مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثامنة والثلاثون - الجزء الثاني (من أول مارس سنة 1993 إلى آخر سبتمبر سنة 1993) صـ 1664

(170)
جلسة 31 من أغسطس سنة 1993

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ عبد المنعم عبد العظيم جيرة - نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة/ علي شحاتة محمد سليمان وأحمد عبد العزيز تاج الدين ومحمد منير جويفل والطنطاوي محمد الطنطاوي - نواب رئيس مجلس الدولة.

الطعن رقم 2519 لسنة 34 القضائية

( أ ) عقد إداري - تفسيره - تنفيذه - تحديد نوع العملة.
من الأصول المقررة في تفسير العقود الإدارية أو المدنية أنه مع وضوح عبارات العقد وصراحتها لا مجال للتفسير والتأويل والانحراف عن عبارة العقد بغرض الوصول إلى النية المشتركة للمتعاقدين - لا يحدث ذلك إلا في حالة غموض نصوص العقد وعدم دلالتها على ما قصده طرفي العقد - إذا حدد العقد نوع العملة التي يتم التعامل بها بين المتعاقدين وهي الجنيه المصري فلا وجه للمطالبة بسداد المستحقات بالدولار الأمريكي - تطبيق.
(ب) عقد إداري - تنفيذه - سلطة الإدارة في تعديله - عدم المساس بالمقابل المالي.
المقابل المالي من أهم حقوق المتعاقد مع الإدارة - الشروط التي تتعلق بتحديد المقابل النقدي تتحدد بدقة وقت التعاقد ولا يستطيع أحد طرفي العقد تعديلها إلا بموافقة الطرف الآخر - سلطة الإدارة في التعديل لا تنصب إلا على الشروط المتعلقة بتيسير المرفق العام وليس من بينها تلك التي تحدد المقابل النقدي في العقد - أساس ذلك: إن قيمة العقد تعتبر من ثوابت العقد دون نظر إلى تقلبات السوق أو العملة أو التعريفة الجمركية وغيرها من المسائل المتوقع حدوثها لدى المتعاقد مع الإدارة - القول بغير ذلك يؤدي إلى زيادة القيمة أو نقصها تبعاً للتغير في سعر تحويل العملة وهو أمر يتنافى مع ثبات شروط المقابل المالي للعقد - تطبيق.


إجراءات الطعن

بتاريخ 28/ 6/ 1988 أودع الأستاذ الدكتور أحمد ثابت عويضة المحامي بصفته وكيلاً عن الطاعن قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها العام برقم 2519 لسنة 34 عليا في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري في الدعوى رقم 3973 لسنة 40 قضائية والصادر بجلسة 8/ 5/ 1988 والقاضي بقبول الدعوى شكلاً وبرفضها موضوعاً مع إلزام المدعي المصروفات وطلب الطاعن في ختام تقرير طعنه الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبأحقية المدعي (الطاعن) في الحصول على أتعابه عن أعمال المراجعة والإشراف على التنفيذ والتي تعادل 3.75% من قيمة تكاليف المقاولة المتعاقد عليها وفقاً للمستخلصات النهائية وذلك بالجنيه المصري على أساس سعر الصرف القائم وقت استحقاق الصرف وإلزام الجهة الإدارية بالمصروفات.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني ارتأت فيه للأسباب القائم عليها التقرير الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع برفضه مع إلزام الطاعن المصروفات.
ونظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بالمحكمة وتدوول أمامها على النحو الثابت بمحاضر الجلسات حيث قررت إصدار الحكم بجلسة 7/ 3/ 1990، وفي هذه الجلسة قررت الدائرة إعادة الطعن للمرافعة لجلسة 21/ 3/ 1990 لمناقشة الطرفين، ثم قررت إصدار الحكم بجلسة 2/ 5/ 1990، وفي هذه الجلسة قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا "الدائرة الثالثة" لنظره بجلسة 5/ 6/ 1990 حيث نظر الطعن أمام هذه المحكمة إلى إن قررت إصدار الحكم بجلسة 25/ 12/ 1990، وفيها قررت المحكمة فتح باب المرافعة لجلسة 15/ 1/ 1991 لنظر الطعن بهيئة أخرى، وتم التأجيل لهذا السبب لجلسة 22/ 10/ 1991، ثم قررت إصدار الحكم بجلسة 31/ 12/ 1991 ومد أجل النطق بالحكم لإتمام المداولة لجلسة 4/ 2/ 1992 ولذات السبب لجلسة 10/ 3/ 1992 وفي هذه الجلسة أعيد الطعن للمرافعة لجلسة 14/ 4/ 1992 لمناقشة الخصوم وتدوول الطعن أمام المحكمة إلى أن قررت إصدار الحكم بجلسة 31/ 8/ 1993 وفي هذه الجلسة صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه لدى النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات والمرافعة، والمداولة.
ومن حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن عناصر المنازعة تخلص في أن الطاعن أقام دعواه أمام محكمة القضاء الإداري للقضاء له بطلباته المقام بها الدعوى على سند من القول أنه بتاريخ 12/ 11/ 1981 أبرمت الهيئة القومية للسكك الحديدية العقد رقم 13/ 494 مع شركة التجارة الخارجية الرومانية (ميكانو اكسبورت اسبورت) بغرض تصميم وإنشاء وتجهيز وتوريد بعض الأشياء الخاصة بإنشاء مشروع المقايف والورش لعمرة وإصلاح عربات الركاب وأخرى لعربات البضاعة وذلك وفقاً للاشتراطات المذكورة بالعقد وذلك بقيمة إجمالية قدرها مائة وخمسون وستون مليوناً من الدولارات وذلك وفقاً لشروط الدفع الواردة بالمادة السادسة من العقد وبتاريخ 16/ 3/ 1982 تم إبرام عقد أعمال هندسية رقم (1) ورش لسنة 1982 من الهيئة المدعى عليها والمكتب الاستشاري للمدعي وذلك بغرض مراجعة واعتماد التصميمات الهندسية والرسومات المقدمة من الجانب الروماني وكذا الإشراف على التنفيذ للمشروع بجميع مراحله ومحتوياته وكذا مراجعة المستخلصات التي تقدم من الشركة المنفذة وقد ورد النص في البند الثالث من هذا العقد على أن تؤدي الهيئة إلى المكتب الاستشاري الأتعاب وفقاً لما يلي:-
1 - أتعاب مراجعة الرسومات المساحية والتصميمات والرسومات التفصيلية لجميع مجالات المشروع مقدارها 1.75% من قيمة تكاليف العملية طبقاً للمستخلصات النهائية.
2 - أتعاب الإشراف على التنفيذ للمشروع من بدايته حتى نهايته مقدارها 2% من قيمة تكاليف العملية طبقاً للمستخلصات النهائية وبذلك يكون إجمالي الأتعاب هو 3.75% من تكاليف العملية وتؤدي هذه الأتعاب (3.75% من تكاليف العملية) كما يلي: -
10% من إجمالي قيمة الأتعاب من القيمة التقديرية كدفعة مقدمة تدفع بمجرد توقيع العقد وتقديم خطاب ضمان بذات القيمة على أحد البنوك المصرية المعتمدة.
أتعاب مراجعة الرسومات تدفع بعد مراجعة واعتماد جميع الرسومات الخاصة بالمشروع مع خصم 10% منها نظير الدفعة المقدمة.
يتم سداد باقي الأتعاب من واقع المستخلص الختامي للعملية وبعد الاستلام النهائي للمشروع، ويذكر المدعي أنه ولئن نص في مقدمة العقد على أن القيمة التقديرية للعملية مقدارها عشرون مليون جنيه مصري، إلا أن ذلك لا يعني أي نوع العملة التي يتم الوفاء بها كأتعاب تكون بالجنيه المصري حيث لم يتضمن العقد النص على نوع العملة التي يتم الوفاء بها وبأن المعول عليه هو العقد الأصلي المبرم بين الهيئة وبين الشركة الرومانية والمشتمل على جميع الأسعار بالدولار الأمريكي وعليه ينبغي أن يكون الدفع إليه بالدولار الأمريكي أو بالجنيه المصري على أساس سعر الدولار 112 قرشاً وهو سعر الصرف وقت إعداد المستخلصات وقد قامت بالصرف له على هذا الأساس، إلا أنه بالنسبة للقيمة الكلية للأعمال حتى 30/ 8/ 1984، 30/ 9/ 1984 لم يتم الصرف للمدعي بسبب الخلاف بينه وبين الهيئة على تقدير سعر الدولار وإجراء الهيئة على صرف الأتعاب بالجنيه المصري وعلى أساس سعر الدولار مقداره 70.7 قرشاً استناداً إلى فتوى اللجنة الثالثة بمجلس الدولة التي انتهت إلى أن العملة الواجب السداد بها هي العملة المصرية مقدره على أساس سعر الدولار 70.7 قرشاً.
وبجلسة 8/ 5/ 1988 أصدرت المحكمة حكمها المطعون فيه بقبول الدعوى شكلاً ورفضها موضوعاً وشيدت قضاءها على أن نصوص العقد قد قطعت نهائياً وبعبارات صريحة في بيان نوع العملة التي يتم التعامل بها فيما بين المتعاقدين وهي الجنيه المصري ولم يغفل العقد عن ذلك، وأن العقد محل المنازعة ليس عقداً تبعياً لعقد الشركة الرومانية ولكن لكل من العقدين استقلاله واختلافه عن الأخر أطرافاً ونطاقاً وأحكاماً وأن كل عقد يخضع لنصوص وتتحدد التزامات طرفيه بما ورد به من أحكام، والثابت أن عقد التصميم والإشراف قد حدد صراحة نوع العملة التي يتم الوفاء بها وهي الجنية المصري حين قدر قيمة تقديرية للأعمال الداخلة في نطاقه من الأعمال الكلية التي شملها عقد المقاولة وقدرت بعشرين ملوناً من الجنيهات المصرية، وكذلك عقد تحديد الدفعة المقدمة واستهلاكها وأنه لا مجال لما يثيره المدعي بالنسبة لسعر الصرف والمطالبة بالمحاسبة على أساس أسعار الصرف السائدة وقت إعداد المستخلصات ذلك أن العقود طالما أنها مقدمة بالجنيه المصري فإن قيمتها لا تتأثر بسعر الصرف إذا ما تغير ارتفاعاً أو انخفاضاً، ويكون اتفاق الهيئة والمدعي على أساس قيمة تقديرية كلية للأعمال بالجنيه المصري هو تثبيت في الوقت ذاته لسعر الصرف بين الجنيه والدولار في تاريخ التعاقد والمقدر حسب الثابت من الأوراق بمبلغ 70.7 قرشاً وانتهت المحكمة إلى رفض دعوى المدعي وإذا لم يلق الحكم المشار إليه قبولاً لدى الطاعن فقد أقام الطعن الماثل ناعياً في الحكم مخالفته القانون وتخلص أسباب الطعن في الآتي:-
1 - البند الثالث من بنود العقد محل النزاع غاير بين الدفعة المقدمة وبين باقي الدفعات حيث نسب مقدار الدفعة المقدمة إلى قيمة العملية التقديرية [عشرين مليون جنيه] والهدف من ذلك توفير أساس لحساب المبالغ التي تدفع تحت الحساب.
2 - إن الحكم قد خرج على التفسير الواضح لنصوص العقد حينما قرر أن مقدمة العقد قد بينت نوع العملة التي يتم التعامل بها وهي الجنيه المصري وفات الحكم إن عبارة البند الثالث حددت الأتعاب على أساس نسبة مئوية من قيمة تكاليف العملية طبقاً للمستخلصات وليس طبقاً للقيمة التقديرية الواردة بالعقد، وأن الفقه والقضاء استقراً على أن أتعاب المهندس تكون وفقاً للعهد المبرم فإذا حددها بنسبة من الأعمال تكون العبرة بقيمة الأعمال الفعلية وليس بالقيمة التقريرية للمقايسة، وإن الإشارة إلى القيمة التقديرية لم ترد إلا في مجال تقدير الدفعة المقدمة.
3 - ليس صحيحاً ما ذهب إليه الحكم من أن القيمة التقديرية التي وردت في العهد هي القيمة الحقيقية للمشروع لأن نصوص العهد جعلت قيمة الأتعاب منسوبة إلى الأعمال التنفيذية وفقاً للمستخلصات وليس إلى القيمة التقديرية.
4 - أخطأ الحكم حينما رفض تقدير قيمة الأعمال التنفيذية بالدولار بحجة إن هذه العملة وردت في عقد المقاولة وهو عقد له استقلاليته عن عقد المراجعة والتنفيذ محل النزاع ذلك أن هذا الاستقلال لا يمنع من تطبيق عقد المقاولة إذا أحال إليه عقد المراجعة.
5 - قام الحكم على استخلاص خاطئ للوقائع حيث ذهب إلى أن قيمة العملة بالنسبة لعقد التصميم والإشراف وردت بالجنيه المصري مقدره على أساس سعر الدولار 70.7 قرشاً في حين أن الجهة الإدارية أدت أتعاب الطاعن على أساس 112 قرشاً دون اعتراض.
ومن حيث إنه يبين من الاطلاع على الحكم المطعون فيه وتقرير الطعن وحوافظ المستندات المقدمة من الطاعن والمذكرات الواردة بملف الطعن وباقي الأوراق على النحو الثابت بمحاضر الجلسات أن مقطع النزاع في الطعن الماثل يتحدد في مسألتين أولهما:
الفصل فيما إذا كانت أتعاب الطاعن عن عقد التصميم والإشراف محل النزاع تحسب بالجنيه المصري أم تحسب عيناً بالدولار الأمريكي بالنسبة المحددة بالعقد منسوبة إلى تكاليف العملية محل العقد المبرم بين الهيئة المطعون ضدها وشركة التجارة الخارجية الرومانية (ميكانو أكسبورت أسبورت) والمسألة الثانية وهي تتوقف على الفصل في المسألة الأولى فإذا ما اتجهت المحكمة إلى أن قيمة العقد محل النزاع تؤدي إلى الطاعن بالجنيه المصري فإنه يتعين الفصل فيما إذا كانت تقوم هذه القيمة باعتبارها منسوبة إلى قيمة العقد الأصلي المقومة بالدولار فتحسب على أساس سعر الدولار عند التعاقد أم أن هذا الحساب يتم على أساس سعر الدولار عند الأداء للمستخلصات وما يتبع ذلك من تحريك لقيمة العقد تبعاً لتحريك سعر الدولار زيادة أو نقصاً.
ومن حيث إنه من الأصول المقررة في تفسير العقود - إدارية أو مدنية - أنه مع وضوح عبارات العقد وصراحتها فإنه لا مجال للتفسير والتأويل والانحراف عن عبارة العقد بغرض الوصول إلى النية المشتركة للمتعاقدين، إذ لا يحدث ذلك إلا في حالة غموض نصوص العقد وعدم دلالتها على ما قصده طرفاً العقد، ولما كان العقد محل المنازعة قد جاءت نصوصه من الوضوح المبين لنية العاقدين فإنه لا مجال للعدول عن هذه النصوص والسير وراء البحث عن نية مشتركة للعاقدين تتنافى مع عبارات العقد الصريحة.
ومن حيث إن البين من عبارات العقد المبرم بين الطاعن والهيئة المطعون ضدها أنها قد قطعت بعبارات صحيحة في بيان نوع العملة التي يتم التعامل بها بين المتعاقدين وهي الجنيه المصري حيث قدر قيمة تقديرية للأعمال الداخلة في نطاقه من الأعمال الكلية التي شملها عقد المقاولة بعشرين مليوناً من الجنيهات المصرية، وأكد هذا الفهم عندما حرر بذات العقد قيمة الدفعة المقدمة بأنها 10% من إجمال الأتعاب من القيمة التقديرية المحددة بالعقد وهي عشرون مليون جنيه مصري مقابل خطاب ضمان على أحد البنوك المصرية المعتمدة، كما أكد ذلك عندما تعرض لكيفية استهلاك تلك الدفعة حيث ورد النص على استهلاكها من واقع المستخلصات وبنسبة 10% منها وهذه النصوص الواردة بالعقد محل المنازعة قطعن بما لا يدع مجالاً للشك في أن نوع العملة التي يتم التعامل بها في العقدين هي الجنيه المصري، ولا يغير من ذلك القول بأن قيمة العقد محل النزاع منسوب إلى عقد المقاولة الأصلي المبرم بين الهيئة المطعون عليها أو الشركة الرومانية وأن أسعار هذا العقد الأخير مقدرة بالدولار الأمريكي، ذلك أنه فضلاً عن أن لكل عقد من العقدين ذاتيته واستقلاله وتحكمه نصوصه وذلك لاختلاف الأطراف والنطاق والأحكام وتتحدد التزامات طرفيه وفقاً لمفهوم هذه النصوص وحدها دون اللجوء إلى نصوص في عقد آخر، فإن الإحالة الواردة بالعقد محل النزاع إلى عقد المقاولة الأصلي لا تعني سوى وسيلة لتحديد ناتج القيمة الحقيقية للعقد الأول حيث قدرها بنسبة من قيمة المستخلصات - الختامية والنهائية للمقاولة والتي حددها عقد المقاولة بالدولار الأمريكي، ولا تعني بأي حال من الأحوال تغير نوع العملة القائم عليها العقد محل المنازعة إلى ذات العملة القائم عليها عقد المقاولة، ولا يمثل ذلك ثمة صعوبة عند الحساب حيث يتم تحويل ناتج القيمة الحقيقية من الدولار إلى الجنيه المصري والأداء إلى الطاعن لهذه القيمة بالجنيه المصري.
ومن حيث إنه ترتيباً على ذلك فإن العملة التي يتم الوفاء بها إلى الطاعن هي الجنيه المصري وتكون مطالبته بسداد مستحقاته عن العقد محل النزاع بالدولار الأمريكي لا أساس لها من نصوص العقد محل المنازعة.
ومن حيث إنه عن المسألة الثانية فإن ناتج القيمة الحقيقية للعقد محل المنازعة يكون حصيلة نسبة معينة من قيمة المستخلصات والختامية النهائية لعقد المقاولة والمقومة بالدولار الأمريكي ومطلوب وفق ما سبق أن انتهت إليه المحكمة تحويل هذه القيمة إلى الجنيه المصري لتؤدي إلى الطاعن على هذا النحو، وهنا تعرض المسألة الثانية نفسها وهي تحديد السعر الذي يتم التحويل به من الدولار الأمريكي إلى الجنيه المصري وعما إذا كان هذا السعر يتحدد على أساس السعر المعلن وقت التعاقد أم على أساس السعر وقت أداء المستخلصات إلى الطاعن في تواريخها وذلك وفقاً لما يحدده البنك المركزي في كل من الحالتين.
ومن حيث إنه من الأمور المستقرة في مجال العقود الإدارية التي يكون موضوعها أداء المتعاقد مع الإدارة عملاً أو خدمة لتسيير المرافق العامة إن من أهم حقوق المتعاقد مع الإدارة هو حصوله على المقابل المالي الذي قد يكون ثمناً للبضائع الواردة أو الأشغال المتعاقد على تنفيذها أو للخدمة المطلوبة كالعقد محل المنازعة ومن المسلم به أن الشروط التي تتعلق بتحديد المقابل النقدي في العقد بصفة عامة هي شروط تعاقد به ومن ثم تتحدد بدقة وقت التعاقد ولا يستطيع أحد طرفي العقد كأصل عام تعديلها إلا بموافقة الطرف الآخر، وسلطة الإدارة في التعديل لا تنصب إلا على الشروط المتعلقة بتسيير المرافق العامة وليس من بينها تلك التي تحدد المقابل النقدي في العقد الإداري، ولهذا فإن الشروط المتعلقة بالمقابل النقدي في العقد تتسم بطبيعة الاستقرار ويجد ذلك أصله في أنه التزامات كل طرف من أطراف العقد تتحدد وقت التعاقد حيث يقدر كل طرف في هذا الوقت المقابل الذي يطلبه ويسعى إليه كناتج لما يقدمه للطرف الأخر ويحقق به التوازن المالي للعقد فإذا ما حدد المقابل في تاريخ التعاقد بنسبة معينة من قيمة الأعمال فإن هذه النسبة وبالقيمة المحددة لها تكون من ثوابت العقد باعتبار النص عليها في حقيقة الأمر نص على شرط تعاقدي وذلك دون نظر إلى تقلبات السوق أو العملة أو التعريفة الجمركية وغيرها من المسائل المتوقع حدوثها لدى المتعاقد مع الإدارة، والقول بغير ذلك يؤدي بحكم الضرورة واللزوم إلى زيادة القيمة عن المتفق عليه في حالة زيادة سعر التحويل للعملة، أو نقصان هذه القيمة في حالة نقصان سعر التحويل للعملة وهو أمر يتناقض مع ثبات شرط المقابل المالي للعقد ويجعل التزامات طرفيه في هذا الخصوص التزامات غير محددة، باعتبار أن السعر قد حدد بصفة نهائية منذ اللحظة التي يتم فيها إبرام العقد وبالتالي لا يجوز للمتعاقد المطالبة بفرق سعر مرجعه إلى زيادة سعر العملة عند مراحل التنفيذ المستقبلية باعتبار أن ذلك يؤدي إلى زيادة أعباء الإدارة وإلى زيادة قيمة المقابل النقدي للعقد وهو أمر غير جائز كأصل عام، ولا يتم الأخذ به إلا استثناء وبنص تعاقدي خاص قائم على الرضا المشترك لطرفي العقد، ويجد هذا الأصل العام صداه في نصوص لائحة المناقصات والمزايدات الصادرة تنفيذاً للقانون رقم 236 لسنة 1945 والواجبة التطبيق على المنازعة الماثلة حيث ورد النص بالمادة 36 من هذه اللائحة:
على مقدم العطاء مراعاة ما يلي في إعداده لقائمة الأسعار.....
6 - الفئات التي حددها مقدم العطاء بجدول الفئات تشمل وتغطي جميع المصروفات والالتزامات أياً كان نوعها التي يتكبدها بالنسبة إلى كل بند من البنود... ويعمل الحساب الختامي لتبين هذه الفئات بصرف النظر عن تقلبات السوق والعملة والتعريفة الجمركية ورسوم الإنتاج وغيرها من الرسوم الأخرى، وهذا النص يسري على عقود الخبرة ومنها العقد محل المنازعة أو عليه فإن المقابل المحدد بالعقد يتحدد على أساس سعر العملة المنسوبة إليها هذا المقابل وقت التعاقد دون النظر إلى أي تغيير يطرأ على هذا السعر صعوداً أو نزولاً.
ومن حيث إنه - ترتيباً على ما تقدم - فإن الهيئة المطعون ضدها لا تلتزم قبل الطاعن إلا بالوفاء بالقيمة المبينة في العقد المبرم بينهما طبقاً للنسب المتفق عليها بالجنيه المصري على أساس سعر الدولار وقت التعاقد وهو ما تم تحديده بمبلغ 70.7 قرشاً وفقاً للسعر المعلن من البنك المركزي في هذا التاريخ دون النظر إلى ما طرأ على هذا السعر من تغير وقت الاستحقاق، وأن ما يطالب به الطاعن من أن تكون أساس المحاسبة على أساس سعر الدولار وقت الاستحقاق وليس وقت التعاقد باعتباره يمثل خروجاً على الأصول العامة كما يمكن تحقيقه إذا ما ضمن عطائه تحفظاً أو شرطاً صريحاً بأن تؤدي إليه أتعابه على أساس سعر الصرف وقت الاستحقاق وهو الأمر غير الثابت في العقد محل المنازعة.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى هذه النتيجة فإن الطعن عليه يكون في غير محله خليقاً بالرفض.
ومن حيث إن من خسر الطعن يلزم بمصروفاته إعمالاً لحكم المادة 184 مرافعات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً مع إلزام الطاعن المصروفات.