مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة عشرة - (من أول أكتوبر سنة 1973 إلى أخر سبتمبر سنة 1974) - صـ 421

(146)
جلسة 25 من يونيو سنة 1974

برياسة السيد الأستاذ المستشار حسين عوض بريقي - نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة إبراهيم صالح خليفة وسعد زغلول محمد أبو عوف ويحيي توفيق الجارحي وعبد الفتاح صالح الدهري - المستشارين.

القضية رقم 834 لسنة 16 القضائية

( أ ) قرار إداري - سحب القرارات الإدارية - "الغش" الانعدام - السلطة التقديرية.
ميعاد سحب القرارات الإدارية - تحصن القرار بعد فوات الميعاد الاستثناءات على هذه القاعدة - حالة انعدام القرار الإداري، وحالة صدوره بناء على غش أو تدليس - خطأ الإدارة وهي بصدد استعمال سلطتها التقديرية لا يبرر لها:
(ب) إصلاح زراعي - قرارات اللجان القضائية للإصلاح الزراعي - التصديق عليها.
سلطة مجلس إدارة الهيئة العامة للإصلاح الزراعي في التصديق على قرارات اللجان القضائية - سلطة تقديرية - عدم جواز سحب قرار التصديق إلا إذا بني على غش - القرار الساحب للتصديق في غير حالة الغش يعتبر معدوماً - اعتبار قرار اللجنة القضائية ساري المفعول - أساس ذلك - مثال.
إن القاعدة المستقرة هي أن القرارات الإدارية التي تولد حقاً أو مركزاً شخصياً للأفراد لا يجوز سحبها في أي وقت متى صدرت سليمة وذلك استجابة لدواعي المصلحة العامة التي تقتضي استقرار تلك الأوامر أما بالنسبة للقرارات الفردية غير المشروعة فالقاعدة عكس ذلك إذ يجب على جهة الإدارة أن تسحبها التزاماً منها بحكم القانون وتصحيحاً للأوضاع المخالفة له إلا أن دواعي المصلحة العامة أيضاً تقتضي أنه إذا صدر قرار معيب من شأنه أن يولد حقاً فإن هذا القرار يجب أن يستقر عقب فترة معينة من الزمن بحيث يسري عليه ما يسري على القرار الصحيح الذي يصدر في الموضوع ذاته وقد اتفق على تحديد هذه الفترة بستين يوماً من تاريخ نشر القرار أو إعلانه قياساً على مدة الطعن القضائي بحيث إذا انقضت هذه الفترة اكتسب القرار حصانة تعصمه من أي إلغاء أو تعديل ويصبح عندئذ لصاحب الشأن حق مكتسب فيما تضمنه القرار وكل إخلال بهذا الحق بقرار لاحق يعد أمراً مخالفاً للقانون يعيب القرار الأخير ويبطله إلا أن ثمة استثناءات من موعد الستين يوماً هذه تتمثل أولاً فيما إذا كان القرار المعيب معدوماً أي لحقت به مخالفة جسيمة للقانون تجرده من صفته كتصرف قانوني فتنزل به إلى حد غصب السلطة وتنحدر به إلى مجرد الفصل المادي المنعدم الأثر قانوناً فلا تلحقه أية حصانة وثانياً فيما لو حصل أحد الأفراد على قرار إداري نتيجة غش أو تدليس من جانبه إذ أن الغش يعيب الرضاء ويشوب الإرادة والقرار الذي يصدر من جهة الإدارة نتيجة هذا الغش والتدليس يكون غير جدير بالحماية فهذه الأحوال الاستثنائية توجب سحب القرار دون التقيد بموعد الستين يوماً فتصدر جهة الإدارة قرارها بالسحب في أي وقت كان حتى بعد فوات هذا الموعد كل ذلك مع مراعاة أن خطأ الإدارة وهي بصدد استعمال اختصاص تقديري لا يمكن أن يكون مبرراً لها لسحب القرار.
لما كان مجلس إدارة الهيئة العامة للإصلاح الزراعي هو الجهة المختصة قانوناً بالتصديق على القرارات الصادرة من اللجان القضائية فهو مختص بسحب القرارات التي تصدر منه ولكن بشرط أن يكون هذا السحب في إطار القواعد القانونية المتقدمة دون الخروج عليها.
ومن حيث إن مجلس إدارة الهيئة حين أصدر قراره في 4 من سبتمبر سنة 1962 بالتصديق على قرار اللجنة القضائية إنما كان في صدد استعمال سلطة تقديرية له من ثم فإنه إنزالاً للقواعد المستقرة ما كان يجوز له سحب هذا القرار إلا إذا كان ثمة غش من جانب صاحب الشأن من شأنه أن يفسد إرادة الجهة الإدارية إذ الغش يفسد كل شيء.
ومن حيث إنه وقد ثبت من الأوراق ومن كتاب الإصلاح الزراعي إلى إدارة الفتوى أن المعترضين كانوا قد ادعوا في ملف الاعتراض أمام اللجنة القضائية عقد الهبة رقم 3049 لسنة 1956 المشار إليه ومعنى ذلك أنهم وضعوا هذا المستند تحت نظر اللجنة ومن بعدها مجلس إدارة الهيئة وكان في مكنة كلاهما الاطلاع عليه ودراسته وإعمال سلطته التقديرية في ضوئه وهو يصدر قراره بالاعتداد بالتصرف أو بالتصديق على القرار الصادر في هذا الشأن وعلى ذلك فإن شبهة الغش من جانب الخاضع بإخفائه مستندات عن اللجنة تكون منتفية فضلاً عن ذلك فإن تقديمه طلبات لاحقة للطلب الأصلي رقم 1387 لسنة 1955 بقصر الشهر على مساحات أقل من المتصرف فيها في العقد الأصلي فإن المحكمة لا ترى أن ذلك يعني بالضرورة عدولاً عن التصرف وإنما قد يلجأ المشتري إلى شهر أجزاء من الصفقة ويتريث بالنسبة للباقي منها لسبب أو لآخر وعلى ذلك فإن إغفال الإشارة إليها لا يعد غشاً من جانبه لاسيما وأن هذه الطلبات اتصلت بعقد الهبة المذكور الذي قدم إلى اللجنة وكان تحت نظرها واعتد به القرار المطعون فيه ذاته.
ومن حيث إن الأمر يخلص مما تقدم جميعه في أن مجلس إدارة الهيئة حين أصدر قراره بالتصديق على قرار اللجنة القضائية كان يستعمل سلطة تقديرية وكانت جميع عناصر النزاع أمامه بما في ذلك ورقة الهبة سالفة الذكر فإذا ما أصدر قراره بالموافقة على قرار اللجنة القضائية وكانت جميع الأوراق تحت يده وفي مقدوره الاطلاع عليها فإنه يكون قد استعمل سلطته التقديرية كاملة ويكون قد استنفذ حقه وولايته في هذا المجال ولم يعد يملك بعد ذلك أن يعاود النظر في قراره إلا إذا كان ثمة غش من جانب المستفيد من القرار الأمر الذي انتفى ومن ثم فإن القرار الصادر من مجلس الإدارة بسحب قراره السابق جزئياً يكون صادراً ممن لا ولاية له في إصداره وبالتالي فهو قرار معدوم لا يمثل أكثر من عقبة مادية فلا تلحقه الحصانة المنصوص عليها في المادة 13 مكرر المشار إليها وبالتالي يكون متعين الإلغاء وفي هذه الحالة يكون القرار المسحوب جزئياً والسابق صدوره من مجلس الإدارة في 4 من سبتمبر سنة 1963 بالتصديق على قرار اللجنة القضائية الصادر في 17 من يونيه سنة 1962 ساري المفعول بأكمله وبجميع آثاره ولا يمكن المساس به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يبين من الأوراق - في أنه في يوم 28 من فبراير سنة 1966 أقام المدعون الدعوى رقم 984 لسنة 20 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري "الدائرة الخاصة بمنازعات الأفراد والهيئات" ذكروا فيها أنه بموجب عقد بيع ابتدائي مؤرخ في 27 من أغسطس سنة 1954 باع السيد/ محمد طاهر منها أطياناً زراعية مساحتها - س 2 ط 132 ف واقعة بنواحي سلامون وكفر سلامون وسرسقة ومنشأة مهنا مركز كوم حمادة محافظة البحيرة وقد صدر منه هذا البيع لأولاده البلغ علي ومصطفى وفاطمة ولولديه القاصرين - حينذاك - أحمد وحسين. وفي 11 من أكتوبر 1955 قدم عن العقد المذكور طلب الشهر العقاري رقم 1387 لسنة 1955 إلى مأمورية الشهر العقاري بكوم حمادة ليصدر منها كشف بتحديد تلك الأطيان تمهيداً لشهرها بأسماء المشترين وترتب على تقديم هذا الطلب أن أصبح عقد البيع المذكور ثابت التاريخ منذ يوم تقديم الطلب وحدث بعد ذلك أن صدر قانون الإصلاح الزراعي رقم 127 لسنة 1961 وقدم البائع إقراراً بما يملكه أثبت فيه أنه باع الأطيان المشار إليها لأولاده بعقد البيع الابتدائي المذكور غير أن منطقة الإصلاح الزراعي بدمنهور استولت على مساحة قدرها 3 س 9 ط 134 ف من الأطيان الواردة فيه فقدم أطراف العقد الاعتراضين رقمي 189، 190 سنة 1961 أمام اللجنة القضائية للإصلاح الزراعي طبقاً لما تقضي به المادة 13 منه طالبين الاعتداد بعقد البيع المشار إليه وقد قررت اللجنة ضم هذين الاعتراضين وأصدرت فيهما قراراً واحداً في 17 من يونيه سنة 1962 قضت فيه بالاعتداد بعقد البيع المؤرخ 27 من أغسطس سنة 1954 في مواجهة الإصلاح الزراعي واستبعاد المساحة الواردة به مما يستولى عليه لدى السيد/ محمد طاهر مهنا وقد صدق مجلس إدارة الهيئة العامة للإصلاح الزراعي على هذا القرار بجلسة 4 من سبتمبر سنة 1963 واسترد المعترضون أطيانهم. واستطردوا قائلين أنه مرت بعد ذلك سنوات ثم فرضت الحراسة الإدارية على أموال السيد/ محمد طاهر مهنا وأموال ابنه مصطفى بالقرار الجمهوري رقم 2199 الصادر في 18 من يوليه سنة 1965 واتخذ الإصلاح الزراعي من ذلك القرار ذريعة للاستيلاء على ما لا يدخل في ملكية السيدين اللذين فرضت الحراسة على أموالهما ومن ذلك الاستيلاء على الأطيان التي بيعت بموجب عقد البيع الابتدائي سالف الذكر ولما كان القرار الصادر بالاعتداد بالعقد المذكور قراراً نهائياً صادراً من اللجنة القضائية المختصة بإصداره قانوناً وتم التصديق عليه من مجلس الإدارة فأصبح بذلك بمثابة حكم نهائي في مواجهة الإصلاح الزراعي لا يملك إلغاءه أو الرجوع فيه أو المساس به أو تعديله ومن ثم يكون كل قرار صادر ينقضه قراراً باطلاً مخالفاً للقانون وفضلاً عما تقدم فقد انتهى إلى علمهم أن الإصلاح الزراعي يبرر الاستيلاء على الأطيان بأن السيد/ محمد طاهر مهنا قد عدل عن البيع الصادر لأولاده وأن هذا العدول أثبت في طلبات لاحقة قدمت إلى مأمورية الشهر العقاري بكوم حمادة عن الأطيان ذاتها التي تضمنها العقد المذكور وأنه اقتصر في تلك الطلبات على بعض مساحات من الأطيان التي كان قد باعها لأولاده كما أنه غير تكييف العقد من بيع إلى هبة بالنسبة لبعض المساحات التي اشتمل عليها العقد وأنه يستنتج من هذا وذاك عدوله عن البيع الصادر منه لأولاده في 27 من أغسطس سنة 1954 ويذكر المدعون أن هذه الأسباب باطلة قانوناً أولاً لأن طلبات الشهر العقاري اللاحقة كانت مودعة مأمورية الشهر العقاري منذ سنوات سابقة على صدور القانون رقم 127 لسنة 1961 وعلى صدور قرار اللجنة القضائية وعلى قرار مجلس الإدارة بالتصديق عليه ولم يخفها المدعون على هذه الهيئات وثانياً لأن هذه الطلبات لم تصدر من السيد/ محمد طاهر مهنا ولم يوقع عليها بإمضائه حتى يقال أنه عدل عن العقد فقد ثبت أن هذه الطلبات جميعها تحمل توقيع كاتب عمومي كان السيد/ محمد طاهر مهنا قد وكله في تقديم وسحب طلبات الشهر العقاري التي يريد تقديمها وليس للوكيل المذكور أية سلطة قانونية تخوله تعديل التصرفات الصادرة من موكله ومن ثم تكون هذه الطلبات اللاحقة صادرة من شخص لا صفة له ولا يعتد بها على المدعين وثالثاً أن السيد/ محمد طاهر مهنا كطرف في العقد لا يملك تعديله بإرادته المنفردة أو بغير موافقة المتعاقدين معه وانتهوا من كل ما تقدم إلى طلب الحكم بصفة مستعجلة بإيقاف تنفيذ القرار الصادر بالاستيلاء على الأطيان المملوكة لهم وفي الموضوع بإلغاء هذا القرار واعتباره كأن لم يكن وإلغاء جميع الآثار التي ترتبت عليه.
ومن حيث إن الجهة الإدارية دفعت الدعوى بعدم اختصاص مجلس الدولة بنظرها استناداً إلى حكم المادة 13 مكرر من القانون رقم 178 لسنة 1952 التي لا تجيز الطعن أمام مجلس الدولة في القرارات التي تصدر من مجلس إدارة الهيئة العامة للإصلاح الزراعي بالاستيلاء على الأطيان أو توزيعها والتي تجعل الاختصاص في ذلك معقوداً للجنة القضائية للإصلاح الزراعي.
ومن حيث إنه بجلسة 9 من يناير سنة 1969 قضت المحكمة بوقف تنفيذ القرارات المطعون فيها وأمرت بإحالة الدعوى إلى هيئة مفوضي الدولة لتحضيرها موضوعاً وأشارت المحكمة في أسباب الحكم إلى أنها أرجأت الفصل في الدفع بعدم اختصاص المحكمة حتى تقدم الجهة الإدارية القرار المطعون فيه وسببه وما يفيد التصديق أو عدم التصديق على القرارات الصادرة في الاعتراضين رقمي 189، 190 لسنة 1960 أمام اللجنة القضائية.
وبجلسة 7 من يوليه سنة 1970 قضت المحكمة بعدم جواز نظر الدعوى وألزمت المدعين المصروفات وأقامت قضاءها على أن المستفاد من المادة 13 مكرراً من القانون رقم 178 لسنة 1952 أن المشرع أغلق باب الطعن بالإلغاء أو وقف التنفيذ بالنسبة لقرارات مجلس إدارة الهيئة العامة للإصلاح الزراعي لا فرق قي ذلك بين من طبقت الإدارة القانون في حقه تطبيقاً سليماً وبين من عساها تكون قد أخطأت في تطبيقه بالنسبة إليه وذلك لحكمة واضحة إذ المقصود من هذا المنع هو سد باب المنازعات القضائية في هذا الشأن استقراراً للأوضاع فكلما تعلقت المنازعة بقرار صادر من مجلس إدارة الهيئة العامة للإصلاح الزراعي بالاستيلاء على الأطيان فإنه لا يجوز سماع الدعوى بطلب إلغائه أو وقف تنفيذه أياًً كانت طبيعة المخالفات التي ينعاها صاحب الشأن على القرارات ما دامت لا تنحدر به إلى درجة الانعدام وما ينعاه المدعون على القرار المطعون فيه من أنه أخطأ في عدم الاعتداد بعقد البيع العرفي سنة 1954 وأنه صدر بعد أن تحصن قرار مجلس الإدارة السابق في 4 من سبتمبر سنة 1963 وبعد فوات مواعيد السحب هذه العيوب إن صحت لا تعدو أن تكون مخالفات للقانون ليس من شأنها أن تعدم القرار.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أنه كان من مقتضى التطبيق الصحيح لحكم المادة 13 المشار إليها أن لا تمكن الهيئة من المساس بقرار 4 من سبتمبر سنة 1963 لأن نهائية القرارات التي تصدرها اللجان القضائية للإصلاح الزراعي والتي يتم اعتمادها من مجلس إدارة الهيئة العامة للإصلاح الزراعي بلا شك نهائية مقررة في حق الهيئة المذكورة وفي حق الخاضعين لأحكام القانون المشار إليه لا بل إن النهائية المقررة قانوناً لتلك القرارات تسري من باب أولى في حق الهيئة العامة للإصلاح الزراعي لأنها هي التي تصدرها وتطلب من المتعاملين معها أن يخضعوا لها ولا يسوغ أن يكون لتلك الهيئة بالذات سلطة ما في نقض تلك القرارات أو العدول عنها أو تغييرها بعد أن اعتمدتها وصارت نهائية في حق الكافة فإذا أقدمت الهيئة على ذلك فإن عملها يكون نوعاً من اغتصاب السلطة ويكون قرارها في هذا الشأن معدوماً.
ومن حيث إن هيئة مفوضي الدولة أودعت تقريراً برأيها القانوني مسبباً رأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء بصفة أصلية بإحالة الدعوى برمتها إلى محكمة القضاء الإداري لتفصل في النزاع واحتياطياً بوقف الفصل في الطعن وإحالة النزاع إلى المحكمة الدستورية العليا لبحث دستورية المادة 13 من القانون رقم 178 لسنة 1952.
ومن حيث إنه بجلسات المرافعة تقدم كل من الطرفين بمذكرة شارحة لوجهة نظره لم تخرج في جوهرها عما سبق وروده في عريضة الطعن وفي المذكرات والأقوال السابق إبداؤها أمام القضاء الإداري.
ومن حيث إن المادة 13 مكرر من المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 بالإصلاح الزراعي تقضي بأن "تشكل لجنة قضائية أو أكثر من مستشار من المحاكم يختاره وزير العدل تكون له الرياسة ومن عضو من مجلس الدولة ومندوب عن الهيئة العامة للإصلاح الزراعي ومندوب عن الشهر العقاري وآخر من مصلحة المساحة وتكون مهمتها في حالة المنازعة تحقيق الإقرارات والديون العقارية وفحص ملكية الأراضي المستولى عليها وذلك لتعيين ما يجب الاستيلاء عليه طبقاً لأحكام هذا القانون كما تختص هذه اللجنة بالفصل في المنازعات الخاصة بتوزيع الأراضي المستولى عليها ويكون القرار الذي يصدره مجلس إدارة الهيئة العامة للإصلاح الزراعي باعتماد الاستيلاء والتوزيع بعد التحقق والفحص بواسطة اللجان المشار إليها نهائياً وقاطعاً لكل نزع في أصل الملكية وفي صحة إجراءات الاستيلاء والتوزيع واستثناء من أحكام قانون مجلس الدولة لا يجوز الطعن بإلغاء أو وقف تنفيذ قرارات الاستيلاء أو التوزيع الصادرة من مجلس إدارة الهيئة العامة للإصلاح الزراعي.
ومن حيث إن القاعدة المستقرة هي أن القرارات الإدارية التي تولد حقاً أو مركزاً شخصياً للأفراد لا يجوز سحبها في أي وقت متى صدرت سليمة وذلك استجابة لدواعي المصلحة العامة التي تقتضي استقرار تلك الأوامر أما بالنسبة للقرارات الفردية غير المشروعة فالقاعدة عكس ذلك إذ يجب على جهة الإدارة أن تسحبها التزاماً منها بحكم القانون وتصحيحاً للأوضاع المخالفة، إلا أن دواعي المصلحة العامة أيضاً تقتضي أنه إذا صدر قرار فردي معيب من شأنه أن يولد حقاً فإن هذا القرار يجب أن يستقر عقب فترة معينة من الزمن بحيث يسري عليه ما يسري على القرار الصحيح الذي يصدر في الموضوع ذاته وقد اتفق على تحديد هذه الفترة بستين يوماً من تاريخ نشر القرار أو إعلانه قياساً على مدة الطعن القضائي بحيث إذا انقضت هذه الفترة اكتسب القرار حصانة تعصمه من أي إلغاء أو تعديل ويصبح عندئذ لصاحب الشأن حق مكتسب فيما تضمنه القرار وكل إخلال بهذا الحق بقرار لاحق يعد أمراً مخالفاً للقانون يعيب القرار الأخير ويبطله، إلا أن ثمة استثناءات من موعد الستين يوماً هذه تتمثل أولاً فيما إذا كان القرار المعيب معدوماً أي لحقت به مخالفة جسيمة للقانون تجرده من صفته كتصرف قانوني فتنزل به إلى حد غصب السلطة وتنحدر به إلى مجرد الفصل المادي المنعدم الأثر قانوناً فلا تلحقه أية حصانة وثانياً فيما لو حصل أحد الأفراد على قرار إداري نتيجة غش أو تدليس من جانبه إذ أن الغش يعيب الرضاء ويشوب الإرادة والقرار الذي يصدر من جهة الإدارة نتيجة هذا الغش والتدليس يكون غير جدير بالحماية، فهذه الأحوال الاستثنائية توجب سحب القرار دون التقيد بموعد الستين يوماً فتصدر جهة الإدارة قرارها بالسحب في أي وقت كان حتى بعد فوات هذا الموعد. كل ذلك مع مراعاة أن خطأ الإدارة وهي بصدد استعمال اختصاص تقديري لا يمكن أن يكون مبرراً لها لسحب القرار.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن المرحوم السيد/ محمد طاهر مهنا كان قد تقدم بإقرار بما يملكه عن أراض زراعية تنفيذاً للقانون رقم 127 لسنة 1961 وأثبت فيه أنه باع لأولاده مساحة قدرها 132 فدان بعقد ابتدائي مؤرخ في 27 من أغسطس سنة 1954 وطلب الاعتداد بهذا العقد باعتباره ثابت التاريخ رسمياً قبل صدور القانون إذ قدم عنه طلباً للشهر العقاري قيد تحت رقم 1387 لسنة 1955 كوم حمادة غير أن إدارة الاستيلاء رفضت الاعتداد بهذا التصرف وقامت بالاستيلاء على مساحة قدرها 3 س 9 ط 134 ف فبادر أطراف العقد برفع الاعتراضين رقمي 189، 190 لسنة 1961 أمام اللجنة القضائية للإصلاح الزراعي طلبوا فيهما الاعتداد بعقد البيع المشار إليه وتم ضم الاعتراض الأخير إلى الاعتراض الأول ليصدر فيهما قرار واحد.
وبجلسة 17 من يونيه سنة 1962 قررت اللجنة في الاعتراضين الاعتداد بعقد البيع المذكور وفي 4 من سبتمبر سنة 1963 صدق مجلس إدارة الهيئة العامة للإصلاح الزراعي على هذا القرار، وحدث بعد ذلك أن عرضت الهيئة العامة للإصلاح الزراعي على إدارة الفتوى بمجلس الدولة بكتابها رقم 1148 في 4 من مارس 1964 أنه تبين لها بعد التصديق على القرار المشار إليه أن السيد/ محمد طاهر مهنا بعد أن قدم طلب الشهر رقم 1387 لسنة 1955 كان قد عاد وقدم للشهر العقاري ملحقاً لهذا الطلب السابق عن مساحة 1 س 12 ط 32 ف فقط مع استبعاد باقي المساحة الواردة بالطلب الأصلي ثم قدم وكيله الطلب رقم 1935 في 22 من ديسمبر سنة 1955 عن مساحة قدرها 4 س 13 ط 28 ف وأثبت فيه عبارة "وهذا القرار من ضمن الجزء الزائد عن المائتي فدان المخصصة للأولاد ويعتبر هذا الطلب ملحقاً للطلب رقم 1387 لسنة 1955" وأن هذه الطلبات اللاحقة للطلب 1387 لسنة 1955 لم تكن تحت نظر اللجنة كما أنه لم ينوه عنها ولا عن عقد الهبة الذي تم شهره تحت رقم 3049 في 25 من يونيه سنة 1956 بناء على هذه الطلبات في الإقرار المقدم منه إلا أن كتاب الإصلاح الزراعي الموجه إلى إدارة الفتوى أشار إلى أن المعترضين قدموا إلى لجنة الاعتراضات في هذين الاعتراضين "حافظة مستندات تحتوي على العقد وطلب الشهر المشار إليهما وكذا عقد هبة مسجل برقم 3049 في 15/ 6/ 1956 يتضمن إيهاب المستولى لديه إلى أولاده مساحة قدرها 14 س 6 ط 58 ف منها مساحة قدرها 10 س 20 ط 46 ف وفقاً لحكم البند ( أ) من المادة الرابعة المذكورة والمساحة الباقية مما احتفظ بملكيته من أرض تطبيقاً للمادة الأولى من القانون رقم 178 لسنة 1952 المشار إليها ومشار في العقد المسجل إلى أن الشهر قد تم بناء على الطلبين رقمي 1387 لسنة 1955، 1953 لسنة 1955" وقد استطلعت الهيئة الرأي في مدى جواز الأخذ بالطلب المقدم إلى مأمورية الشهر العقاري برقم 1387 لسنة 1955 كدليل على ثبوت تاريخ التصرف الذي يتضمنه بعد تعديله وقد أفادت إدارة الفتوى بما خلاصته أنه ولئن كان العقد العرفي المؤرخ 27 من أغسطس سنة 1954 ثابت التاريخ بورود مضمونه في طلب الشهر رقم 1387 لسنة 1955 سالف الذكر فإنه واضح من تقديم وكيل البائع لملحق له أردفه بطلب لتعديله قيد تحت رقم 1935 في 22 من ديسمبر سنة 1955 بحيث اقتصرت المساحة المتعامل فيها على مساحة قدرها 5 س 1 ط 51 ف ومشهر العقد باعتباره هبة من المقر لأولاده بناء على الطلبات المشار إليها كما هو ثابت بعقد الهبة المسجل مساحة قدرها 14 س 6 ط 58 ف وتوقيع الواهب والموهوب لهم أطراف العقد الأول على عقد الهبة أن المتصرف والمتصرف إليهم قد عدلوا جزئياً عن العقد المؤرخ 27 من أغسطس سنة 1954 بقصر المساحة المتصرف فيها على القدر الوارد بعقد الهبة المسجل ومن ثم لا يعتبر العقد الأول قائماً وقت العمل بالقانون رقم 127 لسنة 1961 إلا في حدود المساحة التي تضمنها العقد الأخير وأنه على هدي ما تقدم يكون القرار الصادر من اللجنة القضائية في الاعتراضين رقمي 189، 190 سالفي الذكر وكذا القرار الصادر من مجلس إدارة الهيئة العامة للإصلاح الزراعي بالتصديق على ذلك القرار فيما تضمنه من الاعتداد بالعقد العرفي المؤرخ 27 من أغسطس سنة 1954 بكامل المساحة الواردة به على غير أساس سليم من القانون وأشارت إدارة الفتوى بأنه على مجلس إدارة الهيئة العامة للإصلاح الزراعي أن يعدل القرار الصادر في 4 من سبتمبر سنة 1963 أي سحبه سحباً جزئياً باعتباره قراراً إدارياً نهائياً بحيث يقتصر الاعتداد بالعقد المؤرخ 27 من أغسطس سنة 1954 على المساحة التي تضمنها عقد الهبة دون ما داع لإعادة الاعتراضين إلى اللجنة القضائية لنظرهما من جديد ما دام أن مجلس إدارة الهيئة العامة للإصلاح الزراعي هو صاحب السلطة العليا في شئون الاستيلاء والتوزيع ومن ثم يملك اعتماد أو إلغاء أو تعديل قرارات اللجان القضائية وأنه لا يقدح فيما تقدم فوات أكثر من ستين يوماً على صدور قرار مجلس إدارة الهيئة باعتماد اللجنة القضائية إذ أنه من المقرر أنه يجوز سحب القرارات الإدارية النهائية الصادرة بناء على غش من صاحب الشأن في أي وقت دون التقيد بميعاد على اعتبار أن مثل هذه القرارات تعتبر صادرة عن غير رضاء صحيح من جهة الإدارة ومن ثم تعتبر عديمة الأثر قانوناً الأمر الذي تحقق في واقعة الحال بصدور قرار مجلس الإدارة عن غير رضاء صحيح لامتناع المقر عن الإشارة إلى طلبات الشهر العقاري في جميع مراحل المنازعة ابتداء من تقديم الإقرار إلى أن صدر قرار مجلس الإدارة. وأخذاً بما انتهت إليه إدارة الفتوى سالفة الذكر أصدر مجلس إدارة الهيئة في 24 من نوفمبر سنة 1965 قراره المطعون فيه وذلك بسحب قراره السابق الصادر في 4 من سبتمبر سنة 1963 سحباً جزئياً وقصره على الاعتداد فقط بالمساحة التي تضمنها عقد الهبة المسجل رقم 3049 لسنة 1956.
ومن حيث إنه لما كان مجلس إدارة الهيئة العامة للإصلاح الزراعي هو الجهة المختصة قانوناً بالتصديق على القرارات الصادرة من اللجان القضائية فهو مختص بسحب القرارات التي تصدر منه ولكن بشرط أن يكون هذا السحب في إطار القواعد القانونية المتقدمة دون الخروج عليها.
ومن حيث إن مجلس إدارة الهيئة حين أصدر قراره في 4 من سبتمبر سنة 1962 بالتصديق على قرار اللجنة القضائية إنما كان في صدد استعمال سلطة تقديرية له من ثم فإنه إنزالاً للقواعد المستقرة ما كان يجوز له سحب هذا القرار إلا إذا كان ثمة غش من جانب صاحب الشأن من شأنه أن يفسد إرادة الجهة الإدارية إذ الغش يفسد كل شيء.
ومن حيث إنه وقد ثبت من الأوراق ومن كتاب الإصلاح الزراعي إلى إدارة الفتوى أن المعترضين كانوا قد أودعوا في ملف الاعتراض أمام اللجنة القضائية عقد الهبة رقم 3049 لسنة 1956 المشار إليه ومعنى ذلك أنهم وضعوا هذا المستند تحت نظر اللجنة ومن بعدها مجلس إدارة الهيئة وكان في مكنة كلاهما الاطلاع عليه ودراسته وإعمال سلطته التقديرية في ضوئه وهو يصدر قراره بالاعتداد بالتصرف أو بالتصديق على القرار الصادر في هذا الشأن وعلى ذلك فإن شبهة الغش من جانب الخاضع بإخفائه مستندات عن اللجنة تكون منتفية فضلاً عن ذلك فإن تقديمه طلبات لاحقة للطلب الأصلي رقم 1387 لسنة 1955 بقصر الشهر على مساحات أقل من المتصرف فيها في العقد الأصلي فإن المحكمة لا ترى أن ذلك يعني بالضرورة عدولاً عن التصرف وإنما قد يلجأ المشتري إلى شهر أجزاء من الصفقة ويتريث بالنسبة للباقي منها لسبب أو لآخر وعلى ذلك فإن إغفال الإشارة إليها لا يعد غشاً من جانبه لا سيما وأن هذه الطلبات اتصلت بعقد الهبة المذكور الذي قدم إلى اللجنة وكان تحت نظرها واعتد به القرار المطعون فيه ذاته.
ومن حيث إن الأمر يخلص مما تقدم جميعه في أن مجلس إدارة الهيئة حين أصدر قراره بالتصديق على قرار اللجنة القضائية كان يستعمل سلطة تقديرية وكانت جميع عناصر النزاع أمامه بما في ذلك ورقة الهبة سالفة الذكر فإذا ما أصدر قراره بالموافقة على قرار اللجنة القضائية وكانت جميع الأوراق تحت يده وفي مقدوره الاطلاع عليها فإنه يكون قد استعمل سلطته التقديرية كاملة ويكون قد استنفذ حقه وولايته في هذا المجال ولم يعد يملك بعد ذلك أن يعاد النظر في قراره إلا إذا كان ثمة غش من جانب المستفيد من القرار الأمر الذي انتهى ومن ثم فإن القرار الصادر من مجلس الإدارة بسحب قراره السابق جزئياً يكون صادراً ممن لا ولاية له في إصداره وبالتالي فهو قرار معدوم لا يمثل أكثر من عقبة مادية فلا تلحقه الحصانة المنصوص عليها في المادة 13 مكرر المشار إليها وبالتالي يكون متعين الإلغاء وفي هذه الحالة يكون القرار المسحوب جزئياً والسابق صدوره من مجلس الإدارة في 4 من سبتمبر سنة 1963 بالتصديق على قرار اللجنة القضائية الصادر في 17 من يونيه سنة 1962 ساري المفعول بأكمله وبجميع أثاره ولا يمكن المساس به.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد ذهب غير هذا المذهب فإنه يكون قد خالف القانون ويتعين الحكم بإلغائه وبإلغاء القرار الصادر من مجلس إدارة الهيئة العامة للإصلاح الزراعي المطعون فيه وبالاعتداد بالتصرف سالف الذكر الصادر من المرحوم محمد طاهر مهنا عن مساحة 3 س 9 ط 134 ف بالعقد الابتدائي المؤرخ 27 من أغسطس سنة 1954 مع إلزام الهيئة العامة للإصلاح الزراعي المصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وإلغاء القرار الصادر من الهيئة العامة للإصلاح الزراعي بتاريخ 24 من نوفمبر سنة 1965 والاعتداد بعقد البيع الابتدائي المؤرخ في 27 من أغسطس سنة 1954 عن مساحة 3 س 9 ط 134 ف مبينة الحدود والمعالم بالعقد المذكور والصادر من المرحوم محمد طاهر مهنا واستبعاد هذه المساحة من الاستيلاء لدى البائع المذكور بالتطبيق لأحكام القانون رقم 127 لسنة 1961 مع ما يترتب على ذلك من آثار وألزمت الهيئة العامة للإصلاح الزراعي المصروفات.