية بالاختيار للكفاية في الكادرين العالي والإداري تختلف باختلاف الدرجة المالية المرقى إليها. والشارع - حرصاً منه على تصحيح الأوضاع فيما يتعلق بضوابط الترقي بين مهندس الري والمباني بوزارة الأشغال - قد أصدر أخيراً في 26 من مارس سنة 1953 القانون رقم 134 لسنة 1953 في شأن الأقدمية والترقية بين الموظفين الفنيين بمصلحتي الري والمباني الأميرية بوزارة الأشغال العمومية وقد أراد المشرع بهذا القانون أن يجعل أساس الترقيات وترتيب الأقدمية في وظائف الكادر الفني العالي بمصلحتي الري والمباني بوزارة الأشغال العمومية على أساس أقدمية الترقية إلى الوظائف المبينة بالجدول المرافق له ووفقاً للترتيب الوارد به. وهذه القاعدة للترقية وترتيب الأقدمية تخالف القاعدة المقررة في المادة 38 وما بعدها من قانون التوظف رقم 210 لسنة 1951, تلك التي مناطها في خصوص الترقية أن تكون بالأقدمية في الدرجة, ويجوز أن تكون بالاختيار للكفاية في حدود نسب معينة, كما يخالف قاعدة ترتيب الأقدميات المنصوص عليها في المادة 25 منه والتي مناطها أساساً هو تاريخ التعيين في الدرجة المالية, فإذا اتحد زمنياً اعتبرت الأقدمية على أساس أقدمية الدرجة السابقة وهكذا. ولئن كان تلك هي القواعد المقررة في قانون التوظف رقم 210 لسنة 1951 قبل تعديله بالقانون رقم 134 لسنة 1953 بحيث ما كان يجوز الاستناد إلى أهمية الوظائف التلقيبية بحسب تدرجها كأساس للترقية دون الاعتداد بالأقدمية في الدرجة المالية, إلا أنه ليس من شك في أنه بعد نفاذ القانون رقم 134 لسنة 1953 الذي قام, حسبما صرحت بذلك مذكرته الإيضاحية, على أساس أهمية تلك الوظائف وما تتطلبه إدارة المرافق العامة لوزارة الأشغال من وجوب مراعاة الدقة في اختيار الأشخاص الذين يقومون بأعباء هذه الوظائف الرئيسية - ليس من شك في أن هذا القانون إنما أقر الوضع الذي كان العمل جارياً عليه من قبل وزارة الأشغال العمومية, وهو إسناد هذه الوظائف الرئيسية بألقابها إلى من تراه - بحسب تقديرها - جديراً بالاضطلاع بها، وأن يكون التعيين في هذه الوظائف من قبل هو الأساس في الترقيات إلى ما يعلوها من وظائف أعلى مستقبلاً بالتطبيق للقانون المذكور. وغني عن القول أن المشرع لم يقصد أن يجعل نفاذ القانون المذكور منبت الصلة بما استقرت عليه الأوضاع من قبل, بل يبين من روحه وفحواه أنه أراد أن يربط الماضي بالحاضر في هذا الخصوص؛ نظراً لارتباط ذلك بالمصلحة العامة كما أكدته المذكرة الإيضاحية, والقول بغير ذلك يؤدي إلى أحد وضعين لا ثالث لهما: إما إلى إهدار التعيينات التلقيبية السابقة برمتها وإعادة النظر فيها بسلطة تقديرية جديدة, وظاهر أن هذا الفرض بعيد عن قص الشارع لما يترتب عليه من زعزعة الأوضاع, وإما أن تصدر قرارات جديدة مرددة للأوضاع السابقة في تلك الوظائف التلقيبية وهو مجرد تكرار شكلي للقرارات السابقة, وهذا الفرض الآخر بعيد كذلك عن قصد الشارع تنزيهاً له عن التكرار وتحصيل الحاصل؛ ولذلك فإن الأقرب إلى القصد هو - كما سبق القول - ربط الماضي بالحاضر وإقرار ما تم من أوضاع في هذا الخصوص, لتكون أساساً لتطبيق القانون رقم 134 لسنة 1953 في مرحلته الأولى. ومع ذلك فإن لجان شئون الموظفين حين نظرت في الترقيات بالتطبيق للقانون المذكور في هذه المرحلة إنما أتمت عملها على أساس القرارات التلقيبية السابقة باعتبارها مستقرة مفروغاً منها, وإذا قيل في الجدل بأنها كانت تملك إعادة النظر فيها, فإن هذا القول مردود بما ثبت من أنها أتمت عملها على أساس إقرار ما انطوت عليه تلك القرارات.


إجراءات الطعن

في 11 من أغسطس سنة 1957 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 911 لسنة 3 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الهيئة الثالثة "أ") بجلسة 20 من يونيه سنة 1957 في الدعوى رقم 12509 لسنة 8 القضائية المقامة من السيد/ جورجي ميخائيل ضد وزارة الأشغال, القاضي "أولاً - بعدم قبول طلب إلغاء قرار اللجنة القضائية المطعون فيه لبطلان صحيفة الطعن فيه, وألزمت الطاعن المصروفات الخاصة بهذا الطلب, ثانياً: إلغاء قرار وزير الأشغال الصادر برقم 192 بتاريخ 13 من سبتمبر سنة 1953 فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية إلى وظيفة مساعد مدير أعمال من الدرجة الرابعة, مع ما يترتب على ذلك من آثار, وألزمت الحكومة بالمصروفات". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين - للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه - "قبول الطعن شكلاً, وفي الموضوع إلغاء الحكم المطعون فيه, ورفض الدعوى, وألزمت رافعها المصروفات". وقد أعلن هذا الطعن إلى وزارة الأشغال في 26 من أغسطس سنة 1957, وإلى المطعون عليه في 31 من الشهر ذاته, وعين لنظر الطعن أمام هذه المحكمة جلسة أول فبراير سنة 1958. وفي 7 من ديسمبر سنة 1957 أبلغ الطرفان بميعاد هذه الجلسة, وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة, ثم قررت إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
( أ ) عن عدم قبول طلب إلغاء قرار اللجنة القضائية أمام محكمة القضاء الإداري:
من حيث إن الحكم المطعون فيه قد قضى في شقه الأول "بعدم قبول طلب إلغاء قرار اللجنة القضائية المطعون فيه لبطلان صحيفة الطعن وإلزام الطاعن المصروفات الخاصة بهذا الطلب". وأقام قضاءه في ذلك على أن "المدعي تظلم إلى اللجنة القضائية في 25 من مارس سنة 1953 طالباً: (أولاً) إلغاء القرار رقم 48088 لسنة 1948 الصادر من وزير الأشغال بوضع قواعد ترقية مهندسي مصلحتي الري والمباني. (ثانياً) أحقيته في الاحتفاظ بأقدميته حسب تاريخ حصوله على الدرجة بالنسبة للأحدث منه فيها الذين تخطوه في الترقية وتعديل أقدميته طبقاً لما ذكر. والثابت من محضر جلسة اللجنة القضائية المنعقدة في 23 من يونيه سنة 1953 أن رئيس اللجنة سأل المتظلم عمن تخطوه فأجاب "مختار العقبى رقى إلى الدرجة الرابعة في 31 من يناير سنة 1952, وعبد الكريم محمد سيلمان في 24 من فبراير سنة 1952, وميشيل بطرس في 30 من يونيه سنة 1951, وعبد المنعم حسن كامل في 9 من ديسمبر سنة 1950". ورداً على سؤال عن السبب في عدم الطعن في المواعيد القانونية أجاب المتظلم "أنا اشتكيت في المصلحة عقب صدور كل ترقية لهؤلاء الأشخاص, ولكن المصلحة لم تتخذ أي إجراء في التظلمات", ثم أضاف أنه لم يرفع دعاوى بعد هذه التظلمات. وقد رأت اللجنة القضائية أن النظر في طلب إلغاء القرار رقم 48088 لسنة 1948 مما يخرج عن اختصاصها المحدد بالقانون رقم 160 لسنة 1952, وقضت اللجنة بعدم اختصاصها بالنظر فيه. أما عن طلب إلغاء القرارات التي أشار إليها فقد انتهت اللجنة استناداً إلى إجابات المتظلم أمامها أنه ثبت لها من أقواله أنه علم بصدور هذه القرارات؛ ومن ثم يكون هذا الطلب غير مقبول لرفعه بعد الميعاد. وأصدر قرارها بهذا المعنى في 23 من يونيه سنة 1953". كما أقامته على أن "المدعي عندما رفع دعواه الحالية طعن في قرار صادر من اللجنة القضائية بتاريخ 25 من فبراير سنة 1954 يقضي برفض تظلمه على أساس أسباب لا تتصل بالنواحي الشكلية للتظلم, بل تتصل بالموضوع ذاته. وانتهى في عريضة دعواه إلى طلب إلغاء قرار اللجنة القضائية المشار إليه, غير أنه في الوقت ذاته طلب إلغاء القرارين الصادرين من وزير الأشغال رقمي 192 و247 لسنة 1953 فيما تضمناه من تخطيه في الترقية إلى الدرجة الرابعة. وقد أجابت الوزارة على ما جاء بعريضة الدعوى من حيث موضوع القرارين رقمي 192، 247 لسنة 1953 دون التعرض لما جاء في قرار اللجنة القضائية", وعلى أنه "يبدو مما تقدم أن طعن المدعي لا ينصب في الواقع على قرار اللجنة القضائية الصادر في التظلم رقم 1661 لسنة 1 ق بتاريخ 23 من يونيه سنة 1953؛ ذلك أن المدعي جهل في عريضة دعواه رقم التظلم الذي صدر في شأنه قرار اللجنة القضائية الذي يطعن فيه, كما أنه ذكر تاريخاً مخالفاً للتاريخ الذي صدر فيه القرار؛ فقد ذكر أنه صدر في 25 من فبراير سنة 1954, بينما الواقع أن القرار صدر في 23 من يونيه سنة 1953. وقال إن اللجنة قررت رفض الطعن من حيث موضوعه بينما الواقع أن اللجنة أصدرت قراراً من شقين أحدهما بعدم الاختصاص والآخر بعدم قبول التظلم لتقديمه بعد الميعاد. أضف إلى ذلك أن الوزارة لم تذكر في إجابتها على عريضة الدعوى أي شيء عن قرار اللجنة القضائية", كما أسست قضاءها كذلك على أن "المادة 79 من قانون المرافعات تنص على أنه إذا كان الخطأ أو النقص في بيانات صحيفة افتتاح الدعوى من شأنه أن يجهل بالمدعى به بطلت الصحيفة, ومتى كانت عريضة الدعوى الحالية في الشق الخاص بإلغاء قرار اللجنة القضائية تجهل بالمدعي به؛ إذ لا يمكن الاستدلال على قرار اللجنة القضائية تجهل بالمدعى به ؛ إذ لا يمكن الاستدلال على قرار اللجنة المطعون فيه بموجب البيانات الواردة بصحيفة الطعن, مما يتعين معه اعتبارها باطلة ولا يعتد بها".
ومن حيث إن هذه المحكمة سبق أن قضت [(1)] بأن الدعوى إذا كانت ذات شقين أو جملة شقائق فإن الطعن في شق منها يثير المنازعة برمتها أمام هذه المحكمة ما دامت طلبات المطعون عليه مرتبطة بعضها ببعض ارتباطاً جوهرياً, باعتبارها مستندة في حقيقتها إلى أساس قانوني واحد, فإذا كان طعن رئيس هيئة مفوضي الدولة قد اقتصر على ما قضى به الحكم في طلب إلغاء قرارات وزير الأشغال رقم 192 و247 لسنة 1953 ورقم 301 لسنة 1954 فيما تضمنت من تخطي المطعون عليه في الترقي إلى الدرجة الرابعة, فإن ما قضى به في شقه الآخر من عدم قبول الطعن بإلغاء قرار اللجنة القضائية لبطلان صحيفة هذا الطعن إنما يتصل أوثق اتصال بالشق المطعون فيه؛ ذلك لأن قرار اللجنة القضائية محل الطعن إنما صدر في موضوع طلب إلغاء قرار وزير الأشغال رقم 48088 لسنة 1948 بوضع قواعد لترقية مهندسي مصلحتي الري والمباني, وهذا القرار التنظيمي العام هو الذي بني المطعون عليه طلب إلغاء قرارات وزير الأشغال المشار إليها على أساس بطلانه, اعتماداً على ما ادعاه من أن هذه القرارات الإدارية الفردية لا تعدو أن تكون من تطبيقات هذا القرار التنظيمي العام الذي طلب إلغاءه أمام اللجنة القضائية, وهذا الذي ذهب إليه المطعون عليه من شأنه أن يربط ما بين شقي الحكم برباط وثيق, ويجعل الطعن في أحداهما متعدياً إلى الحكم في الشق الآخر بحكم هذا الارتباط. وكذلك الشأن بالنسبة إلى ما قضى به في القرارات الإدارية الأخرى التي طلب إلغاءها أمام اللجنة القضائية فإن الأساس القانوني لإلغائها يشترك في نظر المطعون عليه مع الأساس الذي أقام عليه دعوى الإلغاء أمام محكمة القضاء الإداري.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بما قضى به الشق الأول من الحكم المطعون فيه من عدم قبول طلب إلغاء قرار اللجنة القضائية, فإن الشق المذكور قد انتهى إلى نتيجة صائبة أقيمت على أسباب واقعية صحيحة واستدلال قانوني سليم؛ لأن بيانات صحيفة الطعن في قرار اللجنة القضائية في التظلم رقم 1661 لسنة 1 ق قد جهلت موضوع الطعن, سواء من حيث إغفال تحديد القرار المطعون فيه وتاريخه, أو من ناحية ترك بيان موضوع التظلم الذي قضى فيه هذا القرار، أو من جهة عدم تعيين فحوى القرار أو المعنى الذي صدر به, بل لقد أوردت صحيفة الطعن عن قرار اللجنة القضائية بيانات خاطئة تضلل الأفهام عن حقيقة مضمون هذا القرار ومنطوقه, وساقت له أسباباً غير الأسباب الحقيقية التي بني عليها, ثم نسبت إليه تاريخاً غير الذي صدر فيه؛ فقد ورد في صحيفة الدعوى أن قرار اللجنة القضائية موضوع الطعن قد صدر برفض التظلم في حين أنه صدر بعدم اختصاص اللجنة القضائية بالنسبة إلى أحد الطلبات, وبعدم قبول التظلم فيما يتعلق بطلب إلغاء قرارات الترقية. وجاء في صحيفة الطعن أن القرار المطعون فيه قد أصدرته اللجنة القضائية في 25 من فبراير سنة 1954 مع أنه صدر منها في 23 من يونيه سنة 1953، وقد أعان هذا كله على تجهيل القرار محل الطعن تجهيلاً لم يجله جواب الوزارة المدعى عليها عن الدعوى, فقد خلا ردها من توضيح ما خفي وتبيين ما جهل من أمر قرار اللجنة القضائية سالف الذكر, وبعد إذ استبان لمحكمة القضاء الإداري وجه التخالف البين بين ما جعل موضعاً للطعن في صحيفته المودعة سكرتيرية محكمة القضاء الإداري في اليوم الأول من أغسطس سنة 1954, وبين القرار الحقيقي الذي أصدرته اللجنة القضائية لوزارة الأشغال في 23 من يونيه سنة 1953, كان حقاً عليها أن تورد في أسباب حكمها المطعون فيه ما لابس بيانات صحيفة الطعن من تجهيل صارخ وإغفال واضح للبيانات الجوهرية الواجب استيفاؤها لبيان موضوع الطعن, وأن تنتقل بعد ذلك - كما فعلت بحق - إلى تحصيل بطلانها, وإلى القضاء بعدم قبول الطعن لبطلان صحيفته.
ومن حيث إن هذا الذي انتهى إليه الحكم المطعون فيه يتواءم مع ما فرضته المادة الرابعة عشرة من القانون رقم 9 لسنة 1949 الخاص بمجلس الدولة من أنه "يجب أن تتضمن العريضة - عدا البيانات العامة المتعلقة بأسماء الخصوم وصفاتهم ومحال إقامتهم - موضوع الطلب, وبياناً للمستندات المؤيدة له, وأن تقرن بصورة أو ملخص من القرار المطعون فيه...", وما رددته المادة 21 من القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة من أنه "يجب أن تتضمن العريضة - عدا البيانات العامة المتعلقة بأسماء الطالب ومن يوجه إليهم الطلب وصفاتهم ومحال إقامتهم - موضوع الطلب، وتاريخ التظلم من القرار إن كان مما يجب التظلم منه ونتيجة التظلم وبياناً بالمستندات المؤيدة للطلب...", وما أوضحته المادة 405 من قانون المرافعات المدنية والتجارية من أن الاستئناف "يرفع بعريضة تقدم إلى قلم كتاب المحكمة المختصة بنظره موقعة من محام مقبول للمرافعة, وتشمل - عدا البيانات العامة المتعلقة بأسماء الخصوم وصفاتهم وموطن كل منهم - على بيان الحكم المستأنف وتاريخه والأسباب التي بني عليها الاستئناف وطلبات المستأنف... وإذا لم يحصل الاستئناف على الوجه المتقدم كان باطلاً، وحكمت المحكمة من تلقاء نفسها ببطلانه", ثم ما أرسته المادة 79 من قانون المرافعات المدنية والتجارية من قواعد لبطلان صحية افتتاح الدعوى, والتي فرق بموجبها بين خطأ أو نقص تبطل به تلك الصحيفة, وبين خطأ أو نقص يجوز أن يترتب عليه الحكم ببطلانها؛ ولهذا جرى نصها بما يأتي "إذا كان الخطأ أو النقص في بيانات صحيفة افتتاح الدعوى من شأنه أن يجهل بالمحكمة أو بالمدعي أو بالمدعى عليه أو بالمدعى به أو بتاريخ الجلسة بطلت الصحيفة. فإن وقع الخطأ أو النقص فيما عدا ذلك جاز الحكم بالبطلان". وعليه لا يكون شخوص الجهة الإدارية في الدعوى مزيلاً لذلك البطلان المطلق, وخاصة وأن هذه الجهة لم تبد جواباً في موضوع الطعن في قرار اللجنة القضائية لما أحاط به من تجهيل، هذا إلى أن حضورها في ذاته ليس من شأنه أن يمحو ما بصحيفة الطعن من عيوب جوهرية تبطلها على الوجه الذي حسمته المادة 26 من قانون المرافعات المدنية والتجارية.
ومن حيث إنه لما تقدم يكون الطعن أمام محكمة القضاء الإداري في قرار اللجنة القضائية الصادر في 23 من يونيه سنة 1956 قد رفع بصحيفة باطلة, ومثل هذا الإجراء لا يترتب عليه أثره المقصود قانوناً, ما دامت صحيفة الطعن قد خلت من البيانات الجوهرية التي أوجبتها المواد 14 من القانون رقم 9 لسنة 1949 الخاص بمجلس الدولة و21 من القانون رقم 165 لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة و79 و405 من قانون المرافعات المدنية على ما سلف إيضاحه وتفصيله, ويكون الشق الأول من الحكم المطعون فيه قد أصاب محجة الصواب فيما قضى به من "عدم قبول طلب إلغاء قرار اللجنة القضائية المطعون فيه لبطلان صحيفة الطعن".
(ب) عن الموضوع:
من حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يبين من الأوراق - أن المطعون عليه أقام الدعوى رقم 12510 لسنة 8 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري بصحيفة أودعها سكرتيرية المحكمة في أول أغسطس سنة 1954 طالباً الحكم "بإلغاء قراري وزير الأشغال رقم 192 ورقم 247 لسنة 1953 فيما تضمناه من تخطي الطالب في الترقية إلى الدرجة الرابعة, والحكم بترقيته إلى تلك الدرجة منذ تاريخ القرارين المطعون عليهما, مع ما يترتب على ذلك من الآثار بكافة أنواعها, وإلزام الوزارة المعلن إليها بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة". وقال في بيان دعواه بالنسبة إلى هذا الشق من طلباته إن أقدميته في الدرجة الخامسة تطوع له التقدم على المطعون في ترقيتهما في الحصول على الدرجة الرابعة؛ لأنهم ممن يلونه في ترتيب الأقدمية في الدرجة الخامسة ولا يفوقونه في درجة الكفاية أو الأهلية, وأنه من المقرر طبقاً للأصول الإدارية أن اللقب يتبع الدرجة, وأن النظام المعمول به في وزارة الأشغال لا يعدو أن يكون تلقيباً لطوائف المهندسين بحسب درجاتهم المالية, ولا يهدف إلى جعل الترقية إلى الدرجة المالية المستحقة رهناً بحصول المهندس على لقب معين لذاته. وقال إن منح اللقب يجب أن يكون تابعاً لحصول المهندس على الدرجة المالية المقابلة، لا أن يكون منح الدرجة تابعاً للحصول على اللقب. وأنه لا يغير من الأمر شيئاً أن تدعي الوزارة أن القانون رقم 134 سنة 1953 يمنع من ترقيته إلى الدرجة الرابعة رغم أقدميته وكفاءته, بدعوى أنه غير حاصل على لقب "مساعد مدير أعمال"؛ لأنه إذا صح ذلك فقد كان جديراً بالمسئولين أن يبادروا بمنحه هذا اللقب, حرصاً على صالح العمل, كما وصى بذلك جميع رؤسائه الذين تعاون معهم في تقاريرهم عنه. وخلص من ذلك إلى طلب الحكم بإلغاء قراراي وزير الأشغال رقم 192 و247 لسنة 1953 فيما تضمناه من تخطيه في الترقية إلى الدرجة الرابعة من تاريخ هذين القرارين المشار إليهما. وقد ردت الوزارة على هذه الدعوى قائلة بأن ترقيات المهندسين بمصلحة المباني إنما يحكمها القانون رقم 134 لسنة 1953 الصادر في 26 من مارس سنة 1953, وقد نص في المادة الأولى منه على أنه "استثناء من أحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 في شأن الترقية وترتيب الأقدمية, تكون الترقيات وترتيب الأقدمية في وظائف الكادر الفني العالي بمصلحة المباني على أساس أقدمية الترقية إلى الوظائف المبينة بالجدول المرافق وفقاً للترتيب الوارد به". وأنه جاء في الجدول المرافق لهذا القانون أن الدرجة الخامسة تقسم إلى فئتين ( أ ) مساعد مدير أعمال, (ب) مهندس. وأن الوظائف المدرجة أمام ( أ ) أعلى من الوظائف المدرجة أمام (ب). وقالت الوزارة إنه جاء بالمذكرة التفسيرية لهذا القانون أن الترقية إلى الوظيفة تعتبر بمثابة ترقية إلى الدرجة من حيث احتساب الأقدمية, دون اعتبار لأقدمية الدرجة من غير أن يترتب على هذه الترقية أية زيادة، وإنه عند الترقية إلى الدرجة المالية تكون الترقية مقصورة على الشاغلين للوظائف العليا, فلا يتأثرون عند الترقية بأسبقية زملائهم في الدرجة المالية ممن يشغلون وظائف أقل من وظائفهم في الأهمية. وأنه يتضح من كل ما تقدم أن إجراء الترقية إلى درجة مساعد مدير أعمال من الدرجة الرابعة يكون الترشيح فيها من بين الشاغلين لوظيفة مساعد مدير أعمال من الدرجة الخامسة, وليس من بين الشغالين لوظيفة مهندس من الدرجة الخامسة, حتى ولو كان المهندس أقدم في الدرجة الخامسة من مساعد مدير الأعمال وهذا ما حدث فعلاً في الترقيات التي تمت بموجب القرار الوزاري رقم 192 لسنة 1953, فإن جميع الذين رقوا بمقتضاه إلى درجة مساعد مدير أعمال من الدرجة الرابعة كانوا يشغلون هذه الوظيفة من الدرجة الخامسة. وأوضحت الوزارة أن المطعون عليه جورجي ميخائيل كان يشغل وقت إجراء هذه الترقيات وظيفة مهندس من الدرجة الخامسة, فلا يحق له المطالبة بالترقية إلى درجة مساعد مدير أعمال من الدرجة الرابعة إلا بعد ترقيته إلى هذه الوظيفة أولاً. وقالت إن الترقيات التي تمت بموجب القرار الوزاري رقم 247 لسنة 1953 لم يرق فيها أحد من مهندسي الدرجة الخامسة, وإنما كانت مقصورة على الشاغلين لوظائف مساعدي مديري أعمال؛ ولذلك فإنه لا يحق له أيضاً الطعن في هذا القرار. وقدمت الوزارة صورة من القرار المطعون فيه الصادر من الوكيل الدائم لوزارة الأشغال العمومية في 6 من أكتوبر سنة 1953 بترقية مهندسي مصلحة المباني الأميرية, ويتبين منه أن الترقيات إلى الدرجة الرابعة فما فوق اقتصرت على من كان يحمل لقب "مساعد مدير أعمال" و"مدير أعمال" و"وكيل تفتيش". وقد رد المطعون عليه بمذكرة أودعها ملف الدعوى وذكر فيها أن منح لقب مساعد مدير أعمال لبعض المهندسين قبل نفاذ القانون رقم 134 لسنة 1953 لم يكن من شأنه أن يسمح باتخاذه تكئة لإيثار هذا البعض بالترقية المالية على حساب قواعد الترقية وضوابطها الحقة, ولم يكن الأمر في ذلك يعدو أن يكون تلقيباً غير ذي أثر في مجال الترقية القانونية؛ ومن ثم لم يكن من شأنه أن يجيز الطعن فيه بالإلغاء. وقال إن هذا التلقيب إذا كان قد قصد به تمييز الملقبين على من سواهم طبقاً للقرار الوزاري الصادر في 10 من يونيه سنة 1948, فإنه يكون قد وقع باطلاً, وأنه من حقه أن يدفع بعدم مشروعيته؛ لأنه من الدفوع التي لا يلحقها تقادم, وعلى المحكمة أن تتحراها وتفصل فيها كلما أثيرت أمامها أمثال هذه الدفوع في الدعاوى المطروحة أمامها. وقال إن التقارير المقدمة عنه من رؤسائه تشيد بكفايته وتوصي بترقيته, ثم عدل طلباته بتوجيهها إلى وزارة الشئون البلدية والقروية بعد ضم مصلحة المباني إليها طبقاً للقانون رقم 280 لسنة 1955 الصادر في 16 من يونيه سنة 1955. وبجلسة 20 من يونيه سنة 1956 قضت محكمة القضاء الإداري "بإلغاء قرار وزير الأشغال الصادر برقم 192 بتاريخ 13 من سبتمبر سنة 1953 فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية إلى وظيفة مساعد مدير أعمال من الدرجة الرابعة, مع ما يترتب على ذلك من آثار, وألزمت الحكومة باقي بالمصروفات". وأقامت قضاءها على أن الوزارة كان يتعين عليها أن تسلك الطريق السوي بعد صدور القانون رقم 134 لسنة 1953؛ فقد كان ينبغي قبل الترقية أن تجريها الوزارة على مرحلتين: الأولى, أن تختار من بين المهندسين جميعاً من يستحق الترقية إلى وظيفة مساعد مدير أعمال تنفيذاً لأحكام القانون المشار إليه, مراعية في ذلك قواعد الاختيار المقررة في قانون موظفي الدولة, والمرحلة الثانية, أن تجرى الترقية بين هؤلاء الأخيرين إلى درجة مساعد مدير أعمال من الدرجة الرابعة مع مراعاة أحكام المادة 38 من قانون نظام موظفي الدولة. وأن الوزارة قد أغفلت المرحلة الأولى وعولت على حصول بعض مهندسي الدرجة الخامسة على لقب مساعد مدير أعمال قبل العمل بأحكام القانون رقم 134 لسنة 1953, في حين أن بعض المهندسين ممن لم يحصلوا على هذا اللقب كانوا أسبق في أقدمية الدرجة الخامسة ممن رقوا فعلاً؛ وأن الوزارة لو كانت قد التزمت الإجراء السليم, لوجب عليها اختيار المطعون عليه إلى وظيفة مساعد مدير أعمال؛ لأنه من المهندسين الحاصلين على تقدير جيد فضلاً عن أقدميته التي ترشحه لهذا الاختيار, وأن المدعي أقدم من جميع المرقين بموجب القرارين المطعون فيهما ولحصوله فوق ذلك على درجة جيد كان يتعين على الوزارة ترقيته إلى وظيفة مساعد مدير أعمال بالاختيار؛ ومن ثم يكون أحق بالترقية إلى الدرجة الرابعة من المطعون في ترقيتهم, وأنه لا اعتداد بالقول بأن القانون رقم 134 لسنة 1953 لقد أقر ترتيب الأقدميات الذي كان قائماً عند العمل به, وأن المدعي أهمل في الطعن في هذا الترتيب في ميعاد الطعن بالإلغاء من تاريخ العمل بالقانون المشار إليه, وأن الترتيب من ثم أصبح نهائياً يسوغ للوزارة الاحتجاج به عند إجراء الترقية إلى الدرجة الرابعة المالية - لا اعتداد بذلك كله؛ لأن هذا الترتيب لم يصدر به قرار إداري يجوز الطعن فيه؛ لأن ترتيب الأقدمية ذاته لا ينتج أثره بالنسبة إلى الموظف إلا عند اتخاذه أساساً لإجراء الترقيات إلى الدرجات المالية, مما يتيح لأصحاب المصلحة الطعن في قرارات الترقيات وفي ترتيب الأقدمية الذي بنيت عليه تلك القرارات في المواعيد المقررة للطعن في هذه القرارات. وخلصت المحكمة إلى أن القرار رقم 192 لسنة 1953 فيما تضمنه من تخطي المطعون عليه هو قرار باطل يتعين إلغاؤه, وأنه لا مصلحة له بعد ذلك في طلب إلغاء القرارين رقمي 247 لسنة 1953 و301 لسنة 1954 لعدم وجود مصلحة له في الطعن عليهما.
ومن حيث إن الطعن قد بني على أن تظلم المطعون عليه إلى اللجنة القضائية كان منصباً على تعديل أقدميته في الدرجة الخامسة, وأنه إذ أصبح القرار نهائياً بعدم الطعن فيه, ثم باستبعاده عند نظر الدعوى الحالية, فإنه أياً كان صواب الرأي فيما قضى به فإنه أصبح حكماً نهائياً ليس من الجائز إثارة نزاع في خصوص ما قضى به, وعلى أن طلب المطعون عليه إلغاء القرارات الصادرة بتخطيه في الترقية إلى الدرجة الرابعة لا يتأتى تحقيقه إلا بتعديل أقدميته في الدرجة الخامسة, وهو أمر فرغ منه بعد قرار اللجنة؛ ومن ثم يكون طلبه منهار الأساس واجب الرفض - وإذ ذهب الحكم المطعون فيه مذهباً مخالفاً - فإنه يكون قد خالف القانون.
ومن حيث إنه قد تبين لهذه المحكمة من واقع الأوراق, وبخاصة محاضر لجنة شئون الموظفين المؤرخة 15 من أبريل و10 و25 من مايو سنة 1953, أن الترشيح للترقية إلى الدرجة الرابعة كان مقصوراً على الحاصلين على لقب مساعد مدير أعمال من مهندسي المباني, وأنه على إثر صدور القرارين الوزاريين الرقيمين 743/ 52 و776/ 52 بتاريخي 30 من أبريل و14 من مايو سنة 1953 بترقية بعض موظفي ومستخدمي مصلحة المباني الأميرية إلى الدرجات الشاغرة, قد تقدم من تخطى في الترقية إلى هذه الدرجات بالشكوى من تخطيه, فكان أن أوقف تنفيذ حركة الترقيات برمتها حتى يبت في هذه التظلمات. وبناء على قرار صادر من مجلس الوزراء في 30 من يونيه سنة 1953 تألفت لجنة من وزراء العدل والأشغال بالنيابة والدولة ورئيس ديوان الموظفين للنظر في حركة الترقيات في ضوء الشكاوى المتقدمة, على أن تقدم اللجنة تقريرها إلى مجلس الوزراء. وقد عرضت مذكرة اللجنة الوزارية على المجلس بالفعل في 8 من سبتمبر سنة 1953, وعلى إثر عرضها صدر القرار المطعون فيه رقم 192 لسنة 1953 من وزير الأشغال بإجراء حركة ترقيات بين مهندسي مصلحة المباني تضمنت بداهة اختيار من خصوا بالترقية إلى الدرجات الخالية, ومن هؤلاء جميع من رقى بموجب القرار المطعون فيه إلى الدرجة الرابعة من مساعدي مديري الأعمال, كما تبين أن جميعهم كانوا حاصلين على لقب "مساعد مدير أعمال" قبل صدور القانون رقم 134 لسنة 1953؛ إذ تتراوح تواريخ حصولهم على اللقب المذكور بين سنتي 1951 و1952. ووضح كذلك من الأوراق أن القرارات الإدارية الفردية التي طلب إلغاؤها أمام اللجنة القضائية بالتظلم رقم 1661 لسنة 1 القضائية والتي قضى فيها بعدم قبول الدعوى, هي قرارات أخرى كان قد أصدرها وزير الأشغال في السنوات 1950 و1951 و1952, وكان آخرها قراراً صدر منه في 24 من فبراير سنة 1952؛ ومن ثم فهي قرارات مغايرة كل المغايرة للقرار الوزاري رقم 192 لسنة 1953 المطعون فيه مباشرة أمام محكمة القضاء الإداري والمقضي في شأنه بالحكم المطعون فيه. وتبين أخيراً من أسباب قرار اللجنة القضائية المستأنف أن عدم قبول التظلم قد بني على ما تبين للجنة القضائية من أقوال المتظلم من أنه علم بهذه القرارات ولم يطعن فيها في الميعاد, أما طلب إلغاء القرار التنظيمي العام الصادر من وزير الأشغال في 10 من يونيه سنة 1948 يجعل الأسبقية لمن رقى إلى الوظيفة الأعلى من تاريخ هذه الترقية بقطع النظر عن أقدمية الدرجة المالية, فقد قضت اللجنة القضائية فيه بعدم اختصاصها به على ما سلف البيان.
ومن حيث إن وزير الأشغال قد أصدر في 10 من يونيه سنة 1948 قراراً يقضي في مادته الأولى بأنه "في حالة الدرجات المخصصة لوظيفة أو أكثر يعلو بعضها فوق بعض من الوجهة المصلحية تعطى الأسبقية للمرقين للوظائف الأعلى من تاريخ الترقية إليها, ولا تتقيد هذه الأسبقية بسبب ترقية الأقدم في الدرجة المالية بعد الأحدث منه". وقد درجت وزارة الأشغال على هذه السنة من زمن بعيد يرجع إلى تاريخ صدور "كادر هارفي" كما يبين من ذلك بجلاء من المذكرة الإيضاحية المرافقة للقانون رقم 134 لسنة 1953.
ومن حيث إن هذا الذي جرت عليه وزارة الأشغال وطابقه قرار وزير الأشغال, على ما سبق القول, يتعارض مع تعليمات المالية رقم 30 لسنة 1924 التي نصت على جعل المدة التي يقضيها الموظف في الدرجة المالية أساساً الأقدمية, كما لا يتلاقى لا مع القواعد التي أرساها قرار مجلس الوزراء في 17 من مايو سنة 1950 في شأن قواعد التيسير, وفصلها في كتاب المالية الدوري رقم ف - 234/ 5/ 25 المؤرخ 24 من مايو سنة 1950, ولا مع الأصول التي قررها قانون نظام موظفي الدولة رقم 210 لسنة 1951 أساساً الأقدمية, وقد قضت بتعيين نسب للترقية بالأقدمية المطلقة في الدرجة المالية وللترقية بالاختيار للكفاية في الكادرين العالي والإداري تختلف باختلاف الدرجة المالية المرقى إليها.
ومن حيث إن الشارع - حرصاً منه على تصحيح الأوضاع فيما يتعلق بضوابط الترقي بين مهندس الري والمباني بوزارة الأشغال قد أصدر أخيراً في 26 من مارس سنة 1953 القانون رقم 134 لسنة 1953 في شأن الأقدمية والترقية بين الموظفين الفنيين بمصلحتي الري والمباني الأميرية بوزارة الأشغال العمومية ناصاً في مادته الأولى على ما يأتي: "استثناء من أحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 المشار إليه في شأن الترقية وترتيب الأقدمية في الدرجات, تكون الترقيات وترتيب الأقدمية في وظائف الكادر الفني العالي بمصلحتي الري والمباني بوزارة الأشغال العمومية على أساس أقدمية الترقية إلى الوظائف المبينة بالجدول المرافق له وفقاً للترتيب الوارد به", كما صرح في مادته الثانية بأنه "مع مراعاة أحكام المادة 38 من القانون المشار إليه، تكون الترقية بالاختيار من وظيفة إلى أخرى تعلوها في الأهمية في حدود الدرجة المالية ذاتها".
ومن حيث إن المذكرة الإيضاحية للقانون المتقدم الذكر قد أوردت التفسير الصحيح لأحكامه إذ صرحت بما يلي ".... لذلك رؤى وضع قواعد خاصة بالترقية وترتيب الأقدمية في المصالح الفنية بوزارة الأشغال في الكادر الفني العالي حرصاً على صالح العمل وأهميته, لما تتطلبه إدارة المرافق العامة للدولة من مراعاة الدقة في اختيار الأشخاص الذين يقومون بأعباء الوظائف الرئيسية فيها.... وقد تضمنت المادة الأولى من مشروع القانون المقترح حكماً استثنائياً من القواعد العامة لحساب الأقدمية وقواعد الترقية, فتعتبر الترقية إلى الوظيفة بمثابة قرار ترقية إلى الدرجة من حيث احتساب الأقدمية, دون اعتبار لأقدمية الدرجة ومن غير أن يترتب على هذه الترقية للوظائف أية زيادة...., كما نصت المادة الثانية من المشروع على وجوب إصدار قرار بالترقية إلى الوظيفة العليا, وتخضع هذه القرارات للأحكام الخاصة باختصاص لجان شئون الموظفين؛ رغبة في توفير الضمانات لهم واعتماد تلك القرارات من الوزير المختص. على أنه عند الترقية إلى الدرجات المالية ستراعى بجانب القواعد المرسومة في هذا المشروع القواعد المنصوص عليها في المادة 38 من القانون رقم 210 لسنة 1951 من حيث الترقية بالأقدمية أو بالاختيار, على أن تكون هذه القواعد قاصرة على الشغالين للوظائف العليا, فلا يتأثرون عند الترقية بأسبقية زملائهم في الدرجة المالية ممن يشغلون وظائف أقل من وظائفهم في الأهمية".
ومن حيث إنه يبين مما تقدم أن المشرع أراد بالقانون رقم 134 لسنة 1953 أن يجعل أساس الترقيات وترتيب الأقدمية في وظائف الكادر الفني العالي بمصلحتي الري والمباني بوزارة الأشغال العمومية على أساس أقدمية الترقية إلى الوظائف المبينة بالجدول المرافق له ووفقاً للترتيب الوارد به. وهذه القاعدة للترقية وترتيب الأقدمية تخالف القاعدة المقررة في المادة 38 وما بعدها من قانون التوظف رقم 210 لسنة 1951, تلك التي مناطها في خصوص الترقية أن تكون بالأقدمية في الدرجة, ويجوز أن تكون بالاختيار للكفاية في حدود نسب معينة, كما يخالف قاعدة ترتيب الأقدميات المنصوص عليها في المادة 25 منه, والتي مناطها أساساً هو تاريخ التعيين في الدرجة المالية فإذا اتحد زمنياً اعتبرت الأقدمية على أساس أقدمية الدرجة السابقة وهكذا.
ومن حيث إنه ولئن كان تلك هي القواعد المقررة في قانون التوظف رقم 210 لسنة 1951 قبل تعديله بالقانون رقم 134 لسنة 1953، بحيث ما كان يجوز الاستناد إلى أهمية الوظائف التلقيبية بحسب تدرجها كأساس للترقية دون الاعتداد بالأقدمية في الدرجة المالية - لئن كان ذلك هو كما تقدم، إلا أنه ليس من شك في أنه بعد نفاذ القانون رقم 134 لسنة 1953 الذي قام - حسبما صرحت بذلك مذكرته الإيضاحية - على أساس أهمية تلك الوظائف وما تتطلبه إدارة المرافق العامة لوزارة الأشغال من وجوب مراعاة الدقة في اختيار الأشخاص الذين يقومون بأعباء هذه الوظائف الرئيسية - ليس من شك في أن هذا القانون إنما أقر الوضع الذي جرى عليه العمل من قبل في وزارة الأشغال العمومية, وهو إسناد هذه الوظائف الرئيسية بألقابها إلى من تراه - بحسب تقديرها - جديراً بالاضطلاع بها, وأن يكون التعيين في هذه الوظائف من قبل هو الأساس في الترقيات إلى ما يعلوها من وظائف أعلى مستقبلاً بالتطبيق للقانون المذكور. وغني عن القول أن المشرع لم يقصد أن يجعل نفاذ القانون المذكور منبت الصلة بما استقرت عليه الأوضاع من قبل, بل يبين من روحه وفحواه أنه أراد أن يربط الماضي بالحاضر في هذا الخصوص؛ نظراً لارتباط ذلك بالمصلحة العامة كما أكدته المذكرة الإيضاحية, والقول بغير ذلك يؤدي إلى أحد وضعين لا ثالث لهما: إما إلى إهدار التعيينات التلقيبية السابقة برمتها وإعادة النظر فيها بسلطة تقديرية جديدة, وظاهر أن هذا الفرض بعيد عن قصد الشارع لما يترتب عليه من زعزعة الأوضاع, وإما أن تصدر قرارات جديدة مرددة للأوضاع السابقة في تلك الوظائف التلقيبية، وهو مجرد تكرار شكلي للقرارات السابقة, وهذا الفرض الآخر بعيد كذلك عن قصد الشارع، تنزيهاً له عن التكرار وتحصيل الحاصل؛ ولذلك فإن الأقرب إلى القصد هو - كما سبق القول - ربط الماضي بالحاضر وإقرار ما تم من أوضاع في هذا الخصوص؛ لتكون أساساً لتطبيق القانون رقم 134 لسنة 1953 في مرحلته الأولى, ومع ذلك فإن لجان شئون الموظفين حين نظرت في الترقيات بالتطبيق للقانون المذكور في هذه المرحلة إنما أتمت عملها على أساس القرارات التلقيبية السابقة باعتبارها مستقرة مفروغاً منها, وإذا قيل في الجدل بأنها كانت تملك إعادة النظر فيها, فإن هذا القول مردود بما ثبت من أنها أتمت عملها على أساس إقرار ما انطوت عليه تلك القرارات.
ومن حيث إن طلب المطعون عليه إلغاء القرارين الوزاريين رقم 247 لسنة 1953 و301 لسنة 1954 مرفوض أيضاً للعلة التي بني عليها الحكم برفض طلب إلغاء القرار الوزاري رقم 192 الصادر في 13 من سبتمبر سنة 1953. وعلى مقتضى ذلك يكون الحكم المطعون فيه - إذ ذهب غير هذا المذهب - قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه؛ ويتعين من ثم القضاء بإلغائه, وبرفض دعوى المدعي, مع إلزامه بالمصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً, وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من إلغاء قرار وزير الأشغال رقم 192 سنة 1953 الصادر في 13 من سبتمبر سنة 1953 فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية إلى وظيفة مساعد مدير أعمال من الدرجة الرابعة, وبرفض الدعوى, وألزمت المدعي بالمصروفات.


[(1)] راجع السنة الثانية من هذه المجموعة بند 137 ( أ ) ص 1335.