مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الرابعة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1958 إلى أخر يناير سنة 1959) - صـ 507

(40)
جلسة 3 من يناير سنة 1959

برياسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة سيد علي الدمراوي والسيد إبراهيم الديواني وعلي إبراهيم بغدادي والدكتور محمود سعد الدين الشريف المستشارين.

القضية رقم 912 لسنة 3 القضائية

( أ ) أقدمية - القرار الصادر بالترقية ينشئ مركزاً قانونياً من ناحية الموازنة في ترتيب الأقدمية في الترقية بين ذوي الشأن - الطعن في القرار المذكور يجب أن يقدم في الميعاد وإلا كان غير مقبول.
(ب) أقدمية - تحديد ترتيب الأقدمية يكون بطريقين: (1) بقرار يحدد الأقدمية بين المرقين في قرار واحد. (2) يوضع كشوف بترتيب الأقدميات على أساس قرار تنظيمي عام دون أن يصدر قرار فردي محدد للأسبقية - الطعن في الحالة الأولى يكون في القرار الصادر بإنشاء المركز الذاتي في ترتيب الأقدمية - جواز الطعن في الحالة الثانية في حالة صدور قرار فردي بترقية - سبق صدور القرار التنظيمي وفوات ميعاد الطعن فيه وصدور كشوف بترتيب الأقدمية - لا يحتج به - أساس ذلك.
1 - إن القرار الصادر بالترقية ينشئ المركز القانوني فيها بآثاره في نواح عدة, سواء من ناحية تقديم الموظف إلى الوظيفة أو الدرجة الأعلى, أو من ناحية التاريخ الذي تبدأ منه هذه الترقية, أو من ناحية الموازنة في ترتيب الأقدمية في الترقية بين ذوي الشأن, فيجب أن يكون القرار الإداري في هذه النواحي المتعددة للمركز القانوني موزوناً بميزان القانون فيها جميعاً, وإلا كان مخالفاً للقانون, كما يجب أن يقدم الطعن في القرار المذكور لمخالفته للقانون في أي ناحية من تلك النواحي في الميعاد القانوني وإلا كان غير مقبول. ومتى كان الثابت من الأوراق أنه وإن كان المدعي وزملاؤه قد رقوا جميعاً في 9 من أكتوبر سنة 1946 إلى وظيفة مساعدي مديري أعمال ووكلاء هندسة من الدرجة الرابعة, إلا أنه في ترتيب الأقدمية بينهم وضع المدعي بعد زملائه؛ إذ اتجهت نية الإدارة قصداً إلى ذلك للموازنة بينهم على أساس هذا الترتيب, فكان يتعين على المدعي أن يطعن بالإلغاء في هذا القرار في الميعاد القانوني, أياً كان الأساس الذي استند إليه هذا القرار فيما ذهب إليه من ترتيب في الأقدمية, ولو كان مخالفاً للقانون, أما وهو لم يطعن فيه في الميعاد فقد أصبح حصيناً من الإلغاء.
2 - في الطعن في ترتيب الأقدمية يجب التفرقة بين وضعين: الأول إذا كان القرار قد حدد ترتيب الأقدمية بين المرقين في قرار واحد, وكان هذا الترتيب مقصوداً لينتج أثره في خصوص الأسبقية بين الزملاء, فليس من شك عندئذ في أن هذا القرار قد أنشأ هذا المركز الذاتي في ترتيب الأقدمية قصداً, ويتعين الطعن فيه في الميعاد, والوضع الثاني ألا يصدر مثل هذا القرار الفردي المحدد لأسبقية الأقدمية بين الزملاء, وإنما قد توضع كشوف بترتيب الأقدميات على أساس قرار تنظيمي عام دون أن يصدر قرار فردي محدد لهذه الأسبقية بين الزملاء, فيجوز لصاحب الشأن إذا ما صدر بعد ذلك قرار فردي بترقية أن يطعن فيه في الميعاد دون الاحتجاج عليه لا يسبق صدور القرار التنظيمي العام وفوات ميعاد الطعن فيه ولا بكشوف ترتيب الأقدمية, ما دامت الدعوى تنصب بالذات على إلغاء القرار الفردي المتضمن تحديد الأقدمية بين الأقران, كما يجوز الطعن في القرارات التنظيمية العامة بأحد طريقين: إما بالطريق المباشر؛ أي بطلب إلغائها في الميعاد القانوني, أو بالطريق غير المباشر في أي وقت عند تطبيقها على الحالات الفردية, أي بطلب عدم الاعتداد بها لمخالفتها للقانون, وذلك عند الطعن في القرارات الفردية بالإلغاء, كما أن كشوف ترتيب الأقدميات التي لم يصدر بها قرار إداري ينشئ المركز القانوني في خصوص تحديد الأقدمية ممن يملكه لا ترقى إلى مرتبة القرار الإداري ولا تعدو أن تكون مجرد عمل مادي.


إجراءات الطعن

في 11 من أغسطس سنة 1957 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري في 20 من يونيه سنة 1957 في الدعوى رقم 1742 لسنة 9 ق المرفوعة من وزارة الأشغال ضد الحسيني السيد فايد القاضي, "بإلغاء قرار اللجنة القضائية المطعون فيه, وبعدم قبول التظلم شكلاً, وبإلزام المطعون ضده المصروفات".
وقد طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة في هذا الحكم, طالباً "قبول الطعن شكلاً, وفي الموضوع إلغاء الحكم المطعون فيه, والقضاء برفض الدعوى, وإلزام الوزارة المصروفات". وأعلن هذا الطعن إلى المطعون لصالحه في 26 من أغسطس سنة 1957, وإلى الحكومة في 19 من أكتوبر سنة 1957, وعين لنظر الطعن جلسة 14 من ديسمبر سنة 1957, وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من ملاحظات الطرفين على الوجه المبين بمحضر الجلسة, وقررت إصدار الحكم لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة, حسبما يبين من الأوراق, تتحصل في أن المطعون لصالحه تقدم بتظلمين إلى اللجنة القضائية لوزارة الأشغال العمومية برقمي 483 و1659 لسنة 2 ق قال فيهما إنه وضع في كشف أقدمية مديري الأعمال بعد السادة المهندسين مصطفى عبد العال ومحمد أحمد الحسيني وإبراهيم عارف وعبد السلام إبراهيم هاشم وحامد خليل ومحمود عبد الوهاب الملاحظ مع أنه رقى معهم في تاريخ واحد إلى جميع الدرجات والوظائف التي تعلو الدرجة السادسة ويسبقهم في تاريخ الالتحاق بالخدمة والحصول على الدرجة السادسة, مما يستتبع اعتباره أقدم منهم في وظيفة مدير أعمال التي رقى إليها اعتباراً من 31 من مارس سنة 1953؛ وذلك وفقاً للقواعد المالية الخاصة بحساب الأقدمية والتي تقضي بأنه عند الاتحاد في تاريخ الترقية إلى درجة ما يرجع إلى الدرجة السابقة وهكذا. وانتهى إلى طلب تصحيح وضعه في كشوف الأقدمية بالنسبة لزملائه سالفي الذكر. وقد أجابت الوزارة على التظلم أمام اللجنة القضائية قائلة إن المتظلم وزملاءه الذين ذكرهم في تظلمه يتساوون في تاريخ الحصول على الدرجات والألقاب التالية, وهي وظيفة مدير أعمال من الدرجة الثالثة, ووظيفة باش مهندس, ووظيفة باش مهندس بالنيابة, والدرجة الثالثة الشخصية, ووظيفة مساعد مدير أعمال من الدرجة الرابعة بصفة أصلية. غير أن المتظلم ندب لوظيفة مساعد مدير أعمال رابعة ووكيل هندسة من 10 من مايو سنة 1945, بينما عين زملاؤه بهذه الوظيفة اعتباراً من 25 من ديسمبر سنة 1944؛ لذلك تكون أقدمية المتظلم تالية لأقدميتهم وفقاً لأحكام القانون رقم 134 لسنة 1953. وعلى هذا الأساس وضع اسمه في كشف أقدمية مديري الأعمال من الدرجة الثالثة بعدهم كما أضافت أن المتظلم والمهندسين سالفي الذكر حصلوا على الدرجات المالية الرابعة والخامسة في تاريخ واحد, أما الدرجة السادسة فقد حصل عليها المتظلم قبل زملائه. وبجلسة 18 من فبراير سنة 1954 أصدرت اللجنة القضائية قرارها قاضياً بأحقية المتظلم في أن يعدل وضعه في كشف أقدمية مديري الأعمال من الدرجة الثالثة ليسبق زملاءه السادة مصطفى عبد العال ومحمد أحمد الحسيني وإبراهيم عارف وعبد السلام هاشم وحامد خليل ومحمد عبد الوهاب الملاحظ. واستندت اللجنة في إصدار هذا القرار إلى أن القانون رقم 134 لسنة 1953 لم يصبح نافذاً إلا من 26 من مارس سنة 1953 تاريخ نشره في الجريدة الرسمية, فلا يسري على موضوع النزاع الحالي, وأنه يتعين معرفة القواعد الخاصة بالأقدمية والتي كانت سارية قبل صدور هذا القانون, وأن وزير الأشغال العمومية أصدر القرار رقم 48088 في 14 من يونيه سنة 1948 تنفيذاً للقواعد المالية التي كانت سارية في ذلك الوقت, وردد في مادته الثانية فقرة "ب" ألا تعطى الأسبقية في الأقدمية في حالة توافق تاريخ الترقية على أساس الأسبقية في الدرجة السابقة أو الدرجة الأسبق واحدة تلو الأخرى حتى تاريخ الدخول في الخدمة, فترتيب الدبلوم أو الشهادة الدراسية. ثم أضاف حكماً جديداً في نفس المادة في فقرتها "و" تقضي بأن "يعتبر الندب الصادر به قرار وزاري للقيام بأعمال وظيفة أعلى بالنيابة بمثابة قرار ترقية, ويعتبر تاريخ الانتداب أساساً للأسبقية", وأنه لما كان قرار الندب الذي استندت إليه الوزارة في ترتيب أقدمية المتظلم بين زملائه قد صدر في سنة 1944 أي قبل صدور القرار الوزاري سالف الذكر, فإن أقدمية المتظلم تحكمها لقواعد العامة التي تضمنها قرار الوزير المشار إليه في الفقرة "ب" من المادة الأولى, وأن الثابت أن المتظلم وإن اتحد مع زملائه في تاريخ الترقية في جميع الدرجات والوظائف عدا الدرجة السادسة فقد حصل عليها قبل هؤلاء الزملاء. وانتهت اللجنة إلى أنه يتعين إجابة المتظلم إلى طلبه وتعديل وضعه في كشف أقدمية مديري الأعمال من الدرجة الثالثة ليسبق زملاءه المذكورين في الأقدمية, وأخطرت الوزارة بهذا القرار في 6 من فبراير سنة 1955, فرفعت الدعوى الحالية بعريضة أودعتها سكرتيرية محكمة القضاء الإداري في 30 من مارس سنة 1955 طلبت فيها الحكم بإلغاء قرار اللجنة القضائية الصادر لصالح المطعون عليه مع إلزامه بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة. واستندت في ذلك إلى أن الوزارة قد جرت منذ سنة 1932 عند ترقية الموظفين الفنيين بمصلحة الري على تفضيل من يشغلون وظائف تتميز بأهميتها على الوظائف الأخرى؛ لأن بها عدة وظائف تعلو بعضها بعضاً من الناحية المصلحية مراعاة للطابع الفني لكل وظيفة ووضعها في تسلسل الوظائف تبعاً لأهميتها ونظام العمل في كل مصلحة؛ ولذلك فإن الوزارة تشغل ما يخلو من الوظائف العليا من بين الموظفين الأكفاء في الوظائف التالية لها في الترتيب الذي وضعته لتلك الوظائف بغض النظر عن أقدمياتهم في الدرجة الواحدة، وقد يكون في الدرجة أكثر من وظيفة مسلسلة ومرتبة بحسب أهميتها بحيث لا تجوز الترقية من درجة إلى درجة إلا بمراعاة النقل من وظيفة إلى أخرى أرقى منها, ولو اتحدت الدرجة المالية الواحدة؛ ولذلك أصدرت الوزارة القرار الوزاري رقم 48088 في 14 من يونيه سنة 1948 بما يؤيد القواعد السابق اتباعها في ترقية مهندسي الري وترتيب أقدمياتهم. وبمناسبة صدور القانون رقم 210 لسنة 1951 بنظام موظفي الدولة استصدرت القانون رقم 134 سنة 1953 الخاص بترتيب الأقدمية والترقية بين الموظفين الفنيين بمصلحة الري والمباني. ولا يخفى أن إقرار القواعد التي سارت عليها منذ القدم في الترقيات وترتيب أقدمية مهندسي الري بصدور القرار الوزاري ثم القانون سالف الذكر لما يدل على سلامة هذه القواعد لإدارة المرفق العام للدولة وفق صالح العمل واختيار الأشخاص الذين يقومون بأعباء الوظائف الرئيسية. وأن اللجنة القضائية لم تراع في قرارها كل هذه الاعتبارات, وأنه لذلك فإن الوزارة تطلب الحكم بإلغاء القرار. وقد عقب المدعى عليه على طعن الوزارة بمذكرة أنكر فيها ما ذكرته الوزارة من قواعد ثابتة كانت تسير عليها منذ القدم في ترتيب أهمية الوظائف في الدرجة المالية الواحدة وفي ترتيب الأقدميات, كما أنكر عليها أن التشريعات التي صدرت أخيراً في شأن الترقيات والأقدميات لمهندسي الري قد أقرت تلك القواعد التي وضعتها الوزارة في هذا الشأن من قديم. وقال إن القواعد التي كان معمولاً بها عند صدور قرار الندب في 20 من ديسمبر سنة 1944 هي التي تضمنها كتاب المالية الدوري الصادر في 25 من يونيه سنة 1941 وتقضي بمراعاة الأقدمية في الدرجة دون اعتبار الوظيفة وعدم ترتيب أي أثر قانوني على الندب للوظيفة. وأنه لا القرار الوزاري الصادر في سنة 1948 ولا القانون رقم 134 لسنة 1953 يمتد إلى حالات تمت في سنة 1944. وانتهى إلى طلب رفض الدعوى، وتأييد قرار اللجنة القضائية, مع إلزام الحكومة بالمصروفات. وفي 20 من يونيه سنة 1957 أصدرت محكمة القضاء الإداري حكمها القاضي "بإلغاء قرار اللجنة القضائية المطعون فيه, وبعدم قبول التظلم شكلاً, وبإلزام المطعون ضده المصروفات".
وقد أسست المحكمة حكمها على أنه وإن كان القرار الوزاري رقم 48088 الصادر في 14 من يونيه سنة 1948 وكذلك القانون رقم 134 سنة 1953 لا ينصرفان إلى ما قبل التاريخ المحدد لسريانهما, إلا أن طلبات المدعى عليه تستلزم حتماً تعديل أقدميته السابقة التي تقررت في قرار الترقية الصادر في 9 من أكتوبر سنة 1946, الذي رقى بمقتضاه مع المطعون في ترقيتهم إلى مساعد مدير أعمال ووكلاء هندسات من الدرجة الرابعة, ووردت أسماء المطعون على أقدميتهم قبل المدعى عليه, وأن المدعى عليه سبق أن تظلم في 26 من مايو سنة 1947 وفي 20 من أبريل سنة 1949 وفي 14 من فبراير سنة 1951, مطالباً بتصحيح أقدميته, وأنه قد فات أوان الطعن جزئياً في قرار الترقية سالف الذكر والذي استقرت به الأقدميات في الدرجة السابقة, الأمر الذي لا يجوز معه التعرض لها؛ ومن ثم يكون تظلمه بعد فوات الميعاد المقرر في القانون رقم 9 لسنة 1949, ويكون قرار اللجنة القضائية قد صدر على غير أساس, ويتعين القضاء بإلغائه, وبعدم قبول التظلم شكلاً لرفعه بعد الميعاد. وقد طعن رئيس هيئة مفوضي الدولة في هذا الحكم, طالباً "قبول الطعن شكلاً, وفي الموضوع إلغاء الحكم المطعون فيه, والقضاء برفض الدعوى, وإلزام الوزارة المصروفات". وقد بني الطعن على أن ترتيب الأقدمية في ذاته لا ينتج أثره بالنسبة إلى الموظف إلا عند اتخاذه أساساً لإجراء الترقيات إلى الدرجات الخالية؛ إذ عندئذ فقط يسوغ لأصحاب المصلحة الطعن في قرار الترقية استناداً إلى ترتيب الأقدمية الذي بني عليه في المواعيد المقررة للطعن من تاريخ صدور هذا القرار؛ ومن ثم فإن المدعي إذ يطعن في قرار الترقيات الأخيرة فهو يطعن بحكم اللزوم في ترتيب الأقدمية الذي اتخذ أساساً له, مما يتعين معه رفض الدفع بعدم القبول في خصوص ترتيب الأقدمية, ثم قدمت هيئة المفوضين مذكرة شارحة أشارت فيها إلى وجود رأيين يتنازعان هذا الطعن: أولهما, هو رأي الحكم المطعون فيه, والرأي الثاني, هو الرأي الذي بني عليه الطعن السالف الإشارة إليه؛ لأنه إزاء اختلاف جهات القضاء الإداري في حل هذا الإشكال كان لا بد من عرض المسألة على هذه المحكمة لتقول فيها كلمة القانون بحكم تستقر به الأوضاع.
ومن حيث إن هذه المحكمة سبق أن قضت [(1)] بأن القرار الصادر بالترقية ينشئ المركز القانوني فيها بآثاره في نواح عدة, سواء من ناحية تقديم الموظف إلى الوظيفة أو الدرجة الأعلى, أو من ناحية التاريخ الذي تبدأ منه هذه الترقية, أو من ناحية الموازنة في ترتيب الأقدمية في الترقية بين ذوي الشأن, فيجب أن يكون القرار الإداري في هذه النواحي المتعددة للمركز القانوني موزوناً بميزان القانون فيها جميعاً, وإلا كان مخالفاً للقانون, كما يجب أن يقدم الطعن في القرار المذكور لمخالفته للقانون في أي ناحية من تلك النواحي في الميعاد القانوني، وإلا كان غير مقبول. وقد بان للمحكمة من الأوراق أنه وإن كان المدعي وزملاؤه قد رقوا جميعاً في 9 من أكتوبر سنة 1946 إلى وظائف مساعدي مديري أعمال ووكلاء هندسة من الدرجة الرابعة إلا أنه في ترتيب الأقدمية بينهم وضع المدعي بعد زملائه؛ إذ اتجهت نية الإدارة قصداً إلى ذلك للموازنة بينهم على أساس هذا الترتيب, فكان يتعين على المدعي أن يطعن بالإلغاء في هذا القرار في الميعاد القانوني أياً كان الأساس الذي استند إليه هذا القرار فيما ذهب إليه من ترتيب في الأقدمية ولو كن مخالفاً للقانون, أما وهو لم يطعن فيه في الميعاد فقد أصبح حصيناً من الإلغاء, ويكون الحكم المطعون فيه - إذ انتهى إلى عدم القبول - قد أصاب الحق في النتيجة التي انتهى إليها بصرف النظر عما استطرد إليه هذا الحكم في أسبابه من تزيد يتصل بأثر القانون رقم 134 سنة 1953 في خصوص إقرار الأوضاع التي استقر عليها العرف في الوزارة من قبل.
ومن حيث إنه لا وجه لما ذهب إليه الطعن في شأن الدفع من أن ترتيب الأقدمية في ذاته لا ينتج أثره بالنسبة إلى الموظف إلا عند اتخاذه أساساً لإجراء الترقيات المالية؛ إذ عندئذ فقط يسوغ لأصحاب المصلحة الطعن في قرار الترقية استناداً إلى ترتيب الأقدمية الذي بني عليه في المواعيد المقررة للطعن من تاريخ صدور القرار, ويكون الطعن في قرار الترقية الأخير متضمناً بحكم اللزوم في ترتيب الأقدمية الذي اتخذ أساساً له, ويكون الطعن بهذه المثابة مقدماً في الميعاد القانوني - لا وجه لذلك؛ إذ يجب التفرقة بين وضعين: الأول، إذا كان القرار قد حدد ترتيب الأقدمية بين المرقين في قرار واحد, وكان هذا الترتيب مقصوداً لينتج أثره في خصوص الأسبقية بين الزملاء, فليس من شك عندئذ في أن هذا القرار قد أنشأ هذا المركز الذاتي في ترتيب الأقدمية قصداً, ويتعين الطعن فيه في الميعاد, وهو ما ينطبق على خصوصية هذا النزاع, أياً كان مبلغ صحة القرار قانوناً أو عدم صحته في خصوص هذا الترتيب. والوضع الثاني، ألا يصدر مثل هذا القرار الفردي المحدد لأسبقية الأقدمية بين الزملاء, وإنما قد توضع كشوف بترتيب الأقدميات على أساس قرار تنظيمي عام دون أن يصدر قرار فردي محدد لهذه الأسبقية بين الزملاء فيجوز لصاحب الشأن إذا ما صدر بعد ذلك قرار فردي بترقية أن يطعن فيه في الميعاد دون الاحتجاج عليه لا بسبق صدور القرار التنظيمي العام وفوات ميعاد الطعن فيه ولا بكشوف ترتيب الأقدمية, ما دامت الدعوى تنصب بالذات على إلغاء القرار الفردي المتضمن تحديد الأقدمية بين الأقران, كما يجوز الطعن في القرارات التنظيمية العامة بأحد طريقين: إما بالطريق المباشر، أي بطلب إلغائها في الميعاد القانوني, أو بالطريق غير المباشر في أي وقت عند تطبيقها على الحالات الفردية, أي بطلب عدم الاعتداد بها لمخالفتها للقانون, وذلك عند الطعن في القرارات الفردية بالإلغاء. كما أن كشوف ترتيب الأقدميات التي لم يصدر بها قرار إداري ينشئ المركز القانوني في خصوص تحديد الأقدمية ممن يملكه لا ترقى إلى مرتبة القرار الإداري. ولا تعدو أن تكون مجرد عمل مادي؛ ومن ثم يكون الحكم قد أصاب الحق في النتيجة التي انتهى إليها, فيتعين رفض الطعن.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً, وبرفضه موضوعاً.


[(1)] راجع مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا السنة الثانية, بند 72, صفحة 695.