مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثامنة والثلاثون - الجزء الثاني (من أول مارس سنة 1993 إلى آخر سبتمبر سنة 1993) – صـ 1331

(131)
جلسة 13 من يونيه سنة 1993

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ محمد حامد الجمل – رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة/ محمد عبد الغني حسن وعبد القادر هاشم النشار وأحمد عبد العزيز أبو العزم ود. منيب محمد ربيع – المستشارين.

الطعن رقم 3009 لسنة 32 القضائية

( أ ) صحافة - إنشاء الصحف - حدود اختصاص محكمة القيم ومجلس الدولة بالمنازعات الخاصة بإنشاء الصحف.
المواد 13، 14، 15، 19 من القانون رقم 148 لسنة 1980 بشأن سلطة الصحافة.
قرارات الرفض الصحيح لإنشاء الصحف تختص بها محكمة القيم - عدم الرد على الإخطارات المقدمة من ذوي الشأن بإصدار الصحف يدخل في اختصاص مجلس الدولة باعتباره صاحب الولاية العامة بالمنازعات الإدارية - أساس ذلك: أن عدم الرد شأنه في ذلك شأن القرار الذي يصدر من أية جهة إدارية في أمر من أمورها - تطبيق.
(ب) صحافة - سلطة المجلس الأعلى للصحافة بشأن الإعفاء من شروط الترخيص بإصدار الصحف.
ناط المشرع بالمجلس الأعلى للصحافة سلطة الإعفاء من كل أو بعض الشروط المنصوص عليها في المادة 19 من القانون رقم 148 لسنة 1980 المشار إليه - سلطة المجلس الأعلى للصحافة في هذا الشأن وهي سلطة تقديرية وليست مقيدة - لا يسوغ في مجال السلطة التقديرية في أمور استثنائية متعلقة بحرية إصدار وتملك الصحف افتراض قيام قرارات سلبية دون نص صريح - أساس ذلك: لا يوجد ما يلزم المجلس الأعلى للصحافة بإقرار الاستثناءات - أثر ذلك: عدم اعتبار الامتناع بمثابة قرار سلبي - عدم رد المجلس الأعلى للصحافة خلال المدة القانونية لا يعتبر في حكم الموافقة - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الثلاثاء الموافق 15/ 7/ 1986 أودع الأستاذ/ طه شاهين المحامي بصفته وكيلاً عن الطاعنين قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا، تقرير طعن قيد برقم 3009 لسنة 32 ق عليا في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري - دائرة المنازعات الأفراد والهيئات بجلسة 30/ 5/ 1986 والقاضي بقبول الدعوى شكلاً وفي الطلب المستعجل بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه، وإلزام المجلس الأعلى للصحافة مصروفات هذا الطلب.
وطلب الطاعن للأسباب التي أوردها بتقرير طعنه الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والحكم برفض الدعوى مع إلزام المطعون ضده المصروفات.
وقد أعلن الطعن على النحو الثابت بالأوراق.
وأودع الأستاذ المستشار علي رضا مفوض الدولة تقرير هيئة مفوضي الدولة بالرأي القانوني في الطعن المذكور ارتأى في ختامه - للأسباب الواردة به - الحكم بقبوله شكلاً وفي الموضوع برفض الشق المستعجل من دعوى المطعون ضده مع إلزامه بالمصروفات.
وفي يوم السبت 27/ 12/ 1986، أودعت هيئة قضايا الدولة، نيابة عن الطاعن (رئيس المجلس الأعلى للصحافة) قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد أمامها برقم 327 لسنة 33 ق عليا في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بجلسة 28/ 10/ 1986 والقاضي بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بالاستمرار في تنفيذ الحكم المستشكل في تنفيذه لصالح المدعي (المستشكل) في الدعوى رقم 1470 لسنة 40 ق بجلسة 20/ 5/ 1986 وألزمت الجهة الإدارية (المستشكل ضدها) بالمصروفات.
وطلب الطاعن - للأسباب التي أوردها بتقرير طعنه الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وبقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المذكور وأصلياً بعدم قبول الدعوى واحتياطياً برفض الدعوى مع إلزام المطعون ضده بالمصروفات.
وقد أعلن الطعن على النحو الثابت بالأوراق.
وقد أودع الأستاذ المستشار محمود عادل الشربيني تقرير هيئة مفوضي الدولة في الطعن طلب ختامه - لأسباب الواردة به - الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بتعديل الحكم المطعون فيه إلى قبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار السلبي بامتناع الجهة الإدارية عن تنفيذ الحكم الصادر في الدعوى رقم 1470 لسنة 40 ق بجلسة 20/ 5/ 1986 مع ما يترتب على ذلك من آثار مع إلزام الطاعن بالمصروفات.
وقد نظر الطعنان أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة على النحو الثابت بمحاضر جلساتها وبجلسة 20/ 1/ 1922 قررت المحكمة ضم الطعنين معاً ليصدر فيهما حكم واحد.
وبجلسة 4/ 5/ 1992 قررت الدائرة المذكورة إحالة الطعنين إلى هذه المحكمة لنظرها وقد نظرت الطعنين على النحو الثابت بمحاضر جلساتها حيث قررت بجلسة 17/ 1/ 1993 إصدار الحكم فيها بجلسة 31/ 1/ 1993 وبهذه الجلسة قررت مد أجل النطق بالحكم إلى جلسة 21/ 3/ 1993 ثم قررت مد أجل النطق بالحكم لجلسة اليوم 13/ 6/ 1993 لاستكمال المداولة وفيها صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع المرافعة والمداولة.
ومن حيث إن كل من الطعنين سالفي الذكر قد استوفى إجراءات قبوله الشكلية.
ومن حيث إنه عن الموضوع فإنه يتلخص في أن المطعون ضده قد أقام بتاريخ 4/ 1/ 1986 الدعوى رقم 1470 لسنة 40 ق طالباً الحكم بوقف تنفيذ القرار المطعون عليه وفي الموضوع بإلغاء هذا القرار وإلزام الحكومة بالمصروفات في الحالين.
وقال المدعي شرحاً لدعواه أنه بتاريخ 29/ 9/ 1985 تقدم بصفته بإخطار إلى المدعى عليه لإصدار جريدة باسم "الجماهير" وفي 1/ 10/ 1985 قام المدعي بإخطار المدعى عليه بتغيير اسم الجريدة إلى "صوت العرب" بعد أن تبين له أن اسم "الجماهير" سبق إطلاقه على جريدة تصدر بمدينة السويس.
وبتاريخ 2/ 10/ 1985 طلب المجلس الأعلى للصحافة موافاته بالأنشطة السابقة للنادي منذ إشهاره عام 1983 وفي 14/ 10/ 1985 أجاب المدعى على الطلبات إلا أن المدعى عليه لم يحرك ساكناً لإصدار قرر الترخيص بإنشاء الجريدة خلال المدة المحددة بالمادة 15 من القانون رقم 148 لسنة 1980 بشأن سلطة الصحافة مما يعد بمثابة عدم اعتراض منه على إنشاء الجريدة وكان يلزم هذا قيام المدعى عليه بتسليم الترخيص إلى المدعي ليبدأ في طبع وتوزيع الجريدة وأن عدم قيامه بذلك يضر به ضرراً بليغاً. كما أن الرفض يعتبر قراراً سلبياً بالامتناع عن إصدار الترخيص.
وقد قدم المدعي إثباتاً لدعواه عدة مذكرات أورد بها أن أي من المواد التي تمنع من إصدار الترخيص وهي أرقام 13، 19 من قانون سلطة الصحافة رقم 148 لسنة 1980 والمادة 24 من لائحته التنفيذية لا تنطبق على حالته. إذ أن صحيفته لم تتخذ شكل الجمعية أو الشركة المساهمة وليس لها رأس مال مودع في أي بنك. ومن ثم يكون القرار السلبي بعدم إصدار الترخيص رغم توافر شروطه مخالفاً للقانون مما يتعين معه إيجابه المدعي إلى طلباته أما بالنسبة للاستعجال فلا محاجة في أن عدم إصدار الصحيفة يسبب له أضرار وخسائر مادية وإعلامية لا يمكنه تدارك الآثار المترتبة عليها.
وبجلسة 20/ 5/ 1986 أصدرت المحكمة حكمها المطعون فيه بقبول الدعوى شكلاً وفي الطلب المستعجل بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه وألزمت المجلس الأعلى للصحافة مصروفات هذا الطلب.
وقد أقامت المحكمة قضاءها على سند من أن أحكام المادة 15 من القانون رقم 148 لسنة 1980 بشأن سلطة الصحافة والتي تنص على أن عدم رد المجلس الأعلى للصحافة على طلب المدعي خلال أربعين يوماً دون أن يصدر المجلس قراره برفض إصدار الصحيفة يعد بمثابة عدم اعتراض منه على إصدار الصحيفة وموافقة ضمنية على إصدارها. وإن البادي من الأوراق أن المدعي تقدم بطلبه الترخيص بإصدار الصحيفة بتاريخ 1/ 10/ 1985. كما تقدم في 14/ 10/ 1985 بالرد على ما طلب منه من بيانات. وقد مضت أربعون يوماً التي حددها القانون مما يعتبر موافقة ضمنية على الإصدار.
ولما لم يلق هذا الحكم قبولاً من المدعى عليه فأقام الطعن رقم 3009 لسنة 32 ق عليا استناداً إلى مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون والخطأ في تطبيقه وتأويله ذلك أن القاعدة في تفسير القانون يجعله وحدة واحدة أما الحكم فقد استند إلى نص المادة (15) من القانون رقم 148 لسنة 1980 بشأن سلطة الصحافة دون ربطها بسائر مواد القانون والتي تشترط توافر شكل معين لملكية الصحيفة قبل إصدارها ولم يستوف هذا الشرط في الحالة الراهنة وحددت هذه الشروط تفصيلاً في المادة (19) من القانون أن تتخذ الجهة مصدرة الصحيفة شكل الجمعية أو الشركة المساهمة. كما لم يحرر عقد تأسيسها وفق النموذج المعد لذلك قانوناً.
وخلال نظر الطعن أقام المدعي بتاريخ 14/ 6/ 1986 الدعوى رقم 4030 لسنة 40 ق أمام محكمة القضاء الإداري "دائرة منازعات الأفراد والهيئات" وطلب في ختامها الحكم بالاستمرار في تنفيذ الحكم الصادر في الشق العاجل من الدعوى رقم 1470 لسنة 40 ق بجلسة 20/ 5/ 1985 بوقف تنفيذ القرار السلبي بالامتناع عن إصدار ترخيص صحيفة صوت العرب رغم توافر شروط إصدارها وفقاً للحكم المطلوب تنفيذه.
وبجلسة 28/ 10/ 1985 أصدرت المحكمة حكمها المطعون فيه بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بالاستمرار في تنفيذ الحكم المستشكل في تنفيذه لصالح المدعي (المستشكل) في الدعوى رقم 1470 لسنة 40 ق بجلسة 20/ 5/ 1985 وألزمت الجهة الإدارية المصروفات وشيدت المحكمة حكمها على سند من أن أوراق الدعوى وأخصها مذكرة دفاع المدعى عليه قد أجدبت عن أي سبب قانوني يكون قد نشأ بعد الحكم، ويمثل عقبة قانونية تمنع تنفيذه. وكل ما تضمنه الرد هو طلب الاستشكال، واستطردت المحكمة عرض أسباب الحكم بأنه لم يصدر عن دائرة فحص الطعون قراراً بإيقاف الحكم المستشكل في تنفيذه ومن ثم وجب الاستمرار فيه.
ولم يلقى هذا الحكم قبولاً من الطاعن فأقام عنه الطعن 327 لسنة 33 ق عليا ناعياً على الحكم المطعون فيه الخطأ في تأويل القانون وتطبيقه استناداً إلى أن:
1 - الحكم لم يضع أحكام القانون موضع التطبيق ذلك أن القانون رقم (148) لسنة 1980 بشأن سلطة الصحافة - المستند إليه - تطلب توافر شكل قانوني معين في إنشاء الجهات القائمة على إصدار الصحف بأن تكون في شكل الجمعية أو الشركة المساهمة وأن يتم تحرير عقد إنشائها على النموذج المعد لذلك وهي كلها أمور افتقدها المدعي في طلب إصدار الترخيص بإصدار الصحيفة وفقاً لحكم المادتين (19)، (20) من القانون سالف الذكر.
2 - لا مجال للقول بأن انقضاء مدة الأربعين يوماً المشار إليها في القانون تعتبر إلزاماً على الجهة الإدارية بإصدار الترخيص إذ أنها ليست ميعاد سقوط بل ميعاداً لتحديد مدى توافر الشروط المتطلبة قانوناً لإصدار الترخيص. وليس من المستساغ الادعاء بأن انقضاء المدة دون استيفاء الأوراق يعتبر إلزاماً على الجهة مانحة الترخيص بإصداره وحتى لو لم تتوافر شروطه.
3 - إن ما سبق يبين القصور في الحكم والفساد في الاستدلال مما يتطلب الحكم للطاعن بطلباته.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة يجري على أن الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا، يطرح الطعن برمته على المحكمة لتنظره وتزنه بميزان القانون والواقع سواء من حيث الشكل أو الإجراءات أو سلامة مباشرتها لولاية رقابة الإلغاء أو وقف التنفيذ، طبقاً وفي حدود أحكام الدستور والقانون وإعمالاً لمبدأ استقلال مجلس الدولة واستقلال السلطة القضائية التي يباشرها قاضي في المنازعات التي يختص بحسمها والفصل فيها وفقاً للمادتين (165) (172) من الدستور.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن مناط الحكم بوقف تنفيذ القرار الإداري توفر ركنين:
أولهما: ركن الجدية: بأن يقوم الطعن بحسب الظاهر من الأوراق على أسباب من حيث الواقع والقانون، يرجع معها الحكم بإلغائه قضائياً عند نظر طلب الإلغاء.
ثانيهما: ركن الاستعجال، بأن يترتب على تنفيذ القرار نتائج يتعذر تداركها فيما لو قضي بإلغائه، وقد استقر قضاء هذه المحكمة على أنه طبقاً لأحكام الدستور والقانون فإنه رقابة القضاء الإداري ومحاكم مجلس الدولة على القرارات الإدارية وهي رقابة مشروعية تسلطها على القرارات الإدارية المطعون فيها لتزنها بميزان القانون والشرعية والمصلحة العامة فتلغيها أو توقف تنفيذها لو تبين صدورها مخالفة للقانون أو أن الجهة الإدارية قد تقاعست عن إصدار قرار يلزمها القانون بإصداره أو انحرفت عن الغاية الوحيدة التي حددها الدستور والقانون لسلامة تصرفات الإدارة وهي تحقيق الصالح العام إلى تحقيق غير ذلك من الأغراض غير المشروعة لجهة الإدارة أو لأي من العاملين فيها. ولا يحل قضاء مجلس الدولة نفسه محل الجهة الإدارية في أداء واجبها أو مباشرة نشاطها الإداري في تسيير المرافق العامة وإدارتها أو في مباشرة السلطة التنفيذية لسلطاتها الممنوحة لها في الدستور والقانون.
ومن حيث إن القانون رقم (148) لسنة 1980 بشأن سلطة الصحافة قد نص في المادة (13) منه على أن حرية الأحزاب السياسية والأشخاص الاعتبارية العامة والخاصة في إصدار الصحف مكفولة، وتطلبت المادة (14) الشروط المتطلبة لإصدار الترخيص بإنشائها.
كما حددت المادة (15) من ذات القانون سلطات المجلس الأعلى للصحافة في شأن الموافقة على إنشاء الصحف أو رفضها أو الاعتراض عليها فنصت على أن (يصدر المجلس الأعلى للصحافة قراراً في شأن الإخطار المقدم إليه لإصدار الصحيفة خلال مدة لا تجاوز أربعين يوماً من تاريخ تقديمه إليه).
ويعتبر عدم إصدار القرار خلال المدة سالفة البيان بمثابة اعتراض من المجلس الأعلى للصحافة على الإصدار.
وفي حالة صدور قرار برفض إصدار الصحيفة يجوز لذوي الشأن الطعن فيه أمام محكمة القيم بصحيفة تودع قلم كتاب هذه المحكمة خلال ثلاثين يوماً كما وضعت المادة (19) شروط إصدار الصحف وتطلب أن تكون ملكيتها للأشخاص الاعتبارية والأحزاب السياسية والنقابات والاتحادات التي تتخذ شكل تعاونيات أو شركة مساهمة وعلى أن تكون الأسهم جميعها في الحالتين اسميه ومملوكه جميعاً للمصرين وحدهم. وأن لا يقل رأس المال المدفوع عن مائتين وخمسون ألف جنيه إذا كانت يومية ومائة ألف جنيه إذا كانت أسبوعية.
ومن حيث إن مفاد ما تقدم، ووفق التفسير الصحيح لنص المادة (15) سالفة البيان فإنه المشرع قد عقد الاختصاص بنظر التظلمات بشأن عدم الموافقة على إنشاء الصحف أو إصدارها إلى محكمة القيم وحدها أما ما عدا ذلك من أمور فيلزم أن يرد إلى القضاء المختص أصلاً وفقاً لأحكام الدستور والقانون بالفصل فيه وهو قضاء محاكم مجلس الدولة وفي إطار وحدود ما يحدده الدستور والقانون لتنظيم مجلس الدولة من الولاية العامة لمحاكمة بالنظر في جميع وسائر المنازعات المتعلقة بالتصرفات أو القرارات أو العقود الإدارية أو أية منازعات إدارية أخرى وفقاً لما حدده القانون.
ومن ثم فيلزم التفرقة بين سلطات المجلس الأعلى للصحافة التي أناط القانون التظلم منها أمام محكمة القيم وهي التظلم من قرارات الرفض الصريح لإنشاء الصحف أما ما عدا ذلك من حالات مثل عدم الرد على الإخطارات المقدمة من ذوي الشأن بإصدار الصحف فإن الاختصاص به يظل منوطاً بقضاء مجلس الدولة باعتباره صاحب الولاية العامة في المنازعات الإدارية. وحيث يكون عدم الرد في هذه الحالة في حكم القرار الإداري شأنه في ذلك شأن القرار الذي يصدر من أية جهة إدارية في أي شأن من شئونها، إذ يستهدف هذا التصرف تحديد المركز القانوني لطالب الترخيص بإصدار الصحيفة ويتمخض عن إرادة ملزمة مصدرها القانون، ويراد بالإفصاح عنها إحداث مركز قانوني معين يعتبر في حد ذاته ممكناً وجائزاً قانوناً والباعث عليه ابتغاء مصلحة عامة.
والقول بغير ذلك مفاده اختصاص قضاء محكمة القيم بما لم يتضمنه نص صريح في القانون ودون مراعاة للاختصاص الأصلي والولاية العامة المخول من المشرع الدستوري في المادة (172) من الدستور لمحاكم مجلس الدولة بالمنازعات الإدارية ويتعارض مع ذلك التنظيم الذي يقوم أساساً على ذلك في قانون تنظيم مجلس الدولة رقم (47) لسنة 1972.
ومن حيث إن البين من الأوراق إن عدم إصدار قرار الترخيص بإصدار الصحيفة إنما قام مستنداً إلى عدم استكمال المطعون ضده للشروط التي تطلبها القانون بشأن قواعد وضوابط ملكية الصحف والمجلات.
ومن حيث إنه يبين من مطالعة أحكام قانون الصحافة أن المشرع بعد أن أورد الشروط والضوابط اللازمة للترخيص بإصدار الصحف والمجلات قد أورد استثناء خوله إلى المجلس الأعلى للصحافة حيث خصه بسلطة الإعفاء من كل أو بعض الشروط التي تطلبتها المادة (19) سالفة الذكر بالنسبة إلى الحالات التي تقدم طلباتها إليه. ومن ثم فإن سلطة المجلس في هذا الشأن ليست مجرد سلطة تسجيل أو إثبات للطلب وليست سلطة مقيدة كذلك لا تتمتع أثناء مباشرتها أولاً تتحمل مسئولية تقدير جميع الظروف المحيطة بالطلب وتقدير ما يقتضيه الصالح القومي ويحتمه في كل حالة بل يتمتع بسلطة تقديرية تتيح له الموازنة والترجيح بغية تطلب توافر الشروط التي تطلبها القانون كلها أو بعضها بما يحقق الغاية من إصدار الصحف باعتبارها ضمانة لحرية الرأي والتعبير ووسيلة سياسية للإعلام وركيزة من ركائز النظام الديمقراطي ونافذة الحرية التي تكفل حرية الرأي والفكر ونشره وفقاً لما نصت عليه أحكام ومواد الدستور واستهدفت تحقيقه والتزمت به أحكام قانون تنظيم الصحافة سالف الذكر - ولا يسوغ في مجال السلطة التقديرية في أمور استثنائية متعلقة بحرية إصدار وتملك الصحف افتراض قيام قرارات سلبية دون نص صريح من المشرع حيث يتعارض هذا الافتراض مع حقيقة واقع الحال ومع صحيح صريح أحكام القانون إذ لا يوجد ما يوجب على المجلس الأعلى للصحافة إقرار الاستثناءات من الأصل العام التي خوله المشرع التصرف بشأنها الافتراض أن امتناعه يعد قراراً سلبياً بالمعنى والتحديد الذي تضمنه قانون تنظيم مجلس الدولة رقم (47) لسنة 1972 وما جرى عليه قضاء هذه المحكمة من أن القرار الإداري السلبي ليس هو القرار الصحيح أو الضمني برفض إنشاء مركز قانوني معين.
ومن حيث إن الظاهر من الأوراق أن المجلس الأعلى للصحافة قد سلك تجاه طلب المطعون ضده مسلكاً إيجابياً في بحث الإخطار المقدم عن الصحيفة المزمع إصدارها عندما طلب من المدعي بتاريخ 2/ 10/ 1985 موافاته بالأنشطة السابقة للنادي منذ إشهاره عام 1983، وهو النادي الذي تخدم الصحيفة أغراضه. وقد رد المطعون ضده على ذلك في 14/ 10/ 1985 ومع ذلك فإنه وإن كان صحيحاً حسبما جرى عليه قضاء هذه المحكمة أن عدم الرد من المجلس الأعلى للصحافة خلال المدة القانونية يعتبر بحكم قرار بالموافقة أو عدم الاعتراض على صدورها فإن ذلك مقصور على الأحوال العادية التي يتوفر في الصحيفة والطلب المقدم بشأنها ما يعد الأركان الأساسية التي استلزمها الدستور وقانون الصحافة في تحديد ملكية المهن، ونوعية ملاكها وما يماثل ذلك من جوانب أساسية التزم بالنص عليها المشرع الدستوري وقانون تنظيم الصحافة كذلك تنظيماً لحرية إصدار الصحف وتملكها أما في الأحوال التي يكون فيها ذوي الشأن مقدمي الإخطار أو ملكية الصحيفة ذاتها متعارضة من نوعية الملكية التي أجازها المشرع والتي قرر لها الأولوية والتميز التي نحت به إلى تنظيم ملكية وإصدار الصحف على أساس نظام الإخطار وليس الترخيص إعلاء لحرية تملك الصحف وإصدارها - فإنه لا يكون ثمة أساس من الدستور والقانون أو المنطق للزعم بأن عدم رد المجلس الأعلى للصحافة في هذه الحالة يعد موافقة على مباشرته السلطة التقديرية الخاصة بالموافقة على حالات معينة ولا يتفق مع المبدأ العام في تحديد ملكية الصحف وأولويتها - ذلك أن الأصل المسلم به أنه لا ينسب لساكت قول إلا بنص صريح من المشرع ويتعين في حالة النص الالتزام بما حدده وتفسيره تفسيراً صحيحاً دون التوسع فيه أو القياس عليه كما أنه حيث لا يملك المجلس الأعلى للصحافة أن يباشر سلطة صريحة في تحديد مركز قانوني معين بالمخالفة لأحكام الدستور وقانون الصحافة في جوهره يتعلق عليه الصحف وإصدارها لخروج ذلك عن اختصاصه وولايته التي نيطت به بالنسبة للإخطار بإنشاء الصحف فإن من باب أولى لا يمكن أن ينسب إليه افترضاً الموافقة الحكمية على مخافة الدستور والقانون حيث يتعين أن تقر إرادته وأن يعمل بها تحت رقابة القضاء وسواء صراحة أو ضمناً في إطار من الشرعية وسيادة الدستور والقانون، ومن حيث إنه بناء على ما سلف بيانه وإن الثابت بحسب الظاهر أن الحكم المطعون فيه قد تبنى في قضائه منطوقاً وأسباباً غير من سلف بيانه ومن ثم فإنه يكون قد جاء مخالفاً لصحيح أحكام الدستور والقانون حرياً والحال هذه بالإلغاء وحيث إن من خسر دعواه يلزم مصروفاتها وفقاً لحكم المادة (184) من قانون المرافعات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى وألزمت المدعي المصروفات.