أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الأول - السنة 32 - صـ 539

جلسة 17 من فبراير سنة 1981

برئاسة السيد المستشار نائب رئيس المحكمة محمود عثمان درويش، وعضوية السادة المستشارين: عبد الحميد المنفلوطي، منير عبد المجيد، محمد إبراهيم خليل وأحمد شلبي.

(103)
الطعن رقم 908 لسنة 47 القضائية

(1، 2) إرث. وصية. بيع. إثبات "القرائن القانونية".
(1) قرينة المادة 917 مدني. قيامها بتوافر شرطين. أثر ذلك. نقل عبء الإثبات على عاتق المتصرف إليه. لقاضي الموضوع سلطة التحقق من توافرها.
(2) التحدي بعدم توافر شرطي قرينة المادة 917 مدني استناداً إلى صياغة العقد المطلوب إبطاله. غير جائز. علة ذلك.
(3) حكم "تسبيب الحكم".
اعتماد الحكم في قضائه على أدلة وقرائن متساندة. عدم جواز المجادلة في النتيجة التي استخلصها بمناقشة كل قرينة على حدة.
1 - مفاد المادة 917 من القانون المدني وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة أن القرينة التي تضمنتها لا تقوم إلا باجتماع شرطين أولهما هو احتفاظ المتصرف بحيازة العين المتصرف فيها، وثانيهما احتفاظه بحقه في الانتفاع بها على أن يكون ذلك له مدى حياته، وتلك القرينة القانونية متى توافرت عناصرها من شأنها إعفاء من يطعن في التصرف بأنه ينطوي على وصية من إثبات هذا الطعن ونقل عبء الإثبات على عاتق المتصرف إليه، ولقاضي الموضوع سلطة التحقق من توافر هذين الشرطين للتعرف على حقيقة العقد المتنازع عليه والتحري عن قصد المتصرف من تصرفه وذلك في ضوء ظروف الدعوى طالما يبرر قوله في ذلك بما يؤدي إليه.
2 - لا يجوز التحدي بعدم توافر شرطي القرينة الواردة في المادة 917 من القانون المدني أو إحداهما استناداً إلى ما جاء في صياغة العقد بشأنه، لأن جدية العقد بوصفه عقد بيع هي بذاتها موضوع الطعن عليه.
3 - تقدير أقوال الشهود والقرائن مما تستقل به محكمة الموضوع طالما أن ما تستنبطه منها يكون سائغاً، وإذ اعتمد الحكم المطعون فيه على أدلة وقرائن متساندة لها أصلها الثابت بالأوراق، وتؤدي في مجموعها إلى ما خلص إليه الحكم وأقام قضاءه على أسباب سائغة تكفي لحمله، فإنه لا تجوز المجادلة في النتيجة التي استخلصها بمناقشة كل قرينة على حدة لإثبات عدم كفايتها في ذاتها.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة, وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون عليه الأول أقام الدعوى رقم 704 لسنة 1971 مدني المنصورة الابتدائية ضد الطاعنين والمطعون عليها الثانية بطلب الحكم ببطلان عقد البيع المشهر بتاريخ 4/ 8/ 1969 وتثبيت ملكيته لمقدار الربع شيوعاً في المنزل المبين بصحيفة الدعوى، وقال شرحاً للدعوى، أنه بتاريخ 14/ 1/ 1970 توفى المرحوم محمود النقيطي مورث الخصوم وترك منزلاً لا يستحق بالميراث ربعه شائعاً، غير أنه اتضح له أن المورث باعه لباقي الخصوم بموجب عقد البيع آنف الذكر، وهو عقد صوري يخفي وصية، قصد به حرمانه من الإرث فأقام الدعوى بطلباته سالفة البيان. وبتاريخ 17/ 12/ 1971 حكمت المحكمة بإحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت المطعون عليه الأول أن المورث احتفظ بحيازته وبحقه في الانتفاع بالعقار محل النزاع حتى تاريخ وفاته. وبعد سماع الشهود، حكمت بتاريخ 28/ 4/ 1975 باعتبار عقد البيع موضوع الدعوى تصرفاً مضافاً إلى ما بعد الموت، وبنفاذه في حدود ثلث المنزل محل ذلك العقد، وبتثبيت ملكية المطعون عليه الأول إلى السدس في المنزل المذكور، استأنف الطاعنون هذا الحكم أمام محكمة استئناف المنصورة بالاستئناف رقم 412 س 27 ق مدني المنصورة طالبين إلغاءه، وبتاريخ 9/ 4/ 1977 حكمت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن. وعرض الطعن على هذه الدائرة في غرفة مشورة, فرأت أنه جدير بالنظر, وحددت جلسة لنظره, وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن بني على سبب واحد ينعى الطاعنون به على الحكم المطعون فيه الفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب من أربعة أوجه حاصلها أن الحكم استند في اعتبار عقد البيع موضوع الدعوى تصرفاً مضافاً إلى ما بعد الموت إلى ما استخلصته المحكمة من أقوال الشهود من أن المورث ظل محتفظاً بحيازة العقار المبيع مدى حياته، في حين أن عدم وضع المشترين يدهم على العقار منذ صدور التصرف إليهم، ليس من شأنه أن يؤدي إلى اعتبار التصرف غير منجز، ويشترط لاعتبار التصرف ساتراً لوصية أن يثبت اتجاه قصد المتصرف إلى اعتباره مضافاً إلى ما بعد الموت، وهو ما لم يثبت من أقوال الشهود. كما استند الحكم إلى أن أحداً من الشهود لم يحضر واقعة قبض البائع للثمن، وأنه كان يتقاض معاشاً شهرياً قدره 25 جنيه، ويقيم بالمنزل موضوع النزاع، فلم يكن في حاجة إلى بيعه، فضلاً عن أن الثمن الوارد بالعقد وقدره 1200 ج يقل عن الثمن الحقيقي الذي يقدر بمبلغ 4000 ج طبقاً لما هو مستفاد من شهادة الشهود، وتقرير مهندس استشاري مقدم من المطعون عليه الأول في حين أن هذا لا يصلح سنداً لإثبات أن العقد يخفي وصية، فقد يكون في حقيقته هبة مستترة في صورة عقد بيع ويعتبر العقد صحيحاً، وعدم دفع الثمن لا يتعارض مع اعتبار المتصرف منجزاً، واستند الحكم كذلك إلى إقرار المطعون عليها الثانية أمام محكمة الاستئناف بأن التصرف موضوع النزاع في حقيقته وصية قصد به حرمان المطعون عليه الأول من الإرث، ولما كان الإقرار حجة قاصرة على المقر، فلا يمكن أن تتخذ دليلاً قبل الطاعنين على اعتبار العقد وصية، وقد كانت المطعون عليها الثانية تساند الطاعنين أمام محكمة أول درجة في التمسك بصحة العقد، هذا إلى أن الحكم قضى بتثبيت ملكية المطعون عليه الأول لسدس المنزل موضوع النزاع بعد قضائه باعتبار التصرف آنف الذكر تصرفاً مضافاً إلى ما بعد الموت، وبنفاذه في حدود ثلث التركة استناداً إلى أن الطاعنين والمطعون عليها الثانية لم يذهبوا إلى أن هناك أعياناً أخرى للتركة خلاف المنزل المذكور، في حين أن على المدعي إثبات دعواه وما كان للطاعنين أن يعرضوا إلى بحث أعيان التركة، لأن دفاعهم قام على التمسك بأن البيع كان منجزاً، فكان على المطعون عليه الأول أن يقيم الدليل على عدم وجود أعيان أخرى للتركة، وهو ما لم يحدث إذا يوجد في الواقع أعيان أخرى لها، مما يعيب الحكم المطعون فيه بالفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي برمته مردود، ذلك أنه لما كانت المادة 917 من القانون المدني, نصت على أنه "إذا تصرف شخص لأحد ورثته, واحتفظ بأية طريقة كانت بحيازة العين التي تصرف فيها, وبحقه في الانتفاع بها مدى حياته, اعتبر التصرف مضافاً إلى ما بعد الموت, وتسري عليه أحكام الوصية ما لم يقم دليل يخالف ذلك" فقد أفادت - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن القرينة التي تضمنتها لا تقوم إلا باجتماع شرطين أولهما هو احتفاظ المتصرف بحيازة العين المتصرف فيها، وثانيهما: احتفاظه بحقه في الانتفاع بها على أن يكون ذلك كله مدى حياته، وتلك القرينة القانونية متى توافرت عناصرها من شأنها إعفاء من يطعن في التصرف بأنه ينطوي على وصية من إثبات هذا الطعن ونقل عبء الإثبات على عاتق المتصرف إليه، وكان لقاضي الموضوع سلطة التحقق من توافر هذين الشرطين للتعرف على حقيقة العقد المتنازع عليه والتحري عن قصد المتصرف من تصرفه، وذلك في ضوء ظروف الدعوى، طالما يبرر قوله في ذلك بما يؤدي إليه، وكان لا يجوز التحدي بعدم توافر هذين الشرطين أو إحداهما استناداً إلى ما جاء في صياغة العقد بشأنه، لأن جدية العقد بوصفه عقد بيع هي بذاتها موضوع الطعن عليه، لما كان ذلك، وكان البين من مدونات الحكم الابتدائي الذي أيده الحكم المطعون فيه، وأخذ بأسبابه، أنه إذ قضى باعتبار التصرف موضوع النزاع تصرفاً مضافاً إلى ما بعد الموت قصد به الاحتيال على قواعد الإرث، وتسري عليه أحكام الوصية أسس هذا القضاء على أنه "..... لما كان شهود المدعي - المطعون عليه الأول - قد اجمعوا على أن المورث ظل محتفظاً بحيازة المنزل والإقامة فيه، وتحصيل الأجرة الشهرية المستحقة عن الشقة المؤجرة في هذا المنزل، والاحتفاظ بها لمنفعته والقيام على الإصلاحات اللازمة لهذا المنزل, وقد صادقهم في هذا شاهد المدعى عليهم - الطاعنين والمطعون عليها الثانية - وأضاف الحكم المطعون فيه قرائن أخرى للتدليل على أن العقد يخفي وصية استخلصها من أقوال الشهود الذين أجمعوا على أن ثمناً لم يدفع أمامهم، وأن المورث كان يقيم في المنزل موضوع النزاع وأن الثمن الوارد في عقد البيع وهو 1200 جنيه لا يتناسب مع الثمن الحقيقي الذي يقدر بمبلغ 4000 جنيه. فضلاً عن إقرار المطعون عليها الثانية بأن التصرف في حقيقته وصية - لما كان ذلك، وكان تقدير أقوال الشهود والقرائن, مما تستقل به محكمة الموضوع, طالما أن ما تستنبطه منها يكون سائغاً، وإذ اعتمد الحكم المطعون فيه حسبما سلف البيان على أدلة وقرائن متساندة لها أصلها الثابت بالأوراق، وتؤدي في مجموعها إلى ما خلص إليه الحكم, وأقام قضاءه على أسباب سائغة تكفي لحمله، فإنه لا تجوز المجادلة في النتيجة التي استخلصها بمناقشة كل قرينة على حده لإثبات عدم كفايتها في ذاتها، لما كان ذلك، وكان لا محل للتحدي بوجود أعيان أخرى للتركة، إذ استخلصت المحكمة في حدود سلطتها الموضوعية من أوراق الدعوى أن تركة المورث انحصرت في المنزل آنف الذكر ولم ينازع أحد من الخصوم أمامها في ذلك، ومن ثم، فإن النعي برمته يكون على غير أساس.