مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثامنة والثلاثون - الجزء الثاني (من أول مارس سنة 1993 إلى آخر سبتمبر سنة 1993) صـ 1519

(152)
جلسة 27 من يونيه سنة 1993

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ محمد حامد الجمل - رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة/ محمد معروف محمد ومحمد عبد الغني حسن وادوارد غالب سيفين وأحمد عبد العزيز أبو العزم - نواب رئيس مجلس الدولة.

الطعن رقم 3803 لسنة 35 القضائية

دعوى - حكم - رقابة المحكمة الإدارية العليا على الحكم الصادر بعدم الاختصاص.
إذا انتهت المحكمة الإدارية العليا إلى إلغاء الحكم المطعون فيه لمخالفة قواعد الاختصاص فإنه يتعين إعادة الدعوى إلى المحكمة التي أصدرته للفصل في موضوعها - أساس ذلك: ألا يفوت على ذوي الشأن إحدى درجات التقاضي - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم السبت الموافق 20/ 7/ 1989 أودع الأستاذ/ محمد يوسف المحامي بالنقض بصفته وكيلاً عن الطاعن سكرتارية المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بجلسة 21/ 5/ 1989 في الدعوى رقم 4404 لسنة 41 ق وذلك فيما قضي به من عدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى وإلزام المدعي بالمصروفات، وطلب الطاعن - في ختام التقرير - الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وباختصاص القضاء الإداري بنظر الدعوى وإعادتها إلى محكمة القضاء الإداري للفصل فيها مجدداً واحتياطياً الفصل في الدعوى والحكم بطلبات الطاعن الواردة بصحيفة دعواه بعد تعديله إلى (60000 ج) ستين ألفاً جنيهاً.
وقد تم إعلان الطعن قانوناً على النحو المبين بالأوراق.
وأودع السيد المستشار محمد عزت إبراهيم مفوض الدولة تقريراً مسبباً بالرأي القانوني لهيئة مفوضي الدولة ارتأى فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً وبإلغاء الحكم المطعون فيه وباختصاص محكمة القضاء الإداري بنظر الدعوى وإعادتها للفصل فيها مجدداً من إحدى دوائر محكمة القضاء الإداري.
وقد نظرت دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة الطعن، وتداولت نظره إلى أن قررت إحالته إلى المحكمة الإدارية العليا دائرة منازعات الأفراد والهيئات والتعويضات لنظره، وتداولت المحكمة نظر الطعن، وبجلسة 3/ 11/ 1990 قررت المحكمة إحالة الطعن إلى الدائرة المشكلة طبقاً للمادة 54 مكرراً من قانون مجلس الدولة للبت فيما إذا كانت محاكم مجلس الدولة تلتزم بالإحالة طبقاً لحكم لمادة 110 من قانون المرافعات من عدمه.
وبجلسة 6/ 6/ 1992 أصدرت دائرة توحيد المبادئ بالمحكمة الإدارية العليا حكمها الذي يقضي "بالتزام محاكم مجلس الدولة بالفصل في الدعاوى المحالة إليها من جهة قضائية أخرى طبقاً للمادة 110 من قانون المرافعات ولو كانت تخرج من الاختصاص الولائي المحدد قانوناً لمحاكم مجلس الدولة"، وأمرت بإحالة الطعن إلى الدائرة المختصة بالمحكمة الإدارية العليا لتفصل فيه وفقاً لذلك.
وقد ورد الطعن إلى هذه الدائرة وتحددت جلسة 23/ 5/ 1993 لنظره وتداولت المحكمة نظره إلى أن قررت النطق بالحكم فيه بجلسة 13/ 6/ 1993 كما مد أجل النطق به لجلسة اليوم 27/ 6/ 1993 حيث صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع المرافعة والمداولة.
ومن حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه المقررة وهو مقبول شكلاً.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتلخص حسبما يبين من الأوراق - في أن الطاعن كان قد أقام في 6/ 6/ 1983 الدعوى رقم 6533 لسنة 1983 مدني كلي جنوب القاهرة بطلب الحكم بإلزام المدعى عليه على وجه التضامن بأن يدفعوا له مبلغ ثلاثين ألف جنيه كتعويض رمزي عما أصابه من أضرار أدبية ومادية. وقال شرحاً للدعوى أنه أحيل إلى التقاعد في 3/ 7/ 1967 بعد أن رقي إلى رتبة لواء طيار وفي 24/ 8/ 1967 اعتقل وأودع بالقلعة ثم بإدارة المخابرات الحربية إلى أن أفرج عنه في سبتمبر 1968، وأعيد اعتقاله في نوفمبر سنة 1969 ووضع في سجن القناطر ولم يفرج عنه إلا في سبتمبر سنة 1971.
وبجلسة 28/ 2/ 1987 قضت محكمة جنوب القاهرة بعدم اختصاصها ولائياً بنظر الدعوى وبإحالتها بحالتها إلى محكمة القضاء الإداري، وورد ملف الدعوى إلى محكمة القضاء الإداري وأمامها بجلسة 31/ 2/ 1987 عدل المدعي طلباته بزيادة مبلغ التعويض إلى ستين ألف جنيه.
وبجلسة 21/ 5/ 1989 حكمت المحكمة بعدم اختصاصها ولائياً بنظر الدعوى وألزمت المدعي المصروفات وشيدت المحكمة قضاءها على أن المدعي لا يهدف بدعواه اختصاص القرارات الصادرة باعتقاله بطلب التعويض عنها كتصرفات قانونية صدرت من الجهة الإدارية فلم يشر في صحيفة الدعوى - صراحة أو ضمناً - إلى طلب التعويض عن تلك القرارات وإنما يتغيا الحكم له بالتعويض عن الأضرار التي أصابته من جراء الأفعال المادية غير المشروعة التي نسبها إلى تابعي المدعى عليهم وأنه لذلك - يستطرد الحكم محل الطعن الماثل - لا تستقيم المنازعة منازعة إدارية مما لا ينعقد الاختصاص بنظرها لمجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بحسبانها لا تعدو أن تكون منازعة مدنية بحتة ويتعين الحكم بعد اختصاص المحكمة ولائياً بنظرها دون إحالتها إذ لا جدوى من الإحالة إلى محكمة سبق أن فصلت في الدعوى واستنفدت ولايتها فيها.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الحكم الطعين خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله ذلك أن الطاعن أوضح صراحة - وليس ضمناً - في صحيفة دعواه عن أنه يختصم قرارات اعتقاله كتصرفات قانونية صدرت عن الجهة الإدارية، وأن اعتقاله لم يكن له ما يبرره من الواقع أو القانون ويمثل اعتداء على حريته المكفولة له بحكم الدستور، فضلاً عن أنه أصيب بأضرار مادية من جراء القرارات المشار إليها والمعاملة غير الإنسانية أثناء فترة اعتقاله.
ومن حيث إن دائرة توحيد المبادئ بالمحكمة الإدارية العليا المنصوص عليها في المادة 54 مكرراً من القانون رقم 47 لسنة 1972 معدلاً بالقانون رقم 136 لسنة 1984 قضت بجلسة 6/ 6/ 1992 في الطعن الماثل رقم 3803 لسنة 35 ق عليا بأن مقتضى صريح نص الفقرة الثانية من المادة 110 من قانون المرافعات أن تلتزم المحكمة المحال إليها الدعوى بالفصل في موضوعها، ولو استبان لها أن يندرج في عموم الولاية التي أنيطت بها طبقاً لمواد القانون المحددة لهذه الولاية، ولا اجتهاد مع صراحة النص، وهذا الالتزام رهين - كذلك - بعدم وجود محكمة أخرى مختصة خلاف محاكم الجهة القضائية التي صدر الحكم بعدم اختصاصها ولائياً بنظر الدعوى فإن وجدت تعيد القضاء مرة أخرى بعدم الاختصاص والإحالة إليها لما هو معلوم من أن حجية الحكم الصادر بعدم الاختصاص والإحالة المذكورة، مقصورة فقط على أسبابه، فيمتنع القضاء مرة أخرى بعدم الاختصاص الولائي للاختصاص المحكمة التي أصدرت حكم الإحالة ورهين أيضاً بعدم إلغاء حكم الإحالة من محكمة أعلا إذ به تزول حجيته، وخلصت المحكمة في منطوق حكمها إلى أنه "حكمت المحكمة بالتزام محاكم مجلس الدولة بالفصل في الدعاوى المحالة إليها من جهة قضائية أخرى طبقاً للمادة 110 من قانون المرافعات، ولو كانت تخرج عن الاختصاص الولائي المحدد قانوناً لمحاكم مجلس الدولة، وأمرت بإحالة الطعن إلى الدائرة المختصة بالمحكمة الإدارية العليا لتفصل فيه وفقاً لذلك".
ومن حيث إنه على هدي ما تقدم كله، ولما كانت محكمة القضاء الإداري قد قضت بعد اختصاصها ولائياً بنظر الدعوى، ولما كانت الدعوى التي صدر فيها الحكم المطعون فيه وردت إلى محكمة القضاء الإداري على أثر صدور حكم من محكمة جنوب القاهرة الابتدائية، يقضي بعدم اختصاص تلك المحكمة الابتدائية بنظر الدعوى، فإنه كان يتعين على محكمة القضاء الإداري التزاماً منها بالتفسير السليم والصحيح قانوناً والذي كشفت عنه دائرة توحيد المبادئ بالمحكمة الإدارية العليا بحكمها المشار إليه سلفاً، أن تلتزم بحكم الإحالة، وتتولى نظر الدعوى إلى أن تصدر حكمها فيها، فإن هي لم تفعل ذلك فإن حكمها المطعون فيه يكون قد جاء على غير أساس سليم من القانون ويتعين الحكم بإلغائه.
ومن حيث إنه سبق لدائرة توحيد المبادئ بالمحكمة الإدارية العليا المنصوص عليها في المادة 54 مكرراً من القانون رقم 47 لسنة 1972 والمعدل بالقانون رقم 136 لسنة 1984 أن قضت في الطعن رقم 1352 لسنة 33 بجلسة 14/ 5/ 1988 بأن على المحكمة الإدارية العليا إذا ما تبينت بطلان الحكم المطعون فيه وانتهت إلى إلغائه أن تفصل في موضوع الدعوى متى كان صالحاً للفصل فيه، وأوضحت المحكمة في أسباب الحكم المذكور أنه لا يختلف إلغاء الحكم لبطلانه عن إلغائه لغير ذلك من الأسباب، وفصل المحكمة العليا في النزاع بعد إلغاء الحكم لغير البطلان لا يختلف عن فصلها فيه بعد إلغائه للبطلان، ويتعين للمحكمة الإدارية العليا إذا انتهت إلى إلغاء الحكم المطعون فيه أمامها لغير مخالفة قواعد الاختصاص أن تفصل فيه مباشرة ولا تعيده إلى المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه إذ كان صالحاً للفصل فيه، بما مفاده أنه إذا انتهت المحكمة الإدارية العليا إلى إلغاء الحكم المطعون فيه لمخالفة قواعد الاختصاص فإنه يتعين عليها أن تعيده إلى المحكمة التي أصدرته ولا تفصل في موضوع الدعوى حتى لا تفوت على ذوي الشأن إحدى درجات التقاضي.
ومن حيث إن الثابت مما تقدم أن الحكم المطعون فيه قد خالف قواعد الاختصاص فمن ثم يتعين إلغاؤه والأمر الدعوى إلى محكمة القضاء الإداري للفصل فيها.
ومن حيث إن من يخسر الدعوى يلزم بمصروفاتها إعمالاً لأحكام المادة 184 من قانون المرافعات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبإلغاء الحكم المطعون فيه وأمرت بإعادة الدعوى إلى محكمة القضاء الإداري للفصل فيها مجدداً بهيئة أخرى وألزمت الجهة الإدارية المصروفات.