مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة عشرة - (من أول أكتوبر سنة 1973 إلى أخر سبتمبر سنة 1974) - صـ 225

(91)
جلسة 23 من مارس سنة 1974

برياسة السيد الأستاذ المستشار أحمد ثابت عويضة - رئيس المحكمة وعضوية السادة الأساتذة محمد صلاح الدين السعيد، أبو بكر محمد عطية، محمود طلعت الغزالي، محمد نور الدين العقاد - المستشارين.

القضية رقم 39 لسنة 19 القضائية

( أ ) مجلس الدولة - عدم دستورية - الدفع بعدم دستورية المادة 104 من قانون مجلس الدولة لأنها قصرت التقاضي في طلبات الأعضاء على درجة واحدة - ولأن فيها انتقاص لضمانات أعضاء مجلس الدولة - عدم جدية الدفع - دستورية التقاضي على درجة واحدة - التقاضي أمام المحكمة الإدارية العليا أكثر ضماناً من التقاضي أمام لجنة التأديب والتظلمات - أساس ذلك.
(ب) تعويض - هيئات قضائية - إعادة تعيين بعض رجال الهيئات القضائية مع النص على عدم صرف فروق لهم عن الماضي - عدم جواز تعويضهم في هذه الحالة - عودتهم إلى الخدمة خير تعويض أدي لهم - أساس ذلك - ومثال.
1 - إنه عن الطلب الذي تقدم به الطاعن لإعادة الطعن إلى المرافعة ليتمكن من الطعن أمام المحكمة العليا بعدم دستورية المادة 104 من قانون مجلس الدولة سالفة الذكر، فإنه لا جدية فيه، ذلك أن الدستور وإن كان قد كفل في المادة 68 منه حق التقاضي لكل مواطن إلا أنه لم يتطلب أن يكون التقاضي على أكثر من درجة واحدة، وإنما ترك للقانون على ما يبين من نص المادتين 165، 167 منه أو تنظيم القضاء واختصاصاته ودرجاته. إذ نصت المادة 165 على أن السلطة القضائية مستقلة وتتولاها المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها وتصدر أحكامها وفق القانون، وقضت المادة 167 على أن يحدد القانون الهيئات القضائية واختصاصاتها وينظم طريقة تشكيلها. وليس صحيحاً ما ذهب إليه الطاعن من أن المادة 165 المذكورة أوجبت أن يكون التقاضي على أكثر من درجة، ذلك أن هذه المادة لم ترد في مقام تحديد درجات التقاضي ووجوب أن يكون ذلك على درجات، وإنما وردت بصدد الإفصاح عن أن المحاكم بأنواعها ودرجاتها المختلفة هي وحدها التي تتولى ممارسة السلطة القضائية، أما تحديد أنواع المحاكم ودرجاتها فقد ترك الدستور تنظيمه وتحديده للقانون على ما يستفاد من عجز هذه المادة عندما نصت على أن تصدر المحاكم أحكامها وفق القانون، وما قضت به المادة 167 من أن يحدد القانون الهيئات القضائية واختصاصاتها بما يدل على أن القانون هو المنوط به تحديد اختصاص المحاكم وتحديد أنواعها وبيان عدد درجات كل نوع منها. ولو شاء الدستور غير ذلك لتصدى للأمر وحدد للمشرع عدد درجات المحاكم بأنواعها المختلفة، ولكنه لم يفعل وترك الحرية كاملة للقانون حسبما يراه متفقاً والمصلحة العامة. هذا وليس التقاضي على درجة واحدة خروجاً على مبادئ الدستور ولا بدعة في القانون، ولكنه حقيقة واقعة في التنظيم القضائي ليس أدل على مشروعيتها من أن أحكام المحكمة العليا على سبيل المثال تصدر، وفقاً للقانون رقم 81 لسنة 1969 بإصدار قانون المحكمة العليا من درجة واحدة، وقد سلم الدستور بشرعية هذا التنظيم عندما نص في المادة 192 منه على أن تمارس المحكمة العليا اختصاصاتها المبينة في القانون الصادر بإنشائها وذلك حتى يتم تشكيل المحكمة الدستورية العليا، الأمر الذي يقطع بدستورية التقاضي على درجة واحدة. وإذ نصت المادة 104 من قانون مجلس الدولة سالفة الذكر على اختصاص إحدى دوائر المحكمة الإدارية العليا دون غيرها بالفصل في الطلبات التي يقدمها رجال مجلس الدولة، فإنها تكون قد صدرت دون ثمة مخالفة لأحكام الدستور، بما لا يجوز معه النص بأن أحكامها لا تقبل الطعن وإذ كان الأمر كذلك فإن الإدعاء بأن قصر التقاضي بالنسبة لمنازعات رجال مجلس الدولة على درجة واحدة، يتنافى مع مبدأ المساواة الذي قرره الدستور في المادة 40 منه، يصبح ولا أساس له لأن الدستور لم يضع ثمة إلزاماً بأن يكون التقاضي بالنسبة للكافة على أكثر من درجة وإنما ترك أمر ذلك لتقدير المشرع حسبما يراه متفقاً مع المصلحة العامة. وإذ ارتأى المشرع أن يكون الفصل في الطلبات التي يقدمها رجال مجلس الدولة واختصاص المحكمة الإدارية العليا دون غيرها فإنه لا يكون قد خالف ثمة قاعدة دستورية. أما ما أثاره الطاعن من أن قانون مجلس الدولة القائم قد انتقص من الضمانات التي كانت مقررة لرجال مجلس الدولة فيما قضى به من أن تختص إحدى دوائر المحكمة الإدارية العليا بالفصل في طلباتهم بينما كان الاختصاص في ذلك طبقاً للقانون السابق معقوداً للجنة مشكلة من خمسة عشر عضواً، أن ما أثاره الطاعن في هذا الشأن لا يستقيم مع المبادئ التي أرساها الدستور في المادتين 68، 165 منه من أن يكون لكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي وأنه تتولى المحاكم دون سواها السلطة القضائية، الأمر الذي اقتضى التدخل لتخويل المحاكم بضماناتها، الاختصاص بالفصل في المنازعات ذات الطابع القضائي التي كانت تختص بها اللجان التي كانت لا تلتزم كأصل عام بضوابط التقاضي وضماناته ودليل ذلك أن لجنة التظلمات التي كان منوطاً بها الفصل في طلبات إلغاء القرارات الإدارية المتعلقة بشئون أعضاء مجلس الدولة وفي طلبات التعويض المترتبة عليها، كانت تشكل من خمسة عشر عضواً من بينهم سبعة هم أعضاء المجلس الخاص الذي كان يشارك في صنع القرارات الإدارية مثار هذه المنازعات. وفي هذا ولا شك إهدار لأهم الضمانات المقررة للمتخاصمين أمام المحاكم، والتي تقضي بأن يكون القاضي غير صالح لنظر الدعوى ممنوعاً من سماعها ولو لم يرده أحد من الخصوم إذا كان أبدى رأياً فيها.
وترتيباً على ذلك فإن قانون مجلس الدولة القائم إذ خول إحدى دوائر المحكمة العليا الاختصاص بالفصل في المنازعات المتعلقة بشئون رجال مجلس الدولة، أسوة بما يجري عليه العمل بالنسبة للمنازعات المتعلقة بشئون رجال القضاء والنيابة العامة من اختصاص دوائر المواد المدنية والتجارية بمحكمة النقض دون غيرها بالفصل فيها، فإنه يكون قد استهدف في الواقع من الأمر زيادة الضمانات المقررة لذوي الشأن لا انتقاصها على ما يقول به الطاعن.
ومن حيث إنه لما تقدم يكون الطلب الذي تقدم به الطاعن لإعادة الطعن إلى المرافعة ليتسنى له الدفع بعدم دستورية المادة 104 من قانون مجلس الدولة أمام المحكمة العليا، لا جدية فيه، ومن ثم يتعين رفضه إعمالاً لما تقضي به المادة الأولى من قانون الإجراءات والرسوم أمام المحكمة العليا الصادر بالقانون رقم 66 لسنة 1970.
2 - إن الثابت من مطالعة الأوراق أنه تنفيذاً لأحكام القرار بقانون رقم 83 لسنة 1969 بشان إعادة تشكيل الهيئات القضائية، صدر في 31 من أغسطس سنة 1969 القرار الجمهوري رقم 1604 لسنة 1969 بإعادة تعيين أعضاء مجلس الدولة دون أن يشمل الطاعن الذي كان يشغل وظيفة مستشار، وبذلك اعتبر محالاً إلى المعاش بحكم القانون، وسوى معاشه على هذا الأساس وفقاً لحكم المادة الثالثة من القرار بقانون المتقدم ذكره. وتطبيقاً لأحكام القانون رقم 43 لسنة 1973 في شأن إعادة بعض أعضاء الهيئات القضائية إلى وظائفهم الأصلية، أصدر السيد رئيس الجمهورية قراراً بإعادته إلى الخدمة.
ومن حيث إن الطاعن قد قصر طلباته على طلب التعويض عن الأضرار الأدبية والمادية التي لحقت به نتيجة صدور القرار الجمهوري رقم 1604 لسنة 1969 سالف الذكر فيما تضمنه من اعتباره محالاً إلى المعاش.
ومن حيث إن طلب التعويض استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إنه باستقراء أحكام القرار بقانون رقم 85 لسنة 1971 بجواز إعادة تعيين بعض أعضاء الهيئات القضائية، والقانون رقم 43 لسنة 1973 في شأن إعادة بعض أعضاء الهيئات القضائية إلى وظائفهم الأصلية، والاطلاع على الأعمال التحضيرية لها، يبين أن المشرع قد أفصح عن أنه تأكد له مما أسفر عنه البحث أن بعض المعلومات والبيانات التي أدت إلى إغفال إعادة تعيين بعض أعضاء الهيئات القضائية بالتطبيق لأحكام القرار بقانون رقم 83 لسنة 1969 بشأن إعادة تشكيل الهيئات القضائية مشكوك في مصدرها وغير جادة وغير صحيحة في مضمونها مما ألحق ظلماً بيناً وحيفاً أكيداً ببعض أعضاء الهيئات القضائية لا سبيل إلى رفعه إلا برد اعتبارهم إليهم ومن أجل ذلك صدر القرار بقانون رقم 85 لسنة 1971 بجواز إعادة تعيين بعض أعضاء الهيئات القضائية. ثم رؤى تحقيقاً لاعتبارات العدالة والمساواة والحرص على أن يكون الإنصاف شاملاً للجميع، إصدار القانون رقم 43 لسنة 1973، بإعادة باقي أعضاء الهيئات القضائية الذين عزلوا أو نقلوا إلى وظائف أخرى تنفيذاً للقرار بقانون رقم 83 لسنة 1969 إلى وظائفهم الأصلية إذا أبدوا رغبتهم في ذلك خلال الأجل المحدد قانوناً، وحساب المدة السابقة عند تحديد المرتب والأقدمية واستحقاق العلاوة والمعاش، وترقية العضو إلى درجة أعلا إذا كان زملاؤه التالون له في الأقدمية قد رقوا إليها، متى كان العضو مستوفياً لدرجة الأهلية اللازمة للترقية، وعلى ذات الأسس تحسب هذه المدة في تقدير معاشات من بلغ منهم سن التقاعد أو معاشات المستحقين عنهم في حالة الوفاة قبل العمل بالقانون، وذلك مع الإعفاء من رد ما قد يكون العضو قد حصل عليه من مكافأة ترك الخدمة والإعفاء كذلك مما يكون مستحقاً على العضو من اشتراكات التأمين والمعاش عن المدة من تاريخ إحالته إلى المعاش. ونص المشرع في القانونين 85 لسنة 1971، 43 لسنة 1973 المشار إليهما على ألا يترتب على تطبيق أحكامهما صرف أية فروق عن الماضي مراعاة لتوزيع أعباء التسوية بين أصحاب الشأن وبين الدولة. وجاء في تقرير اللجنة التشريعية بمجلس الشعب عن مشروع القانون الأخير "أن اللجنة رأت بعد أن درست أحكامه أنه قد قام بتصحيح كافة الأوضاع المترتبة على صدور القرار بقانون رقم 83 لسنة 1969 المشار إليه" وقد رد وزير العدل في مناقشاته أمام مجلس الشعب هذا المعنى في قوله، وبهذا فنحن نعطي لرجل القضاء الذي فصل كافة حقوقه، رداً لهذه الحقوق التي حرم منها فيما سبق". وكان أحد أعضاء المجلس قد اقترح حذف عبارة "ولا يترتب على تطبيق أحكام هذا القانون صرف أية فروق عن الماضي". وإضافة عبارة جديدة إلى المادة تقضي بصرف الفروق المالية للمعادين من القضاة حيث أنهم استبعدوا ظلماً ومن العدل أن ينالوا حقهم، ولكن المجلس لم يوافق على هذا الاقتراح.
ومن حيث إن دلالة ما تقدم أن المشرع حدد الحقوق والتعويضات التي رآها مناسبة لأعضاء الهيئات القضائية الذين اعتبروا محالين إلى المعاش بالتطبيق لأحكام القرار بقانون رقم 83 لسنة 1969 تحديداً جامعاً ومانعاً معاً، طبقاً لقواعد خاصة دون ثمة التزام بالقواعد العامة في المسئولية لدى توافر أركانها في كل حالة على حدة. ويتجلى ذلك فيما قضى به المشرع من إعادة أعضاء الهيئات القضائية إلى وظائفهم الأصلية وتسوية معاشات من كان قد بلغ منهم سن التقاعد أو توفاه الله قبل إعادته إلى وظيفته الأصلية، وعدم صرف أية فروق عن الماضي، والإعفاء من رد ما قد يكون العضو قد حصل عليه من مكافأة ترك الخدمة، والإعفاء كذلك مما يكون مستحقاً على العضو من اشتراكات التأمين والمعاش عن المدة من تاريخ إحالته إلى المعاش وإذ حدد المشرع على هذا النحو ما يحق للأعضاء وما لا يحق لهم، فإنه يكون بذلك قد قدر ما لهؤلاء الأعضاء من حقوق وتعويضات يمتنع معها المطالبة أو الحكم بما سواها، بمراعاة أنه وقد امتنع صرف أية فروق عن الماضي بوصفها كذلك فإنه يمتنع بالضرورة الحكم بها في صورة تعويض، وذلك لاتحاد العلة في الحالين. وإذ كان الأمر كذلك وكان المشرع قد أقر بأن إحالة هؤلاء الأعضاء إلى المعاش كانت ظلماً وحيفاً وأنه تدخل لرد اعتبارهم إليهم على النحو السالف البيان فإن في هذا ما ينطوي في ذاته على خير تعويض أدبي يرد إليهم اعتبارهم بين الناس ويمسح عنهم ما أصاب نفوسهم من آلام، نتيجة إحالتهم إلى المعاش. وليس أدل على أن المشرع قد استهدف من القواعد التي قننها القانون رقم 43 لسنة 1973 أن تجبر كل الأضرار المادية والأدبية وتستوعب كل التعويضات التي قد تستحق للأعضاء المذكورين، ما تضمنه تقرير اللجنة التشريعية بمجلس الشعب وما قرره وزير العدل أمام هذا المجلس من أن مشروع هذا القانون قد قام بتصحيح كافة الأوضاع المترتبة على صدور القرار بالقانون رقم 83 لسنة 1969 المذكور، وما انتهى إليه المجلس من رفض الاقتراح الذي كان قد أبداه أحد أعضائه بأن تصرف للمعادين الفروق المالية عن الماضي.
ومن حيث إن الأصل أن القواعد العامة في المسئولية - إدارية كانت أو مدنية - تجبها النصوص الواردة في القواعد الخاصة، وهو الأمر الذي ردده القانون المدني في المادة 221 منه بالنص على أن يقدر القاضي التعويض إذا لم يكن مقدراً في العقد أو بنص في القانون. ومن ثم فإن المشرع إذا ما تدخل وقدر التعويضات المستحقة عن نوع خاص من الضرر - أياً كان هذا التعويض عيناً أو نقداً فإنه يتعين على القاضي أن يتقيد به ولا يخرج عليه حتى ولو لم يكن من شأنه جبر كافة الأضرار التي لحقت بالمضرور. وإذ تدخل المشرع بمقتضى القانونين 85 لسنة 1971، 43 لسنة 1973 على ما سلف بيانه ووضع القواعد التي ارتأى أن من شأنها تصحيح كافة الأوضاع التي ترتبت على تطبيق القرار بقانون رقم 83 لسنة 1969 وحظر صرف أية فروق عن الماضي، أياً كان نوعها أو أساسها، على ما يستفاد من إطلاق هذه العبارة دون ثمة تخصيص، وكان هذا الحظر لاعتبارات تتصل بالصالح العام متمثلاً في توزيع أعباء التسوية بين أصحاب الشأن وبين الدولة، فإن المشرع يكون بذلك قد قدر التعويضات الناجمة عن الأضرار التي ترتبت على تطبيق القرار بقانون رقم 83 لسنة 1969 السالف الذكر. ومن ثم فلا محيص عن التقيد بها وعدم الخروج عليها. وبالبناء على ذلك فإنه لا يحق المطالبة بأية تعويضات أخرى أدبية كانت أو مادية.
ومن حيث إن الحكومة قد أعادت الطاعن إلى الخدمة بالتطبيق لأحكام القانون رقم 43 لسنة 1973 الأمر الذي طلب معه الطاعن اعتبار الخصومة منتهية بالنسبة لطلب الإلغاء، بما مفاده أن هذا القانون قد طبق في شأنه تطبيقاً سليماً لا مطعن له عليه، فإن الطاعن يكون بذلك قد حصل على التعويض الذي قدره القانون، بما لا يحقق له المطالبة بما يجاوزه، ويكون طلب التعويض والأمر كذلك حرياً بالرفض.