أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الأول - السنة 32 - صـ 743

جلسة 3 من مارس سنة 1981

برئاسة السيد المستشار/ محمود عثمان درويش نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: إبراهيم فوده، محمد إبراهيم خليل، عبد المنعم بركة وأحمد شلبي.

(140)
الطعن رقم 826 لسنة 47 القضائية

(1) إثبات "القرائن" "قرينة المادة 917 مدني". صورية. هبة.
احتفاظ الواهبة بحيازة العين وبحقها في الانتفاع بها مدى حياتها، استناداً إلى مشيئة المتصرف إليهما. إعمال قرينة المادة 917 مدني. لا محل له.
(2) إثبات "القرائن". حكم "تسبيب الحكم". نقض "أسباب الطعن".
إقامة الحكم على أدلة وقرائن متساندة. عدم جواز مناقشة كل قرينة على حدة لإثبات عدم كفايتها في ذاتها.
(3) إثبات "الإحالة للتحقيق". محكمة الموضوع "سلطتها في الإثبات".
طلب الإحالة إلى التحقيق. عدم التزام محكمة الموضوع بإجابته متى وجدت في الأوراق ما يكفي لتكوين عقيدتها.
(4) وكالة. صورية، نقض "السبب الجديد".
النعي بصورية الوكالة. عدم قبول التحدي به لأول مرة أمام محكمة النقض.
(5) إثبات "الاستجواب". محكمة الموضوع.
طلب استجواب الخصوم. عدم التزام محكمة الموضوع بإجابته.
1 - إذ كان البين من مدونات حكم محكمة أول درجة الذي أيده الحكم المطعون فيه وأخذ بأسبابه، أنه أقام قضاءه على أن - الواهبة - احتفاظ المتصرفة بالعين محل النزاع والانتفاع بها مدى حياتها - إن صح - إنما كان موكولاً أمره لمشيئة المتصرف إليهما بصفتها وكيلة عنهما وليس بصفتها مالكة، فلم تكن المتصرفة تستند في شأنه إلى مركز قانوني يخولها هذا الحق ومن ثم فإن تلك الواقعة لا تصلح لإعمال قرينة المادة 917 من القانون المدني.
2 - إذ كان الحكم المطعون فيه قد ركن إلى أدلة وقرائن متساندة تؤدي في مجموعها إلى أن العقد موضوع النزاع هبة منجزة، وقد أقام قضاءه على أسباب سائغة تكفي لحمله فلا يجوز للطاعنين المجادلة في النتيجة التي استخلصها الحكم بمناقشة كل قرينة على حدة لإثبات عدم كفايتها في ذاتها.
3 - من المقرر أن محكمة الموضوع ليست ملزمة بإجابة طلب إحالة الدعوى إلى التحقيق متى وجدت في أوراق الدعوى ومستنداتها ما يكفي لتكوين عقيدتها وتقضي بما يطمئن إليه وجدانها.
4 - لا محل للتحدي بأن التوكيل الصادر من المطعون عليه الأول إلى المورثة توكيل صوري لأن الطاعنين لم يقدموا ما يدل على تمسكهم بهذا الدفاع أمام محكمة الموضوع.
5 - محكمة الموضوع ليست ملزمة بإجابة طلب الاستجواب إذا رأت أن الدعوى ليست في حاجة إليه.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة, وبعد المداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن الطاعنين أقاموا الدعوى رقم 541 سنة 1974 مدني شمال القاهرة الابتدائية بطلب الحكم ببطلان عقد الهبة المؤرخ 23/ 11/ 1963 المشهر بتاريخ 30/ 11/ 1963 واعتباره وصية وشطب كافة التسجيلات الواردة عليه، وقالوا شرحاً للدعوى أن المرحومة....... مورثتهم والمطعون عليه الأول تركت عقاراً تبين أنها وهبته إلى ولدي المطعون عليه الأول بالعقد سالف الذكر الذي نص فيه على أحقية الموهوب لهما في وضع يدهما على العقار بمجرد التوقيع على العقد وفي استغلاله، غير أن الواهبة ظلت تضع يدها على العقار تستغله وتتقاضى أجرته وتحرر إيصالات السداد باسمها حتى توفيت ومن ثم يعتبر التصرف مضافاً إلى ما بعد الموت، فأقاموا الدعوى بطلباتهم سالفة البيان. وبتاريخ 25/ 6/ 1974 حكمت المحكمة برفض الدعوى. استأنف الطاعنون هذا الحكم أمام محكمة استئناف القاهرة بالاستئناف رقم 4138 سنة 91 ق. مدني القاهرة طالبين إلغاءه والحكم بطلباتهم، وبتاريخ 31/ 3/ 1977 حكمت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي بعدم قبول الطعن بالنسبة للمطعون عليهما الرابع والخامس وبرفضه بالنسبة لباقي المطعون عليهم، وعرض الطعن على هذه الدائرة في غرفة مشورة فرأت فيه أنه جدير بالنظر وحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن مبنى الدفع بعدم قبول الطعن بالنسبة للمطعون عليهما الرابع والخامس أنهما لم توجه لهما طلبات كما أنهما لم يوجها طلبات للخصوم ولم يقض لهما أو عليهما بشيء بالحكم المطعون فيه.
وحيث إن هذا الدفع في محله، ذلك أنه - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - لا يكفي فيمن يختصم في الطعن أن يكون طرفاً في الخصومة التي صدر فيها الحكم المطعون فيه، بل يجب أن تكون له مصلحة في الدفاع عن الحكم حين صدور، ولما كان الثابت أن الطاعنين اختصموا المطعون عليها الرابع والخامس ليصدر الحكم في مواجهتهما، وأنهما وقفا من الخصومة موقفاً سلبياً ولم يحكم عليهما بشيء ما فإنه لا يقبل اختصامهما في الطعن ويتعين لذلك قبول الدفع، وعدم قبول الطعن بالنسبة لهما..
وحيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية بالنسبة لباقي المطعون عليهم.
وحيث إن الطعن بني على ثلاثة أسباب ينعى الطاعنون بالوجه الأول من السبب الأول منها على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون - وفي بيان ذلك يقولون أنه قرر أن تصرف المورث إلى غير وارث مع احتفاظه بحيازة العين المتصرف فيها وحق الانتفاع بها طوال حياته، لا يخضع لحكم المادة 917 من القانون المدني من حيث اعتباره قرينة قانونية على أن التصرف وصية، وإنما يعتبر قرينة قضائية على أن التصرف يستر وصية، غير أنه عاد واخضع التصرف المطعون فيه للمادة المذكورة إذا كان احتفظ المورثة "الواهبة" بالعين وبحق الانتفاع بها طوال حياتها استناداً إلى مركز قانوني يخولها حقاً بالاحتفاظ والنص على ذلك كركن من أركان العقد قيدت به المتصرف إليها، مما يعيب الحكم المطعون فيه بالخطأ في تطبيق القانون ويستوجب نقضه..
وحيث إن هذا النعي غير صحيح، ذلك أن البين من مدونات حكم محكمة أول درجة الذي أيده الحكم المطعون فيه وأخذ بأسبابه، أنه أقام قضاءه في هذا الخصوص على أن احتفاظ المتصرفة - الواهبة - مورثة الطاعنين والمطعون عليه الأول - بالعين محل النزاع والانتفاع بها مدى حياتها - إن صح - إنما كان موكولاً أمره لمشيئة المتصرف إليها بصفتها وكيلة عنهما وليس بصفتها مالكة فلم تكن المتصرفة تستند في شأنه إلى مركز قانوني يخولها هذا الحق, ومن ثم فإن تلك الواقعة لا تصلح لأعمال قرينة القضائية آنفة الذكر.
وحيث إن حاصل النعي بالوجه الثاني من السبب الأول وبالسبب الثاني أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون وشابه القصور في التسبيب، ذلك أنه اعتمد على عبارات العقد والتوكيل المحررين في وقت واحد ومجلس واحد مع أنه مطعون فيهما وهو أمر غير جائز، وقد تمسك الطاعنون أمام محكمة الموضوع بأن عقد الوكالة حرر في ذات تاريخ توثيق عقد الهبة، وأنه لم يكن هناك مبرر للتوكيل فالمورثة كانت تبلغ من العمر 84 سنة بينما المطعون عليه الأول يبلغ من العمر 45 عاماً مما مؤداه أن التوكيل صوري لستر وصية وأن المطعون عليه الأول بصفته كان يحرر إيصال أجرة الشقة المؤجرة من العقار بخطه باللغة العربية وتوقيع عليه الواهبة بلغة أجنبية وقد كانت تقيم في شقة في ذات العقار وتضع يدها على جراجين ملحقين بالعقار ولم يثبت أنها قدمت للموكل حساباً، كما تمسكوا بأن الفاتورة المؤرخة 9/ 3/ 1970 المقدمة من المطعون عليه الأول بصفته وهي تفيد قيامه بإصلاح في العقار، تتعارض مع توكيله المورثة في إصلاح ما يلزم إصلاحه في العقار، فضلاً عن أنهم أنكروا توقيع المورثة على تحويل عقد إيجار الشقة المؤجرة بالعقار بدليل عدم إخطار المستأجر، والحوالة لا تكون نافذة قبل المدين إلا إذا قبلها أو أعلن بها غير أن الحكم المطعون فيه ذهب إلى أن الالتزام بهذا التحويل ورد صراحة في عقد الهبة الرسمي، فلا يجدي الطعن بالإنكار مع أنه كان يتعين مطالبة الموهوب لهما بإثبات صحة توقيع المورثة على عقد الإيجار، وإذ أطرح الحكم المطعون فيه دفاع الطاعنين في هذا الشأن ورفض طلبهم إحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات أن العقد سالف الذكر يستر وصية وخلص إلى أنه عقد هبة منجزة استوفى شروط صحته فإن الحكم المطعون فيه يكون أخطأ في تطبيق القانون وشابه القصور في التسبيب.
وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك أن الحكم المطعون فيه لم يقم قضاءه على عبارات عقدي الهبة والتوكيل فحسب، بل أقام الحكم الابتدائي الذي أيده وأحال إلى أسبابه قضاءه على عدة قرائن منها التوكيل الصادر من المطعون عليه الأول بصفته إلى المورثة الواهبة وتحويل عقد الإيجار آنف الذكر إلى المطعون عليه الأول بصفته، ورد على دفاع الطاعنين بأن قيام المطعون عليه الأول بتوكيل المورثة في ذات التاريخ الذي وثق فيه عقد الهبة يدل على أنهما ارتضيا تغيير صفة المورثة من مالكة إلى وكيلة عن الموهوب لهما، وأنه لا أهمية لأن يكون عمر الموكل 45 سنة وعمر الوكيلة 84 سنة، وأنه بالنسبة للفاتورة المؤرخة 9/ 3/ 1970 التي تفيد قيام المطعون عليه الأول بإصلاح العقار فإن ذلك لا يتعارض مع التوكيل الصادر منه للمورثة لأن قيام الوكالة لا يمنع الأصيل من القيام بأي عمل ورد بالتوكيل، وأن الالتزام بتحويل عقد إيجار الشقة المؤجرة بالعقار وارد بعقد الهبة الرسمي فلا يجدي الطعن بالإنكار وأن إخطار المستأجر أو عدم إخطاره بهذا التحويل لا ينفي أن القصد منه تأكيد حق الموهوب لهما في الانتفاع بالعين واستغلالها وتغيير صفة الواهبة في تقاضي الأجرة من المستأجر فضلاً عما خلصت إليه محكمة الموضوع في حدود سلطتها التقديرية من أن نصوص العقد صريحة في أنه عقد هبة منجزة استوفت الشكل القانوني قبل وفاة الواهبة بأكثر من عشر سنوات. لما كان ذلك وكان الواضح أن الحكم المطعون فيه ركن إلى ما تقدم باعتبارها أدلة وقرائن متساندة تؤدي في مجموعها إلى أن العقد موضوع النزاع هبة منجزة، وكان تقدير القرائن - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - مما تستقل به محكمة الموضوع ولا شأن لمحكمة النقض فيما تستنبطه من هذه القرائن متى كان استنباطها سائغاً، وقد أقام الحكم المطعون فيه قضاءه على أسباب سائغة تكفي لحمله، فلا يجوز للطاعنين المجادلة في النتيجة التي استخلصها الحكم بمناقشة كل قرينة على حدة لإثبات عدم كفايتها في ذاتها، ولما كان ما تقدم وكانت محكمة الموضوع ليست ملزمة بإجابة طلب إحالة الدعوى إلى التحقيق متى وجدت في أوراق الدعوى ومستنداتها ما يكفي لتكوين عقيدتها وتقضي بما يطمئن إليه وجدانها، وكان لا محل للتحدي بأن التوكيل الصادر من المطعون عليه الأول إلى المورثة آنفة الذكر توكيل صوري لأن الطاعنين لم يقدموا ما يدل على تمسكهم بهذا الدفاع أمام محكمة الموضوع، ومن ثم فإن النعي بالوجه الثاني من السبب الأول وبالسبب الثاني يكون في غير محله.
وحيث إن حاصل النعي بالسبب الثالث أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون وشابه القصور في التسبيب، ذلك أن الطاعنين طلبوا من محكمة الاستئناف استجواب المستأجر المطعون عليه الخامس ليقرر أن المورثة حصلت على الأجرة حتى وفاتها، مما يدل على أن التصرف سالف الذكر وصية، غير أن الحكم المطعون فيه رفض هذا الطلب.
وحيث إن هذا النعي - أياً كان وجه الرأي فيه - غير منتج ذلك أن محكمة الموضوع ليست ملزمة بإجابة طلب الاستجواب إذ رأت أن الدعوى ليست في حاجة إليه، وكانت في النزاع المطروح قد خلصت وفي حدود سلطتها التقديرية حسبما سلف البيان في الرد على النعي السابق إلى أن العقد موضوع النزاع هبة منجزة وأقام الحكم المطعون فيه قضاءه على أسباب سائغة تكفي لحمله، ومن ثم فلا على محكمة الموضوع إذ رفضت طلب الاستجواب.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.