مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة عشرة - (من أول أكتوبر سنة 1973 إلى أخر سبتمبر سنة 1974) - صـ 454

(154)
جلسة 29 من يونيه سنة 1974

برياسة السيد الأستاذ المستشار الدكتور أحمد ثابت عويضة - نائب رئيس المجلس وعضوية السادة الأساتذة محمد صلاح الدين السعيد وأبو بكر محمد عطية ومحمود طلعت الغزالي ويوسف شلبي يوسف - المستشارين.

القضية رقم 105 لسنة 17 القضائية

"تجنيد" - "تعويض".
قرار التجنيد الخاطئ يرتب حقاً في "التعويض إذا كان قد أصاب المجند ضرر - التجنيد في ذاته شرف لا يسوغ المطالبة بالتعويض عنه - التعويض لا يستحق إلا إذا ترتب على تجنيد غير اللائق طبياً أضرار صحية - لا يكفي القول بأن التجنيد فوت عليه فرص الكسب - أساس ذلك ومثال.
إن المادة السابعة من القانون رقم 505 لسنة 1955 في شأن الخدمة العسكرية والوطنية تقضي بأن يعفى من الخدمة العسكرية والوطنية من لا تتوافر فيه شروط اللياقة التي تعين بقرار من وزير الحربية وقد أصدر وزير الحربية تنفيذاً لحكم هذه المادة القرار رقم 881 لسنة 1960 في شأن مستويات اللياقة الطبية للخدمة العسكرية وحدد في المادة الثانية منه الأمراض والعيوب التي يعتبر معها المجند غير لائق للخدمة العسكرية والوطنية ونص على أن يعفى منها من يتضح للهيئة الطبية المختصة عند الكشف عليه أن به مرضاً أو عيباً منها وتضمنت الفقرة أ من البند ثالثاً من هذه المادة أن تسطح إحدى القدمين أو كليهما بدرجة شديدة مشوهة أو المصحوب بتيبس كلي أو جزئي بمفاصل القدم من العيوب الخلقية التي يعتبر معها المجند غير لائق للخدمة العسكرية والوطنية ويعفى منها ولما كان الأمر كذلك وكان مفاد الوقائع أن المدعي كان مصاباً قبل تجنيده في 25 من مارس سنة 1965 بتسطح شديد مشوه بالقدمين وضمور غضروفي بمفاصل القدمين غير قابل للشفاء فإنه كان يتعين اعتباره غير لائق طبياً للخدمة وإعفاؤه منها وهو ما دعا جهة الإدارة في 24 من أغسطس سنة 1968 إلى إصدار قرارها بإنهاء خدمة المدعي لعدم اللياقة الطبية اعتباراً من الأول من سبتمبر سنة 1968 بعد أن تكشف لها أنه كان من المتعين إعفاء المدعي من الخدمة العسكرية والوطنية لعدم توافر شروط اللياقة الطبية فيه عند تجنيده. وبهذه المثابة يكون قرار تجنيد المدعي في 25 من مارس سنة 1965 - بالرغم من إصابته التي كان من شأنها أن تعفيه قانوناً من الخدمة العسكرية - منطوياً على مخالفة قانونية تصمه بعدم المشروعية.
ومن حيث إن مثار المنازعة الماثلة تتحدد في طلب التعويض عن قرار تجنيد المدعي المشوب بعيب مخالفة القانون.
ومن حيث إن مناط مسئولية الإدارة عن القرارات الإدارية التي تصدرها في تسييرها للمرافق العامة هو قيام خطأ من جانبها بأن يكون القرار الإداري غير مشروع لعيب من العيوب المنصوص عليها في قانون مجلس الدولة، وأنه يلحق صاحب الشأن ضرر وأن تقوم علاقة السببية بين الخطأ والضرر بأن يترتب الضرر على القرار غير المشروع.
ومن حيث إن الخدمة العسكرية والوطنية وفقاً لحكم القانون رقم 505 لسنة 1955 سالف الذكر فرض على كل مصري متى بلغ السن المقررة قانوناً التزاماً بما للوطن من حقوق في عنق كل مواطن تقتضي منه بذل الروح وإنكار المال في سبيل وطنه وذلك بالانخراط في سلك الخدمة العسكرية أو الوطنية لأداء ضريبة الدم وتقديم ضريبة من وقته وكده تتعادل مع ما يقدمه الوطن له من أمن وخدمات ولما كانت الخدمة العسكرية والوطنية شرفاً لا يداينه شرف وضريبة على المجند نحو وطنه وكان القانون يرتب للمجند بالإضافة إلى المزايا العينية التي يتمتع بها خلال مدة خدمته مرتبات وعلاوات وبدلات عسكرية كما يقرر له مكافآت نهاية خدمة فإنه يتأبى مع نصوص القانون وروحه القول بأن التجنيد في ذاته يفوت على المجند كسباً يبرر طلب التعويض عنه. ويستوي في ذلك أن يكون من جند لائقاً للخدمة طبياً أو غير لائق وذلك لاتحاد العلة في الحالين وهي أن كلاً منهما قد شرف بالخدمة العسكرية أو الوطنية وأدى بعض حق الوطن عليه ونال ما قرره القانون للمجند من مزايا عينية ونقدية خلال مدة الخدمة وبعد انتهائها وبهذه المثابة ينتفي ركن الضرر في دعوى المسئولية طالما كان طلب التعويض قائماً على مجرد المطالبة بما فات المجند من كسب بسبب تجنيده رغماً عن عدم لياقته طبياً للخدمة شأنه في ذلك شأن من جند وكان لائقاً طبياً أما إذا لحق بالمجند ضرر من جراء تجنيده وهو غير لائق طبياً بأن ترتب على تجنيده وهو غير لائق طبياً أن اشتدت علته أو تضاعفت عاهته فإنه يكون على حق في المطالبة بما حاق به من الأضرار الناجمة عن تدهور حالته الصحية وازديادها سوءاً بسبب تجنيده وهو غير لائق طبياً بالمخالفة القانونية وذلك لتوافر أركان المسئولية وهي الخطأ والضرر وقيام علاقة السببية بينهما.
ومن حيث إن لما كان الأمر كما تقدم وكان المدعي يؤسس دعواه على أن تجنيده فوت عليه ما كان يكسبه من تجارة الطيور ولم يدع أن حالته الصحية التي كانت توجب إعفاءه قانوناً من الخدمة العسكرية أو الوطنية قد ساءت بسبب تجنيده وكان قد أكد في التحقيق الذي أجري معه في 15 من يونيه سنة 1968 قبل إنهاء خدمته أن إصابته كانت سابقة على تجنيده وأنها ظلت بنفس الدرجة بالرغم من التدريبات العسكرية ولم تزد سوءاً وهو ما خلص إليه الفحص الطبي فإن دعوى المدعي تكون على غير أساس من القانون متعينة الرفض ذلك أن تجنيده بالرغم من عدم لياقته طبياً لا يبرر قانوناً - للأسباب المتقدمة - تعويضه لما يكون قد فاته من كسب بسبب تجنيده، شأنه في ذلك شأن اللائق طبياً كما أنه لم يقم من الأوراق أنه ثمة ضرراً قد أصابه من جراء تجنيده وهو غير لائق طبياً.