مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثامنة والثلاثون - الجزء الثاني (من أول مارس سنة 1993 إلى آخر سبتمبر سنة 1993) صـ 1674

(171)
جلسة 31 من أغسطس سنة 1993

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ عبد المنعم عبد العظيم جيرة - نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة/ علي شحاتة محمد ومحمد منير جويفل والطنطاوي محمد الطنطاوي وأبو العلا سعد الدين سيد - نواب رئيس مجلس الدولة.

الطعن رقم 3166 لسنة 36 القضائية

قرار إداري - قرار بالفصل - الحكم باستمرار صرف الراتب (هيئة الشرطة) (إحالة للاحتياط).
المادة (49) من القانون رقم 47 لسنة 1972 بإصدار قانون مجلس الدولة.
للمحكمة إن تحكم بصفة مؤقتة باستمرار صرف الراتب كله أو بعضه إذا كان القرار صادراً بالفصل - الغرض من ذلك توفير مورد مالي للعامل يعينه على مواجهة الحياة لحين البت في قرار الفصل - هذه العلة تتوافر في حالة إحالة العامل للمعاش خاصة إذا كانت مدة خدمته لا تمكنه من الحصول على المعاش الذي يعينه على تحمل أعباء الحياة - تطبيق. [(1)]


إجراءات الطعن

بتاريخ 31/ 7/ 1990 أودع الأستاذ سيد رياض المستشار المساعد بهيئة قضايا الدولة نيابة عن وزير الداخلية قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية - الدائرة الثانية - في الدعوى رقم 366 لسنة 44 ق بجلسة 12/ 6/ 1990 والقاضي: أولاً - برفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة محلياً بنظر الدعوى وباختصاصها.
ثانياً - باستمرار صرف مرتب المدعي مؤقتاً لحين الفصل في طلب الإلغاء موضوعاً وألزمت جهة الإدارة مصروفات هذا الطلب وأمرت بإحالة الدعوى إلى هيئة مفوضي الدولة لتحضيرها في طلب الإلغاء وإعداد تقرير بالرأي القانوني.
وطلبت الجهة الإدارية - للأسباب الواردة بتقرير الطعن - الحكم بقبول الطعن شكلاً وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، وبإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الطلب العاجل الخاص بصرف راتب المطعون ضده مع إلزامه بالمصروفات والأتعاب عن درجتي التقاضي.
وقد أعلن تقرير الطعن إلى المطعون ضده بتاريخ 11/ 8/ 1990.
وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً، وبرفض طلب وقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وإلزام الجهة الإدارية مصروفات هذا الطلب، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء بعدم قبول طلب المطعون ضده واستمرار صرف مرتبه مؤقتاً وإلزامه المصروفات عن درجتي التقاضي.
وقد تحدد لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون جلسة 12/ 6/ 1990 وتدوول بالجلسات على النحو الثابت بمحاضرها، وبجلسة 20/ 1/ 1993 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا - الدائرة الثالثة لنظره بجلسة 2/ 3/ 1993 وبهذه الجلسة قدم الحاضر عن الجهة الإدارية مذكرة بالدفاع صمم في ختامها على طلباته الواردة بتقرير الطعن، وبجلسة 17/ 8/ 1993 قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة 31/ 8/ 1993، وبهذه الجلسة صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة قانوناً.
من حيث إن الطعن أقيم في الميعاد القانوني وبعد أن استوفى سائر أوضاعه الشكلية الأخرى، ومن ثم فإنه يكون مقبولاً شكلاً.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تتحصل - حسبما يبين من الأوراق والمستندات - في أن المطعون ضد أقام الدعوى رقم 366 لسنة 44 ق أمام محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية - الدائرة الثانية - ضد وزير الداخلية، طلب في ختامها الحكم أولاً: بإلغاء قرار وزير الداخلية رقم 771 لسنة 1989 فيما تضمنه من إنهاء خدمته بإحالته إلى المعاش اعتباراً من 29/ 7/ 1989 وما يترتب على ذلك من آثار أهمها إعادته إلى عمله وصرف مرتبه كاملاً بمراعاة الترقيات والعلاوات إلي يستحقها. ثانياً: وبصفة مستعجلة استمرار صرف مرتبه مؤقتاً وكاملاً لحين الفصل في طلب إلغاء القرار المطعون فيه مع إلزام جهة الإدارة المصروفات وأتعاب المحاماة.
وقال شرحاً لدعواه أنه يعمل بشرطة مرور الإسكندرية برتبة رائد، وفي 1/ 7/ 1986 قدمت ضده شكوى تضمنت أنه استعمل سيارة ليس لها في الأصل لوحات معدنية وأنه ثبت عليها لوحات معدنية تحمل رقم 257585 ملاكي إسكندرية، وعلى أثر تقديم هذه الشكوى فقد أصدر مدير أمن الإسكندرية قراراً بتاريخ 13/ 7/ 1987 بوقفه عن العمل احتياطياً لمدة شهر وأجرى معه تحقيق بمعرفة النيابة العامة وتقرر وقفه عن العمل لمدة ثلاثة أشهر أو لحين انتهاء التحقيق أيهما أقرب مع استمرار صرف نصف مرتبه خلال فترة الوقف، ثم صدر القرار رقم 693 لسنة 1987 بإحالته إلى الاحتياط اعتباراً من 27/ 8/ 1987 وطعن على هذا القرار بالدعوى رقم 2367 لسنة 41 ق، وانتهت النيابة العامة في تحقيقاتها إلى طلب مجازاته إدارياً فيما نسب إليه حيث قررت بتاريخ 10/ 11/ 1988 بألا وجه لإقامة الدعوى العمومية ضده في الجناية رقم 66 لسنة 1988 أموال عامة وذلك بعد أن قررت الجهة الإدارية مجازاته بخصم عشرة أيام من مرتبه وقد طعن على هذا القرار أمام المحكمة التأديبية في الطعن رقم 243 لسنة 31 ق، غير أن وزير الداخلية أصدر القرار المطعون فيه رقم 771 لسنة 1989 بإحالته إلى المعاش اعتباراً من 29/ 7/ 1989، والذي تظلم منه بتاريخ 2/ 9/ 1989 وإذ لم يتلق رداً على تظلمه أقام هذه الدعوى لعدم قيام القرار المطعون فيه على أسباب جدية تتعلق بالصالح العام طبقاً للمادة 67 من القانون رقم 109 لسنة 1971 بشأن هيئة الشرطة لأن الوزارة قررت جسامة ما نسب إليه بدليل أنها قررت مجازاته إدارية بخصم عشرة أيام من مرتبه وهو ما أدى بالنيابة العامة إلى إصدار قرارها بألا وجه لإقامة الدعوى.
وبجلسة 12/ 6/ 1990 أصدرت محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية حكمها بمنطوقه سالف الإيراد، وأقامت المحكمة قضاءها في الشق المطعون فيه الخاص بالصرف على أن الركنين اللذين يتعين أن يقوم عليهما هذا الطلب وهما المشروعية والاستعجال قد توافرت له، فبالنسبة لركن المشروعية فإن جهة الإدارة بإصدارها قرار إحالة المدعي إلى المعاش تكون قد تغالت في تقديرها مما يضم هذا القرار بمخالفة القانون، وبالنسبة لركن الاستعجال فإن الثابت أن مرتب المدعي هو مصدر رزقه الوحيد، مما يتعين وقد توافر ركنا المشروعية والاستعجال الحكم باستمرار صرف مرتب المدعي مؤقتاً لحين الفصل في طلب الإلغاء.
ومن حيث إن الجهة الإدارية تؤسس طعنها الماثل بالنعي على الحكم المطعون فيه بأنه خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله استناداً إلى أن ركن المشروعية في طلب استمرار صرف مرتبه يعد منتفياً، ذلك أن ما ارتكبه المطعون ضده معاقب عليه جنائياً إذ أنه قام بالاستيلاء بدون وجه حق على مال عام (لوحتين معدنيتين) وغير الحقيقة في محرر رسمي بإثبات فقد اللوحتين (واقعة تزوير في محرر رسمي)، وقام بوضع اللوحتين على سيارة خاصة به يقصد التهرب من سداد الرسوم الجمركية المستحقة للدولة، كما قاد السيارة بدون ترخيص قيادة، كذلك جعل من المطعون ضده غير أهل لاستمراره كرجل أمن، وأن أي سبب من هذه الأسباب المذكورة تتعلق بالصالح العام مما يكون قرار إحالته إلى المعاش قد استند إلى وقائع ثابتة بالأوراق ويكون قد اتخذ طبقاً للقانون رقم 109 لسنة 1971 بشأن هيئة الشرطة وإذ انتهى الحكم المطعون فيه إلى خلاف ذلك مع تسليمه بثبوت المخالفات في حق المطعون ضده بأنه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله جديراً بالإلغاء ولما كان الحكم المطعون فيه مرجح الإلغاء كما أن في تنفيذه نتائج يتعذر تداركها مستقبلاً خاصة فيما يتعلق بتحميل الموازنة العامة للدولة بأعباء مالية بدون ثمة مبرر قانوني مم يتعين وقف تنفيذ الحكم المطعون فيه.
ومن حيث إن المادة 49 من القانون رقم 47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة تنعى على أنه "لا يترتب على رفع الطلب إلى المحكمة وقف تنفيذ القرار المطلوب إلغاؤه على أنه يجوز للمحكمة أن تأمر بوقف تنفيذه إذا طلب ذلك في صحيفة الدعوى ورأت المحكمة نتائج التنفيذ قد يتعذر تداركها، وبالنسبة إلى القرارات التي لا يقبل طلب إلغائها قبل التظلم منها إدارياً لا يجوز وقف تنفيذها، على أنه يجوز للمحكمة بناء على طلب التظلم أن تحكم مؤقتاً باستمرار صرف مرتبه كله أو بعضه إذا كان القرار صادراً بالفصل، فإذا حكم له بهذا الطلب تم رفض تظلمه ولم يرفع دعوى الإلغاء في الميعاد اعتبر الحكم كأن لم يكن واسترداد ما قبضه.
ومن حيث إن مفاد ما تقدم أن المشرع أجاز للمحكمة أن تحكم بصفة مؤقتة باستمرار صرف الراتب كله أو بعضه إذا كان القرار صادر بالفصل، وإن الحكم من ذلك هو توفير مورد مالي للعامل يعنيه على مواجهة الحياة لحين البت في قرار الفصل سواء بطريق التظلم أو بطريق الدعوى القضائية.
ومن حيث إنه ولئن كان المشرع قد أجاز للمحكمة أن تحكم مؤقتاً باستمرار صرف المرتب كله أو بعضه إذا كان القرار صادر بالفصل إلا أن المحكمة التي ابتغاها المشرع بصرف المعاش للعامل المفصول تتوافر في حالة إحالة العمل إلى المعاش سيما وإذا كانت مدة خدمته لا تمكنه من الحصول على المعاش الذي يعينه على تحمل أعباء الحياة.
ومن حيث إن ركني المشروعية والاستعجال فإن الثابت من الأوراق أن ما نسب إلى المطعون ضده من استيلائه على لوحتين معدنيتين يحمل رقم 257585 ملاكي إسكندرية وتثبيتهما على سيارة بدون وجه حق واشتراكه في تزوير محرر رسمي بأن طلب إثبات واقعة مزورة في صورة واقعة حقيقية حيث أمر بتحرير مذكرة بفقد اللوحتين وإخلاله الجسيم بمقتضيات الواجب الوظيفي ومخالفته للتعليمات بقيادته السيارة المضبوطة بدون رخصة وتهربه من سداد الرسوم الجمركية - فإن النيابة ا لعامة قد انتهت بمذكرتها المؤرخة 14/ 4/ 1988 إلى إرسالها الأوراق إلى الجهة الإدارية التابع لها المطعون ضده لمجازاته إدارياً نظراً لظروف الواقعة وملابساتها وأخذاً بعنصر الملاءمة وحفاظاً على مستقبله الوظيفي بالنظر إلى أنه في مقتبل العمر، وبناء عليه أصدرت الجهة الإدارية قراراً بمجازاته بخصم عشرة أيام من راتبه. ثم صدر قرار إحالته إلى الاحتياط ثم أعقبه القرار المطعون فيه بإحالته إلى المعاش مما يجعل القرار الأخير مشوباً بحسب الظاهر بعيب مخالفة القانون شابه من حيث الظاهر في تقدير العقوبة بسبق مجازاة الطاعن عن ذات الفعل بعقوبة الخصم من الراتب.
وإذ ثبت من المذكرة التي عرضت على المجلس الأعلى للشرطة المؤرخة 24/ 7/ 1989 للنظر في أمر إحالة المطعون ضده إلى المعاش أو إعادته للخدمة إن المطعون ضده لم يمتهن أي مهنة خلال فترة إحالته إلى الاحتياط بما مؤداه أن مرتبه هو مصدر رزقه الأمر الذي يتوافر معه ركن الاستعجال.
ومن حيث إن ركنا المشروعية والاستعجال قد توافرا في حالة المطعون ضده مما كان يتعين معه وقف تنفيذ القرار المطعون فيه، إلا أن مقتضى وقف تنفيذ القرار يتعين إعادة المطعون ضده إلى عمله، وهو ما يعني الجزم بعدم صحة وسلامة القرار المطعون فيه - وهو ما لم يتم الفصل فيه - إذ يمكن أن يقضي بسلامة القرار المطعون فيه الأمر الذي يتعذر معه تدارك النتائج التي قد تسفر عن إعادة المطعون ضده إلى العمل والأخذ بنظرية الموظف الفعلي.
ومن ثم فإن المحكمة تكتفي باستمرار صرف راتبه مؤقتاً لحين الفصل في طلب الإلغاء موضوعاً بحيث إذا رفضت الدعوى استرد منه ما قبض.
وإذ ذهب الحكم المطعون فيه هذا المذهب فإنه يكون قد صدر سليماً ومتفقاً وصحيح حكم القانون ويكون الطعن قائماًً على غير سند من الواقع أو القانون متعين الرفض.
ومن حيث إن من خسر الدعوى يلزم بمصروفاتها عملاً بحكم المادة 184 مرافعات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً وألزمت الجهة الإدارية الطاعنة المصروفات.


[(1)] راجع طبيعة القرار الصادر بإحالة الضابط بهيئة الشرطة للاحتياط - الحكم الصادر بجلسة 5/ 1/ 1993 في الطعن رقم 3574 لسنة 36 ق.