مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة عشرة - (من أول أكتوبر سنة 1973 إلى أخر سبتمبر سنة 1974) - صـ 331

(123)
جلسة 11 من مايو سنة 1974

برياسة السيد الأستاذ المستشار علي محسن مصطفى - رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة الدكتور أحمد ثابت عويضة ومحمد صلاح الدين السعيد وأبو بكر محمد عطية ومحمود طلعت الغزالي - المستشارين.

القضية رقم 831 لسنة 19 القضائية

( أ ) دعوى - اختصاص.
المادة 212 من قانون المرافعات - نصها على عدم جواز الطعن على استقلال في الأحكام التي تصدر أثناء سير الخصومة قبل الحكم المنهي لها - تطبيقها في القضاء الإداري - تفسيرها: الأحكام التي تنهي الخصومة يكون الطعن فيها فور صدورها ولو لم تفصل في موضوع الدعوى - مثال - الحكم بعدم اختصاص المحاكم التأديبية ولائياً يعتبر حكماً منهياً للخصومة.
(ب) دعوى تأديبية - اختصاص.
الحكم بعدم اختصاص المحكمة التأديبية وإحالة الدعوى إلى محكمة أخرى ملزم للمحكمة الثانية تطبيقاً للمادة 110 من قانون المرافعات ولأنه حاز قوة الأمر المقضي.
(جـ) دعوى تأديبية - سقوط - متى يبدأ ميعاد السقوط.
لا يبدأ ميعاد سقوط الدعوى التأديبية من تاريخ علم الرئيس المباشر بالمخالفة متى كان شريكاً فيها - سريان هذا الميعاد يقتضي أن يكون الرئيس المباشر في موقف الرقيب الذي له سلطة اتخاذ إجراء في المخالفة أو السكوت عليها - مثال.
(د) دعوى تأديبية - المحكمة الإدارية العليا - اختصاص.
رقابة المحكمة الإدارية العليا لا تعني استئناف النظر في الحكم بالموازنة والترجيح بين الأدلة المقدمة إثباتاً ونفياً - حدود رقابتها في هذا الخصوص.
1 - إن المادة 212 من قانون المرافعات المدنية والتجارية تنص على أنه "لا يجوز الطعن في الأحكام التي تصدر أثناء سير الدعوى ولا تنتهي بها الخصومة إلا بعد صدور الحكم المنهي للخصومة كلها وذلك فيما عدا الأحكام الوقتية والمستعجلة والصادرة بوقف الدعوى والأحكام القابلة للتنفيذ الجبري" وهذه المادة - حسبما جاء بالمذكرة الإيضاحية للقانون تقابل المادة 378 من القانون السابق وتماثلها في الحكمة التشريعية وهي منع تقطيع أوصال الخصومة الواحدة وتوزيعها بين المحاكم وما يترتب على ذلك من تعويق الفصل في موضوع الدعوى، إلا أن النص الجديد قد عمل على تفادي ما أثاره النص الملغى من تفرقة دقيقة بين الأحكام الموضوعية والفرعية بين الأحكام التي تقبل الطعن المباشر وتلك التي لا تقبله، فاتجه القانون الجديد إلى عدم جواز الطعن على استقلال في الأحكام التي تصدر أثناء سير الخصومة قبل الحكم المنهي لها ولما كان قضاء هذه المحكمة قد أطرد على تطبيق حكم المادة 378 الملغاة على الطعون التي تقام أمامها تحقيقاً للحكمة التشريعية التي استهدفتها ولأنها لا تتعارض وقواعد التقاضي الواردة في قانون مجلس الدولة فإنه يتعين تطبيق حكم المادة 212 الحالية لذات الأسباب التي دعت إلى إعمال حكم النص الملغى في تلك الطعون والذي يخلص من نص المادة 212 مفسراً على هدي المذكرة الإيضاحية أن الأحكام التي تصدر أثناء سير الدعوى ولا تنتهي بها الخصومة لا يجوز الطعن فيها إلا بعد صدور الحكم المنهي للخصومة كلها أما الأحكام التي تنتهي بها الخصومة كلها فيكون الطعن فيها فور صدورها وذلك سواء كانت هذه الأحكام قد فصلت في موضوع الدعوى أم في مسألة متفرعة عنه، فالأحكام غير الفاصلة في موضوع الدعوى ولكنها منهية للخصومة كالحكم بعدم اختصاص المحكمة أو بعدم قبول الدعوى أو بسقوط الخصومة أو بتركها يجوز الطعن فيها على استقلال فور صدورها لأنها ما دامت قد أنهت الخصومة فلن يعقبها حكم في موضوع الدعوى، ولذلك فلا محل لتعليق الطعن فيها على صدور حكم في الموضوع.
ومن حيث إنه لما كان الحكم الصادر في 16 من ديسمبر سنة 1972 من المحكمة التأديبية بالإسكندرية قد استهل قضاءه بالفصل في الدفع بعدم الاختصاص الولائي للمحاكم التأديبية بنظر الدعوى وقضى فيه صراحة برفضه ثم أردف ذلك بالفصل في الاختصاص المحلي للمحكمة المذكورة بنظر الدعوى وانتهى في منطوقه إلى الحكم بعدم اختصاص المحكمة بنظرها وأمر بإحالتها إلى المحكمة التأديبية المختصة عملاًَ بالمادة 110 من قانون المرافعات فإنه يخلص من ذلك أمران أولهما أن ما تضمنته أسباب الحكم من فصل في الدفع بعدم الاختصاص الولائي قد ارتبط ارتباطاً جوهرياً بما قضى به منطوقه من عدم الاختصاص المحلي ومن ثم فقد حاز قضاءه في الدفع المشار إليه حجية الأمر المقضي ذلك أنه ما كان يصح قانوناً أن تبحث المحكمة الاختصاص المحلي إلا بعد أن تقضي في الدفع بعدم ولايتها على الدعوى أما الأمر الثاني فهو أن قضاء الحكم بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى قد أنهى الخصومة أمامها دون فصل في موضوع الدعوى، فهو بهذه المثابة من الأحكام التي يطعن فيها مباشرة وعلى استقلال طبقاً لحكم المادة 212 الذي سلف بيانه ولما كان الطاعن لم يطعن في هذا الحكم فإنه يكون والحالة هذه قد أصبح حائزاً لقوة الأمر المقضي ويكون الحكم المطعون فيه قد أصاب الحق فيما ذهب إليه من أنه لا وجه لإعادة بحث الدفع بعدم الاختصاص الولائي للمحاكم التأديبية بنظر الدعوى بعد أن سبق للمحكمة التأديبية بالإسكندرية الفصل فيه بحكم قطعي حائز لقوة الأمر المقضي أما استناد الطاعن في تأييد هذا السبب من طعنه إلى حكم المادة 229 من قانون المرافعات التي تقضي بأن استئناف الحكم المنهي للخصومة يستتبع استئناف جميع الأحكام التي سبق صدورها في الدعوى فإنه لا وجه لإعمال هذا النص الذي ورد في شأن الاستئناف عند الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا إذ لا تتسع له حالات الطعن أمامها كما وردت في قانون مجلس الدولة وهي حالات تقابل الطعن بالنقض في قانون المرافعات.
2 - إن حكم المحكمة التأديبية بالإسكندرية الصادر في 16 من ديسمبر سنة 1972 بعدم اختصاصها بنظر الدعوى وبإحالتها إلى المحكمة التأديبية للعاملين بوزارة الاقتصاد عملاً بالمادة 110 من قانون المرافعات هذا الحكم قد ترتب عليه التزام المحكمة المحالة إليها الدعوى بنظرها (وذلك لأكثر من سبب فهو من ناحية قد استند في الإحالة إلى المادة 110 المذكورة والتي تقضي بإلزام المحكمة المحالة إليها الدعوى بنظرها أياًًً كان الرأي في صواب الحكم القاضي بالإحالة، وهو من ناحية أخرى كان قد حاز قوة الأمر المقضي عند نظر الدعوى أمام المحكمة التي أحيلت إليها الدعوى (فأصبح ملزماً لهذا السبب أيضاً ولما كانت المحكمة المحالة إليها الدعوى قد التزمت بما قضى به هذا الحكم فنظرت الدعوى وفصلت في موضوعها دون أن تعود إلى بحث اختصاصها المحلي فإن حكمها يكون مطابقاً للقانون ويكون الطعن عليه في هذا الخصوص غير قائم على أساس سليم خليقاً بالرفض.
3 - ولما كانت المادة 70 من لائحة نظام العاملين بالقطاع العام - التي وقعت هذه المخالفات أثناء العمل بها - تقضي بأن "تسقط الدعوى التأديبية بمضي سنة من تاريخ علم الرئيس المباشر بوقوع المخالفة. وتسقط هذه الدعوى في كل حالة بانقضاء ثلاث سنوات من يوم وقوع المخالفة وتنقطع هذه المدة بأي إجراء من إجراءات التحقيق أو الاتهام أو المحاكمة فإنه بتطبيق هذا الحكم على وقائع الطعن الماثل يبين أن السلطة الرئاسية أمرت بالتحقيق في المخالفات المنسوبة إلى الطاعن فور علمها بوقوع هذه المخالفات وانتهى التحقيق باتهامه وتقديمه إلى المحاكمة التأديبية كما يبين أيضاً أن الأمر بالتحقيق قد صدر قبل أن تمضي ثلاث سنوات على وقوع المخالفة ذاتها. وعلى ذلك يكون الدفع بالسقوط غير سديد أما ما ذهب إليه الطاعن من أن رئيسه المباشر قد علم بالواقعة ووافق عليها بدليل أنه وقع على المذكرات التي أعدها الطاعن عن تنفيذ الأحكام الجزئية بما يفيد موافقته على الآراء الواردة فيها فإن موافقة هذا الرئيس المباشر إنما تعني في الواقع من الأمر مباشرته للطاعن في ارتكاب المخالفة الأمر الذي كان يستوجب إقامة الدعوى التأديبية ضده ومن ثم فإن علمه بالمخالفة والحالة هذه لا يترتب عليه سريان ميعاد السقوط بالنسبة لأيهما لأن سكوته عن اتخاذ إجراء بالتحقيق إنما يكون من قبيل التستر على نفسه وعلى مرؤوسه بقصد إخفاء معالم المخالفة. بينما إن التفسير السليم لحكم المادة 70 المذكورة يقتضي أن يكون الرئيس المباشر في موقف الرقيب الذي له سلطة تقدير اتخاذ إجراء في المخالفة التي ارتكبها المرؤوس أو السكوت عليها. وعلى ذلك يكون هذا الوجه من الطعن بدوره غير قائم على أساس من القانون.
4 - إن رقابة المحكمة الإدارية العليا لأحكام المحاكم التأديبية هي رقابة قانونية فلا تعني استئناف النظر في الحكم بالموازنة والترجيح بين الأدلة المقدمة إثباتاً ونفياً إذ أن ذلك من شأن المحكمة التأديبية وحدها وهي لا تتدخل وتفرض رقابتها إلا إذا كان الدليل الذي اعتمد عليه قضاء الحكم المطعون فيه غير مستمد من أصول ثابتة في الأوراق أو كان استخلاص هذا الدليل لا تنتجه الواقعة المطروحة على المحكمة فهنا فقط يكون التدخل لتصحيح القانون لأن الحكم في هذه الحالة يكون غير قائم على سببه.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل على ما يبين من أوراق الطعن، في أنه في 8 من أغسطس سنة 1972 أقامت النيابة الإدارية أمام المحكمة التأديبية بالإسكندرية دعوى تأديبية قيدت بجدول المحكمة برقم 91 لسنة 14 القضائية ضد السيد/ ... المحامي بالفئة الخامسة بشركة التأمين الأهلية بالإسكندرية، وأسندت إليه في تقرير اتهام أنه خلال المدة من 11 من مارس سنة 1967 حتى شهر يونيه سنة 1971 بالشركة المذكورة وبصفته محامياً بها: (1) خرج على مقتضى الأمانة وسلك مسلكاً لا يتفق وكرامة الوظيفة واستغل سلطتها وتعمد الإضرار بالمصلحة المالية للشركة التي يعمل بها. بأن أعد مذكرات في شأن تنفيذ الحكم الابتدائي الصادر لصالح زوجته السيدة/ عطيات ياقوت الخولي، وزميلتها السيدة/ عنايات رجب الدمياطي العاملتين بالشركة، في الدعوى رقم 4993 لسنة 1964 عمالي جزئي الإسكندرية، اقترح فيها صرف فرق المرتب المرضي به لكلتيهما عن المدة المحكوم بها ومدد تالية لها، وكذا إضافة هذا الفرق إلى المرتب بغية الاستناد فيما بعد إلى هذا التنفيذ الاختياري من قبل الشركة في الدفع بعدم جواز الاستئناف الذي أقيم طعناً في الحكم المذكور، وستراً لذلك قدم مذكرات مماثلة في شأن تنفيذ أحكام أخرى صادرة لصالح بعض العاملين الآخرين حتى يظهر أمام الإدارة بمظهر المحايد في مسلكه، وليسبغ على رأيه بغير حق صفة العمومية والتجريد، وبقصد إقرار مبدأ التنفيذ الودي لهذه الأحكام، وقصد التوصل بذلك إلى تنفيذ حكم ابتدائي آخر صادر لصالحه بإضافة الفرق المحكوم به إلى مرتبه وتقاضى هذا الفرق عن المدة المحكوم بها ومدد تالية لها، ثم مكن زوجته وزميلتها سالفة الذكر من الحصول على مستندات صاغها على نحو صالح للتدليل على التنفيذ الاختياري من جانب الشركة، وعلى ما يفيد قبولها الحكم الابتدائي، كما حصل لنفسه على مستندات مماثلة بالنسبة للحكم الصادر لصالحه في الدعوى رقم 7926 لسنة 1966 عمال جزئي القاهرة، وتمكنوا بذلك من الحصول على حكمين بعدم جواز الاستئناف المرفوع من الشركة عن الحكمين سالفي الذكر، دون بقية العاملين من أصحاب الحالات المماثلة، الذين عجزوا عن إثبات تنفيذ الشركة اختياراً للأحكام الابتدائية الصادرة لصالحهم وقبولها إياها فقضى في الاستئناف بإلغائها مما ترتب عليه استرداد الفروق التي صرفت لهم على النحو المبين بالأوراق.
2 - ادعى على خلاف الحقيقة أن أحد أعضاء الرقابة الإدارية طلب المخالصة التي حررت بين الشركة والعاملة فاطمة عبد المنعم زيان في شأن تقاضيها مستحقاتها بناء على الحكم الصادر لصالحها، وتسلم هذه المخالصة من محمود السيد فرحات رئيس قسم حسابات التأمين بالشركة والمختص بحفظها، ثم تعمد إخفائها على التفصيل المبين بالأوراق.
وعلى ذلك يكون العامل المذكور قد ارتكب المخالفة المالية المنصوص عليها في المواد 55 و56 و57 من لائحة نظام العاملين بالقطاع العام والأحكام المقابلة لها في القانون رقم 61 لسنة 1971.
وأثناء نظر الدعوى تقدم المحامي بمذكرة دفع فيها بعدم اختصاص المحاكم التأديبية ولائياً بنظر الدعوى استناداً إلى أنه محام بالقطاع العام ومقيد بجدول المحامين المشتغلين، فلا تسري عليه قواعد التأديب المطبقة على العاملين بالقطاع العام، بل يطبق في شأنه نظام التأديب الوارد في قانون المحاماة رقم 61 لسنة 1968 المعدل بالقانون رقم 65 لسنة 1970، والذي من مقتضاه أن يكون التحقيق معه بواسطة النيابة العامة وأن تكون محاكمته أمام مجلس التأديب المنصوص عليه في هذا القانون. كما دفع بسقوط الدعوى التأديبية عملاً بالمادة 70 من لائحة نظام العاملين بالقطاع العام. وطلب من قبيل الاحتياط الحكم ببراءته.
وبجلسة 16 من ديسمبر سنة 1972 حكمت المحكمة التأديبية بالإسكندرية بعدم اختصاصها بنظر الدعوى، وأمرت بإحالتها بحالتها إلى المحكمة التأديبية للعاملين بوزارة الاقتصاد، وبنت قضاءها على أن المقر الرئيسي لشركة التأمين الأهلية التي يعمل بها المحال، كائن بالقاهرة فلا تدخل الدعوى في نطاق اختصاص المحكمة التأديبية بالإسكندرية، وهو الاختصاص المحدد بقراري رئيس مجلس الدولة رقمي 329 لسنة 1964، 53 لسنة 1972، كما ضمنت المحكمة أسباب حكمها رفض الدفع بعدم الاختصاص الولائي للمحاكم التأديبية بنظر الدعوى، وبنته على أن المحامين بالقطاع العام وإن كانوا يخضعون لقانون المحاماة فيلتزمون بما يفرضه من الواجبات وما يقرره من الحقوق، إلا أنهم يختلفون عن المحامين أصحاب المكاتب في أنهم يرتبطون بالجهات التي يعملون فيها بعلاقة وظيفية تسري عليها أحكام نظام العاملين بالقطاع العام شأنهم في ذلك شأن غيرهم من العاملين بهذا القطاع وذلك من حيث إن التعيين والترقية والحقوق والواجبات، وقواعد التحقيق معهم وتأديبهم وإنهاء خدمتهم حيث لم رد في نظام العاملين بالقطاع العام الصادر بالقانون رقم 61 لسنة 1971 أو التشريعات السابقة عليه - أية نصوص تفيد استثناء المحامين المعينين بوظائف هذا القطاع من الخضوع لجميع أحكام نظامه الوظيفي، كما أن هؤلاء المحامين يخضعون للسلطة الرئاسية في الجهات التي يعملون بها ومنها سلطة التأديب، وقد سبق أن قنن المشرع هذه المبادئ ضمن أحكام قرار رئيس الجمهورية رقم 1570 لسنة 1961 بتنظيم الإدارات القانونية بالقطاع العام الذي قضى بأن على العاملين بهذه الإدارات مراعاة أصول المهنة والالتزام بواجباتها وآدابها، وفي حالة مخالفتها تسري في شأنهم فضلاً عن القوانين الخاصة في هذا الشأن العقوبات التأديبية التي تتضمنها لائحة نظام العاملين بالمؤسسات العامة، ويضاف إلى ذلك أن قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 عندما نظم بالمادة 15 منه اختصاص المحاكم التأديبية لم يتضمن نص باستثناء المحامين بالقطاع العام من الخضوع لاختصاص هذه المحاكم بنظر الدعاوى التأديبية عن المخالفات المالية والإدارية التي تقع منهم.
وقد أحيلت الدعوى إلى المحكمة التأديبية للعاملين بوزارة الاقتصاد وقيدت بجدولها برقم 72 لسنة 15 القضائية، وأمامها ردد المحامي دفاعه الشكلي والموضوعي الذي سبق إبداؤه أمام المحكمة الأولى وشرح الدفع بسقوط الدعوى التأديبية بقوله إن المادة 70 من لائحة نظام العاملين بالقطاع العام السابقة، والتي تقابلها المادة 59 من القانون رقم 61 لسنة 1971 - تقضي بأن تسقط الدعوى (الدعوى التأديبية بمضي سنة على علم الرئيس المباشر بوقوع المخالفة ما لم تتخذ إجراءات التحقيق أو الاتهام أو المخالفة خلال هذه المدة وأنه بتطبيق هذا النص على وقائع الدعوى يبين أن الأفعال التي صدرت منه - والتي وصفها قرار الاتهام بأنها مخالفات - قد تمت جميعها قبل نهاية سنة 1967 ووافق عليها رئيسه المباشر، ومع ذلك لم تشرع النيابة الإدارية في التحقيق إلا في يوليو سنة 1969 أي بعد أكثر من سنة على علم رئيسه بوقوعها. وتحصل دفاعه في موضوع الدعوى في أن المذكرات التي أعدها عن تنفيذ الأحكام القضائية التي صدرت من المحاكم الجزئية بأحقية العاملين بالشركة في المرتبات المحددة بقرار رئيس الجمهورية رقم 1598 لسنة 1961، وقد أعدت طبقاً للمبادئ التي استقرت عليها الإدارة الرئيسية للشركة بالإسكندرية وفرعها بالقاهرة، وهي تنفيذ أحكام القرار المذكور ودياً على جميع العاملين الذين تتوفر فيهم شروطه ولو لم يكونوا قد حصلوا على أحكام قضائية بذلك، وقد اعتمدت تلك المذكرات من رئيسه المباشر (رئيس الشئون القانونية) ومن يعلونه من الرؤساء وقال عن المخالصات المحررة عن تنفيذ هذه الأحكام أنها أعدت طبقاً لما جرى به التنفيذ، وسلمت صور منها إلى ذوي الشأن حسب النظام المتبع في الشركة، وأن المخالصتين الصادرتين إلى السيدة/ عطيات الخولي (زوج المحال) وزميلتها السيدة عنايات الدمياطي لم تتضمنا ما يضر بموقف الشركة في الاستئناف المرفوع منها ضد الحكم الصادر لهاتين العاملتين، كما أن المخالصة الصادرة إلى العاملة/ فاطمة زيان تطابق في صيغتها هاتين المخالصتين وأنه إذا كان الحكم في الاستئناف المرفوع ضد الوليين قد اعتد بالمخالصتين الصادرتين عن تنفيذ حكمهما كدليل على قبول الشركة للحكم قبولاً مانعاً من الطعن فيه، فإن الحكم الصادر في الاستئناف ضد فاطمة زيان لم يأخذ بهذا النظر، كما أن بعض الأحكام قضت بعدم قبول الطعون بالاستئناف المرفوعة من الشركة بفوات الميعاد، والبعض الآخر قضى بإلغاء الأحكام المستأنفة بعد أن رفض دفوع المستأنف عليهم بعدم جواز الاستئناف ابتناء على أن المخالصات المقدمة منهم عن تنفيذ الأحكام المطعون فيها لا تدل على أن الشركة قبلتها وإنما اضطرت إلى تنفيذها لأنها كانت مشمولة بالنفاذ المعجل وبغير كفالة وقال عن المخالفة الثانية أنه لم يتعمد إخفاء أصل المخالصة الخاصة بالعاملة فاطمة زيان لأن من مصلحته أن يظهرها تأييداً لدفاعه في المخالفة الأولى على ما سلف إيضاحه، وأضاف أنه سلمها إلى الرقابة الإدارية ضمن أوراق أخرى بناء على أمر المدير العام للشركة، ألا أنها فقدت من الرقابة.
وبجلسة 7 من مايو سنة 1973 حكمت المحكمة التأديبية للعاملين بوزرة الاقتصاد "بمجازاة المتهم بوقفه عن العمل ستة شهور مع صرف نصف المرتب". ونوهت في مستهل حكمها إلى أنه لا محل لإعادة بحث الدفع بعدم الاختصاص الولائي للمحاكم التأديبية بنظر الدعوى حيث سبق أن قضت برفضه المحكمة التأديبية بالإسكندرية بحكم قطعي حاز قوة الأمر المقضي. ثم تناول الحكم بحث الدفع بسقوط الدعوى التأديبية والقائم على أن الأفعال موضوع الاتهام تمت في سنة 1967 ولم تتخذ إجراءات التحقيق فيها إلا في يوليه سنة 1969 أي بعد مضي أكثر من سنة على تاريخ علم الرئيس المباشر دون أن يتخذ فيها إجراء، فقال أنه يشترط لبدء سريان ميعاد السقوط أن يعلم الرئيس المباشر بما تنطوي عليه الواقعة من مخالفة، وعلى ذلك فإذا ما كانت المخالفة المنسوبة إلى المتهم قوامها الانحراف في أداء الواجب وذلك بالتحايل عن طريق إعداد مذكرات ومستندات تفيد قبول الشركة للحكمين الصادرين لصالحه ولصالح زوجه وزميلتها لتقديمها للمحكمة الاستئنافية بغية الجنوح بها إلى الحكم بعدم جواز الاستئناف المقام من الشركة طعناً في هذين الحكمين، فإنه يشترط كي يبدأ سريان مدة السقوط أن يثبت علم الرئيس المباشر للمتهم بانحرافه في أداء واجبه، وبما انطوى عليه رأيه وفعله من هوى وغرض على النحو المنسوب إليه في قرار الاتهام، وهو ما لم يقم عليه دليل من الأوراق، بل إن المستفاد من الوقائع أن المسئولين بالشركة وقعوا بحسن نية على المذكرات التي أعدها المتهم، لاعتقادهم أن التنفيذ الاختياري للحكم الابتدائي لا يعد قبولاً مانعاً من الطعن فيه، ولم يبدأ العلم بالمخالفة إلا بعد أن تقدم بعض العاملين بشكواهم من التفرقة في المعاملة بالنسبة لتنفيذ الأحكام سالفة الذكر والتي أسفر فحص الرقابة الإدارية لها عن المبادرة إلى إحالة الموضوع إلى النيابة الإدارية. ومن ثم يكون الدفع بسقوط الدعوى غير قائم على أساس من القانون.
وقال الحكم عن موضوع الاتهام أن الثابت من الأوراق والتحقيقات أن السيدتين/ عطيات الخولي (زوج المتهم) وعنايات الدمياطي، العاملتين بشركة التأمين الأهلية أقامتا الدعوى رقم 4993 لسنة 1964 عمال جزئي الإسكندرية في أكتوبر سنة 1964 ضد الشركة بطلب الحكم بأحقيتها في المرتب المقرر طبقاً لقرار رئيس الجمهورية رقم 1598 لسنة 1961 بتحديد مرتبات العاملين بالمؤسسات العامة والشركات، وحددت كل منهما مقدار متجمد الفرق المستحق لها. وقد ندبت المحكمة خبيراً كلفته ببحث النزاع وتحديد ما قد تستحقه كل المدعيتين حتى تاريخ رفع الدعوى، وانتهى الخبير إلى تحديد ذلك بمبلغ 283 جنيهاً للمدعية الأولى، 310 جنيهات للثانية، وفي 4 من مارس سنة 1967 حكمت المحكمة بإلزام الشركة بأداء هذين المبلغين إلى المدعيتين بحكم مشمول بالنفاذ المعجل بغير كفالة. وفي تلك الأثناء كان المتهم قد أقام الدعوى رقم 7926 لسنة 1966 عمال جزئي القاهرة وصدر له فيها حكم في 11 من مارس سنة 1967 قضى بأحقيته في المرتب المقرر بقرار رئيس الجمهورية رقم 1598 لسنة 1961 المشار إليه. ولم ترتض الشركة هذين الحكمين ولا الأحكام الأخرى التي صدرت في دعاوى مماثلة أقامها بعض العاملين بها، فطعنت فيها جميعاً بالاستئناف، وأقامت طعنها على أن المرتبات الواردة في القرار المذكور قررت للوظائف وليس للمؤهلات الدراسية، وعلى ذلك فإن استحقاقها منوط بأن تجري الشركة وصف وتقييم الوظائف فيها ووضع كل عامل في الوظيفة التي تتفق وعمله، وهذا أمر لم يتم بعد. ومضى الحكم قائلاً أن الثابت من الأوراق واعتراف المتهم في التحقيق أنه عقب إعلان الحكم الصادر لصالح كل من عطيات الخولي وعنايات الدمياطي، قام المتهم بصفته المحامي المختص بالشركة بإعداد مذكرة في 11 من مارس سنة 1967 عن تنفيذ هذا الحكم رأى فيها أن تصرف الشركة المبلغ المحكوم به وكذلك متجمد فرق المرتب عن المدة التالية (من أكتوبر سنة 1964 حتى مارس 67) وفي الوقت ذاته أبدى في المذكرة تحفظاً بعدم إضافة فرق المرتب إلى المرتب الفعلي للمدعيتين عن الشهور القادمة، إلى حين الفصل في استئناف الشركة عن هذا الحكم، وقد نفذ الحكم على النحو الذي ارتآه المتهم فحصلت المدعية الأولى على مبلغ 424 جنيهاً والثانية على مبلغ 445 جنيهاً. ثم بعد أن تم طعن الشركة بالاستئناف في هذا الحكم أعد المدعي مذكرة ثانية (تحمل تأشيراً بالإحالة إلى المدير المالي في 30 من مايو سنة 1967) رأى فيها أن يسدد الفرق الذي استحق للعاملة عطيات الخولي عن مرتب شهري إبريل ومايو، وأن يضاف هذا الفرق إلى أصل المرتب شهرياً بعد ذلك اعتباراً من مرتب شهر يونيو سنة 1967. كما حرر المتهم مذكرة ثالثة في 27 من أغسطس 1967 رأى فيها تطبيق ذلك على العاملة عنايات الدمياطي أي بإضافة الفرق إلى أصل المرتب اعتباراً من مرتب شهر سبتمبر سنة 1967. وتبريراً لهذا الرأي أوضح المتهم في مذكرته أن إضافة الفرق إلى المرتب من شأنها تيسير حساب مستحقات الضرائب والتأمينات الاجتماعية. كما حرر المتهم المخالصتين المتعلقتين بتنفيذ هذا الحكم، وتسلمت المحكوم لها صورتي المخالصتين مختومتين بخاتم الشركة، كما استصدر لنفسه من المختصين مخالصة عن تنفيذ حكمه مؤرخة 16 من إبريل سنة 1968 ومخالصة أخرى مؤرخة 28 من ديسمبر سنة 1968 عن صرف فروق بدل السفر محسوبة على أساس المرتب المقضى به له في الحكم المستأنف. واستطرد الحكم قائلاً أنه ثبت من الأوراق أنه أثناء نظر الاستئنافين المرفوعين من الشركة (رقمي 826 لسنة 1967 مستأنف إسكندرية و414 سنة 1967 مستأنف القاهرة) أن المستأنف ضدهم وهم عطيات الخولي وعنايات الدمياطي في الاستئناف الأول، وسعد أحمد صيام (المتهم) في الاستئناف الآخر، دفعوا بعدم جواز الاستئناف عملاً بالمادة 377 من قانون المرافعات تأسيساً على أن الشركة سبق أن ارتضت الحكم المطعون فيه وقبلته قبولاً لا يجوز معه الطعن فيه، وقدمت الأولتان دليلاً على ذلك صورتي المخالصتين الخاصتين بتنفيذ الحكم المطعون فيه، ما قدم المتهم مخالصة تنفيذ حكمه ومخالصة صرف فروق بدل السفر مصحوبة بكشوف حساب هذا الفرق على أساس المرتب المطعون فيه، وقد قضى الحكمان الاستئنافيان (في 14 من مارس سنة 1968 و9 من يونيه سنة 1968) بقبول الدفع بعدم جواز الاستئناف وأوضحا في أسبابهما أن المستندات التي قدمها المستأنف ضدهم تعتبر قاطعة في معنى القبول المانع من الطعن، لأن تنفيذ الحكم اختياراً عن مدة لاحقة لقضاء الحكم المطعون فيه إنما هو تنفيذ لما لم يقض به، ولو أن الشركة لم ترتض الحكم لقصرت تنفيذه على ما قضى به. وأضاف هذا القضاء بالنسبة للمستندات التي قدمها المتهم في دعواه أن المستفاد من صور المخالصات المقدمة منه والممهورة بخاتم الشركة وكذا من كشوف صرف بدل السفر أن الشركة قد نفذت الحكم بالنسبة لما قضى به والنسبة لأجور لم يشملها وتعتبر خارجة عن نطاقه وأن هذا التنفيذ الاختياري للحكم في غير النطاق الذي فصل فيه ودون أن تكون الشركة مهددة بالتنفيذ الجبري لما يقطع في الدلالة على قبولها هذا الحكم قبولاً مانعاً من الطعن فيه.
وخلص الحكم المطعون فيه مما سبق إيراده إلى أنه قد ترتب على المذكرة التي أعدها المتهم في 11 من مارس سنة 1967 أن تم تنفيذ الحكم الصادر لكل من عطيات الخولي (زوجه) وزميلتها عنايات الدمياطي، على نحو يخالف منطوق هذا الحكم ويجاوز النطاق الذي فصل فيه، وذلك مع ثبوت علمه بعزم الشركة على الطعن بالاستئناف. كما أنه ترتب على المذكرتين اللاحقتين اللتين أعدهما في 30 من مايو و27 من أغسطس سنة 1967، أي بعد أن طعنت الشركة بالاستئناف في الحكم المذكور، أن زادت الشركة مرتب المدعيتين إلى الحد المقرر بالقرار رقم 1598 لسنة 61 سالف الذكر بأن أضافت الفرق إلى المرتب الفعلي، وكان ذلك تمادياً في تجاوز نطاق ما قضى به الحكم المطعون فيه، بذريعة أن هذه الإضافة تيسر حساب ما يستحق على المرتب من الضرائب واستقطاعات التأمينات الاجتماعية. كما ترتب على المخالصات التي أثبت بها أن الشركة نفذت الحكم على النحو سالف البيان، والتي قدمت المستأنف ضدهما صوراً منها ممهورة بخاتم الشركة، أن قضى بعدم جواز الاستئناف المرفوع من الشركة لقبولها الحكم المستأنف قبولاً مانعاً من الطعن فيه وقد استشفت المحكمة التأديبية من ذلك كله أن المتهم كان يهدف من الأفعال السابقة إلى التوصل لإسقاط حق الشركة التي يعمل بها في الاستئناف المرفوع منها عن ذلك الحكم، وأنه لو كان أميناً على واجبات وظيفته وعلى مصلحة الشركة لما ذهب من بادئ الأمر إلى إبداء الرأي بتنفيذ الحكم بما يجاوز نطاقه ويخالف منطوقه، ولتمسك في مذكرته الثانية والثالثة بالرأي الذي سبق أن أبداه في مذكرته الأولى بعدم إضافة الفرق إلى المرتب مراعاة لمصلحة الشركة في الاستئناف بدلاً من أن يبادر إلى العدول عنه إلى حكم متذرعاً بأسباب لا أساس لها، ولما صاغ مخالصات التنفيذ على نحو أدى إلى الحكم بعدم جواز الاستئناف. وعلى ذلك فإن ثبوت هذه المخالفات التي تتنافى مع مقتضيات وظيفة المتهم كمحام عن الشركة بما تتطلبه من أمانة وصدق في أداء عمله خدمة للشركة وليس خدمة لمصالح خصومها وعلى حسابها، توقعه تحت طائلة العقاب التأديبي جزاء لما اقترفه، ولا يجديه التعلل بأن الأمر لم يعد اختلافاً في وجهات نظر الدوائر الاستئنافية في اعتبار مخالصات تنفيذ الأحكام دليلاً على القول المانع من الطعن، بدليل ما ساقه من أنه أعد مخالصة العاملة فاطمة زيان تماثل مخالصتي زوجه وزميلتها عنايات الدمياطي ومع ذلك لم تعتد بها المحكمة الاستثنائية في إثبات الدفع بعدم جواز الاستئناف، لا يجديه ذلك الدفاع لأن الثابت من الأوراق أن ليس ثمة دليل على صيغة هذه المخالصة حيث قررت صاحبتها أنها لم تعرف مصير صورتها التي كانت مودعة ملف الاستئناف، كما ثبت من التحقيق أن المتهم تسلم أصل هذه المخالصة في يونيه سنة 1969 من الموظف المختص بالشركة وادعى أنه سلمه إلى عضو الرقابة الإدارية الذي كان يتولى فحص الشكوى، إلا أن الرقابة الإدارية أفادت بكتابها المؤرخ 2 من فبراير سنة 1972 إلى النيابة الإدارية بأنها لم تتسلم هذه المخالصة لأن موضوع العاملة فاطمة زيان لم يكن محل بحثها.
ثم تناول الحكم بحث المخالفة الثانية وهي الإدعاء على خلاف الحقيقة بأن أحد أعضاء الرقابة الإدارية قد طلب المخالصة الخاصة بالعاملة فاطمة زيان، وأنه (أي المتهم) تسلم هذه المخالصة من السيد/ محمود فرحات رئيس حسابات التأمين بالشركة المختص بحفظها، ثم تعمد إخفاءها - فقال أن هذه المخالفة ثابتة قبل المتهم لاعترافه في التحقيق بأنه استلمها من المختص، ثم عجزه عن إثبات إدعائه بأنه سلمها إلى السيد/ فخري المهداوي عضو الرقابة الإدارية، فقد استفسرت النيابة الإدارية من الرقابة الإدارية عن مصير هذه المخالصة فأجابت الرقابة الإدارية بكتابها رقم 127 المؤرخ في 2 من فبراير سنة 1972 بأنها لم تتسلمها وأوضحت أن حالة العاملة فاطمة زيان لم تكن بين الحالات التي تناولها فحص الرقابة.
وانتهى الحكم من كل ما تقدم إلى أن المتهم لم يرع واجبات وظيفته كمحام عن الشركة بل أنه جاوز ذلك إلى خيانة الأمانة التي ائتمن عليها بمقتضى وظيفته، الأمر الذي يقتضي أخذه بالشدة وأنه ولئن كانت الشركة التي يتبعها قد طلبت من النيابة الإدارية تقديمه للمحاكمة لتقضي المحكمة التأديبية بفصله من الخدمة، ألا أن المحكمة ترى في هذه العقوبة قضاء على مستقبله وتشريداً لأسرته، ولذلك فقد راعت في تقديرها الجزاء المناسب أن يفتح أمامه مجال التوبة وسلوك الطريق القويم.
ومن حيث إن الطاعن يبني طعنه في هذا الحكم على أنه خالف القانون للأسباب الآتي بيانها:
أولاً: - حجبت المحكمة التأديبية نفسها عن بحث الدفع بعدم الاختصاص الولائي للمحاكم التأديبية بنظر الدعوى قولاً منها بسابقة الفصل فيه بحكم المحكمة التأديبية بالإسكندرية الذي حاز قوة الأمر المقضي، إلا أن هذا القضاء مخالف للقانون من عدة وجوه:
1 - لما كانت الحجية لمنطوق الحكم، وكان الثابت أن الحكم الصادر من المحكمة التأديبية لم يقصد في منطوقه برفض الدفع المذكور، لذلك لا تكون له حجية في هذه الخصوصية.
2 - إن حكم المحكمة التأديبية بالإسكندرية، فيما قضى به من رفض الدفع بعدم الاختصاص الولائي ومن عدم اختصاص المحكمة المذكورة بنظر الدعوى وبإحالتها، هو قضاء غير منه للخصومة ويعتبر حكماً صادراً أثناء سير الدعوى، فلا يجوز الطعن فيه إلا بعد صدور الحكم المنهي للخصومة كلها عملاً بالمادة 212 من قانون المرافعات ووفقاً للمادة 229 منه وهذه المادة الأخيرة وإن وردت في باب الاستئناف إلا أنها تفسر المقصود من حكم المادة 212 التي تسري على حالات الطعن في الأحكام عموماً - وعلى ذلك يجوز الطعن فيه مع الطعن في الحكم الذي صدر في موضوع الدعوى والذي أنهى الخصومة.
ومضى الطاعن مبيناً أسانيده القانونية والموضوعية لهذا الدفع مستنداً إلى وجوب خضوعه في مجال التأديب لأحكام قانون المحاماة دون غيرها مردداً في هذا المجال ما سبق أن ضمنه مذكرته المقدمة إلى المحكمة التأديبية بالإسكندرية التي سلف إيراد فحواها.
ثانياًً: المحكمة التأديبية للعاملين بوزارة الاقتصاد غير مختصة بنظر الدعوى، لأن المقر الرئيسي للشركة التي يتبعها الطاعن بالإسكندرية وليس بالقاهرة، ومن ثم يكون الاختصاص للمحكمة التأديبية بالإسكندرية، الأمر الذي يشوب الحكم المطعون فيه بمخالفة قواعد ترتيب الاختصاص بين المحاكم التأديبية، ومن ثم يتعين الحكم بإلغائه وبإعادة الدعوى إلى المحكمة المختصة للفصل في موضوعها.
ثالثاً: أخطأ الحكم في تطبيق قاعدة سقوط الدعوى التأديبية نتيجة للخطأ في تحصيل الوقائع الخاصة بتاريخ وكيفية حصول الأفعال المنسوبة إلى الطاعن. فهذه الأفعال وقعت كلها خلال سنة 1967 سواء ما تعلق فيها بتنفيذ حكمه أو حكم عطيات الخولي وعنايات الدمياطي أو محمود سليمان الصياد أو علي الشريف أو فاطمة زيان، وهي بطبيعتها أفعال وقتية وغير مستمرة، إذ تمت وانتهت وأنتجت آثارها حال وقوعها. وقد كانت جميع المذكرات والأوراق التي أعدها الطاعن تعرض على رئيسه المباشر السيد/ شوقي ضيف رئيس الشئون القانونية بالشركة ولا تنفذ إلا بعد موافقته عليها، وقد تم تنفيذ جميع الأحكام الجزئية الصادرة لصالح العاملين بالشركة، ولم يتحرك بالشكوى إلا عندما قضى ضدهم في الاستئناف وشرعت الشركة في استرداد ما سبق صرفه إليه من مبالغ. وبعد ذلك كله لم تشرع النيابة الإدارية في التحقيق إلا في 17 من يوليه سنة 1969 أي بعد مضي أكثر من سنة على علم جميع رؤساء الطاعن بكيفية تنفيذ الأحكام بل إن هؤلاء الرؤساء هم الذين قرروا ابتداء هذا الأسلوب الرضائي في تنفيذ قرار رئيس الجمهورية رقم 1598 لسنة 1961 ولم يكن الطاعن إلا منفذاً لرأي رؤسائه.
رابعاً: أخطأ الحكم في فهم الوقائع واستخلاص النتائج منها كما شابه قصور في التسبيب وفساد في الاستدلال، وتفصيل ذلك أن تنفيذ الأحكام الابتدائية على الوجه الذي اعتبرته سلطة الاتهام مخالفة من الطاعن، لم يكن وليد رأيه الخاص بل كان تنفيذاً لما استقر عليه المسئولون بالشركة نحو تطبيق القرار رقم 1598 لسنة 1961 ودياً على جميع العاملين وقد أقروا بذلك في التحقيق كما أفصحت المذكرة التي أعدها شوقي ضيف عن ثبوت هذا الاتجاه لدى إدارة الشركة، ومن ثم فإن التجاء الطاعن بدوره إلى القضاء وحصوله على حكم بتطبيق القرار المذكور عليه لا يعدو أن يكون استعمالاً لحقه القانوني فلا مأخذ عليه، أما الحكم بعدم قبول الاستئناف المرفوع من الشركة عن هذا الحكم فيرجع إلى أن المحكمة اعتبرت أن ميعاد الطعن عشرة أيام وأن الاستئناف قد رفع بعد الميعاد، وهذا سبب لا يد للطاعن فيه وأما حصوله على صورة مخالصة تنفيذ الحكم الابتدائي فإن الشركة كانت تعطي صور المخالصات لكل العاملين الذين نفذت أحكامها ولم ينفرد الطاعن بالحصول على الصورة الخاصة به، وقد اختلفت الدوائر الاستئنافية في مسألة الاعتداد بهذه المخالصات قبول الشركة الأحكام الابتدائية قبولاً مانعاً من الطعن فذهبت أحكامها إلى عدم الأخذ بصور المخالصات كسند للدفع بعدم جواز الاستئناف فيما عدا حالة وحيدة هي حالة الحكم في الاستئناف المرفوع ضد حكم السيدتين عطيات الخولي وعنايات الدمياطي - ومما يؤكد أن الاعتداد بالمخالصات كدليل على القبول المانع من الطعن أو عدم الاعتداد بها في هذا الخصوص كان راجعاً إلى اختلاف وجهات نظر الدوائر الاستئنافية وليس إلى اختلاف صيغ المخالصات ذاتها، أن الحكم في الاستئناف المرفوع ضد حكم العاملة فاطمة زيان قضي بقبوله وبإلغاء الحكم المستأنف ولم يعتد بصورة المخالصة التي قدمتها المستأنف ضدها وذلك على الرغم من أنها تطابق المخالصتين الصادرتين إلى عطيات الخولي وعنايات الدمياطي. وعلى ذلك يكون الاتهام غير قائم على أساس من الواقع أو القانون على خلاف ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه الذي بنى مساءلة الطاعن على واقعتي تحرير مذكرات تنفيذاً لأحكام وإعداد مخالصات بهذا التنفيذ. كذلك لم يفطن الحكم إلى أن المستندات المودعة في التحقيق وكذلك أقوال شوقي ضيف تقطع بعلم المسئولين بالشركة عن الكيفية التي نفذت بها الأحكام، بل وبموافقتهم عليها على أساس اقتناعهم بوجوب تطبيق أحكام القرار رقم 1598 لسنة 1961 على جميع العاملين بالشركة لأنه لا اجتهاد في تفسيره. كذلك فقد ثبت من تأشيرة المدير العام على شكوى عطيات الخولي من عدم إضافة الفرق إلى أصل مرتبها أنها تتضمن تكليفاً للطاعن بإجراء هذه الإضافة بل وتنطوي على لومه بسبب عدم إجراء هذه الإضافة من قبل عند تنفيذ الحكم الصادر لصالحه، مع أن هذا التنفيذ تقرر وتم بمعرفة أحد المسئولين بالشركة ووافق عليه شوقي ضيف وجميع الرؤساء حتى رئيس مجلس إدارة الشركة آنذاك، وقد حصل على صورة مخالصة التنفيذ أسوة بما كانت تتبعه الشركة بالنسبة لغيره. كذلك فقد ذهب الحكم المطعون فيه إلى أن الطاعن أعد مخالصة تنفيذ حكم السيدة/ عطيات الخولي (زوجه) بصيغة مغايرة للمخالصات الأخرى حتى يمكنها من كسب الاستئناف، بينما الصحيح أن هذه المخالصة (كما وردت صيغتها في تقرير الطعن) إنما تتعلق بصرف مستحقات العاملة المذكورة عن فرق علاوة الـ 12% محسوبة على مرتبها المحكوم به وأن السيد/ شوقي ضيف هو الذي أمر بالصرف وأعد المخالصة دون تدخل من الطاعن، ومؤدى ذلك أن الحكم أخطأ في فهم الواقعة ومن ثم في تقدير الدليل الذي استمده منها على إدانة الطاعن.
ومن حيث إن تقرير هيئة مفوضي الدولة قد بني على أن الحكم المطعون فيه قد خالف الاختصاص المحلي للمحكمة التأديبية لأن الثابت أن المقر الرئيسي للشركة التي يتبعها الطاعن يقع في الإسكندرية وبذلك يكون حكم المحكمة التأديبية بالإسكندرية قد صدر بدوره مخالفاً لقواعد الاختصاص المحلي فيما قضى به من عدم الاختصاص والإحالة، ولا وجه للتحدي بحجيته لفوات ميعاد الطعن فيه لأنه لم يفصل في موضوع الدعوى وإنما اقتصر على الاختصاص منتهياً إلى التسلب منه. وعلى ذلك يتعين الحكم بإلغاء الحكم المطعون فيه وبإعادة الدعوى إلى المحكمة المختصة لتفصل في موضوعها.
ومن حيث إنه يتعين التنويه بادئ الأمر إلى أنه سبق لهذه المحكمة قضاء (في الطعن رقم 1117 لسنة 19 القضائية بجلسة 13 من إبريل سنة 1974) بأن قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 الذي عمل به من الخامس من أكتوبر سنة 1972 قد أورد تنظيماً جديداً خاصاً لاختصاص المحاكم التأديبية، والطعن في أحكامها ومواعيده وإجراءاته، وبذلك نسخ ضمناً كل ما يتعارض معه في هذا المجال من أحكام خاصة وردت في قوانين سابقة عليه، ومن ذلك حكم المادة 49 من نظام العاملين بالقطاع العام الصادر بالقانون رقم 61 لسنة 1971، والتي كانت تقصر إجازة الطعن على الأحكام الصادرة من المحاكم التأديبية بتوقيع جزاء الفصل من الخدمة على العاملين شاغلي الوظائف من المستوى الثاني وما يعلوه، دون غيرها من الأحكام، وعلى ذلك فإنه طبقاً لهذا التنظيم الجديد أصبح من الجائز الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا في جميع الأحكام الصادرة من المحاكم التأديبية بالنسبة للعاملين بالقطاع العام بعد تاريخ العمل بقانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 وذلك في المواعيد وبالإجراءات التي وردت في هذا القانون، وتطبيقاً لذلك فإنه لما كان الحكم المطعون فيه بالطعن الماثل قد صدر في 7 من مايو سنة 1973 بعد العمل بقانون مجلس الدولة الحالي، فإن الطعن فيه يكون جائزاً قانوناً.
ومن حيث إنه عن السبب الأول من أسباب الطعن فإن المادة 212 من قانون المرافعات المدنية والتجارية تنص على أنه "لا يجوز الطعن في الأحكام التي تصدر أثناء سير الدعوى ولا تنتهي بها الخصومة إلا بعد صدور الحكم المنهي للخصومة كلها، وذلك فيما عدا الأحكام الوقتية والمستعجلة والصادرة بوقف الدعوى، والأحكام القابلة للتنفيذ الجبري". وهذه المادة - حسبما جاء بالمذكرة الإيضاحية للقانون - تقابل المادة 378 من القانون السابق، وتماثلها في الحكمة التشريعية وهي منع تقطيع أوصال الخصومة الواحدة وتوزيعها بين المحاكم وما يترتب على ذلك من تعويق الفصل في موضوع الدعوى، إلا أن النص الجديد قد عمل على تفادي ما أثاره النص الملغى من تفرقة دقيقة بين الأحكام الموضوعية والفرعية وبين الأحكام التي تقبل الطعن المباشر وتلك التي لا تقبله، فاتجه القانون الجديد إلى عدم جواز الطعن على استقلال في الأحكام التي تصدر أثناء سير الخصومة قبل الحكم المنهي لها ولما كان قضاء هذه المحكمة قد أطرد على تطبيق حكم المادة 178 الملغاة على الطعون التي تقام أمامها، تحقيقاً للحكمة التشريعية التي استهدفتها، ولأنها لا تتعارض وقواعد التقاضي الواردة في قانون مجلس الدولة، فإنه يتعين تطبيق حكم المادة 212 الحالية لذات الأسباب التي دعت إلى إعمال حكم النص الملغى في تلك الطعون. والذي يخلص من نص المادة 212 مفسراً على هدي المذكرة الإيضاحية أن الأحكام التي تصدر أثناء سير الدعوى ولا تنتهي بها الخصومة، لا يجوز الطعن فيها إلا بعد صدور الحكم المنهي للخصومة كلها، أمام الأحكام التي تنتهي بها الخصومة كلها فيكون الطعن فيها فور صدورها، وذلك سواء أكانت هذه الأحكام قد فصلت في موضوع الدعوى أم في مسألة متفرعة عنه، فالأحكام غير الفاصلة في موضوع الدعوى ولكنها منهية للخصومة، كالحكم بعدم اختصاص المحكمة أو بعدم قبول الدعوى أو بسقوط الخصومة أو بتركها، يجوز الطعن فيها على استقلال فور صدورها لأنها ما دامت قد أنهت الخصومة فلن يعقبها حكم في موضوع الدعوى، ولذلك فلا محل لتعليق الطعن فيها على صدور الحكم في الموضوع.
ومن حيث إنه لما كان الحكم الصادر في 16 من ديسمبر سنة 1972 من المحكمة التأديبية بالإسكندرية قد استهل قضاءه بالفصل في الدفع بعدم الاختصاص الولائي للمحاكم التأديبية بنظر الدعوى وقضى فيه صراحة برفضه ثم أردف ذلك بالفصل في الاختصاص المحلي للمحكمة المذكورة بنظر الدعوى، وانتهى في منطوقه إلى الحكم بعدم اختصاص المحكمة بنظرها وأمر بإحالتها إلى المحكمة التأديبية المختصة عملاً بالمادة 110 من قانون المرافعات، فإنه يخلص من ذلك أمران، أولهما أن ما تضمنته أسباب الحكم من فصل في الدفع بعدم الاختصاص الولائي قد ارتبط ارتباطاً جوهرياً بما قضى به منطوقه من عدم الاختصاص المحلي، ومن ثم فقد حاز قضاؤه في الدفع المشار إليه حجية الأمر المقضي ذلك أنه ما كان يصح قانوناً أن تبحث المحكمة الاختصاص المحلي إلا بعد أن تقضي في الدفع بعدم ولايتها على الدعوى. أما الأمر الثاني فهو أن قضاء الحكم بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى قد أنهى الخصومة أمامها دون فصل في موضوع الدعوى، فهو بهذه المثابة من الأحكام التي يطعن فيها بمباشرة وعلى استقلال طبقاً لحكم المادة 212 الذي سلف بيانه. ولما كان الطاعن لم يطعن في هذا الحكم فإنه يكون والحالة هذه قد أصبح حائزاً لقوة الأمر المقضي" ويكون الحكم المطعون فيه قد أصاب الحق فيما ذهب إليه من أنه لا وجه لإعادة بحث الدفع بعدم الاختصاص الولائي للمحاكم التأديبية بنظر الدعوى بعد أن سبق للمحكمة التأديبية بالإسكندرية الفصل فيه بحكم قطعي حائز لقوة الأمر المقضي. أما استناد الطاعن في تأييد هذا السبب من طعنه إلى حكم المادة 229 من قانون المرافعات التي تقضي بأن استئناف الحكم المنهي للخصومة يستتبع استئناف جميع الأحكام التي سبق صدورها في الدعوى، فإنه لا وجه لإعمال هذا النص، الذي ورد في شأن الاستئناف عند الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا إذ لا تتسع له حالات الطعن أمامها كما وردت في قانون مجلس الدولة، وهي حالات تقابل الطعن بالنقض في قانون المرافعات.
من حيث إنه عن السبب الثاني فإن حكم المحكمة التأديبية بالإسكندرية الصادر في 16 من ديسمبر سنة 1972 بعدم اختصاصها بنظر الدعوى وبإحالتها إلى المحكمة التأديبية للعاملين بوزارة الاقتصاد عملاً بالمادة 110 من قانون المرافعات فهذا الحكم قد ترتب عليه التزام المحكمة المحالة إليها الدعوى بنظرها وذلك لأكثر من سبب، فهو من ناحية قد استند في الإحالة إلى المادة 110 المذكورة، والتي تقضي بإلزام المحكمة المحالة إليها الدعوى بنظرها أياًًًًًً كان الرأي في صواب الحكم القاضي بالإحالة، وهو من ناحية أخرى كان قد حاز قوة الأمر المقضي عند نظر الدعوى أمام المحكمة التي أحيلت إليها الدعوى (فأصبح ملزماً لها لهذا السبب أيضاً) ولما كانت المحكمة المحالة إليها الدعوى قد التزمت بما قضى به هذا الحكم، فنظرت الدعوى وفصلت في موضوعها دون أن تعود إلى بحث اختصاصها المحلي، فإن حكمها يكون مطابقاً للقانون، ويكون الطعن عليه في هذا الخصوص غير قائم على أساس سليم خليقاً بالرفض.
ومن حيث إنه عن السبب الثالث فهو القائم على سقوط الدعوى التأديبية بالنسبة للمخالفة الأولى فإن الثابت من الأوراق أن القسم الأول من وقائع هذه المخالفة يتعلق بقيام الطاعن بإعداد مذكرات عن تنفيذ الأحكام الجزئية الصادرة لصالح بعض العاملين ضد الشركة، تضمنت رأياً مخالفاً للقواعد القانونية في تنفيذ الأحكام، وقد تمت موافقة رئيسه المباشر على هذه المذكرات قبل أن تعتمد السلطة الرياسية تنفيذ ما ورد بها. أما القسم الثاني فيتعلق بقيام الطاعن بإعداد مخالصات تنفيذ هذه الأحكام بصيغ متفاوتة ترتب على بعضها صدور أحكام لصالح الطاعن وزوجته وزميلتها عنايات الدمياطي بعدم جواز الاستئناف المرفوع من الشركة لسابقة قبولها الحكم قبولاً مانعاً من الطعن فيه، بينما ترتب على البعض الآخر رفض المحكمة للدفع بعدم جواز الاستئناف والحكم بإلغاء الحكم المستأنف وأنه عقب صدور هذه الأحكام في غضون سنة 1968، وشروع الشركة في استرداد المبالغ التي صرفت لمن قضى ضدهم في الاستئناف، تقدم بعض العاملين بشكاوى إلى الشركة وإلى بعض الجهات منها رئاسة الجمهورية يتظلمون فيها من التفرقة في المعاملة المترتبة على اختلاف الأحكام الصادرة في الطعون الاستئنافية بين القبول والرفض، وفي 23 من مارس سنة 1969 أحالت رئاسة الجمهورية الشكوى إلى الرقابة الإدارية فتولت فحصها وتقدمت بتقرير في شهر يونيه سنة 1969 بنتيجة هذا الفحص ضمنته التوصية بإحالة الموضوع إلى النيابة الإدارية للتحقيق مع الطاعن والمسئولين بالإدارة القانونية بشركة التأمين الأهلية بخصوص المخالفات الواردة بالتقرير، وتمت إحالة الأوراق إلى النيابة الإدارية بناء على أمر السيد وزير الاقتصاد في 26 من يونيه وشرعت النيابة في التحقيق في 17 من يوليه سنة 1969.
ومن حيث إنه لما كان يخلص من ذلك أن علم الرؤساء بالمخالفات التي انطوت عليها المذكرات والمخالصات التي أعدها الطاعن في سنة 1967، لم يتحقق إلا بعد فحص الرقابة الإدارية للشكوى المشار إليها وخلوصها إلى التوصية بالتحقيق مع الطاعن وذلك بعد أن كشفت الأحكام الصادرة في الاستئناف عن أخطاء تنفيذ الأحكام المطعون فيها وعن صدور بعض مخالصات انطوت على قبول الشركة للأحكام الخاصة بها قبولاً مانعاً من الطعن.
ولما كانت المادة 70 من لائحة نظام العاملين بالقطاع العام - التي وقعت هذه المخالفات أثناء العمل بها - تقضي بأن "تسقط الدعوى التأديبية بمضي سنة من تاريخ علم الرئيس المباشر بوقوع المخالفة. وتسقط هذه الدعوى في كل حالة بانقضاء ثلاث سنوات من يوم وقوع المخالفة، وتنقطع هذه المدة بأي إجراء من إجراءات التحقيق أو الاتهام أو المحاكمة". فإنه بتطبيق هذا الحكم على وقائع الطعن الماثل يبين أن السلطة الرئاسية أمرت بالتحقيق في المخالفات المنسوبة إلى الطاعن فور علمها بوقوع هذه المخالفات، وانتهى التحقيق باتهامه وتقديمه إلى المحاكمة التأديبية. كما يبين أيضاً أن الأمر بالتحقيق قد صدر قبل أن تمضي ثلاث سنوات على وقوع المخالفة ذاتها. وعلى ذلك يكون الدفع بالسقوط غير سديد. أما ما ذهب إليه الطاعن من أن رئيسه المباشر قد علم بالواقعة ووافق عليها بدليل أنه وقع على المذكرات التي أعدها الطاعن عن تنفيذ الأحكام الجزئية بما يفيد موافقته على الآراء الواردة فيها، فإن موافقة هذا الرئيس المباشر إنما تعني في الواقع من الأمر مشاركته للطاعن في ارتكاب المخالفة، الأمر الذي كان يستوجب إقامة الدعوى التأديبية ضده، ومن ثم فإن علمه بالمخالفة والحالة هذه لا يترتب عليه سريان ميعاد السقوط بالنسبة لأيهما، لأن سكوته عن اتخاذ إجراء بالتحقيق إنما يكون من قبيل التستر على نفسه وعلى مرؤوسه بقصد إخفاء معالم المخالفة. بينما إن التفسير السليم لحكم المادة 70 المذكورة يقتضي أن يكون الرئيس المباشر في موقف الرقيب الذي له سلطة تقدير اتخاذ إجراء في بالمخالفة التي ارتكبها المرؤوس أو السكوت عليها. وعلى ذك يكون هذا الوجه من الطعن بدوره غير قائم على أساس من القانون.
ومن حيث إنه عن السبب الأخير فإن رقابة هذه المحكمة لأحكام المحاكم التأديبية هي رقابة قانونية فلا تعني استئناف النظر في الحكم بالموازنة والترجيح بين الأدلة المقدمة إثباتاً ونفياً إذ أن ذلك من شأن المحكمة التأديبية وحدها، وهي لا تتدخل وتفرض رقابتها إلا إذا كان الدليل الذي اعتمد عليه قضاء الحكم المطعون فيه غير مستمد من أصول ثابتة في الأوراق، أو كان استخلاص هذا الدليل لا تنتجه الواقعة المطروحة على المحكمة، فهنا فقط يكون التدخل لتصحيح القانون لأن الحكم في هذه الحالة يكون غير قائم على سببه.
ومن حيث إنه يبين من مطالعة أسباب الحكم المطعون فيه - التي سلف بيانها تفصيلاً - أن المحكمة التأديبية بنت قضاءها بإدانة الطاعن عن المخالفة الأولى على الأدلة التي استمدتها من المذكرات التي أعدها بنفسه ووقع عليها - بصفته محامياً بالشركة ومسئولاً بحكم واجبات وظيفته عن حماية مصالحها والدفاع عنها طبقاً للقانون - وقد أبدى في هذه المذكرات رأياً مخالفاً للقواعد القانونية الأولية للمرافعات في تنفيذ الأحكام، بأن رأى تنفيذ الأحكام الابتدائية بما يجاوز نطاق ما قضت به وذلك بصرف مبالغ عن مدة لاحقة على المدة التي صدر فيها الحكم مع علمه بعزم الشركة على الطعن فيها بالاستئناف.
ثم تقدم بعد ذلك بمدة وجيزة - وبعد أن طعنت الشركة فعلاً - بمذكرتين تضمنتا رأياً كان أكثر إمعاناً في الخطأ القانوني من سابقه، وذلك بأن أوصى بأن يضاف فرق المرتب الشهري (الذي حسبت على أساسه الفروق المحكوم بها عن مدة محددة) إلى أصل المرتب الفعلي. وقد كان تنفيذ الشركة للأحكام على هذا النحو الخاطئ كافياً بذاته - لو أنه ثبت أمام المحاكم الاستئنافية - لصدور أحكامها بعدم جواز الطعن لأن هذا التنفيذ إنما يدل على قبول الشركة للأحكام المستأنفة قبولاً مانعاً من الطعن. أما عن قول الطاعن في هذا الخصوص بأنه إنما كان منفذاً لما قررته الشركة من تطبيق القرار المحدد للمرتبات تطبيقاً ودياً على جميع العاملين، فإنه قول ينقضه قيام الشركة فعلاً بالطعن بالاستئناف في جميع الأحكام الجزئية. أما ما ورد بالمذكرة التي أعدها رئيسه المباشر شوقي ضيف في مارس سنة 1969 من تأييد لقول الطاعن، فإنه لا يعدو أن يكون دفاعاً ساقه هذا الرئيس بعد الواقعة بسنتين وعندما شرعت الجهات المسئولة في فحص شكاوى العاملين من الأخطاء التي ارتكبتها إدارة الشئون القانونية بالشركة، وقد سبق البيان بأن موافقة هذا الرئيس - وهو بدوره محام الشركة - على الآراء القانونية الخاطئة التي أبداها الطاعن في مذكراته سالفة الذكر إنما تعتبر مشاركة منه في ارتكاب المخالفات المسندة إلى الطاعن وليس فيها دليل أو قرينة على براءة أي منهما من الوقوع في الخطأ.
كذلك فإن إدانة الحكم للطاعن عن الشق الثاني من المخالفة الأولى قائم بدوره على أدلة وأسانيد قاطعة استمدها من واقع الأوراق والتحقيقات، ذلك أن صيغة المخالصتين اللتين اعترف الطاعن بأنه أعدهما عن تنفيذ الحكم الصادر لزوجه عطيات الخولي وصديقتها عنايات الدمياطي، قد تضمنت أن الشركة نفذت الحكم بأكثر مما قضى به بأن صرفت الفروق عن مدة لاحقة لم يقصد بها كما قامت بإضافة الفرق الشهري إلى أصل المرتب الفعلي حتى يصبح مساوياً للمرتب المقرر في قرار رئيس الجمهورية رقم 1598 لسنة 1961 والذي كان محل طعن الشركة بالاستئناف - هذا بينما أعد مخالصات تنفيذ باقي الأحكام الأخرى في صيغ لم تتضمن أي منها أن الشركة أضافت الفرق إلى المرتب، بل إن بعضها تضمن تحفظاً لصالح الاستئناف المقام من الشركة. وبذلك تمكنت عطيات الخولي وعنايات الدمياطي من الحصول على حكم بعدم جواز الاستئناف على أساس صورة المخالصتين المقدمتين منهما في الدعوى، بينما أخفق غيرهما من العاملين في إثبات هذا الدفع بسبب عدم دلالة صور المخالصات التي بأيديهم على القبول المانع من الطعن هذا وأن ثبوت قيام الطاعن بإعداد المخالصات على النحو المتقدم بالإضافة إلى سابقة التمهيد لها بمذكرات التنفيذ سالفة الذكر إنما يكفي تماماً لإدانته عن المخالفة الأولى بشقيها دون ما حاجة إلى بحث كيفية حصوله على المخالصتين الخاصتين بتنفيذ الحكم الصادر لصالحه والتي ترتب على تقديمها إلى المحكمة الاستئنافية أن حكمت بقبول دفعه بعدم جواز الاستئناف بناء على القبول المانع من الطعن، حسبما هو ثابت من مطالعة حيثيات هذا الحكم.
ومن حيث إن الدفاع الذي ساقه الطاعن لأول مرة أمام المحكمة التأديبية في نوفمبر سنة 1972 بشأن المخالصة الخاصة بتنفيذ حكم العاملة فاطمة زيان، والقائم على أن هذه المخالصة (التي قدم صورتها) تطابق مخالصتي عطيات الخولي وعنايات الدمياطي ومع ذلك قضى في الاستئناف بقبوله وإلغاء الحكم المطعون فيه، هذا الدفاع ينقضه ما جاء بأقوال تلك العاملة في التحقيق من أنها لا تذكر صيغة المخالصة الخاصة بها ولا تعرف مصير صورتها التي قدمتها إلى المحكمة الاستئنافية. بل إنه مما ينفي مزاعم الطاعن في شأن هذه المخالصة أنه ثبت من التحقيق أنه تسلم أصلها المحفوظ بالشركة بإيصال بدعوى تقديمها مع أوراق أخرى إلى الرقابة الإدارية ثم ثبت عدم وصول هذه الورقة إلى الجهة المذكورة.
ومن حيث إن دليل الإدانة في التهمة الثانية قد استمد الحكم مما ثبت من حصول الطاعن على أصل المخالصة سالفة الذكر وإدعائه تسليمها إلى الرقابة الإدارية، وقد نفت الرقابة هذه الواقعة في كتاب صريح إلى النيابة الإدارية وأكدت نفيها بما هو ثابت من أوراق الفحص من أن موضوع العاملة فاطمة زيان لم يكن محل بحث الرقابة لأنها لم تكن من بين العاملين الذين تقدموا بالشكوى التي قامت بفحصها.
ومن حيث إنه لكل ما تقدم يكون الطعن غير قائم على أساس سليم من القانون، ومن ثم يتعين الحكم برفضه.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً.