مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة عشرة - (من أول أكتوبر سنة 1973 إلى أخر سبتمبر سنة 1974) - صـ 353

(124)
جلسة 11 من مايو سنة 1974

برياسة السيد الأستاذ المستشار علي محسن مصطفى - رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة الدكتور أحمد ثابت عويضة ومحمد صلاح الدين السعيد وأبو بكر محمد عطية ومحمد نور الدين العقاد - المستشارين.

القضية رقم 885 لسنة 19 القضائية

محاكم تأديبية "اختصاص" عمد ومشايخ "تكييف علاقتهم القانونية بالدولة".
عدم اختصاص المحاكم التأديبية بالطلبات التي يقدمها العمد والمشايخ باعتبارهم من الموظفين العموميين بإلغاء القرارات الإدارية الصادرة بإنهاء خدمتهم أو بفصلهم بغير الطريق التأديبي - القانون رقم 95 لسنة 1964 بشأن العمد والمشايخ - اختصاص المحاكم الإدارية بنظر هذه المنازعات - أساس ذلك.
إن اختصاص المحاكم التأديبية وفقاً لحكم البنود تاسعاً وثاني عشر وثالث عشر من المادة 10 والمادة 15 من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972، يتحدد في الفصل في الطلبات التي يقدمها الموظفون العموميون بإلغاء القرارات النهائية للسلطات التأديبية وطلبات التعويض عنها وفي الطعون في الجزاءات الموقعة على العاملين بالقطاع العام في الحدود المقررة قانوناً وكذلك في الدعاوى التأديبية المنصوص عليها في قانون مجلس الدولة أما الطلبات التي يقدمها الموظفون العموميون بإلغاء القرارات الإدارية الصادرة بإحالتهم إلى المعاش أو الاستيداع أو فصلهم بغير الطريق التأديبي والمشار إليها في البند رابعاً من المادة 10 من القانون المذكور، فإن الاختصاص بالفصل فيها منوط وفقاً لحكم المادتين 13، 14 من قانون مجلس الدولة بمحكمة القضاء الإداري أو بالمحاكم الإدارية طبقاً لقواعد توزيع الاختصاص بينها وتخرج بذلك عن دائرة اختصاص المحاكم التأديبية وبهذه المثابة فإن المحاكم التأديبية لا ينعقد لها الاختصاص بالفصل في الطلبات التي يقدمها العمد والمشايخ باعتبارهم من الموظفين العموميين - بإلغاء القرارات الإدارية الصادرة وفقاً لحكم الفقرة الأولى من المادة 25 من القانون رقم 95 لسنة 1964 في شأن العمد والمشايخ بإنهاء خدمتهم أو فصلهم بغير الطريق التأديبي.
ولما كان العمد وهم من الموظفين العموميين لا يشغلون أياً من المستويات الوظيفية المنصوص عليها في القانون رقم 58 لسنة 1971 بإصدار نظام العاملين المدنيين بالدولة والقانون رقم 61 لسنة 1971 بإصدار نظام العاملين بالقطاع العام، والتي أخذ بها قانون مجلس الدولة معياراً لتوزيع الاختصاص بين محكمة القضاء الإداري والمحاكم الإدارية أن الأمر وإن كان كذلك وكانت وظيفة العمد منظوراً إليها من حيث طبيعة العمل والمكافأة التي يحصلون عليها وقدرها ستون جنيهاً سنوياً وعدم تمتعهم لا بنظام المعاشات ومكافآت نهاية الخدمة ولا بالضمانات المقررة للعاملين المدنيين في الدولة التي تقضي بأن يكون فصلهم بغير الطريق التأديبي بقرار من رئيس الجمهورية فإن وظيفتهم على هذا النحو لا ترقى في مستواها إلى أعلا من المستوى الثاني الذي تختص محكمة القضاء الإداري بنظر منازعات شاغليها وبهذه المثابة فإن العمد يخضعون لاختصاص المحاكم الإدارية في شأن إنهاء خدمتهم أو فصلهم بغير الطريق التأديبي باعتبار أن مستوى وظيفتهم تعادل وظائف المستويين الثاني والثالث ولقد كانت أحكام قانون مجلس الدولة السابقة صريحة في خضوع العمد لاختصاص المحاكم الإدارية بما يدل على أن المشرع ينظر إليهم باعتبار أن مستواهم الوظيفي يعادل تلك التي تختص بها هذه المحكمة دون محكمة القضاء الإداري.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسمع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يخلص من أوراق الطعن - في أن المدعي (المطعون ضده) أقام الدعوى رقم 324 لسنة 19 القضائية ضد السيدين وزير الداخلية ومدير أمن بني سويف بصفتيهما، بعريضة أودعت قلم كتاب المحكمة الإدارية لوزارة الداخلية في 22 من يونيه سنة 1972، طلب فيها "الحكم بإلغاء القرار الصادر بفصله من عمودية قرية طمابوش مركز ناصر محافظة بني سويف وما يترتب على ذلك من آثار مع إلزام المدعى عليهما المصروفات وأتعاب المحاماة" وبمناسبة صدور القانون رقم 47 لسنة 1972 في شأن مجلس الدولة قرر السيد رئيس المحكمة في 2 من ديسمبر سنة 1972 إحالة الدعوى بحالتها بغير رسوم إلى المحكمة التأديبية للعاملين من المستويات الأول والثاني والثالث بوزارة الداخلية لنظرها، حيث قيدت برقم 23 لسنة 7 القضائية. وقد دفع المدعي بعدم اختصاص المحكمة التأديبية بنظر الدعوى وأقام دفعه هذا على سببين أولهما أن المنازعات التأديبية الخاصة بالعمد والمشايخ لا تختص بها المحكمة التأديبية وفقاً لحكم المادة 15 من القانون رقم 47 لسنة 1972 المشار إليه وإنما يظل الاختصاص بنظرها معقوداً للمحكمة الإدارية المختصة، ذلك أن الطائفة التي عقدت المادة 15 المذكورة الاختصاص بنظر منازعاتها التأديبية للمحكمة التأديبية هي طائفة العاملين المدنيين بالجهاز الإداري للدولة في الوزارات والمصالح الحكومية ووحدات الحكم المحلي، وبالتالي فلا ينصرف هذا الاختصاص إلى العمد والمشايخ لأنهم وإن كانوا موظفين عموميين إلا أنهم ليسوا من العاملين المدنيين بالجهاز الإداري للدولة أما السبب الثاني للدفع بعدم اختصاص المحكمة التأديبية بنظر الدعوى، فمبناه أن لجنة العمد والمشايخ تتمتع وفقاً لحكم القانون رقم 59 لسنة 1964 في شأن العمد والمشايخ باختصاصات معقودة في مجال التعيين وفي مجال التأديب وفي مجال تقدير الصلاحية، وأنه لما كان الأمر كذلك وكان القرار المطعون فيه قد قام على أساس أن المدعي فقد شرط حسن السمعة وهو بهذه المثابة ليس جزاء عن فعل أو تصرف معين، فإنه يكون قرار فصل لعدم الصلاحية وليس قراراً تأديبياً، ومن ثم لا تختص المحكمة التأديبية بالفصل فيه. ورد الدفاع عن وزارة الداخلية قائلاً أنه تبين من مراقبة المدعي أنه لا يتمتع بحسن السيرة وطيب السمعة التي تؤهله للبقاء عمدة للقرية، إذ ثبت إدمانه على تعاطي المخدرات ولم يقلع عنها إلا لإصابته بمرض صدري، كما ثبت سلوكه المعوج وتعاونه مع المجرمين من مرتكبي حوادث السرقات وأصبحت سمعته سيئة ليس في قريته فقط وإنما في القرى المجاورة لها أيضاً وبذلك يكون قد فقد شرط حسن السيرة، ومن ثم فقد تقرر إحالته إلى لجنة العمد والمشايخ طبقاً لنص المادة 25 من القانون رقم 59 لسنة 1964 سالف الذكر، فأصدرت قرارها بفصله من وظيفته في 7 من مارس سنة 1972 واعتمدت وزارة الداخلية هذا القرار في 16 من مايو سنة 1972 وخلص الدفاع عن الوزارة المدعى عليها إلى طلب الحكم أصلياً بعدم قبول الدعوى شكلاً لعدم سابقة التظلم من القرار المطعون فيه، واحتياطياً برفض الدعوى مع إلزام المدعي المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وبجلسة 2 من يونيه سنة 1973 "حكمت المحكمة بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه الصادر بفصل المدعي من عمدية قرية طمابوش مركز ناصر محافظة بني سويف وما يترتب على ذلك من آثار من إلزام المدعى عليهما المصروفات وأتعاب المحاماة". وأقامت المحكمة قضاءها برفض الدفع بعدم اختصاصها بنظر الدعوى تأسيساً على أن المحاكم التأديبية تختص، وفقاً لحكم الفقرة التاسعة من المادة العاشرة والمادة الخامسة عشر من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972، بالفصل في الطلبات التي يقدمها الموظفون العموميون بإلغاء القرارات النهائية للسلطات التأديبية، وأنه لما كان العمد من الموظفين العموميين وكانت لجان العمد والمشايخ، هي السلطة التأديبية التي ناط بها القانون تأديب العمد والمشايخ فإن الفصل في القرارات النهائية الصادرة منها تدخل في اختصاص المحكمة التأديبية، وأنه بهذه المثابة يكون الدفع بعدم الاختصاص المثار على غير أساس سليم متعين الرفض. ثم ناقشت المحكمة الدفع بعدم قبول الدعوى لعدم سابقة التظلم من القرار المطعون فيه وقضت برفضه، وانتهت من فحص القرار المطعون فيه إلى أنه قام على غير سبب يبرره.
ومن حيث إن الطعن يقوم فيما قام عليه على أن قرار فصل المدعي أساسه فقد شرط حسن السمعة المنصوص عليه في المادة الثالثة من قانون العمد والمشايخ، وأنه بهذا يندرج في عداد قرارات الفصل بغير الطريق التأديبي المنصوص عليها في البند (رابعاً) من المادة العاشرة من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972، وبهذه المثابة يخرج الفصل في القرار المطعون فيه عن ولاية المحكمة التأديبية التي يتحدد اختصاصها بنظر الطعون المنصوص عليها في البند (تاسعاً) و(ثالث عشر) من ذات المادة وهي التي تتعلق بالقرارات النهائية للسلطات التأديبية والجزاءات الموقعة على العاملين بالقطاع العام وفقاً لما تقضي به الفقرة الأخيرة من المادة 15 من قانون مجلس الدولة وخلص الدفاع عن الحكومة إلى طلب الحكم بعدم اختصاص المحكمة التأديبية بنظر الدعوى.
ومن حيث إنه يبين من استعراض أحكام القانون رقم 59 لسنة 1964 في شأن العمد والمشايخ أنه قد نص في المادة 25 منه على أنه "إذا فقد العمدة أو الشيخ شرطاً من الشروط المنصوص عليها في هذا القانون أو تبين أنه كان فاقداً لإحداها أو أصبح ظاهر العجز عن أداء واجباته أو قرر قومسيون طبي المحافظة عدم لياقته، أصدر مدير الأمن قراراً بإحالته إلى لجنة العمد والمشايخ للنظر في فصله وإذا قصر العمدة أو الشيخ أو أهمل في القيام بواجبات وظيفته ومقتضياتها أو أخل باعتباره، جاز لمدير الأمن بعد سماع أقواله أن يوقع عليه جزاء بالإنذار أو بغرامة لا تجاوز خمسة جنيهات. ولمدير الأمن أن يحيل العمدة أو الشيخ إلى لجنة العمد والمشايخ المنصوص عليها في المادة 17، إذا رأى أنه ما وقع من أيهما يستوجب جزاء أشد وتكون الإحالة بقرار يتضمن وصف التهمة أو التهم المنسوبة إلى المتهم وبياناً موجزاً بالأدلة عليها. وللجنة أن توقع جزاء بالإنذار أو بغرامة لا تجاوز خمسين جنيهاً أو بالفصل من الوظيفة" وقضى القانون في المادة 28 منه على أنه "تبلغ القرارات التي تصدرها لجنة العمد والمشايخ إلى وزير الداخلية خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ صدورها للنظر في اعتمادها خلال ستين يوماً من تاريخ إبلاغها إليه فإذا لم تعتمد اعتبرت نهائية. والوزير بالنسبة إلى القرارات التأديبية إلغاء الجزاء أو خفضه".
ومن حيث إن الثابت من استقراء أحكام القانون رقم 59 لسنة 1964 آنف الذكر وبخاصة ما تضمنته المادتان 25، 28 منه، أن المشرع ناط بلجنة العمد والمشايخ اختصاصات متعددة منها ما هو تأديبي ومنها ما هو غير تأديبي. فنظم في الفقرات الثانية والثالثة والرابعة من المادة 25 المذكورة الاختصاص التأديبي للجنة العمد والمشايخ في تأديب العمد والمشايخ على نحو لا يخرج في جوهره عن قواعد تأديب العاملين المدنيين في الدولة إذ حدد المشرع ما يعتبر ذنباً إدارياً بأن كل تقصير أو إهمال في القيام بواجبات الوظيفة ومقتضياتها أو ما ينطوي على الإخلال بالاعتبار ورسم طريقة الإحالة إلى لجنة العمد والمشايخ وقضى بأن يكون ذلك بقرار يتضمن وصف التهمة أو التهم المنسوبة إلى المتهم وبياناً موجزاً بالأدلة عليها، وعدد الجزاءات التأديبية التي تملك اللجنة توقيعها وهي الإنذار، والغرامة التي لا تجاوز خمسين جنيهاً والفصل من الوظيفة وأسند المشرع في الفقرة الأولى من المادة المذكورة إلى لجنة العمد والمشايخ سلطة النظر في فصل العمد والمشايخ إذا فقد أحدهم شرط من الشروط المنصوص عليها في القانون أو تبين أنه كان فاقداً لإحداها أو أصبح ظاهر العجز عن أداء واجباته أو قرر قومسيون طبي المحافظة عدم لياقته والفصل في حكم هذه الفقرة على ما يتبادر من صياغتها ومن مقارنتها بنصوص القانون الأخرى سالفة الذكر، ليس فصلاً تأديبياً وإنما هو في الواقع من الأمر إنهاء للخدمة أو فصل بغير الطريق التأديبي. ويستبين ذلك من استعراض مبررات الفصل التي عددها المشرع في هذه الفقرة والتي تقوم في مجموعها على عدم صلاحية العمدة أو الشيخ للبقاء في الخدمة بسبب الحالة الصحية إذ العجز عن أداء واجبات الوظيفة أو فقد شرط من الشروط المنصوص عليها في القانون أو كان فاقداً لإحداها، ومنها على ما أوردته المادة الثالثة من القانون شروط حسن السمعة وعدم الحرمان من مباشرة الحقوق السياسية والقيد في جدول انتخاب القرية وشروط السن وإجادة القراءة والكتابة وتوافر النصاب المالي وأن يكون عضواً عاملاً بالاتحاد الاشتراكي ومبررات الفصل المشار إليها لا تنطوي على ثمة ما يتصف بأنه تهمة تأديبية تستتبع المجازاة التأديبية. ذلك أن العجز عن أداء واجبات الوظيفة أو عدم اللياقة الطبية لا يشكل بداهة تهمة تأديبية، كما أن المشرع قد وصف من لم تتوافر فيه الشروط القانونية سالفة الذكر سواء كان ذلك قبل التعيين أو بعده، بأنه فاقد لها وليس مقصراً أو مهملاً أو متهماً على ما تضمنته الفقرات الأخرى من المادة 25 سالفة الذكر التي خولت لجنة العمد والمشايخ اختصاصاً تأديبياً في مجازاة العمد والمشايخ. وبالإضافة إلى ما تقدم فقد قصر المشرع في الفقرة الأولى المشار إليها اختصاص لجنة العمد والمشايخ على الفصل دون أن يخولها حق توقيع جزاءات تأديبية معينة ولم يصف الفصل في هذه الحالة بأنه جزاء حسبما ذهب إليه في الفقرات الأخرى من المادة 25 المشار إليها، ومؤدى ذلك أن الفصل في حكم الفقرة الأولى المذكورة ليس جزاءاً تأديبياً، وهو الأمر الذي يؤكد نص المادة 28 من القانون فيما نصت عليه من أن تبلغ القرارات التي تصدرها لجنة العمد والمشايخ إلى وزير الداخلية للنظر في اعتمادها وأن للوزير بالنسبة للقرارات التأديبية إلغاء الجزاء أو خفضه، ذلك أن في تخصيص القرارات التأديبية المشار إليها بهذا الحكم الخاص ما ينطق بأن هناك قرارات أخرى غير تأديبية لا تنطوي على جزاء يحتمل الخفض، وهي ولا ريب تلك التي تضمنتها الفقرة الأولى من المادة 25 المشار إليها والتي لا تعدو كما سلف البيان أن تكون قرارات إدارية بإنهاء الخدمة أو بالفصل غير التأديبي.
ومن حيث إن اختصاص المحاكم التأديبية، وفقاً لحكم البنود تاسعاً وثاني عشر وثالث عشر من المادة 10 والمادة 15 من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972، يتحدد في الفصل في الطلبات التي يقدمها الموظفين العموميون بإلغاء القرارات النهائية للسلطات التأديبية وطلبات التعويض عنها وفي الطعون في الجزاءات الموقعة على العاملين بالقطاع العام في الحدود المقررة قانوناً وكذلك في الدعاوى التأديبية المنصوص عليها في قانون مجلس الدولة، أما الطلبات التي يقدمها الموظفون العموميون بإلغاء القرارات الإدارية الصادرة بإحالتهم إلى المعاش أو الاستيداع أو فصلهم بغير الطريق التأديبي، والمشار إليها في البند رابعاً من المادة 10 من القانون المذكور، فإن الاختصاص بالفصل فيها منوط وفقاً لحكم المادتين 13، 14 من قانون مجلس الدولة، بمحكمة القضاء الإداري أو بالمحاكم الإدارية طبقاً لقواعد توزيع الاختصاص بينها وتخرج بذلك عن دائرة اختصاص المحاكم التأديبية. وبهذه المثابة فإن المحاكم التأديبية لا ينعقد لها الاختصاص بالفصل في الطلبات التي يقدمها العمد والمشايخ - باعتبارهم من الموظفين العموميين - بإلغاء القرارات الإدارية الصادرة وفقاً لحكم الفقرة الأولى من المادة 25 من القانون رقم 95 لسنة 1964 في شأن العمد والمشايخ بإنهاء خدمتهم أو بفصلهم بغير الطريق التأديبي.
ومن حيث إن المشرع قد حدد اختصاص المحكمة الإدارية في المادة 14 من قانون مجلس الدولة وقضى في الفقرة الأولى منها بأن تختص المحاكم الإدارية بالفصل في طلبات إلغاء القرارات المنصوص عليها في البندين ثالثاً ورابعاً من المادة العاشرة متى كانت متعلقة بالموظفين العموميين من المستوى الثاني والمستوى الثالث وما يعادلهم. ونصت المادة 13 على أن تختص محكمة القضاء الإداري بالفصل في المسائل المنصوص عليها في المادة 10 عدا ما تختص به المحاكم الإدارية. ولما كان الأمر كذلك وكان المرجع في تعيين اختصاص كل من محكمة القضاء الإداري والمحاكم الإدارية وفقاً لمفهوم المادتين المذكورتين اللتين لم تخرجا عن حكم المادتين المقابلتين لهما في قانون مجلس الدولة السابق رغماً عن اختلاف الصياغة التي ارتآها القانون الجديد، أن المرجع في ذلك هو إلى أهمية النزاع ويستند معيار الأهمية في هذا المقام إلى قاعدة مجردة مردها إلى قيمة المنازعة كما هو الشأن في توزيع الاختصاص بالنسبة للعقود الإدارية وإلى مستوى الوظيفة التي يشغلها الموظفون العموميون وخطورة مسئولياتها وأهميتها وما إلى ذلك من معايير، يراعى فيها الموازنة بين الوظائف ذات الأهمية والقليلة الأهمية وما يعادلها، وذلك بالنسبة للمنازعات الخاصة بالموظفين العموميين.
ولما كان العمد وهم من الموظفين العموميين لا يشغلون أياً من المستويات الوظيفية المنصوص عليها في القانون رقم 58 لسنة 1971 بإصدار نظام العاملين المدنيين بالدولة والقانون رقم 61 لسنة 1971 بإصدار نظام العاملين بالقطاع العام، والتي أخذ بها قانون مجلس الدولة معياراً لتوزيع الاختصاص بين محكمة القضاء الإداري والمحاكم الإدارية، أن الأمر وإن كان كذلك وكانت وظيفة العمد منظوراً إليها من حيث طبيعة العمل والمكافأة التي يحصلون عليها وقدرها ستون جنيهاً سنوياً وعدم تمتعهم لا بنظام المعاشات ومكافآت نهاية الخدمة ولا بالضمانات المقررة للعامين المدنيين في الدولة التي تقضي بأن يكون فصلهم بغير الطريق التأديبي بقرار من رئيس الجمهورية، فإن وظيفتهم على هذا النحو لا ترقى في مستواها إلى أعلا من المستوى الثاني الذي تختص محكمة القضاء الإداري بنظر منازعات شاغليها، وبهذه المثابة فإن العمد يخضعون لاختصاص المحاكم الإدارية في شأن إنهاء خدمتهم أو فصلهم بغير الطريق التأديبي باعتبار أن مستوى وظيفتهم تعادل وظائف المستويين الثاني والثالث. ولقد كانت أحكام قانون مجلس الدولة السابق صريحة في خضوع العمد لاختصاص المحاكم الإدارية بما يدل على أن المشرع ينظر إليهم باعتبار أن مستواهم الوظيفي يعادل تلك التي تختص بها هذه المحكمة دون محكمة القضاء الإداري.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن القرار المطعون فيه الصادر من لجنة العمد والمشايخ والمعتمد من وزارة الداخلية، فصل المدعي بوصفه عمدة طمابوش مركز ناصر من وظيفته لفقده شرط حسن السمعة، بما مفاده أن اللجنة المذكورة لم تنعقد بوصفها هيئة تأديبية وإنما انعقدت وفقاً لحكم الفقرة الأولى من المادة 25 من قانون العمد والمشايخ سالف الذكر للنظر في صلاحيته للبقاء في الخدمة، ويتجلى ذلك واضحاً من قرار إحالته إلى اللجنة المشار إليها إذ انتهى إلى أن ما نسب إلى المدعي بفقده صلاحيته للبقاء في وظيفته. وأفصحت اللجنة عن ذلك صراحة في أسباب قرارها عندما أشارت إلى أنه قد تبين لها من التقارير التي تليت عن العمدة منذ سنة 1970 سواء من الاتحاد الاشتراكي أو من أجهزة البحث الجنائي أو مباحث المركز أو من معلومات السيد مأمور المركز أن الأمور المنسوبة للعمدة تفقده شرط حسن السمعة، وأنه قد اعترف بتعاطيه المخدرات، كما أنه لا يتعاون مع المركز، وأنه استبعد من ترشيحات مجلس الشعب الأخيرة، وان هذه كلها أمور تجعله غير صالح للاستمرار في وظيفته عمدة للقرية.
هذا ويبين من استقرار الأمور التي نسبت إلى المدعي وأحيل بسببها إلى لجنة العمد والمشايخ، أنها لا تنطوي على وقائع معينة محددة، وأن قوامها ما تجمع لدى الإدارة من تحرياتها عن تستر العمدة على مرتكبي حوادث سرقات المواشي ووجود علاقة بينه وبين بعض الخطرين على الأمن العام وما اشتهر عنه من تعاطي المخدرات، ومفاد ذلك أن القصد لم يكن تأديب العمدة وإنما النظر في فصله بغير الطريق التأديبي لافتقاده شرط حسن السمعة المقرر قانوناً لتولي منصب العمدة والبقاء فيه.
ومن حيث إنه لما تقدم، فإن القرار المطعون فيه لا يعتبر من قبيل القرارات النهائية للسلطات التأديبية التي تختص المحاكم التأديبية قانوناً بالفصل في طلب إلغائها. وكان لزاماً على المحكمة التأديبية أن تقضي بعدم اختصاصها بالفصل في دعوى المدعي وإحالتها إلى المحكمة الإدارية لوزارة الداخلية للاختصاص باعتبار أن القرار المطعون فيه قرار فصل بغير الطريق التأديبي يدخل في اختصاصها قانوناً. وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب فإنه يكون قد خالف القانون، ويتعين من ثم الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء بعدم اختصاص المحكمة التأديبية بنظر دعوى المدعي وبإحالتها إلى المحكمة الإدارية لوزارة الداخلية للاختصاص، وبإلزام المطعون ضده مصروفات الطعن وإبقاء الفصل في مصروفات الدعوى لمحكمة الموضوع.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبعدم اختصاص المحكمة التأديبية لوزارة الداخلية بنظر الدعوى وبإحالتها إلى المحكمة الإدارية لوزارة الداخلية للاختصاص وألزمت المطعون ضده مصروفات الطعن وأبقت الفصل في مصروفات الدعوى لمحكمة الموضوع.