مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة عشرة - (من أول أكتوبر سنة 1973 إلى أخر سبتمبر سنة 1974) - صـ 298

(113)
جلسة 23 من إبريل سنة 1974

برياسة السيد الأستاذ المستشار حسين عوض بريقي - نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة إبراهيم حسين صالح خليفة وسعد زغلول محمد أبو عوف ويحيي توفيق الجارحي وعبد الفتاح صالح الدهري - المستشارين.

القضية رقم 28 لسنة 18 القضائية

( أ ) إصلاح زراعي - اختصاص - أحكام - حجيتها.
الولاية بنظر المنازعات المتعلقة بملكية الأراضي المستولى عليها من اختصاص اللجنة القضائية للإصلاح الزراعي وحدها - خروجها عن ولاية القضاء العادي - الحكم الصادر من المحكمة التي لا ولاية لها - لا يحوز قوة الشيء المقضى به - أساس ذلك - مثال.
(ب) إصلاح زراعي - عقد بيع.
الاعتداد بعقد البيع الابتدائي في تحديد الملكية الخاضعة لقانون الإصلاح الزراعي اشتراط التسجيل لنقل الملكية لا تخرج البيع عن كونه عقداً رضائياً - عدم أداء الثمن لا يبطل البيع - أساس ذلك.
(جـ) إصلاح زراعي - عقد بيع.
العقد الابتدائي المبرم قبل العمل بالقانون رقم 127 لسنة 1961 لا يبطل ولو كان مخالفاً لأحكامه - عدم جواز التسجيل لا يؤثر في صحة العقد - حق الإصلاح الزراعي في الاستيلاء على القدر الزائد المترتب على هذا العقد - بيان ذلك.
(د) إصلاح زراعي - استيلاء.
تعذر استيفاء الثمن من المشتري نتيجة الاستيلاء على الأرض لا يؤثر في صحة العقد ما دامت الأرض تؤول إلى الدولة محملة بما عليها من حقوق.
1 - إن المادة 13 مكرر من المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1951 للإصلاح الزراعي تقضي في الفقرة الثانية منها بتشكيل لجنة قضائية تكون مهمتها في حالة المنازعة تحقيق الإقرارات والديون العقارية وفحص ملكية الأراضي المستولى عليها وذلك لتعيين ما يجب الاستيلاء عليه طبقاً لأحكام القانون.
وتنص الفقرة السابعة من المادة المذكورة على أنه استثناء من أحكام قانون نظام القضاء يمتنع على المحاكم النظر في المنازعات المتعلقة بملكية الأطيان المستولى عليها أو التي تكون محلاً للاستيلاء وفقاً للإقرارات المقدمة من الملاك تطبيقاً للقانون "كما تنص الفقرة الثانية على أن تحال فوراً جميع القضايا المنظورة حالياً أمام جهات القضاء ما دام باب المرافعة لم يقفل فيها إلى اللجنة القضائية المذكورة ويستفاد من هذه الأحكام أن قانون الإصلاح الزراعي جعل الولاية في نظر المنازعات المتعلقة بملكية الأراضي المستولى عليها أو التي تكون محلاً للاستيلاء حسب إقرار المالك من اختصاص اللجنة القضائية للإصلاح الزراعي وحدها وخارجة عن ولاية جهات القضاء العادية التي يمتنع عليها بصراحة النص النظر في مثل هذه المنازعات، ومن المقرر أن هذا الاختصاص الوظيفي للجنة القضائية في نظر هذه المنازعات يتعلق بالنظام العام بحيث يجب على المحكمة غير المختصة أن تحكم من تلقاء نفسها بعدم اختصاصها في أية حالة تكون عليها الدعوى كما يكون للخصم التمسك بالدفع بعدم الاختصاص استناداً لفقدان الولاية في أية حالة تكون عليها الدعوى وأمام أي درجة من درجات القضاء كما لا يكون للحكم الذي يصدر من محكمة لا ولاية لها قوة الشيء المقضى به ولا يحتج به أمام جهة قضائية ولا يؤثر في حقوق الخصوم لأن تجاوز المحكمة حدود وظيفتها القضائية يسقط كل قوة للقرار الذي تتخذه في الخصومة باعتبار أن حكمها لا وجود له وعلى ذلك فإن الحكمين الصادرين في الدعويين رقمي 3612، 3163 لسنة 1960 مدني كلي مصر وقد فصلا في منازعة متعلقة بملكية الأراضي المستولى عليها طبقاً للإقرار المقدم من المالك محمد عثمان حسن - تنفيذاً للقانون رقم 127 لسنة 1961 يكون هذان الحكمان والأحكام الاستثنائية لهما قد صدرت من جهة لا ولاية لهما وظيفياً في الفصل في موضوع المنازعة مما لا يكون معه لهذه الأحكام قوة الشيء المقضى به وفضلاً على ما سبق فإذا ما تمسكت الشركة جدلاً بأن لهذه الأحكام قوة الشيء المقضي فإنه طبقاً للمادة 101 من القانون رقم 25 لسنة 1968 لا تكون لتلك الأحكام قوة الأمر المقضي إلا في نزاع قام بين الخصوم أنفسهم دون أن تتغير صفاتهم وتتعلق بذات الحق محلاً وسبباً وبذلك فإنه على افتراض أن لهذه الأحكام حجيتها فإن هذه الحجية لا تقوم بالنسبة للإصلاح الزراعي الذي لم يكن طرفاً في تلك الدعاوى - وبذلك يكون ادعاء الشركة الطاعنة بأن الأحكام الصادرة في الدعويين رقمي 2162، 2163 مدني كلي مصر قد حازت قوة الشيء المقضي على غير أساس سليم من القانون متعين رفضه.
2 - إن عقدي البيع موضوع المنازعة الصادرين من الشركة الطاعنة إلى محمد عثمان حسن من شأنهما نقل الملكية إلى المشتري وإن كان نقل الملكية يتراخى إلى حين التسجيل ولكن ذلك لا يخرج عقد البيع عن كونه عقداً رضائياً مترتب آثاره بمجرد اتفاق المتعاقدين بما في ذلك التزام البائع بنقل الملكية إلى المشتري وعلى ذلك يكون صحيحاً ما ذهبت إليه اللجنة القضائية في قرارها المطعون فيه من اعتبار المساحة المبيعة بموجب هذين العقدين في ملك المشتري عند العمل بالقانون رقم 127 لسنة 1961 خاصة وأن قانون الإصلاح الزراعي فيما يتعلق بحكم تحديد الملكية يسري على ما يملكه الشخص بعقود مسجلة أو بعقود عرفية أو بوضع اليد دون اشتراط أن يكون سند الملكية مسجلاً وهذا الحكم مستفاد من صريح نص القانون ولائحته التنفيذية ويبرره أن جانباً كبيراًً من الملكيات الزراعية يفتقر إلى سندات مسجلة واشتراط التسجيل يترتب عليه إفلات معظم الملكيات الزراعية من خضوعها لحكم تحديد الملكية وقد اتبع المشرع نفس الحكم بالنسبة للتصرفات الصادرة من الملاك الخاضعين لأحكام القانون إذ قضي باعتداد بهذه التصرفات العرفية - دون اشتراط تسجيلها متى كان لها تاريخ ثابت سابق على تاريخ العمل بالقانون ولا يقدح في هذا القول ما ذكرته الشركة الطاعنة من أن عدم أداء المشتري لأقساط الثمن المتفق عليها في العقد من شأنه أن يمنع نقل الملكية إلى المشتري باعتبار أن الثمن ركن من أركان عقدي البيع إذ أن هناك فرق بين وجود الثمن وبين أدائه والثمن موجود وقائم في العقدين موضوع المنازعة وإن كان المشتري قد تخلف عن أدائه ومن ثم فإن ادعاء الشركة الطاعنة بأن عقدي البيع لا ينقلان الملكية على أساس أن المشتري لم يؤد الثمن المتفق عليه وأن الثمن ركن من أركان عقد البيع لا يستند إلى أساس سليم من القانون ويتعين رفضه.
3 - لا حجة لإدعاء الشركة بأن العقدين موضوع المنازعة يخالفان أحكام القانون رقم 127 لسنة 1961 إذ يترتب عليهما زيادة ملكية المشتري لأكثر من مائة فدان وهو الحد الأقصى لنصاب الملكية الزراعية المقرر لهذا القانون وترى المحكمة أن الحكم الوارد بنص المادة الأولى من القانون والذي ينص على أن كل عقد يترتب عليه مخالفة حكم تحديد الملكية يعتبر باطلاً ولا يجوز تسجيله. هذا الحكم ينطبق على العقود التي تنشأ بعد تاريخ العمل بالقانون إذ أن القانون هو الذي قرر حكم البطلان وبالتالي يسري الحكم على العقود اللاحقة على صدور القانون دون العقود السابقة عليه التي نشأت صحيحة في ظل القوانين السابقة وإذا لم يكن هناك خلاف حول صحة العقود السابقة على القانون وأن الخلاف فقط حول جواز تسجيلها فإن التسجيل أو عدمه لا يؤثر على حق الإصلاح الزراعي في الاستيلاء على المساحة الزائدة عن النصاب ويؤدي عدم الأخذ بهذا النظر هو تطبيق قانون الإصلاح الزراعي بأثر رجعي على التصرفات التي تمت قبل صدوره وليس في أحكام القانون ما يؤيد ذلك بل إن مادته الأخيرة تقضي بالعمل بأحكام القانون من تاريخ 25 يوليو سنة 1961 ومنها الحكم الخاص بحظر التملك لأكثر من مائة فدان ويبطلان العقود التي يترتب عليها مخالفة هذا الحكم.
4 - إن قول الشركة أن القرار المطعون قد يضر بمصالحها لأنه امتنع عليها استيفاء الثمن من المشتري استناداً للأحكام الصادرة ببطلان العقود بما جاوز النصاب كما امتنع عليها استرداد الأرض استناداً للقرار المطعون فيه - هذا القول فضلاً على أنه أثر من آثار التصرفات التي تمت ولا يؤثر على التكييف القانوني لها فإن أيلولة ملكية الأراضي المستولى عليها طبقاً لأحكام القانون رقم 127 لسنة 1961 إلى الدولة بدون مقابل طبقاً لأحكام القانون رقم 104 لسنة 1964 لا يعني سقوط حق الشركة في تقاضي حقها في ثمن هذه الأطيان إذ أن هذه الأراضي تؤول ملكيتها إلى الدولة محملة بما عليها من حقوق عينية تبعية منها حق الامتياز المقرر لبائعة العقار بالنسبة للثمن وملحقاته طبقاً للمادة 1147 من القانون المدني.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل حسبما يبين من تقرير الطعن - في أن الشركة الطاعنة أقامت الاعتراض رقم 879 لسنة 1967 أمام اللجنة القضائية للإصلاح الزراعي ضد الهيئة العامة للإصلاح الزراعي، وجاء بصحيفة الاعتراض أنه بموجب طلب مؤرخ 5/ 12/ 1959 عرض السيد/ محمد عثمان حسن على الشركة رغبته في شراء مساحة 8 س 17 ط 113 ف من أراضي الشركة الكائنة بناحية الباسينية مركز أبو المطامير محافظة الجيزة بسعر الفدان 220 جنيه، وتعهد المشتري في عرضه بدفع ثلث الثمن بمجرد موافقة الشركة وتقسيط الباقي على عشرة أقساط سنوية ووافق مجلس إدارة الشركة على هذا الإيجاب في 7/ 12/ 1959، وبموجب عرض آخر مؤرخ 12/ 12/ 1959 طلب نفس المشتري من الشركة شراء مساحة أخرى من أراضي الشركة مقدارها 17 س 19 ط 27 ف بسعر الفدان الواحد 180 جنيه وبنفس الشروط الأخرى للعقد الأول ووافق مجلس إدارة الشركة فوراً على العرض الثاني وتم تسليم المساحتين موضوعي العقد الأول والثاني إلى المشتري بموجب محضر مؤرخ 26/ 12/ 1959 - وإزاء تخلف المشتري عن سداد مقدم الثمن وبعض الأقساط المستحقة فقد رفعت الشركة الدعوى رقم 3162 لسنة 1960 مدني كلي مصر تطالب المشتري بدفع مبلغ 824.984 مليمجـ باقي مقدم الثمن المستحق للشركة عن الصفقة الثانية، كما رفعت الشركة الدعوى رقم 3163 لسنة 1960 مدني كلي مصر تطالب المشتري بباقي مقدم الثمن المستحق للشركة عن الصفقة الأولى وقسطي 1959، 1960 وقدرها 2120.919 مليمجـ، وخلال نظر الدعويين صدر القانون رقم 127 لسنة 1961 محدداً الملكية للفرد في الأراضي الزراعية بما لا يزيد على مائة فدان فدفع المشتري الدعويين باستحالة تنفيذ الالتزام فيما يتعلق بالمساحة الزائدة على مائة فدان وقدرها 42 فداناً تقريباً أو أصبح مستحيلاً على الشركة البائعة بعد صدور القانون المشار إليه نقل ملكية المساحة الزائدة إلى المشتري - وبتاريخ 26/ 12/ 1962 حكمت المحكمة في الدعوى رقم 3162 لسنة 1960 برفضها استناداً إلى أن العقد الذي انعقد بين الشركة والمدعى عليه موضوع الدعوى يعتبر باطلاً لمخالفته لأحكام القانون رقم 127 لسنة 1961 ومن ثم تكون مطالبة الشركة المدعية للمدعى عليه بالمتبقي من الثمن والمصاريف الزراعية والفوائد لا سند لها من القانون - واستأنفت الشركة هذا الحكم فقضت محكمة استئناف القاهرة بتاريخ 6/ 1/ 1966 في الاستئناف رقم 398 لسنة 80 ق برفض الاستئناف وتأييد الحكم المستأنف، وحكمت المحكمة في الدعوى رقم 2163 مدني كلي بتاريخ 26/ 12/ 1962 بإلزام المدعى عليه بأن يدفع للشركة المدعية مبلغ 533.333 مليمجـ والفوائد ورفض ما عدا ذلك من الطلبات وورد بأسباب هذا الحكم أيضاً أن عقد البيع موضوع الدعوى باطل فيما زاد على مائة فدان لمخالفته لأحكام القانون رقم 127 لسنة 1961 - واستأنف المشتري هذا الحكم وقضت محكمة استئناف القاهرة في الاستئناف رقم 439 لسنة 80 ق بتاريخ 6 يناير 1966 بإلغاء الحكم المستأنف في الشق الخاص بالمطالبة بباقي الثمن والفوائد - ولم تتعرض المحكمة الاستئنافية لما ذهبت إليه المحكمة أول درجة من اعتبار العقد باطلاً فيما زاد عن مائة فدان إذ أن هذا الشق من الدعوى لم يكن بطبيعة الحال مثاراً من جانب المستأنف، وأضافت الشركة المعترضة بصحيفة اعتراضها بأنها بعد صدور هذه الأحكام أعدت صحيفة دعوى للمطالبة بفرز المساحة الزائدة عن مائة فدان وقدرها 1 س - ط 42 ف ولكن مأمورية الشهر العقاري أبو المطامير رفضت استخراج كشف تحديد عن هذه المساحة بحجة أن الإصلاح الزراعي استولى عليها لدى السيد/ محرم عثمان حسن طبقاً للقانون رقم 127 لسنة 1961 بسبب أنه أدرجها بإقراره المقدم طبقاً لهذا القانون - وطلبت الشركة بصحيفة الاعتراض الحكم بتسلمها هذه المساحة بعد أن قضى ابتدائياً واستئنافياً ببطلان العقد بالنسبة لها. وبجلسة 17/ 5/ 1970 قضت اللجنة بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وبعد أن سردت اللجنة الوقائع السابقة قالت في أسباب قرارها أن المشتري لهاتين المساحتين من الشركة أصبح في حكم المالك لأكثر من مائة فدان ويخضع بذلك لأحكام القانون رقم 127 لسنة 1961 ويلزم الاستيلاء لديه على ما زاد على مائة فدان، ولا يقدح في هذا القول أنه لم يتم تسجيل عقود بيع هذه المساحات باسم المشتري ذلك أن أحكام قانون الإصلاح الزراعي مستقرة على احترام التصرفات الصحيحة قانوناً الصادرة إلى المالك الخاضع لأحكامه طالما صدرت إليه قبل القانون واحترام التصرفات الصادرة منه طالما توافرت فيها الشرائط المطلوبة، وأضافت اللجنة أنه لا يقدح في ذلك أيضاً الأحكام الصادرة من المحاكم المدنية بإبطال العقدين فيما زاد على مائة فدان إذ أن الاختصاص في الفصل في ملكية الأراضي المستولى عليها معقود للجنة القضائية وحدها دون غيرها من جهات القضاء وفقاً لصريح نص المادة 13 مكرر من المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 الإصلاح الزراعي.
ومن حيث إن مبنى الطعن - حسبما يبين من تقريره ومن المذكرة اللاحقة المقدمة من الشركة الطاعنة - أن القرار المطعون فيه جانب الصواب للأسباب التالية.
1 - ذهب القرار المطعون فيه إلى أن المشتري وإن لم يسجل عقد شرائه قبل القانون رقم 127 لسنة 1961 إلا أن المساحات المبيعة إليه من الشركة تعتبر على حكم ملكيته إلى أن يتم تسجيلها - ونعت الشركة على هذا القول أن النزاع كان قائماً بين الشركة والمشتري قبل القانون رقم 127 لسنة 1961 بسبب عدم أداء المشتري للثمن طبقاً لشروط العقد ولا يعد المشتري مالكاً ولا يعد سداد الثمن الذي يعتبر ركناً من أركان البيع - ويؤيد ذلك في نظر الشركة أن تكليف هذه المساحة لا زال باسمها ولم ينقل للمشتري بسبب الحكم ببطلان البيع.
2 - فإن القرار المطعون فيه أن الأحكام الصادرة ابتدائياً واستئنافياً ببطلان عقدي البيع فيما جاوز المائة فدان حازت قوة الأمر المقضي طبقاً للمادة 405 من القانون المدني حتى لو خرجت في قضائها على الولاية التي منحها الشارع للمحاكم المدنية - ولا يؤثر في ذلك ما جاء بأسباب القرار المطعون فيه من أن الاختصاص في نظر هذه المنازعة منعقد للجنة القضائية وحدها ذلك أن حجية الأحكام تستند على قواعد النظام العام - وأضافت الشركة الطاعنة أن لكل حكم فاصل في واقعة من وقائع الدعوى حجية بمعنى أنه يعتبر عنوان للحقيقة في شأن هذه الواقعة ويعتبر كذلك من الخصوم وبالنسبة إلى الغير ويجوز للمحكوم له أن يتمسك بهذه الحجية عندما يطالب بترتيب آثار قانونية على ما أثبته الحكم الصادر لصالحه من وقائع أو مراكز قانونية سواء كانت مطالبته بذلك موجهة إلى خصمه السابق نفسه أو إلى أي شخص آخر.
3 - إن ما ذهب إليه القرار المطعون فيه من أن قانون الإصلاح الزراعي مقيد ويحترم التصرفات الصحيحة قانوناً الصادرة إلى المالك الخاضع لأحكامه طالما صدرت قبل القانون وحتى لو لم تسجل - هذا القول مشروط بأن تكون هذه التصرفات سليمة أو انتقلت فيها الملكية للمشتري. في حين التصرفات موضوع المنازعة لا تعتبر كذلك لمخالفتها للقانون رقم 127 لسنة 1961 ويكون البيع باطلاً فيما جاوز المائة فدان والأثر المباشر للقانون هو عدم جواز تسجيل هذه العقود.
4 - إن القرار المطعون فيه يضر مصالح الشركة وهي من شركات القطاع العام إذ يؤدي إلى ضياع حقوق الشركة بالنسبة لثمن القدر الزائد عن النصاب وذلك لامتناع المشتري عن سداد الثمن استناداً إلى الأحكام النهائية الصادرة ببطلان البيع فيما جاوز النصاب، ولا يتيسر للشركة استرداد الأرض الزائدة استناداً إلى أن القرار المطعون فيه اعتبر هذه الأرض في ملك المشتري وأحقيتها للاستيلاء على هذا الأساس.
وطلبت الشركة الطاعنة استناداً لهذه الأسباب الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه.
ومن حيث إن هيئة مفوضي الدولة قدمت تقريرها في الطعن طلبت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع برفضه استناداً إلى أن اللجنة القضائية للإصلاح الزراعي هي الجهة الوحيدة المختصة دون غيرها من جهات القضاء بالفصل في المنازعات التي تقوم حول ملكية الأراضي المستولى عليها طبقاً للمادة 13 مكرر، من المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 وأن الأحكام الصادرة من القضاء المدني ببطلان البيوع فيما جاوز المائة فدان ليس لها حجية على الإصلاح الزراعي باعتباره من الغير إذ أن حجية الأحكام قاصرة على من كان خصماً فيها طبقاً للمادة 101 من القانون المدني، وأضافت الهيئة أن الفقه والقضاء استقر على أنه لا يترتب على صدور قانون الإصلاح الزراعي بطلان التصرفات التي أبرمت قبل نفاذ القانون حتى لو كان مآل الأطيان إلى الاستيلاء وبذلك يكون عقد البيع موضوع المنازعة صحيحين ويرتبان كافة الآثار القانونية المترتبة على العقود الصحيحة حتى لو ترتب عليها زيادة ملكية المشتري عن مائة فدان إذ تخضع الزيادة للاستيلاء، وللشركة الحق في الحصول على التعويض المقرر للمساحة المستولى عليها باعتبار أن المساحة المستولى عليها مجملة بحق امتياز البائع طبقاً للمادة 1147 مدني وتخصم قيمة هذا التعويض من ثمن الأرض المستولى عليها طبقاً للمادة السابقة من المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 ولا يؤثر على حق الشركة في تقاضي التعويض صدور القانون رقم 104 لسنة 1964 بأيلولة الأرض المستولى عليها إلى الدولة بدون مقابل إذ أن المستقر عليه أن هذا القانون نقبل قيمة هذه السندات إلى الدولة بغير مقابل ولكن محملة بما يثقلها من الحقوق العينية التبعية المقررة كحق الامتياز في الحالة المعروضة، وانتهت هيئة مفوضي الدولة إلى القول أن قرار اللجنة القضائية يكون بذلك قد قام على أسباب صحيحة مما يتعين معه الحكم برفض الطعن.
إن المادة 13 مكرر من المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 للإصلاح الزراعي تقضي في الفقرة الثانية منها بتشكيل لجنة قضائية تكون مهمتها في حالة المنازعة تحقيق الإقرارات والديون العقارية وفحص ملكية الأراضي المستولى عليها وذلك لتعيين ما يجب الاستيلاء عليه طبقاً لأحكام القانون. وتنص الفقرة السابعة من المادة المذكورة على أنه استثناء من أحكام قانون نظام القضاء يمتنع على المحاكم النظر في المنازعات المتعلقة بملكية الأطيان المستولى عليها أو التي تكون محلاً للاستيلاء وفقاً للإقرارات المقدمة من الملاك تطبيقاً للقانون "كما تنص الفقرة الثامنة على أن تحال فوراً جميع القضايا المنظورة حالياً أمام جهات القضاء ما دام باب المرافعة لم يقفل فيها إلى اللجنة القضائية المذكورة" ويستفاد من هذه الأحكام أن قانون الإصلاح الزراعي جعل الولاية في نظر المنازعات المتعلقة بملكية الأراضي المستولى عليها أو التي تكون محلاً للاستيلاء حسب إقرار المالك من اختصاص اللجنة القضائية للإصلاح الزراعي وحدها وخارجة عن ولاية جهات القضاء العادية التي يمتنع عليها بصراحة النص النظر في مثل هذه المنازعات، ومن المقرر أن هذا الاختصاص الوظيفي للجنة القضائية في نظر هذه المنازعات يتعلق بالنظام العام بحيث يجب على المحكمة غير المختصة أن تحكم من تلقاء نفسها بعدم اختصاصها في أية حالة تكون عليها الدعوى كما يكون للخصوم التمسك بالدفع بعدم الاختصاص استناداً لفقدان الولاية في أية حالة تكون عليها الدعوى وأمام أي درجة من درجات القضاء، كما لا يكون للحكم الذي يصدر من محكمة لا ولاية لها قوة الشيء المقضى به ولا يحتج به أمام جهة قضائية ولا يؤثر في حقوق الخصوم لأن تجاوز المحكمة حدود وظيفتها القضائية يسقط كل قوة للقرار الذي تتخذه في الخصومة باعتبار أن حكمها لا وجود له، وعلى ذلك فإن الحكمين الصادرين في الدعويين رقمي 3162، 3163 لسنة 1960 مدني كلي مصر وقد فصلا في منازعة متعلقة بملكية الأراضي المستولى عليها طبقاً للإقرار المقدم من المالك - محمد عثمان حسن - تنفيذاً للقانون رقم 127 لسنة 1961، يكون هذا الحكمان والأحكام الاستئنافية لهما قد صدرت من جهة لا ولاية لها وظيفياً في الفصل في موضوع المنازعة مما لا يكون معه لهذه الأحكام قوة الشيء المقضى به، وفضلاً على ما سبق فإذا ما تمسكت الشركة جدلاً بأن لهذه الأحكام قوة الشيء المقضي فإنه طبقاً للمادة 101 من القانون رقم 25 لسنة 1968 لا تكون لتلك الأحكام قوة الأمر المقضي إلا في نزاع قام بين الخصوم أنفسهم دون أن تتغير صفاتهم وتتعلق بذات الحق محلاً وسبباً، وبذلك فإنه على افتراض أن لهذه الأحكام حجيتها فإن هذه الحجية لا تقوم بالنسبة للإصلاح الزراعي الذي لم يكن طرفاً في تلك الدعاوى - وبذلك يكون إدعاء الشركة الطاعنة بأن الأحكام الصادرة في الدعويين رقمي 2162، 2163 مدني كلي مصر قد حازت قوة الشيء المقضي على غير أساس سليم من القانون متعين رفضه.
2 - إن عقدي البيع موضوع المنازعة الصادرين من الشركة الطاعنة إلى محمد عثمان حسن من شأنهما نقل الملكية إلى المشتري وإن كان نقل الملكية يتراخى إلى حين التسجيل ولكن ذلك لا يخرج عقد البيع عن كونه عقداً قضائياً يترتب آثاره بمجرد اتفاق المتعاقدين بما في ذلك التزام البائع بنقل الملكية إلى المشتري، وعلى ذلك يكون صحيحاً ما ذهبت إليه اللجنة القضائية في قرارها المطعون فيه من اعتبار المساحة المبيعة بموجب هذين العقدين في ملك المشتري عند العمل بالقانون رقم 127 لسنة 1961 خاصة وأن قانون الإصلاح الزراعي فيما يتعلق بحكم تحديد الملكية يسري على ما يملكه الشخص بعقود مسجلة أو بعقود عرفية أو بوضع اليد دون اشتراط أن يكون سند الملكية مسجلاً وهذا الحكم مستفاد من صريح نص القانون ولائحته التنفيذية ويبرره أن جانباً كبيراًً من الملكيات الزراعية يفتقر إلى سندات مسجلة واشتراط التسجيل يترتب عليه إفلات معظم الملكيات الزراعية من خضوعها لحكم تحديد الملكية، وقد اتبع المشرع نفس الحكم بالنسبة للتصرفات الصادرة من الملاك الخاضعين لأحكام القانون إذ قضى بالاعتداد بهذه التصرفات العرفية - دون اشتراط تسجيلها - متى كان لها تاريخ ثابت سابق على تاريخ العمل بالقانون، ولا يقدح في هذا القول ما ذكرته الشركة الطاعنة من أن عدم أداء المشتري لأقساط الثمن المتفق عليها في العقد من شأنه أن يمنع نقل الملكية إلى المشتري باعتبار أن الثمن ركن من أركان عقدي البيع إذ أن هناك فرق بين وجود الثمن وبين أدائه والثمن موجود وقائم في العقدين موضوع المنازعة وإن كان المشتري قد تخلف عن أدائه ومن ثم فإن إدعاء الشركة الطاعنة بأن عقدي البيع لا ينقلان الملكية على أساس أن المشتري لم يؤد الثمن المتفق عليه وأن الثمن ركن من أركان عقد البيع لا يستند إلى أساس سليم من القانون ويتعين رفضه.
لا حجة لإدعاء الشركة بأن العقدين موضوع المنازعة يخالفان أحكام القانون رقم 127 لسنة 1961 إذ يترتب عليهما زيادة ملكية المشتري لأكثر من مائة فدان وهو الحد الأقصى لنصاب الملكية الزراعية المقرر لهذا القانون، وترى المحكمة أن الحكم الوارد بنص المادة الأولى من القانون والذي ينص على أن كل عقد يترتب عليه مخالفة حكم تحديد الملكية يعتبر باطلاً ولا يجوز تسجيله - هذا الحكم ينطبق على العقود التي تنشأ بعد تاريخ العمل بالقانون إذ أن القانون هو الذي قرر حكم البطلان وبالتالي يسري على العقود اللاحقة على صدور القانون دون العقود السابقة عليه التي نشأت صحيحة في ظل القوانين السابقة، وإذا لم يكن هناك خلاف حول صحة العقود السابقة على القانون وأن الخلاف فقط حول جواز تسجيلها فإن التسجيل أو عدمه لا يؤثر على حق الإصلاح الزراعي في الاستيلاء على المساحة الزائدة عن النصاب، ومؤدى عدم الأخذ بهذا النظر هو تطبيق قانون الإصلاح الزراعي بأثر رجعي على التصرفات التي تمت قبل صدوره وليس في أحكام القانون ما يؤيد ذلك بل أن مادته الأخيرة تقضي بالعمل بأحكام القانون من تاريخ 25 يوليو سنة 1961 ومنها الحكم الخاص بحظر التملك لأكثر من مائة فدان ويبطلان العقود التي يترتب عليها مخالفة هذا الحكم.
إن قول الشركة أن القرار المطعون قد يضر بمصالحها لأنه امتنع عليها استيفاء الثمن من المشتري استناداً للأحكام الصادرة ببطلان العقود بما جاوز النصاب كما امتنع عليها استرداد الأرض استناداً للقرار المطعون فيه - هذا القول فضلاً على أنه أثر من آثار التصرفات التي تمت ولا يؤثر على التكييف القانوني لها، فإن أيلولة ملكية الأراضي المستولى عليها طبقاً لأحكام القانون رقم 127 لسنة 1961 إلى الدولة بدون مقابل طبقاً لأحكام القانون رقم 104 لسنة 1964 لا يعني سقوط حق الشركة في تقاضي حقها في ثمن هذه الأطيان إذ أن هذه الأراضي تؤول ملكيتها إلى الدولة محملة بما عليها من حقوق عينية تبعية ومنها حق الامتياز المقرر لبائعة العقار بالنسبة للثمن وملحقاته طبقاً للمادة 1147 من القانون المدني.
ومن حيث إنه لكل ذلك يكون القرار المطعون فيه قد استند إلى أسباب قانونية سليمة مما يتعين معه رفض الطعن وإلزام الشركة الطاعنة بالمصروفات طبقاً للمادة 184 من قانون المرافعات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع برفضه مع إلزام الشركة الطاعنة بالمصروفات.