مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة عشرة - (من أول أكتوبر سنة 1973 إلى أخر سبتمبر سنة 1974) - صـ 450

(152)
جلسة 29 من يونيه سنة 1974

برياسة السيد الأستاذ المستشار الدكتور أحمد ثابت عويضة - نائب رئيس المجلس وعضوية السادة الأساتذة محمد صلاح الدين السعيد وأبو بكر محمد عطية ومحمود طلعت الغزالي ويوسف شلبي يوسف - المستشارين.

القضية رقم 297 لسنة 16 القضائية

عقد إداري - الغلط الجوهري في العقد - أثره.
العقد الإداري شأنه شأن عقود القانون الخاص يقوم على تطابق إرادتين - الغلط الجوهري في العقد - ميعاد التوريد في العقود الإدارية من العناصر الضرورية للتعاقد - توهم المتعاقد أن التوريد سيتم خلال أيام أو أسابيع - تراخي الإخطار بالتوريد مدة تجاوز المعقول - تلف البضائع موضوع العقد - إبطال العقد لوقوع المتعاقد في غلط جوهري - عدم استحقاقه تعويضاً ما دام سعر البضائع الموردة قد ارتفع وغطى الأضرار المدعى بها - أساس ذلك - مثال.
إن العقد الإداري شأنه في ذلك شأن عقود القانون الخاص يقوم أساساً على وجود إرادتين متطابقتين بحيث إذا لم يوجد هذا التراخي أو تخلفت شروط صحته كان العقد باطلاً أو قابلاً للإبطال حسب الأحوال. وقد تناول القانون المدني بالبيان التراضي وأحكامه، ونص في هذا الصدد في المادة 120 منه على أنه "إذا وقع المتعاقد في غلط جوهري جاز له أن يطلب إبطال العقد، إن كان المتعاقد الآخر قد وقع مثله في هذا الغلط، أو كان على علم به، أو كان من السهل عليه أن يتبينه" وقضى في المادة 120 منه بأن "ويكون الغلط جوهرياً إذا بلغ حداً من الجسامة بحيث يمتنع معه المتعاقد عن إبرام العقد لو لم يقع في هذا الغلط". وأوردت الفقرة الثانية من هذه المادة - على سبيل المثال - حالتين من حالات الغلط الجوهري دون أن تحيط بكل حالاته. ومؤدى ذلك أن الغلط الذي يعيب الإرادة يجب أن يكون غلطاً جوهرياً واقعاً على غير أركان العقد وألا يستقل به أحد المتعاقدين بل يتصل به المتعاقد الآخر وهذا المبدأ يقرر أصلاً عاماً من أصول القانون ليس في القانون الخاص فحسب بل وفي القانون العام أيضاً وهو بهذه المثابة واجب التطبيق في العقود الإدارية وفي عقود القانون الخاص على السواء.
ومن حيث إن تحديد ميعاد التوريد في العقود الإدارية يعتبر ولا شك من العناصر الضرورية للتعاقد التي تقتضيها النزاهة في التعامل، ذلك أنه على أساس هذا الميعاد تتحدد إمكانية صاحب الشأن في توريد الأشياء المطلوب توريدها في الميعاد المضروب لذلك بالشروط والمواصفات المطروحة وتتاح له بذلك فرصة تقدير احتمالات التقدم بإيجابه في العطاء المطروح أو الامتناع عنه، وتحديد سعر التوريد الذي يراه مناسباً ويبدي ما قد يكون لديه من شروط وتحفظات في هذا الشأن.
وترتيباً على ذلك فإن المتعاقد إذا ما توهم على غير الواقع من الظروف والملابسات التي أحاطت بالتعاقد أن التوريد كان محدداً له أن يتم خلال أيام أو أسابيع قليلة من تاريخ التعاقد وليس شهوراً ذات عدد واستبان من الظروف والملابسات التي أحاطت بالتعاقد أن المتعاقد كان سيمتنع عن إبرام العقد ولو لم يقع في هذا الغلط الذي شاب إرادته، فإنه يكون على حق في طلب إبطال هذا العقد للغلط الجوهري إذا ما اتصل هذا الغلط بالمتعاقد الآخر.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق على ما سلف بيانه أن مجلس مدينة الزقازيق كان يتعجل التعاقد على توريد الشعير المطلوب منذ أوائل شهر مايو سنة 1966 للحاجة الماسة إليه في غذاء مواشي مجلس المدينة وللحصول عليه من المحصول الجديد الذي يظهر في شهر إبريل وذلك بأرخص سعر خشية ارتفاع أسعاره فيما لو تراخى مجلس المدينة في اتخاذ إجراءات الشراء. ومن شأن هذا ولا شك أن يثير لدى مقدمي العطاءات أن جهة الإدارة حريصة كل الحرص على سرعة توريد الكمية المتعاقد عليها وإذا كانت شروط ومواصفات التوريد قد تضمنت أن يتم توريد جزء من كمية الشعير فوراً والباقي بعد اعتماد الميزانية فإن هذا النص في ذاته لا يوحي بأن طلب الكمية الباقية المؤجل توريدها إلى ما بعد اعتماد الميزانية كان يمكن أن يتراخى أكثر من المدة المعقولة التي لا يمكن بحال أن تجاوز أياماً أو أسابيع قليلة أما أن تصل هذه المدة إلى ما يزيد على ثلاثة شهور، فإن ذلك لم يكن بالأمر المتوقع، أخذاً في الحسبان أن المادتين 70، 71/ 2 من قانون نظام الإدارة المحلية الصادر بالقانون رقم 124 لسنة 1960 معدلاً بالقانون رقم 151 لسنة 1961 توجبان وضع ميزانية مجلس المحافظة متضمنة ميزانيات كل مجلس مدينة وكل مجلس قروي قبل بدء السنة المالية بأربعة أشهر على الأقل وأن المادة 78 من اللائحة التنفيذية لقانون نظام الإدارة المحلية الصادر بها قرار رئيس الجمهورية رقم 1513 لسنة 1961 تقضي بأن تبدأ السنة المالية وتنتهي في المواعيد المقررة لميزانية الدولة، بما مقتضاه أن السنة المالية للمجالس المحلية عن إبرام العقد مثار المنازعة كانت تبدأ في أول شهر يوليه، وهو الميعاد الذي كان مقرراً لبدأ ميزانية الدولة حينذاك. ومؤدى الظروف أو الملابسات السابقة التي أحاطت بالتعاقد أن المدعي قد وقع في غلط عندما توهم على غير الواقع أن موعد توريد باقي كمية الشعير المتعاقد عليها سيكون خلال أيام أو أسابيع قليلة لا تجاوزها، تصدر خلالها ميزانية مجلس مدينة الزقازيق التي لم يكن من المتوقع أن يتراخى صدورها إلى 20 من أكتوبر سنة 1966 أي بعد بداية السنة المالية بما يقرب من الأربعة أشهر. وآية وقوع المدعي في هذا الغلط أنه بادر إلى إيداع كمية الشعير المؤجل توريدها، بشونة البنك الأهلي المصري بالزقازيق على ذمة التوريد بما يدل عليه أنه كان يتوقع إخطاره بتوريدها في أقرب أجل، وهيأ بذلك نفسه لتنفيذ التزامه فور صدور هذا الإخطار إليه، ولكن الواقع أن كمية الشعير هذه ظلت دون طلب شهوراً دون أن يصل إلى المدعي الإخطار المرتقب إلى أن دب السوس فيها وأصبحت بذلك مخالفة للمواصفات المتعاقد عليها، فتصرف فيها خشية فسادها تماماً، بعد أن أعيته الوسائل في دفع مجلس المدينة إلى تسلمها أو تأجيل توريدها إلى الموسم الجديد ولكن دون جدوى.
ومن حيث إن الغلط الذي وقع فيه المدعي يعتبر للأسباب المتقدمة غلطاً جوهرياً إذ كان من شأنه ولا شك أن يمتنع عن التعاقد عن توريد الشعير المطلوب بالسعر وبالشروط التي تم العقد على أساسها ولما كان الأمر كذلك، وكان هذا الغلط قد اتصل بجهة الإدارة المتعاقدة بالنظر إلى أنها تشارك في إعداد الميزانية وكانت تعلم أو في الأقل كان من السهل عليها أن تعلم بأن اعتماد الميزانية سوف يتراخى شهوراً ذات عدد وكان عليها بهذه المثابة مراعاة لاعتبارات النزاهة في التعامل أن تبصر مقدمي العطاءات إلى هذه الحقيقة حتى يكونوا على بينة من أمرهم عند التقدم بعطاءاتهم ولكنها لم تفعل، لما كان الأمر كذلك فإن المدعي يكون على حق في طلب إبطال العقد للغلط الجوهري الذي وقع فيه وذلك بالنسبة للشق الذي لم ينفذ منه الخاص بتوريد باقي كمية الشعير المتعاقد عليها وهي 300 أردب ويتعين من ثم الحكم بإبطال العقد في هذا الشق منه وما يترتب على ذلك من أحقية المدعي في استرداد مبلغ التأمين المقدم منه على ذمة العقد وقدره 164 جنيهاً.
ومن حيث إنه عن المطالبة بالتعويضات الناجمة عن إبطال هذا العقد، والتي يقدرها المدعي بمبلغ 105 من الجنيهات متمثلة في 30 جنيهاً فروق أسعار و30 جنيهاً مصاريف تخزين و45 جنيهاً أجور نقل على التفصيل سابق البيان، فإن المحكمة لا ترى وجهاً لإجابة المدعي إلى طلبه هذا، ذلك أن الثابت من الأوراق أن سعر أردب الشعير كان قد طفر في 6 من ديسمبر سنة 1966 إلى 6.700 جنيهاً. ومن ثم فإن المحكمة لا تطمئن إلى ما ادعاه المدعي من أنه باع باقي كمية الشعير المتعاقد عليها في 9 من أكتوبر سنة 1966 بمبلغ أربعة جنيهات فقط للأردب الواحد، ولهذا فإن المحكمة لا تعول على الفاتورة التي تقدم بها المدعي للتدليل على إتمام البيع بهذا السعر. وتستخلص المحكمة من زيادة سعر الشعير بعد التعاقد إلى 6.700 جنيهاً للأردب الواحد في 6 من ديسمبر سنة 1966، أن السعر الذي باع به المدعي كمية الشعير سالفة الذكر في 9 من أكتوبر سنة 1966 قد جبر كافة الأضرار المقول بها، وذلك بفرض التسليم بأنها قد لحقت به فعلاً رغماً عن أنه لم يتقدم بأي دليل يسانده فيما ادعاه.