أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الأول - السنة 32 - صـ 920

جلسة 24 من مارس سنة 1981

برئاسة السيد/ المستشار محمد صدقي العصار. نائب رئيس المحكمة. وعضوية السادة المستشارين: إبراهيم فوده، عبد الحميد المنفلوطي، عبد المنعم بركة وأحمد شلبي.

(171)
الطعن رقم 1415 لسنة 50 القضائية

(1، 2) "حقوق المستحكر". وقف. حيازة. ملكية "التقادم المكسب. تقادم.
(1) عقد الحكر. ماهيته. للمستحكر حق الانتفاع دون الرقبة. له التصرف في حق الحكر.
(2) وضع اليد على أرض الوقف بسبب التحكير. مؤقت. لا يكسب الملكية بالتقادم. إلا إذا تغيرت صفة الحيازة بفعل الغير أو بفعل من المستحكر يتضمن إنكاراً لحق المالك.
1 - من مقتضى عقد الحكر أن يتملك المستحكر حق الانتفاع بالأرض المحكرة بالبناء، أو الغراس بينما يحتفظ المحكر بملكية الرقبة المحكرة، كما أن للمستحكر أن يتصرف في حق الحكر بالبيع أو بغيره من التصرفات.
2 - من المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن وضع اليد على أرض الوقف بسبب التحكير وضع يد مؤقت مانع من كسب الملكية بالتقادم مهما طالت مدته ولا يستطيع المستحكر - هو وورثته من بعده - أن يغير بنفسه لنفسه سبب حيازته، ولا الأصل الذي تقوم عليه هذه الحيازة، ولا يجوز له أن يكسب الملكية بالتقادم إلا إذا تغيرت صفة حيازته إما بفعل الغير وإما بفعل منه يعتبر معارضة لحق المالك، وفي هذه الحالة الأخيرة يجب أن يقترن تغيير نيته بفعل إيجابي ظاهر يجابه به حق المالك بالإنكار الساطع والمعارضة الفعلية ويدل دلالة جازمة على أنه مزمع إنكار الملكية على صاحبها والاستئثار بها دونه.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن الطاعن أقام الدعوى رقم 2806 سنة 1975 مدني إسكندرية الابتدائية ضد المطعون عليهم بطلب الحكم بأحقيته للمباني المقامة على الأرض المبينة بصحيفة الدعوى مقابل دفع أقل القيمتين باعتبارها مستحقة الإزالة أو البناء مع التسليم، وقال شرحاً لدعواه أنه حصل بتاريخ 27/ 5/ سنة 1975 على حكم من لجنة القسمة الثانية بوزارة الأوقاف في المادة رقم 616/ 1215 رسا عليه بموجبه مزاد قطعة الأرض سالفة البيان - المحتكرة لصالح المطعون عليهم - وقام بتسجيل ذلك الحكم في 21/ 8/ 1975 برقم 3252 إسكندرية فأصبح مالكاً لها دون المباني القديمة القائمة عليها، ولما كان الوقف الذي كان مقرراً على هذه الأرض قد انتهى عملاً بالمادة الثانية، من المرسوم بقانون رقم 180 سنة 1952 بشأن إلغاء نظام الوقف على غير الخيرات كما اعتبر الحكم المقرر عليها منتهياً كذلك تطبيقاً للمادة السابعة من ذات القانون, فقد أصبح من حقه طلب إزالة المباني القائمة على تلك الأرض التي آلت ملكيتها إليه، أو استيفائها مقابل دفع أقل القيمتين تطبيقاً لنص المادة 1010 من القانون المدني، ومن ثم فقد أقام دعواه بطلباته السالف ذكرها، دفع المطعون عليهم الدعوى بأنهم تملكوا هذه الأرض بعقد البيع المسجل سنة 1915 برقم 9304 وبوضع اليد المدة الطويلة المكسبة للملكية. وبتاريخ 30/ 5/ سنة 1972 و15/ 12/ 1977 حكمت المحكمة بندب مكتب الخبراء لأداء المأمورية المبينة بمنطوقها. وبعد أن أودع التقرير، واعترض عليه المطعون عليهم حكمت بتاريخ 6/ 4/ 1978 بندب ثلاثة خبراء أصحاب الدور في الجدول لمباشرة المأمورية المبينة بالحكمين السابقين، وبعد أن أودعوا تقريرهم حكمت بتاريخ 29/ 12/ 1979 برفض الدعوى. استأنف الطاعن هذا الحكم بالاستئناف رقم 843 سنة 35 ق إسكندرية، وبتاريخ 26/ 4/ 1980 حكمت المحكمة برفضه وبتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض. وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم وعرض الطعن على هذه الدائرة في غرفة مشورة فرأت أنه جدير بالنظر وحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب، وفي بيان ذلك يقول الطاعن أن الحكم انتهى إلى أن وقف.... ليس له بموجب سند ملكيته سوى حق الحكر على الأرض موضوع النزاع بمقدار عشرين بارة لكل ذراع مربع، ومن ثم ليس له حق الملكية على الأرض المذكورة، وأن العقد المسجل في سنة 1915 تحت رقم 9304 الذي اشترى به مورث المطعون عليهم ورد على أرض مملوكة للبائع والبائعين له، وأنه لو صح أن الأرض محل التعامل موقوفة لانصب العقد على المنفعة دون الرقبة، واتفق فيه على جعل يناسب هذه المنفعة دون الاتفاق فيه على ثمن للمبيع، كما أن يد مورث المطعون عليهم على أرض النزاع قد بدأت منذ تاريخ عقد البيع باعتباره وورثته من بعده مالكين بوضع اليد المدة الطويلة المكسبة للملكية رغم النص في العقد على ترتيب إيراد لوقف....... على هذه الأرض إذ أن مجرد اشتراط لمصلحة الغير وهو جهة الوقف المذكور وليس مقابل حكر لصالحه، في حين أنه قد بين في صحيفة الاستئناف أن الأرض موضوع النزاع قد آلت ملكيتها إلى المرحوم........ بطريق الشراء من الشيخ......... بالحجة الشرعية المسجلة بمحكمة إسكندرية الشرعية في سنة 1227 هـ برقم 118، وأنه أوقف تلك الأرض مع أعيان أخرى على نفسه ثم على ابنته........ بحجة الوقف الشرعية المسجلة بمحكمة إسكندرية الشرعية في سنة 1241 هـ برقم 478، والتي جعل الواقف لها فيها النظر على هذا الوقف بعد وفاته، فرتبت حق الحكر..... على الأرض المملوكة للوقف بمقتضى حجتي حكر الأولى مسجلة في سنة 1269 هـ برقم 155، والثانية مسجلة في سنة 1273 هـ برقم 276. وقد باع المستحكر...... العقارات القائمة على الأرض المحكرة إلى السيدة..... بوثيقة الشراء المؤرخة في 26 من المحرم سنة 1296 هو التي نص فيها على أن الأعيان المبيعة قائمة على أرض محكرة من وقف.....، وأن على المشترية دفع مقابل الحكر، ثم قالت عائشة خطابية - بما لها من حق التصرف في الحكر - بيع نصف تلك الأعيان إلى السيدين أحمد وسيد أحمد الشريف، وأوقفت النصف الآخر، ولما رأى أحد الشركاء في تلك الأملاك الشائعة هو....... قسمتها وفرزها وتجنيها وهي جميعاً قائمة على أرض محكرة، من وقف........ قام برفع دعوى قسمة انتهت ببيع تلك العقارات بحكم صدر من محكمة إسكندرية الأهلية في 27/ 6/ 1911 نص فيه على أن الأرض محكرة من وقف المرحوم أحمد قبودان خطاب، ثم باع....... جزاءاً من تلك الأعيان إلى السيد/ ........ بالعقد المسجل في 11/ 2/ 1913 برقم 7719، وباع هذا الأخير جزءاً من تلك الأعيان الآيلة إليه ضمن العقد السابق إلى مورث المطعون عليهم بالعقد المسجل في سنة 1915 برقم 9304 الذي أثبت فيه أن الأرض محملة بحكر لصالح وقف......... قدره عشرين بارة عن الذراع الواحد وأكد الطاعن في كل هذه الوقائع أن الأرض كانت باستمرار مملوكة لوقف..........، وأن كل التصرفات الواردة عليها كانت عن حق الحكر وعن المباني والغراس القائم عليها دون مساس بملكية الوقف لحق الرقبة على أرض النزاع، كما أن حق الحكر مما يجوز التصرف فيه بكافة أنواع التصرفات فيجري عليه البيع ويشترط تسجيله ومن ثم فدفع الثمن فيه لا يدل مطلقاً على أن البيع ينصب على الأرض دون حق الحكر المقرر عليها، ومن ثم فلا يدل على عدم ملكية جهة الوقف لأرض النزاع أو زوال ملكية الوقف عنها، فهو مقابل قانوني للتصرف في حق الحكر يلتزم به المستحكر في عقد بيع حق الحكر, كما أن تصريح عقد البيع المسجل الصادر إلى مورث المطعون عليهم بالتزام المشتري بدفع مقابل الحكم لجهة الوقف إقرار قانوني بملكية جهة الوقف لأرض النزاع، وقصر للعقد على بيع حق الحكر المقرر على الأرض المملوكة لجهة الوقف بحيث لا تملك المحكمة ولا المتعاقدان مع وضوح عبارة العقد الانحراف عنها إلى القول بأنها مجرد اشتراط لمصلحة الغير وهو جهة الوقف، ومن ثم يمتنع على مورث المطعون عليهم - وورثته من بعده - أن يكتسبوا ملكية أرض النزاع بالتقادم على حيازتهم خلاف سندهم تطبيقاً لنص المادة 972 من القانون المدني إلا إذا تغيرت صفة حيازتهم إنما بفعل الغير أو بفعل منهم يعتبر معارضة لحق المالك وهو ما لم يحصل وإذ لم يحط الحكم المطعون في بكل تلك الوقائع وبالمستندات السالف ذكرها والتي قدمها تأييد لدفاعه وأغفلها إغفالاً تاماً، وانحراف عن المعنى الواضح بعقد مورث المطعون عليه إلى معنى آخر لا يفيده، فإن الحكم يكون معيباً بالخطأ في تطبيق القانون وبالقصور في التسبيب.
وحيث إن هذا النعي في محله، ذلك أن من مقتضى عقد الحكر أن يتملك المستحكر حق الانتفاع بالأرض المحكرة بالبناء أو الغراس، بينما يحتفظ المحكر بملكية رقبة الأرض المحكرة، كما أن للمستحكر أن يتصرف في حق الحكر بالبيع أو بغيره من التصرفات. لما كان ذلك، وكان الثابت من الترجمة العربية للعقد المسجل في سنة 1915 برقم 9304 والصادر من المرحوم...... إلى مورث المطعون عليهم المرحوم......... ببيع الأرض موضوع النزاع أن ملكية البائع قد آلت إليه بعقد البيع الصادر إليه من........ المسجل في 11/ 2/ 1913 - والذي آلت إليه ملكيتها بدوره بحكم مرسي المزاد الصادر بتاريخ 27/ 6/ 1911 من محكمة إسكندرية الأهلية والمسجل في 19/ 8/ 1911 والذي نص فيه على أن الأرض المبيعة محتكرة من وقف........، كما نص في العقد المسجل في سنة 1915 آنف البيان على أن البائع والمشتري - مورث المطعون عليهم - كليهما يعلمان تمام العلم بأنه "يوجد على التعامل الحالي حكر بواقع عشرين بارة بالغرس الصالح للذراع المربع الواحد سنوياً لصالح وقف خطاب" وكان مؤدى عبارات هذه العقود السالف ذكرها أن البيع فيها وارد في الحقيقة على حق الحكر المقرر على هذه الأرض لقاء الثمن المعين فيه، فيترتب عليه انتقال ملكية حق الحكر المقر على تلك الأرض إلى مورث المطعون عليهم بما يخوله إياه من حق الانتفاع بها بالبناء أو الغراس عليها، بينما تظل ملكية رقبة هذه الأرض على ما كانت عليه لوقف......... ويكون ضع يده - وورثته من بعده - على أرض مملوكة لهذا الوقف بسبب التحكير، ولما كان قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن وضع اليد على أرض الوقف بسبب التحكير وضع يد مؤقت مانع من كسب الملكية بالتقادم مهما طالت مدته، ولا يستطيع المستحكر - هو وورثته من بعده - أن يغير بنفسه لنفسه سبب حيازته، ولا الأصل الذي تقوم عليه هذه الحيازة، ولا يجوز له أن يكسب الملكية بالتقادم إلا إذا تغيرت صفة حيازته إما بفعل الغير وإما بفعل منه يعتبر معارضة لحق المالك، وفي هذه الحالة الأخيرة يجب أن يقترن تغيير نيته بفعل إيجابي ظاهر يجابه به حق المالك بالإنكار الساطع والمعارضة الفعلية ويدل دلالة جازمة على أنه مزمع إنكار الملكية على صاحبها والاستئثار بها دونه، ومن ثم فإن وضع اليد المورث وورثته - المطعون عليهم - من بعده على أرض النزاع بوصفهم مستحكرين لا يكسبهم الملكية بالتقادم مهما طال الزمن. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه برفض دعوى الطاعن استناداً إلى ما أورده في أسبابه من "أن عقد البيع المذكور قد تكاملت له أركانه وشرائطه المقررة بالقانون واضح منه صراحة أنه منصب على أرض فضاء بيعت بسعر المتر وأقر البائع بأحقية المشتري بالانتفاع بالأرض المبيعة بوصفه مالكاً شرعياً لها، خلافاً لما يجري عليه العمل لو صح أن الأرض محل التعامل موقوفة فإنه ينصب على المنفعة دون الرقبة وفي هذه الحال لا مجال لدفع ثمن للمبيع ويكتفي بالاتفاق على الجعل المناسب لهذه الأرض، وإذ أورد العقد المذكور ذلك صراحة، فلا ريب أن يد مورث المستأنف عليهم على أرض النزاع منذ سنة 1915 قد بدأت يد مالكة رغم ترتيب إيراد لوقف........ على هذه العين، ولا يكون لهذا الوقف من حقوق أكثر وهو مما وصفه المتعاقدان بأنه حكر على عين النزاع........ ومن ثم يكون المستأنف عليهم ومورثهم فضلاً عن السند المسجل الناقل لملكيتهم قد اكتسبوها - ولو لم يكن صادراً من مالك - بوضع اليد المكسب للملكية والذي لا خلاف عليه بين الطرفين وقد استطال لما يزيد عن خمسين سنة ومع التسليم بأن الوقف يكتسب بالتقادم بمدة 33 سنة وأن الوقف المذكور لم يكن طرفاً في العقد الصادر لمورث المستأنف عليهم وإنما تم فيه هذا الاشتراط بدفع 20 بارة للذراع لمصلحته وسواء تم الوفاء بهذا الاشتراط لمصلحته أو لم يتم فلا يغير ذلك شيئاً من اكتساب عين النزاع بالتقادم....". وكان هذا الذي خلص إليه الحكم المطعون فيه ينطوي على انحراف عن المدلول الظاهر لعبارة العقد المسجل تحت رقم 9304 سنة 1915 وإغفال لدفاع جوهري للطاعن وما استند إليه من حجج ومستندات على ما سلف بيانه وجره ذلك إلى عدم فهم الواقع في الدعوى، وبالتالي إلى الخطأ في تطبيق القانون بما يستوجب نقضه لهذا السبب دون حاجة إلى بحث باقي أسباب الطعن.