مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثامنة والثلاثون - الجزء الثاني (من أول مارس سنة 1993 إلى آخر سبتمبر سنة 1993) - صـ 1416

(141)
جلسة 22 من يونيه سنة 1993

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ عبد المنعم عبد العظيم جبره - نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة/ عبد الطيف محمد عبد اللطيف وأحمد عبد العزيز تاج الدين وعلي رضا عبد الرحمن رضا ومحمد منير جونيل - المستشارين.

الطعن رقم 1386 لسنة 37 القضائية

عاملون بالقطاع العام - تأديب - موانع المسئولية التأديبية - المرض النفسي.
المرض النفسي المزمن يحول دون المسئولية التأديبية للعامل أسوة بالمسئولية الجنائية - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الخميس الموافق 14/ 3/ 1991 أودع الأستاذ محمد عبد المجيد الشاذلي المحامي نائباً عن السيد الأستاذ/ محمد صلاح إبراهيم المحامي بصفته وكيلاً عن السيد/ ..... قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 1386 لسنة 37 القضائية في الحكم الصادر من المحكمة التأديبية بالإسكندرية في الدعوى رقم 329 لسنة 32 القضائية بجلسة 19/ 1/ 1991 والقاضي بمجازاة....... بغرامة مقدارها ثلاثون جنيهاً.
وطلب الطاعن - للأسباب المبينة بتقرير الطعن - الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبراءة الطاعن من الاتهام المنسوب إليه.
وبعد إعلان تقرير الطعن إلى المطعون ضده على النحو الثابت بالأوراق، قدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً مسبباً بالرأي القانوني في الطعن، ارتأت فيه بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع برفضه.
وعين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 21/ 10/ 1992، وبجلسة 17/ 2/ 1993 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا "الدائرة الثالثة" وحددت لنظره أمامها جلسة 6/ 4/ 1993، وبعد أن استمعت المحكمة إلى ما رأت لزوماً لسماعه من إيضاحات ذوي الشأن قررت إصدار الحكم بجلسة اليوم وفيها صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع المرافعة، وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطاعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن وقائع هذه المنازعة تخلص - حسبما يبين من الأوراق - في أنه بتاريخ 21/ 1/ 1990 أقامت النيابة الإدارية الدعوى رقم 329 لسنة 32 القضائية بإيداع أوراقها قلم كتاب المحكمة التأديبية بالإسكندرية شاملة تقرير اتهام...... الأخصائي سابقاً بالدرجة الثانية بشركة طنطا للكتان لأنه في 8/ 12/ 1987 بشركة طنطا للزيوت والصابون بالإسكندرية خرج على مقتضى الواجب الوظيفي ولم يحافظ على كرامة الوظيفة والسلوك اللائق بها بأن: -
1 - اعتدى على رئيسه في العمل سباً وقذفاً علنياً أمام العاملين فضلاً عن محاولة التعدي عليه بالضرب.
2 - هدد بالانتحار من مطل مقر الفرع مما أشاع الذعر والفوضى بين العاملين والمارة فضلاً عن إزعاج السلطات.
وبذلك يكون قد ارتكب المخالفة الإدارية المنصوص عليها في المادتين 78/ 5 و808 من القانون رقم 48 لسنة 1978 وطلبت النيابة الإدارية محاكمته بالمادتين سالفتي الذكر تطبيقاً للمادتين 82 و84 من نظام العاملين بالقطاع العام والصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1978، والمادة الأولى من القانون رقم 19 لسنة 1959 المعدل بالقانون رقم 172 لسنة 1981 والمادة 14 من القانون رقم 117 لسنة 1958 بشأن إعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية المعدل بالقانون رقم 171 لسنة 1981 والمادتين 15/ 1 و16/ 1 من القانون رقم 47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة.
وبجلسة 16/ 1/ 1991 قضت المحكمة التأديبية بالإسكندرية بمجازاة...... بغرامة مقدارها ثلاثون جنيهاً. وشيدت المحكمة قضاءها على أن ما نسب إلى المحال قد يثبت في حقه ما ورد بالأوراق وبأقوال من سمعت أقوالهم في التحقيقات وهو هبه ..... وأشرف.......، الأمر الذي يشكل في جانبه ذنباً إدارياً ينطوي على إخلال بكرامة الوظيفة وعدم السلوك اللائق بها.
ولما لم يلق هذا القضاء قبول من الطاعن فقد أقام طعنه الماثل، استناداً إلى أن الحكم المطعون فيه خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله، ذلك أن الطاعن والمريض بمرض عصبي مزمن كان قد ذهب إلى مشرف الفرع المدعو........ وطلب تحويله للكشف الطبي لاستكمال علاجه لدى هيئة التأمين الصحي فرفض مشرف الفرع، وطلب منه الطاعن الاتصال بإدارة الشركة بطنطا لصرف مستحقاته المالية المتأخرة فمنعه المشرف، فحاول الاتصال بشرطة النجدة فمنعه المشرف من الاتصال التليفوني مما اضطره الاستنجاد بالمارة في المطل من عنت وتعسف مشرف الفرع، فقام المشرف بالاتصال بشرطة النجدة مدعياً أن الطاعن يحاول الانتحار بإلقاء نفسه من نافذة مكتب الفرع بالدور الخامس. وأن - إدارة الشركة - لوجود خصومة بين الطاعن وبينها - طلبت من مشرف الفرع تحرير شكوى ضد الطاعن تحوي وقائع محرفة عما حدث يوم 8/ 12/ 1987 وتضمينها وقائع وأحداث وادعاءات وأكاذيب، وقد التفتت المحكمة عما ضمنه حافظة مستنداته من أنه لجأ إلى مشرف الفرع لتحويله إلى الجهة الطبية المختصة (هيئة التأمين الصحي) للكشف عليه واستكمال علاجه من مرضه العقلي المزمن.
ومن حيث إن وقائع الموضوع تخلص فيما أبلغت به شركة طنطا للزيوت والصابون النيابة الإدارية في أنه بتاريخ 8/ 12/ 1987 اعتدى السيد....... الأخصائي الاجتماعي بالإسكندرية سابقاً على السيد/ ....... مدير فرع الشركة بالإسكندرية بالقول فضلاً عن محاولته التعدي عليه بالضرب على النحو الموضح بالأوراق كما أنه أساء إلى سمعة الشركة عندما قام بالصياح بأعلى صوته من مطل مقر فرع الشركة مهدداً بالانتحار مما أشاع الفوضى بين العاملين.
وبسؤال....... ردد مضمون ما جاء ببلاغ الشركة، وأضاف أن العامل المشكو في حقه يعاني من مرض نفسي "اكتئاب تفاعلي".
وبسؤال........ قرر أنه حصل على أجازة مرضية تنتهي في 7/ 12/ 1987 وحضر إلى فرع الشركة يوم 8/ 12/ 1987 لتجديد الأجازة، إلا أن مدير الفرع امتنع عن تسليمه الخطاب الخاص بتوقيع الكشف الطبي عليه، مما أدى به إلى الصياح من مطل مقر فرع الشركة لطلب الشرطة.
ومن حيث إن الثابت من مطالعة الأوراق أن الطاعن كان بأجازة مرضية بسبب إصابته بمرض نفسي تنتهي في 7/ 8/ 1987 وقد حضر إلى مقر فرع الشركة بالإسكندرية يوم 8/ 12/ 1987 للحصول على تحويل للكشف الطبي لتجديد الأجازة، إلا أنه ثارت بينه وبين مدير الفرع مناقشة بسبب رفض الأخير تحويله للكشف الطبي مما أدى به إلى الصياح من مطل فرع الشركة، وقد حول إلى المحاكمة التأديبية بسبب ما أتاه من أفعال في اليوم المذكور وقضي فيه بإدانته بغرامة مقدارها ثلاثون جنيهاً، وقد تبين من الأوراق أن شركة طنطا للكتان والزيوت - التي نقل إليها الطاعن - قامت بإنهاء خدمته في 5/ 9/ 1988 - قبل صدور حكم المحكمة التأديبية - فأقام دعواه أمام محكمة طنطا الابتدائية الدائرة الرابعة (عمال)، وأصدرت المحكمة حكماً تمهيدياً بجلسة 22/ 5/ 1986 بتوقيع الكشف الطبي الشرعي على المذكور وبيان حالته الصحية وعما إذا كان يعاني من ثمة أمراض من عدمه، ويبين من التقرير الطبي الشرعي في القضية رقم 45 لسنة 1989 عمال كلي طنطا، أن المدعي وصفت حالته وشخصت - حالة فصام بارانويدي وتقرر له العلاج المدون بالتذاكر الطبية المرفقة ومنح العديد من الأجازات الطبية من عدة جهات طبية متخصصة، وحالته غير مستقرة ويحتاج لعلاج ومتابعة دورية، وتضمن تقرير الطب الشرعي أنه بالاطلاع على مستندات العلاج تبين صدور تقرير في 3/ 3/ 1990 قسم الأعصاب بالمستشفى الجامعي بطنطا جاء به أنه بعد الكشف على المريض تبين أنه يعاني من فصام عقلي بارانويدي، كما تضمن التقرير أنه بالاطلاع على تقرير محرر بمعرفة السيد الأستاذ الدكتور...... رئيس قسم الأمراض النفسية والعصبية بمستشفى شبين الكوم التعليمي في 1/ 3/ 1990 يبين أنه يعاني من فصام عقلي بارانويدي والحالة غير مستقرة ويحتاج لفترة طويلة للعلاج، وانتهى رأي الطب الشرعي إلى أن المذكور يعاني من حالة مرض الفصام العقلي البارانويدي وهي حالة مرضية ذهانية تحدث عن هيئة نوبات من الهياج النفسي تتخللها فترات من الاستقرار الوجداني، كما أنه من الممكن السيطرة على نوبات الهياج هذه بالعلاج الطبي المتخصص المستمر مع المتابعة الدورية وإن كان العلاج الطبي المتخصص قد يكون من شأنه السيطرة على مثل تلك الحالات في الكثير من الأحيان، إلا أن ذلك لا يحول بصفة مطلقة دون إمكان حدوث نوبات الهياج النفسي المشار إليها في وقت خاصة إذا ما تعرض المريض لظروف بيئية غير ملائمة أو لضغوط نفسية شديدة، ويزداد معدل حدوث تلك النوبات في حالة إهمال العلاج والمتابعة الطبية اليومية المتخصصة، وانتهى تقرير الطب الشرعي إلى أن المذكور يعاني من حالة مرضية ذهانية وأن هذه الحالة من الأمراض المزمنة وأنه ما زال تحت العلاج وما زالت حالته تعتبر من الوجهة الفنية غير مستقرة تماماً.
ومن حيث إنه متى كان الثابت من تقرير الطب الشرعي المشار إليه أن الطاعن يعاني من مرض نفسي مزمن وتحدث له حالات نوبات هياج نفسي خاصة إذا ما تعرض لظروف بيئية غير ملائمة أو لضغوط نفسية شديدة وكان إبان ذهابه للشركة في 8/ 12/ 1987 يعالج من هذا المرض والذي حصل بسببه على إجازة مرضية تنتهي في 7/ 12/ 1987.
ومن حيث إن حالة المرض النفسي الثابتة لدى الطاعن وما يصاحبها من نوبات الهياج من شأنها أن تحول دون مسئوليته التأديبية عما يصدر منه من أفعال وتصرفات شأنها في ذلك شأن المسئولية الجنائية التي تنتفي بدورها في مثل هذه الحالة.
وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب، فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تأويله وتطبيقه ويتعين والأمر كذلك الحكم بإلغائه وبعدم مسئولية الطاعن عما نسب إليه.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبعدم مسئولية الطاعن عما نسب إليه.