مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثامنة والثلاثون - الجزء الثاني (من أول مارس سنة 1993 إلى آخر سبتمبر سنة 1993) - صـ 999

(99)
جلسة 18 من إبريل سنة 1993

برئاسة السيد المستشار/ محمد حامد الجمل - رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة/ محمد معروف محمد وعبد القادر هاشم النشار وأحمد عبد العزيز أبو العزم ود. منيب محمد ربيع – المستشارين.

الطعن رقم 204 لسنة 36 القضائية

شركات - شركات تلقي الأموال لاستثمارها.
القانون رقم 146 لسنة 1988 بإصدار قانون الشركات العاملة في مجال تلقي الأموال لاستثمارها - القانون رقم 146 لسنة 1988 أخضع بنص صريح وقطعي الشركات العاملة في مجال تلقي الأموال لاستثمارها أو تلك التي من أغراضها العمل في مجال تلقي الأموال والتي نشأت قبل صدوره وفقاً لأحكام القانون رقم 159 لسنة 1981 بشأن شركات المساهمة على أن تقوم على توفيق أوضاعها وفقاً لأحكام القانون رقم 146 لسنة 1988 خلال ثلاثة أشهر من تاريخ العمل به - أناط القانون رقم 146 لسنة 1988 بالهيئة العامة لسوق المال تنفيذ أحكامه فيما تضمنته من قبول أو رفض طلب أو رفض طلب تأسيس وقيد الأشخاص الذين سبق لهم مزاولة نشاط في مجال تلقي الأموال واستثمارها - متى كانت الشركة المنشئة طبقاً للقانون رقم 159 لسنة 1981 تعمل في مجال تلقي أموال من الجمهور وبعد العمل بالقانون رقم 146 لسنة 1988 وبالمخالفة لأحكامه ولم ترسل إخطاراً لهيئة سوق المال متضمناً المبالغ التي تلقتها قبل العمل بالقانون رقم 146 لسنة 1988 فإن قرار هيئة سوق المال بشأن خضوعها للإجراءات التي تطلبها القانون قد جاء صحيحاً مطابقاً للقانون - لا وجه للقول بأن مجلس إدارة الهيئة مصدرة القرار قد صدر حكم ببطلان تشكيله وينسحب ذلك إلى التقرير ببطلان قراراتها - أساس ذلك: أن الاختصاصات المنوطة بمجلس إدارة الهيئة لا تتجاوز في طبيعتها بكونها اختصاصات وظيفية صدرت من الهيئة الإدارية التي كان مناطاً بها هذا الاختصاص ومن ثم تتمتع هذه الأعمال والقرارات بالحماية وتنتج أثرها القانوني حتى مع القضاء ببطلان تشكيل الهيئة المصدرة لها - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الأحد الموافق 10/ 12/ 1989، أودع الأستاذ حسن مصطفى محرم المحامي بصفته وكيلاً عن الطاعن، سكرتارية المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 204 لسنة 36 ق عليا في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بالقاهرة (دائرة منازعات الأفراد والهيئات) بجلسة 5/ 12/ 1989 في الدعوى رقم 2466 لسنة 43 ق والقاضي بقبول الدعوى شكلاً وبرفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه وإلزام المدعي بمصروفات هذا الطلب.
وطلب الطاعن - للأسباب الواردة بتقرير طعنه - الحكم بقبول الطعن شكلاً مع الحكم بإلغاء حكم محكمة القضاء الإداري في الشق المستعجل من الدعوى، مع الحكم بإلغاء القرار المطعون عليه والذي بموجبه تم إدراج الشركة الطاعنة ضمن شركات تلقي الأموال بكتاب رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة لسوق المال رقم 164 في 12/ 9/ 1988 الموجه إلى رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات وما تلى ذلك من إجراءات بعد هذا الإدراج وإلزام الإدارة المصروفات.
وقد أعلن الطعن إلى المطعون ضدهم على النحو الثابت بالأوراق.
وأودع الأستاذ المستشار محمود عادل الشربيني مفوض الدولة تقرير هيئة مفوضي الدولة بالرأي القانوني في الطعن - انتهى فيه للأسباب المشار إليها به - قبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وإلزام الطاعن المصروفات.
وقد نظر أمام دائرة فحص الطعون على النحو المبين بالمحاضر. وبجلسة 20/ 4/ 1992 قررت إحالة الطعن إلى هذه المحكمة، التي نظرته على النحو الثابت بمحاضر جلساتها حيث قررت بجلسة 17/ 1/ 1993 إصدار الحكم فيه بجلسة 7/ 3/ 1993 وبهذه الجلسة قررت المحكمة مد أجل النطق بالحكم إلى جلسة 4/ 4/ 1993 ثم قررت مد أجل النطق بالحكم إلى جلسة اليوم 18/ 4/ 1993 لاستكمال المداولة وفيها صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع علي الأوراق وسماع المرافعة والمداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى إجراءات قبوله الشكلية.
ومن حيث إن الموضوع - يتلخص حسبما يبين من الأوراق، في أن المدعي أقام الدعوى رقم 2466 لسنة 43 ق أمام محكمة القضاء الإداري بتاريخ 26/ 1/ 1989، طالباً الحكم، بوقف تنفيذ وإلغاء القرار الصادر من هيئة سوق المال رقم 164 لسنة 1988 بتاريخ 13/ 9/ 1988 بإدراج شركة........ للاستثمار وتوظيف الأموال ضمن الشركات العاملة في تلقي الأموال والمخاطبة بأحكام القانون رقم 146 لسنة 1988 ولائحته التنفيذية وعدم الاعتداد بما جاء بكتاب الهيئة العامة لسوق المال المؤرخ 17/ 1/ 1989 لرئيس الجهاز المركزي للمحاسبات وما تلى ذلك من إجراءات مع ما يترتب على ذلك من آثار.
قال المدعي شرحاً لدعواه أنه بتاريخ 9/ 6/ 1986 قررت لجنة تأسيس الشركات الموافقة على طلب تأسيس شركة.... للاستثمار وتوظيف الأموال شركة مساهمة مصرية - طبقاً لأحكام القانون رقم 159 لسنة 1988 ولائحته التنفيذية. بعد أن استوفى كافة المستندات والأوراق المتطلبة في هذا الشأن، وإذا صدر القانون رقم 146 لسنة 1988 بشأن الشركات العاملة في مجال تلقي الأموال لاستثمارها. وبتاريخ 17/ 9/ 1988 أصدرت الهيئة العامة لسوق المال خطاباً برقم 164 لسنة 1988 موجهاً إلى رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات اشتمل على بيان الأشخاص الطبيعيين والمعنويين المخاطبين بأحكام المادة 16 من القانون رقم 146 لسنة 1988 المشار إليه وأدرجت الشركة المذكورة ضمن الشركات الخاضعة لأحكامها على الرغم من أنها أنشأت قبل صدور القانون المطلوب تطبيق أحكامه عليها كما أن أي من أنشطتها الواردة في أغراض الشركة لا يتضمن أي نشاط يتعلق بتلقي الأموال واستثمارها على النحو الوارد في القانون المنظم للشركات العاملة في مجال تلقي الأموال.
واستطرد المدعي أن هذا الإجراء قد أضر بالموقف المالي للشركة ونشاطها وهو الأمر الذي ألجأه إلى التظلم لكافة الجهات المعنية والتي لم تجبه إلى طلبه فأقام دعواه للحكم له بطلباته.
وأودع المدعي مذكرات بدفاعه أورد بها أن مجلس إدارة الهيئة - مصر القرار - قد أصابه البطلان في التشكيل وتأييد هذا البطلان بالحكم الصادر في الدعوى رقم 999 لسنة 44 ق مما يصم جميع القرارات الصادرة عنه بالبطلان أيضاً ومنها القرار المطعون فيه - وقد ردت الهيئة العامة لسوق المال على الدعوى بعدة مذكرات ومستندات أورت بها انطباق أحكام القانون رقم 146 لسنة 1988 المنظم لشركات تلقي الأموال واستثمارها على الشركة المدعية وفي طبيعة نشاطها وما يثبت لدى الهيئة من اقتصار نشاطها على تلقي الأموال من الجمهور واستثمارها. وهو الأمر الذي أدى إلى تقديم العديد من الشكاوى ضد الشركة والمسئولين فيها من أصحاب الودائع التي عجزت الشركة عن ردها إليهم فضلاً عن ثبوت هذا الاتهام في حقهم والذي نجم عنه إحالتهم على المحاكمة الجنائية. وطلبت الهيئة رفض الدعوى بشقيها وإلزام المدعي المصروفات.
وبجلسة 25/ 12/ 1989 أصدرت محكمة القضاء الإداري حكمها المطعون فيه بقبول الدعوى شكلاً وبرفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه.
وأقامت المحكمة قضاءها على أن البادي من الأوراق أن الشركة موضوع القرار تخضع لأحكام القانون رقم 146 لسنة 1988 في شأن الشركات المساهمة التي تعمل في مجال تلقي الأموال والتي تم تكوينها وتأسيسها قبل صدوره وفي ظل العمل بأحكام القانون رقم 159 لسنة 1981 بشأن الشركات المساهمة إلى أحكامه باعتبار أن هذا القانون قد صدر لتنظيم هذه الشركات وحماية جمهور المتعاملين من المودعين وأصحاب الودائع وقد ألزم القانون هذه الشركات بتوفيق أوضاعها وفق التنظيم القانوني المقرر في هذا الشأن ومنحها أجلاً مدته ثلاثة أشهر لإجراء هذا التوفيق. وأضافت المحكمة أن البادي من الأوراق خضوع الشركة المدعية - حسب طبيعة نشاطها - للقانون رقم 146 لسنة 1988 ويكون القرار المطعون فيه بحسب الظاهر قد جاء متفقاً وصحيح حكم القانون ومن ثم يفتقد الادعاء ركن الجدية فيه دون حاجة لبحث ركن الاستعجال وانتهت المحكمة إلى إصدار حكمها المطعون فيه.
ومن حيث إن مبنى الطعن أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون تطبيقاً وتأويلاً حيث إن ما ذهب إليه من خضوع الشركة المدعية لأحكام القانون رقم 146 لسنة 1988 المشار إليه - لا يتفق وصحيح نشاط الشركة أو أغراضها المشار إليها في عقد تأسيسها والقرارات الصادرة في شأنه للأسباب الآتية: -
1) أن القانون رقم 146 لسنة 1988 صدر في 9/ 6/ 1988 ولائحته التنفيذية في 8/ 8/ 1988 وقرر أن يسري عليه أحكام القانون رقم 159 لسنة 1981 بشأن الشركات المساهمة والتوصية بالأسهم والشركات ذات المسئولية المحدودة ما لم يرد فيه نص بالقانون الجديد. وهو ما يعني سريان القانونين معاً على الشركات القائمة.
2) ميز المشرع بين نوعين من الشركات إذ حظر على الشركات العاملة وفقاً للقانون رقم 146 لسنة 1988 ممارسة نشاط يتصل بأعمال البنوك، كما حظر عليها تلقي الودائع تحت الطلب فضلاً عن العديد من المحظورات التي قررها مجلس الوزراء في 26/ 9/ 1989 وهذا كله يثبت أن شركات تلقي الأموال هي نوع جديد من الشركات ينشأ وفقاً للأوضاع والضوابط المشار إليها في قانون إنشائها، ومن ثم يخرج عن نطاق تطبيقه الشركات التي تم تأسيسها وشهرها في ظل أحكام قانون الشركات رقم 159 لسنة 1981 والذي أنشأت الشركة الطاعنة في ظله ومن ثم تخرج بنشاطها كاملاًً عن نطاق قانون شركات تلقي الأموال ويضحي القرار المطعون فيه والذي وضعها على قائمة شركات تلقي الأموال مخالفاً للقانون حرياً بوقف تنفيذه وإلغائه.
3) أخطأت المحكمة عندما فسرت نشاط الشركة بأن نشاط الشركة هو إقامة المشروعات - بدلاً من الشركات - وهذا الخطأ هو الذي نجم عنه اللبس في فهم حقيقة نشاط الشركة وطبيعته إذ أن المشروعات التي تتم بتلقي الأموال هي التي تخضع لقانون تلقي الأموال أما إنشاء الشركات لممارسة نشاط تجاري معين فهي ووفق طبيعتها تخرج عن نطاق القانون المشار إليه، وهذا الخطأ من جانب المحكمة أدى إلى إصدارها الحكم المطعون فيه ومن ثم شابه القصور في التسبيب والخطأ في تحصيل الوقائع.
4) أن رقابة واختصاص الهيئة العامة لسوق المال يقتصر وفقاً للقانون رقم 159 لسنة 1981 على إصدار القرارات الخاصة بالاكتتاب العام في حالة تكوين الشركات بالاكتتاب العام ومن ثم فليس لها حق الإشراف على نشاط هذه الشركات كما جاء بالقرار المطعون فيه. وأكد هذا الدفاع مذكرات هيئة سوق المال المقدمة في الدعوى التي تتضمن صراحة خروج الشركة المدعية من نطاق الرقابة أو التطبيق الوارد في القانون رقم 146 لسنة 1988 بشأن شركات تلقي الأموال فضلاً عن أن قرارها المطعون فيه (الخطاب رقم 164 لسنة 1988 بتاريخ 11/ 9/ 1988) لم يصر في الشكل القانوني المقرر للقرارات الإدارية الصحيحة ومن ثم لا يعدو أن يكون إجراء وظيفي لا يعتد به أو يرتكن إليه في تحميل الشركة المدعية بما أسفر عنه من نتائج وما ترتب عليه من إجراءات. فضلاً عن أنه قد صدر الحكم في الدعوى رقم 999 لسنة 45 ق. قضى ببطلان تشكيل مجلس إدارة الهيئة العامة للاستثمار مصدرة القرار المطعون فيه ومن ثم ينسحب هذا البطلان على كل القرارات التي أصدرها ومنها القرار محل الطعن الماثل.
ومن حيث قضاء هذه المحكمة يجري على أنه طبقاً لحكم المادة (49) من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 يتعين للحكم بوقف تنفيذ القرار الإداري توافر ركنين:
أولهما: ركن الجدية بأن يكون القرار المطعون فيه معيباً بحسب الظاهر من الأوراق مما يعمل على ترجيح إلغائه عند الفصل في الموضوع.
ثانيهما: هو ركن الاستعجال بأن يترتب على تنفيذ القرار نتائج يتعذر تداركها.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة يجري منذ إنشائها على أنه طبقاً لأحكام الدستور والقانون فإن رقابة القضاء الإداري ومحاكم مجلس الدولة على القرارات الإدارية وهي "رقابة مشروعية" تسلطها على القرارات المطعون فيها لتزنها بميزان القانون والشرعية والمصلحة العامة فتلغيها أو توقف تنفيذها أو تبين صدورها مخالفة لأحكام القانون بصفة عامة أو انحرافها عن الغاية الوحيدة التي حددها الدستور والقانون لسلامة تصرفات الإدارة وهي تحقيق الصالح العام إلى تحقيق غير ذلك من الأغراض غير المشروعة لجهة الإدارة أو لأي من العاملين بها.
كما أن رقابة الإلغاء يتفرع عنها رقابة وقف التنفيذ للقرارات الإدارية المعيبة أو المخالفة ويجب أن يستند القاضي الإداري فيما يقضي بوقف تنفيذه من قرارات إدارية بحسب الظاهر من الأوراق وفي الحدود التي يقتضيها القضاء بوقف التنفيذ على ما يبدو من عدم مشروعية القرار فضلاً عن توفر نتائج يتعذر تداركها على استمرار التنفيذ ما لم يوقف أثر القرار غير المشروع على سبيل الاستعجال. وهذه الرقابة التي تقوم عليها ولاية محاكم مجلس الدولة على القرارات الإدارية وتتولى المحكمة الإدارية العليا نظر الطعون في أحكام محاكم مجلس الدولة الجائز الطعن فيها أمامها - لتزن هذه الأحكام بميزان القانون سواء من حيث الشكل أو الإجراءات أو سلامة مباشرتها لولاية الإلغاء أو وقف التنفيذ على القرارات الإدارية - على النحو السالف البيان - طبقاً وفي الحدود التي وضعتها أحكام الدستور والقانون.
ولا يحل القضاء الإداري على أي نحو في مباشرته لرقابة الإلغاء أو وقف التنفيذ محل الجهة الإدارية التنفيذية في أداء واجباتها أو مباشرة أي من اختصاصاتها أو النشاط الموكل إليها القيام به من أجل تسيير المرافق العامة وإدارتها ومباشرة السلطات الإدارية والتنفيذية والمهام الممنوحة لها طبقاً للدستور والقانون ويقوم على أساس مسئولية الإدارة العاملة السياسية والمدنية والجنائية والتأديبية عن هذه الممارسة.
كما أن رقابة مجلس الدولة ومحاكمة على مشروعية قرارات الجهات الإدارية وتصرفاتها لتحقيق أحكام الدستور والقانون وسيادة الشرعية وعلو المصلحة العامة باعتبارها الغاية الوحيدة المشروعة لكل ممارسة لسلطة عامة وسنداً لمشروعية هذه الممارسة ومبررها.
ومن حيث إنه بناء على ما سبق جميعه، فإن محاكم مجلس الدولة تباشر الرقابة على مشروعية قرارات وتصرفات الإدارة متمتعة بالاستقلال الكامل عن أية سلطة في الدولة في أداء رسالتها.
ومن حيث إن من المبادئ الأساسية لتفسير وتطبيق النصوص التشريعية أن اللاحق منها ينسخ السابق، وأن النسخ كما يكون صريحاً يكون ضمنياً. ومن بين أساليب النسخ الضمني إعادة تنظيم الموضوع بقواعد تشريعية أو تنظيمية جديدة تسري بأثر مباشر على المراكز العامة القائمة.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة يجرى على أن القواعد التنظيمية العامة التي تضعها جهة الإدارة متسمة بطابع العمومية والتجريد تكون بمثابة اللائحة أو القاعدة القانونية الواجبة الإتباع في حدود ما صدرت به.
ومن حيث إن مقطع النزاع في الطعن الماثل هو مدى خضوع الشركة الطاعنة شركة........ للاستثمار وتوظيف الأموال" والمنشأة وفقاً لأحكام القانون رقم 159 لسنة 1981 بشأن الشركات المساهمة التي أنشئت وفقاً له أم أنها تخضع لأحكام القانون رقم 146 لسنة 1988، بإصدار قانون الشركات العاملة في مجال تلقي الأموال لاستثمارها وفقاً لطبيعة نشاطها القائم في ظل العمل بالقانون الأخير.
ومن حيث إن المادة الأولى من مواد إصدار القانون رقم 146 لسنة 1988 المشار إليه تنص على أن يعمل بأحكام القانون المرافق في شأن شركات المساهمة العاملة في مجال تلقي الأموال لاستثمارها.
وتسري أحكام القانون رقم 159 لسنة 1981 بإصدار قانون الشركات المساهمة وشركات التوصية بالأسهم والشركات ذات المسئولية المحدودة على هذه الشركات، فيما لم يرد به نص خاص في هذا القانون.
ولا يجوز لشركات المساهمة العاملة في مجال تلقي الأموال لاستثمارها مزاولة أعمال البنوك بما فيها تلقي الودائع تحت الطلب أو لأجل أو أعمال الصرافة أو منح التسهيلات الائتمانية.
كما تنص المادة (16) من ذات القانون على أن "على كل شخص طبيعي أو معنوي تلقى قبل العمل بأحكام هذا القانون، بالذات أو بالواسطة أموالاً من الجمهور لاستثمارها أو المشاركة بها أو لأي غرض آخر من أغراض توظيف الأموال بأية وسيلة وتحت أي مسمى أن يتوقف عن تلقي الأموال من تاريخ العمل بهذا القانون.
ومن حيث إنه من المبادئ المسلم بها أن القانون ينفذ من التاريخ المحدد فيه للعمل بأحكامه ولو تضمنت نصوصه دعوة إلى السلطة التنفيذية لإصدار لائحة تنفيذية له إلا إذا نص القانون صراحة على غير ذلك أو كان تنفيذ القانون متعذراً بدون الأحكام التفصيلية التي يراد للائحة التنفيذية أن تتضمنها.
ومن حيث إن مفاد النصوص المشار إليها أن المشرع في القانون رقم 146 لسنة 1988 أخضع بنص صريح وقطعي الشركات العاملة في مجال تلقي الأموال لاستثمارها أو تلك التي من أغراضها العمل في مجال تلقي الأموال - والتي أنشأت قبل صدوره وفقاً لأحكام القانون رقم 159 لسنة 1981 بشأن الشركات المساهمة - أن تقوم على توفيق أوضاعها وفقاً لأحكامه وأن تتخذ الإجراءات التنفيذية لتعديل موقفها من عملائها حماية للمودعين وحفاظاً على أموال المواطنين من الضياع وأناط القانون بالهيئة العامة لسوق المال تنفيذ أحكامه فيما تضمنته من قبول أو رفض طلب تأسيس وقيد الأشخاص الذين سبق لهم مزاولة نشاط في مجال تلقي الأموال واستثمارها في المواد 63 - 69 من اللائحة التنفيذية للقانون ورتب القانون المشار إليه عقوبات جنائية على مخالفة أحكامه حيث نص في المواد 21، 22، 23، 24، 25، 26 من القانون على الجزاءات والعقوبات المترتبة على مخالفة أحكامه.
وأورد قيداً في المادة (16) منه على الشركات العاملة في مجال تلقي الأموال من الجمهور في ظل أحكام القانون 159 لسنة 1981 بأن ألزمها التوقف عن تلقي أية أموال اعتباراً من 10/ 6/ 1988 تاريخ العمل بالقانون رقم 146 لسنة 1988 المشار إليه وأن تقوم على توفيق أوضاعها وفقاً لأحكامه خلال الثلاثة أشهر التالية لتاريخ بدء العمل به من خلال إخطار يقدم إلى الهيئة العامة لسوق المال مع إيداع قائمة بالمركز المالي للشركة في تاريخ العمل بالقانون وفق الشروط والضوابط التي أوردها في شأن إعداده واعتماده.
ومن حيث إن مفاد ذلك التزام جميع الشركات العاملة في مجال تلقي الأموال من الجمهور وأياً ما كان صورة هذه المعاملات أو سندها.
وهذا التنظيم يسري بأثره الفوري والمباشر على كافة الشركات العاملة في تاريخ صدوره وأياً ما كان القانون الذي تباشر نشاطها على سند من أحكامه وفقاً لقواعد بدء سريانه من التاريخ المحدد فيه للعمل بأحكامه - كما يؤكد خضوع شركات تلقي الأموال من الجمهور للقواعد الجديدة المنظمة بالقانون رقم 146 لسنة 1988، أن أحكام القانون رقم 159 لسنة 1981 بشأن المساهمة. لم ينظم حالات تلقي أموال من الجمهور وإنما عنى بتنظيم قواعد الاكتتاب العام والمشاركة بالأسهم أو السندات.
ومن حيث إن الشركة الطاعنة تم تأسيسها وفقاً لأحكام القانون رقم 159 لسنة 1981 تحت اسم شركة....... للاستثمار وتوظيف الأموال ومن أغراضها - كما ورد بعقد تأسيسها التعامل في الأوراق المالية للشركات المساهمة بيعاً وشراء، والاكتتاب بها والترويج لها، وإقامة تمويل الشركات بكافة أنواعها... وقد تبين من الأوراق وتقارير المحاسبين والقانونيين المعينين لمراجعة دفاترها وأوراقها أنها تعاملت وتتعامل في مجال تلقي الأموال من المواطنين لتوظيفها من خلال عقود خاصة صورية لمشاركات وهمية يتمتع عملياتها بالمشروعية وتحايلها على القوانين المنظمة لذلك.
ومن حيث إن التقرير المعد من المحاسبين القانونين من قبل الجهاز المركزي للمحاسبات بناء على طلب الهيئة المطعون ضدها وفقاً للاختصاص المنوط بها في أحكام القانون رقم 146 لسنة 1988 قد جاء به أن حقيقة الشركة أنها منشأة فردية مملوكة لزوجة الطاعن السيدة/ ....... وأنه في مجال نشاطها في تعبئة زجاجات مياه الشرب وتوزيع المواد الغذائية حققت خسائر جسيمة، كما أنه لا يوجد له بها أي مستندات أو دفاتر منظمة. كما وأنها جاوزت نشاطها المرخص به وقامت على عمليات تلقي الأموال من المواطنين اعتباراً من 31/ 8/ 1983 بعقود ترخص لها الانفراد بالتصرف وقد أبرمت ما يجاوز 6800 عقداً حتى 11/ 11/ 1986 تم تسوية حقوق غالبيتها دون الآخرين كما وأن حساباتها متشابكة بين الشركة المساهمة وتوظيف الأموال. وهو من النشاط الخاضع للتنظيم الوارد بالقانون رقم 146 لسنة 1988.
ومن حيث إن الظاهر من الأوراق أن الشركة وقد تلقت هذه الأموال تكون مخاطبة بأحكام القانون المشار إليه وأيد ذلك التحقيقات التي قامت بها نيابة الشئون المالية والتجارية وتقرير الاتهام الصادر في الدعوى رقم 5461 لسنة 1991 ج عين شمس والذي انتهى إلى قيد الواقعة جناية وجنحة ضد الطاعن للجرائم المنسوبة إليه وفقاً لأحكام المواد 16/ أ، ب، ج، 2، 18، 21، 23، 26 من القانون رقم 146 لسنة 1988 (1) بشأن الشركات العاملة في مجال تلقي الأموال لاستثمارها والمادتين 64، 69 من لائحته التنفيذية والمواد 1، 2، 3 من القانون رقم 89 لسنة 1986 بشأن تنظيم بعض حالات دعوة الجمهور لاكتتاب العام والمواد 61، 74، 84، 87، 91 من القانون رقم 159 لسنة 1981 بشأن الشركات المساهمة.... إلخ على التفصيل الوارد بقرار الإحالة المشار إليه - لما نسب إليه من أنه بصفته المدير المسئول والعضو المنتدب للمركز العلمي للمياه الصحية (......) امتنع عن رد الأموال المستحقة لأصحابها.
(2) تلقي أموالاً من الجمهور بعد العمل بأحكام القانون رقم 146 لسنة 1988 وبالمخالفة لأحكامه........
(3) لم يرسل إخطاراً إلى الهيئة العامة لسوق المال متضمناً المبالغ التي تلقاها قبل العمل بالقانون رقم 146 لسنة 1988.... فضلاً عن العديد من الشكاوى التي تلقتها الجهات المعنية من الجماهير التي تلقي منها أموالاً لاستثمارها ولم يقم على ردها.
وأشارت إليها حافظة مستندات ومذكرات المطعون ضدها.
وهو الأمر الذي يبين منه بحسب الظاهر من الأوراق أن الشركة الطاعنة تخضع للأحكام والتنظيم القانوني الوارد بالقانون رقم 146 لسنة 1988 بشأن شركات تلقي الأموال واستثمارها. ويكون القرار الصادر من المطعون ضدها في شأن خضوعها للإجراءات التي تطلبها القانون المشار إليه قد جاءت على صحيح سندها من القانون والواقع مما يبين منه أنه قد صدر مستنداً إلى صحيح حكم القانون.
ومن حيث إنه لا وجه لما يحتج به الطاعن من أن مجلس إدارة الهيئة مصدرة القرار قد صدر الحكم في الدعوى رقم 999 لسنة 45 ق ببطلان تشكيله وهو الأمر الذي ينسحب معه إلى التقرير ببطلان القرار المطعون عليه ذلك أن الاختصاصات المنوطة بمجلس إدارة الهيئة لا تتجاوز في طبيعتها كونها اختصاصات وظيفية صدرت من الهيئة الإدارية التي كان مناطاً بها هذا الاختصاص ومن ثم فإن هذه الأعمال وتلك القرارات تتمتع بالحماية وتنتج أثرها القانوني حتى مع القضاء ببطلان تشكيل الهيئة المصدرة لها وذلك بناء على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة من أن إلغاء قرار تعيين أحد المواطنين من العاملين بالدولة لا يترتب عليه حتماً وفي جميع الظروف بطلان ما باشره من اختصاصات وظيفية إبان تقلده لمنصبه الوظيفي حيث إنه من المستقر قانوناً حماية للغير حسن النية وإعلاء للصالح العام الذي يحتم كفالة استمرار وحسن سير المرافق العامة بانتظام واضطراد ورفعاً للمصلحة العامة على أية مصالح خاصة وحماية للمراكز القانونية التي ترتبت على مباشرة هذا العمل ومن ثم فإنه ترتيباً على مباشرة مجلس إدارة الهيئة المطعون ضدها الاختصاصات المنوطة به قانوناً لا ينال منها أو يلغي كل أثر لها بإلغاء قرار تشكيل الهيئة المذكورة وحيث إنه استناداً إلى ما سلف بيانه وفقاً لما استقرت عليه أحكام هذه المحكمة من نفاذ ما تم أو صدر من قرارات أو تصرفات أو ما إبرام من اتفاقات على يد الموظف الفعلي أو ما أمر به من خلال شغله للوظيفة العامة من إجراءات على هذا النحو، فإنه يغدوا هذا الدفع فاقداً لسنده ولا يعول عليه.
ومن حيث إنه بناء على ما تقدم فإنه إذ ذهب الحكم المطعون فيه إلى انتفاء ركن الجدية في طلب وقف التنفيذ، وقضى برفض الطلب دون حاجة إلى بحث توافر ركن الاستعجال لعدم جدواه ومن ثم يكون الحكم قد أصاب وجه الحق وصادف صحيح حكم القانون فيما قضى به ويكون الطعن عليه قد أقيم على غير أساس من القانون خليقاً بالرفض.
ومن حيث إن من خسر الطعن يلزم بمصروفاته تطبيقاً للمادة (184) من قانون المرافعات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً وألزمت الطاعن بالمصروفات.