مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثامنة والثلاثون - الجزء الثاني (من أول مارس سنة 1993 إلى آخر سبتمبر سنة 1993) صـ 1592

(161)
جلسة 7 من أغسطس سنة 1993

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ محمد محمود الدكروري - نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة/ عويس عبد الوهاب عويس وعلي عوض محمد صالح والسيد محمد العوضي ومحمد عبد الحميد مسعود - نواب رئيس مجلس الدولة.

الطعن رقم 3463 لسنة 32 القضائية

قرار إداري - الرقابة القضائية على القرار الإداري - مراقبة أسباب القرار متى أبدتها جهة الإدارة - مراقبة قيام الأسباب وتكييفها - أساس ذلك: الإدارة بحسب الأصل غير ملزمة بتسبيب قرارها - يفترض في القرار الإداري غير المسبب أنه قام على سببه الصحيح وعلى من يدعي العكس أن يقيم الدليل - إذا ذكرت الإدارة أسباباً للقرار أو كان القانون يلزمها بتسبيب قرارها فإن ما يحمله من أسباب يكون خاضعاً لرقابة القضاء الإداري - هذه الرقابة تجد حدها الطبيعي في التأكد مما إذ كانت النتيجة التي انتهى إليها القرار مستخلصة استخلاصاً سائغاً من أصول تنتجها مادياً وقانونياً أم كانت منتزعة من غير أصول موجودة أو كانت مستخلصة من أصول لا تنتجها أو كان تكييف الوقائع على فرض وجودها مادياً لا يؤدي للنتيجة التي يتطلبها القانون كان القرار فاقداً ركن السبب ووقع مخالف للقانون - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الأحد الموافق 24/ 8/ 1986 أودعت هيئة قضايا الدولة بصفتها نائبة عن السيد/ رئيس مجلس الوزراء سكرتارية المحكمة الإدارية العليا تقريراً بالطعن في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري - دائرة الجزاءات والترقيات - بجلسة 26/ 6/ 1986 في الدعوى رقم 2425 لسنة 38 ق والقاضي بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية إلى إحدى وظائف الدرجة العالية بمجموعة قيادات الحكم المحلي وما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الجهة الإدارية المصروفات. وقد انتهت الجهة الطاعنة إلى طلب الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى مع إلزام المطعون ضده بالمصروفات.
وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني في الطعن انتهت للأسباب الواردة فيه إلى طلب الحكم بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وإلزام الطاعن بصفته المصروفات. وتحددت لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بالمحكمة جلسة 11/ 1/ 1993 وبجلسة 22/ 3/ 1993 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا - الدائرة الثانية والتي نظرته بجلسة 24/ 4/ 1993، وبجلسة 19/ 6/ 1993 قررت المحكمة إصدار الحكم في الطعن بجلسة اليوم وفيها صدر الحكم مشتملاً على أسبابه التي أودعت عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع المرافعة والمداولة.
ومن حيث إن الطعن استوفى سائر أوضاعه الشكلية وبالتالي فهو مقبول شكلاً.
ومن حيث إن وقائع هذه المنازعة تخلص في أنه بصحيفة أودعت قلم كتاب محكمة القضاء الإداري - دائرة الجزاءات والترقيات بتاريخ 18/ 2/ 1984 أقام المدعي.... الدعوى رقم 2425 لسنة 38 ق ضد السيد/ رئيس مجلس الوزراء بصفته طالباً الحكم بإلغاء القرار رقم 1107 لسنة 1983 والصادر من المدعى عليه بتاريخ 21/ 11/ 1983 فيما تضمنه من تخطيه في الترقية إلى الدرجة العالية بمجموعة وظائف قيادات الحكم المحلي مع منحه بدل التمثيل المقرر للوظيفة على أن يكون سابقاً للسيد/ ....... الذي ورد اسمه تحت رقم 2 من المادة الأولى من القرار المطعون فيه مع إلزام المدعى عليه بالمصروفات وذلك تأسيساً على أن تخطيه في الترقية قد جاء على خلاف أحكام القانون وبدون وجه حق وأنه أسبق في الأقدمية لمن تمت ترقيتهم بموجب القرار المطعون فيه وأنه تظلم من هذا القرار للمدعي دون جدوى وانتهى إلى طلب الحكم بالطلبات الموضحة سلفاً.
وبجلسة 26/ 6/ 1986 حكمت محكمة القضاء الإداري بإلغاء القرار المطعون فيه مع ما يترتب على ذلك من آثار وألزمت الجهة الإدارية بالمصروفات - وشيدت المحكمة حكمها بذلك على أساس أن تخطي المدعي في الترقية يرجع إلى ما جاء بتقرير هيئة الرقابة الإدارية الذي تضمن بعض المخالفات المسندة إلى المدعي والتي تسيء إلى سمعة وكرامة الوظيفة التي يشغلها إلا أن القانون لم يربط الترقية بالاختيار بما تقدمه الرقابة الإدارية من تحريات عن العاملين وأن هذا التقرير لم يرفق بأوراق الدعوى وقد جاءت الأوراق خالية مما يؤكد ما جاء بهذا التقرير كما أن المدعي قدم العديد من المستندات التي تدحض ما انطوى عليه هذا التقرير وأن الجهة الإدارية لم تجحد ما جاء بهذه المستندات ومن ثم تكون الوقائع التي استندت إليها الجهة الإدارية لتخطي المدعي غير ثابتة في جانبه وبالتالي لا يمكن التعويل عليها في حرمانه من الترقية طالما لا يوجد ما يحول دون ترقيته وذلك بعد استيفائه لكافة الشروط المقررة لذلك وانتهت المحكمة إلى حكمها المشار إليه.
وإذ لم يلق هذا الحكم قبولاً لدى الجهة الإدارية أقامت الطعن الماثل على سند من أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تطبيق القانون وتأويله ذلك لأن المحكمة لم تطلب إيداع أصل أو صورة رسمية من تقرير الرقابة الإدارية التي استندت إليها الجهة الإدارية في تخطي المطعون ضده رغم أن المحكمة قد أشارت في أسباب حكمها إلى ما جاء بهذا التقرير من مخالفات أسندت إلى المطعون ضده وهذه المخالفات من شأنها المساس بشرفه ونزاهته وأمانته وتفقده الصلاحية لأن يشغل منصباً قيادياً بوزارة الحكم المحلي وقد مثل المطعون ضده بسبب ذلك أمام النيابة العامة للتحقيق معه ومن ثم يكون القرار المطعون فيه قد صدر متفقاً وصحيح حكم القانون ويكون الحكم المطعون فيه قد خالف أحكام القانون وانتهت الجهة الإدارية إلى الطلبات الموضحة سلفاً.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بعدم طلب المحكمة تقديم صورة أو أصل تقرير هيئة الرقابة الإدارية فإن الجهة الإدارية المدعى عليها هي الملزمة بتقديم هذا المستند باعتباره الأساس الذي استندت إليه في تخطيها للمدعي في الترقية هذا فضلاً على أن هيئة مفوضي الدولة أثناء تحضير الدعوى قد طلبت ضرورة تقديم هذا المستند وتم تأجيل نظر الدعوى أكثر من مرة لهذا السبب إضافة إلى أن المحكمة قد مكنت الخصوم من تقديم ما لديهم من مستندات ورغم ذلك لم تقدم الجهة الإدارية هذا المستند وبالتالي لا يمكن اتخاذ هذا السبب سبيلاً للطعن على الحكم.
ومن حيث إن المادة 37 من القانون رقم 47 لسنة 1978 بنظام العاملين المدنيين بالدولة تنص على أن تكون الترقية لوظائف الدرجتين الممتازة والعالية بالاختيار وذلك على أساس بيانات تقييم الأداء وما ورد في ملفات خدمتهم من عناصر الامتياز.
ويشترط في الترقية بالاختيار أن يكون العامل حاصلاً على مرتبة ممتاز في تقرير الكفاية عن السنتين الأخيرتين ويفضل من حصل على مرتبة ممتاز في السنة السابقة مباشرة وذلك مع التقيد بالأقدمية في ذات مرتبة الكفاية.
ومن حيث إنه يبين مما تقدم أن الترقية إلى وظائف الدرجتين الممتازة والعالية إنما تتم بالاختيار مع التقيد بالأقدمية إذا تساوت عناصر الامتياز.
ومن حيث إنه ولئن كان الأصل أن الترقية بالاختيار إلى الوظائف الرئيسية من الملائمات التي تترخص فيها الإدارة إلا أن مناط ذلك أن يكون هذا الاختيار قد استمد من عناصر صحيحة مؤدية إلى صحة النتيجة التي انتهت إليها وأن تجرى مفاضلة حقيقية وجادة بين المرشحين للترقية على أساس ما تحويه ملفات خدمتهم وما يبديه الرؤساء عنهم وذلك للتعرف على مدى كفاءتهم في مضمار العمل بحيث لا يتخطى الأقدم إلا إذا كان الأحدث أكثر كفاية وهو أمر تمليه دواعي المشروعية فإذا لم يقع الأمر على هذا الوجه فسد الاختيار وفسد القرار الذي اتخذ على أساسه.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة جرى على أنه ولئن كانت الإدارة غير ملزمة بتسبيب قرارها يفترض في القرار الإداري غير المسبب أنه قام على سببه الصحيح وعلى من يدعي العكس أن يقيم الدليل على ذلك إلا أنها إذا ذكرت أسباباً للقرار أو كان القانون يلزمها بتسبيب قرارها فإن ما يحمله من أسباب يكون خاضعاً لرقابة القضاء الإداري وله في سبيل أعمال رقابته أن يمحص هذه الأسباب للتحقق من مدى صحتها وأثر ذلك في النتيجة التي انتهى إليها القرار وهي الرقابة القضائية تجد حدها الطبيعي في التأكد مما إذا كانت هذه النتيجة مستخلصة استخلاصاً سائغاً من أصول تنتجها مادياً وقانونياً أم كانت مفترضة من غير أصول موجودة أو كانت مستخلصة من أصول لا تنتجها أو كان تكييف الوقائع على فرض وجودها مادياً لا ينتج النتيجة التي يتطلبها القانون كان القرار فاقداً ركن السبب ومخالفاً للقانون.
ومن حيث إن الجهة الإدارية قد استندت في قرارها المطعون عليه إلى ما جاء بتقرير هيئة الرقابة الإدارية فيما نسب إلى المطعون ضده إبان فترة عمله رئيساً لمجلس مدينة القناطر الخيرية من أن التحريات التي تمت بشأنه تشير إلى أن هناك ما يمس سمعته من حيث استغلاله لسلطات وظيفته حيث أثارت الوقائع التالية ما نسب له من تزوير من قرار محافظ القليوبية لتحويل قطعة أرض زراعية إلى بناء وقد ألغى المحافظ هذا القرار بعد اكتشافه لذلك التزوير واشتراكه في إقامة ثلاجة لشركة مصر للتبريد والتخزين لصناعة الثلج وحصوله بدون وجه حق على سهمين من أسهم الشركة وأنه أثناء عمله رئيساً لمدينة الخانكة استغل اللواء أ. ح....... في بيع قطعة أرض داخل دائرة اختصاصه بنصف الثمن المعروض من صاحبها. وتمكينه لبعض المواطنين من وضع اليد على أرض مخصصة لهيئة الصرف الصحي وإذا كان هذا ما جاء بالتقرير المشار إليه إلا أن أوراق الدعوى ومستنداتها خلت مما يؤيد ما ذهبت إليه هيئة الرقابة الإدارية في هذا التقرير بعد أن قدمته الجهة الإدارية أثناء نظر الطعن بجلسة - 22/ 3/ 1993 أمام دائرة فحص الطعون - ومن ثم فقد جاءت تلك الوقائع مرسلة ولا دليل يؤكد وقوعها كما أن أوراق الدعوى وعناصر ملف خدمة المدعي جاءت خالية تماماً مما يفيد أن الجهة الإدارية قد اتخذت ثمة إجراء للتحقق من وقوع هذه المخالفات ولم يثبت إحالة المدعي للتحقيق بمعرفة أي جهة من الجهات المنوط بها التحقيق في تلك المخالفات للتحقق من وقوعها، والجهة الإدارية الطاعن لم توضح الإجراءات القانونية التي اتخذتها قبل المدعي عندما نما إلى علمها ارتكاب مثل هذه المخالفات ومن ثم تغدو تلك الوقائع غير ثابتة في حق المدعي وبالتالي لا تعدو أن تكون أقوالاً وشائعات مرسلة لا تعبر إلا عن وجهة نظر هيئة الرقابة الإدارية التي قامت بهذه التحريات خاصة وقد انعدم الدليل على وجودها بالأوراق بل إن المدعي قدم العديد من المستندات التي تؤكد أنه كان موضع ثقة واحترام من محافظة القليوبية واسند إليه العديد من الأعمال المهمة ورئاسة عضوية بعض اللجان التي تم تشكيلها للمتابعة الميدانية بالمحافظة ومنح العديد من المكافآت فضلاً عن ترشيحه وسفره لحضور بعثة الحكم المحلي بألمانيا الديمقراطية كل ذلك يكشف عن رأي رؤساء المدعي في كفاءته الوظيفية وحسن سمعته ويدحض مزاعم الجهة الإدارية التي تستند إليها لتقرير تخطيه في الترقية.
ومن حيث إنه لا يجوز حرمان الموظف العام من حقه الطبيعي في الترقية إلى الوظائف الأعلى لمجرد أقوال مرسلة لا تعدو أن تكون مزاعم لا ترقي إلى مرتبة الدليل ولا يجوز التهاون في جمع أدلة إدانة الموظف العام لمجرد أن مشيئة جهة الإدارة ترغب في ذلك.
ومن حيث إن الثابت من كشف أقدمية قيادات الحكم المحلي في درجة مدير عام أن المدعي حاصل على بكالوريوس العلوم سنة 1953 وترجع أقدميته في شغل درجة مدير عام إلى 15/ 3/ 1979 كما أن المطعون على ترقيته السيد/ ........ حاصل على بكالوريوس الزراعة سنة 1958 ويشغل درجة مدير عام اعتباراً من 15/ 3/ 1979 وإذ يتساوى المدعي والمطعون على ترقيته في أقدمية درجة مدير عام وأن الثابت من الكشف المشار إليه أن ترتيب المدعي في الأقدمية "الحادي عشر" في حين أن تريب المطعون على ترقيته الثاني عشر ومن ثم فإن المدعي يسبق المطعون على ترقيته في ترتيب الأقدمية ولا يقل عنه في مرتبة الكفاية ومن ثم فإن تخطيه في الترقية بالقرار المطعون فيه استناداً إلى أسباب غير ثابتة في الأوراق يجعل القرار المطعون فيه بتخطي المدعي في الترقية إلى إحداث وظائف الدرجة العالية بمجموعة وظائف قيادات الحكم المحلي رغم استيفائه للشروط المقررة قانونياً مخالفاً للقانون خليقاً بالإلغاء فإذا ما أخذ الحكم المطعون فيه بهذا النظر فإنه يكون قد صادف صحيح حكم القانون ويغدو الطعن عليه على غير أساس واجب الرفض وهو ما يتعين القضاء به وإلزام الجهة الإدارية الطاعنة بالمصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً وألزمت الجهة الإدارية المصروفات.