أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الأول - السنة 36 - صـ 588

جلسة 10 من إبريل سنة 1985

برياسة السيد المستشار/ محمد إبراهيم خليل نائب رئيس المحكمة؛ وعضوية السادة المستشارين: عبد المنصف هاشم، أحمد شلبي، محمد عبد الحميد سند ومحمد جمال شلقاني.

(123)
الطعن رقم 300 لسنة 50 القضائية

(1، 2) عقد "عقد البيع". وصية.
(1) اعتبار العقد ساتر لوصية. شرطه. ثبوت اتجاه قصد المتصرف إلى التبرع وإضافة التمليك إلى ما بعد الموت.
(2) عجز المتصرف إليه عن دفع الثمن المسمى في عقد البيع. لا يعتبر بذاته دليلاً على أن العقد يخفي وصية.
1 - يشترط - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - لاعتبار العقد ساتراً لوصية أن يثبت اتجاه المتصرف إلى التبرع وإضافة التمليك إلى ما بعد موته.
2 - عجز المتصرف إليه عن دفع الثمن المسمى في عقد البيع لا ينهض بذاته دليلاً على أن العقد يخفي وصية، إذ لا يتعارض ذلك مع تنجيز التصرف واعتباره صحيحاً سواء أكان العقد في حقيقته بيعاً أو هبة مستترة في عقد بيع استوفى شكله القانوني.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق تتحصل في أن المطعون عليهما أقاماً الدعوى رقم 395 لسنة 1975 مدني الفيوم الابتدائية ضد الطاعنين بطلب الحكم باعتبار التصرفات الصادرة لمورثهما المرحوم...... باسم زوجته المرحومة...... مورثة الطاعنين بموجب عقود البيع المؤرخة 1/ 2/ 1967 و15/ 4/ 1967 و25/ 7/ 1970 وشهادات الاستثمار المشتراة باسم الزوجة المذكورة وكذا المبالغ المودعة باسمها صندوق توفير البريد من عناصر تركة مورثهما وأن تلك التصرفات في حقيقتها وصية لا تنفذ إلا في حدود ثلث التركة وتثبيت ملكيتهما إلى نصيبهما الميراثي في باقي التركة، وقالا بياناً للدعوى إن مورثهما توفى بتاريخ 17/ 7/ 1974 وأثر وفاة زوجته بتاريخ 28/ 1/ 1975 ادعى الطاعنون بأنها تملك مساحة 13 فدان و13 سهم بموجب عقد مؤرخ 1/ 2/ 1967 مسجل رقم 291 سنة 1967 شهر عقاري الفيوم، ومساحة 1 ف و19 ط و2 س بما عليها من مبان آلت إليها بعقد مؤرخ 15/ 4/ 1967 وشقة بمدينة نصر بالقاهرة اشترتها بعقد مؤرخ 25/ 7/ 1970 وما فيها من منقولات، وشهادات استثمار قيمتها 4640 ج مودعة بفرع البنك الأهلي بالفيوم، ومبلغ 3274 ج و490 م مودع باسمها بصندوق توفير البريد، وإذ كانت التصرفات سالفة الذكر وإن كان الظاهر منها أنها لحساب مورثة المذكورين إلا أنها تصرفات صورية لأن مورثهما استعار اسمها فيها ودفع الثمن من ماله الخاص وظل يحتفظ بحيازة ما اشتراه بموجب تلك العقود حتى وفاته، كما أنه هو المالك الحقيقي لشهادات الاستثمار والمبالغ المودعة بصندوق التوفير، ولا تعدو أن تكون وصية لمورثة الطاعنين تنفذ في حدود ثلث التركة، فقد أقاما الدعوى بطلباتهما سالفة البيان، وبتاريخ 10/ 1/ 1976 أحالت المحكمة الدعوى إلى التحقيق ليثبت المطعون عليهما صورية تلك التصرفات وملكية مورثهما لمحلها من الأموال، وأن مورثة الطاعنين لا تملك فيها سوى وصية مقدارها الثلث يضاف إلى ما تستحق شرعاً في تركه مورثهما وهو الثمن، وبعد سماع أقوال شهود الطرفين حكمت المحكمة بتاريخ 26/ 2/ 1977 برفض الدعوى. استأنف المطعون عليهما هذا الحكم لدى محكمة استئناف بني سويف بالاستئناف رقم 95 سنة 13 ق مدني (مأمورية الفيوم) وبتاريخ 12/ 2/ 1978 حكمت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف وباعتبار أن مورث المطعون عليهما قد استعار اسم زوجته...... في عقود شراء الأطيان الزراعية والشقة السكنية وكذلك شهادات الاستثمار والمبالغ المودعة مكتب بريد مدينة نصر، وباعتبارها تصرفات مضافة إلى ما بعد الموت تسري عليها أحكام الوصية ولا تنفذ إلا في ثلث تركته، وندبت مكتب خبراء وزارة العدل بالفيوم لحصر تركة مورث المطعون عليهما وتقدير قيمتها عند وفاته ثم استخرج قيمة الثلث المخصص للوصايا الاختيارية وتقسيمه على تلك الوصايا قسمة خاصة بحسب قيمة كل تصرف عند الوفاة، ثم توزيع باقي التركة على الورثة الشرعيين وبيان النصيب المستحق للمطعون عليهما في هذه التركة وبعد أن قدم الخبير تقريره حكمت المحكمة بتاريخ 8/ 12/ 1979 بثبوت حق المطعون عليهما الميراثي بواقع 14 قيراطاً من 24 قيراط في الأموال الموضحة بصحيفة افتتاح الدعوى وصحيفة تعديل الطلبات أمام محكمة أول درجة وصحيفة الاستئناف. طعن الطاعنون في هذا الحكم والحكم الصادر بتاريخ 12/ 3/ 1978 بطريق النقض، وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم الصادر بتاريخ 8/ 12/ 1978 لعدم استبعاده مبلغ 1000 ج قيمة عشر شهادات استثمار من عناصر تركه مورث المطعون عليهما، وعرض الطعن على هذه الدائرة في غرفة مشورة فرأت أنه جدير بالنظر وحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن مما ينعاه الطاعنون على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والفساد في الاستدلال، وفي بيان ذلك يقولون أن مورثتهم تملكت الأطيان الزراعية والشقة السكنية بموجب العقود الصادرة إليها التي تضمنت دفعها كامل الثمن ولم يكن زوجها مورث المطعون عليهما طرفاً فيها، كما أنها تملك شهادات الاستثمار التي صدرت باسمها وكانت مودعة حسابها بالبنك وكذلك المبالغ المودعة باسمها صندوق توفير البريد، غير أن الحكم المطعون فيه الصادر بتاريخ 12/ 3/ 1978 ذهب إلى أن هذه التصرفات تخفي وصية صادرة من مورث المطعون عليهما إلى مورثتهم على سند من القول باستعارة اسمها في الشراء والإيداع على أن تكون الأموال محل تلك التصرفات مملوكة له حال حياته وتؤول إليها بعد وفاته، واستدل على ذلك بما أورده من قرائن منها أن مورثتهم لم تملك ما يسمح لها بإبرام التصرفات المذكورة لحسابها وإقامة المورث بالشقة السكنية، وإدارته الأطيان الزراعية، ورغبته في تأمين مستقبل زوجته، وإصدارها له توكيلاً يخوله حق بيع أملاكها وسحب المبالغ المودعة حسابها بالبنك وأن في ذلك دلالة على قصد الإيصاء لاتفاقه مع حكم المادة 18 من القانون رقم 71 لسنة 1946 الخاص بالوصية التي تجيز للموصي الرجوع عن الوصية، وبما شهد به شهود المطعون عليهما وبما جاء بمستنداتهما، في حين عجز المتصرف إليه عن دفع الثمن الوارد بعقد البيع لا يصلح دليلاً على إخفاء العقد لوصية، وأن أقوال شهود المطعون عليهما قد خلت مما يدل على قيام قصد الإيصاء لدى مورثتهما، وأنه لا يكفي احتفاظ المتصرف بحيازة العين التي تصرف فيها وبحقه في الانتفاع بها مدى حياته القول بذلك، إذ يتعين أن يكون مستنداً في ذلك إلى حق لا يستطيع المتصرف إليه حرمانه منه، وأن تأمين المستقبل لا يتحقق إلا عن طريق الهبة دون الوصية التي يجوز الرجوع عنها، وأن التوكيل آنف الذكر لم يحرم مورثتهم من حق التصرف في الأموال التي آلت إليها بموجب التصرفات سالفة الذكر، فضلاً عن أنه غير لازم وقد ألغته مورثتهم حال حياة زوجها. مما يعيب الحكم المطعون فيه بالخطأ في تطبيق القانون والفساد في الاستدلال.
وحيث إن هذا النعي في محله، ذلك أن البين من مدونات الحكم المطعون فيه الصادر بتاريخ 12/ 3/ 1978 أنه خلص إلى أن مورث المطعون عليهما استعار اسم زوجته مورثة الطاعنين في شراء الشقة السكنية والأطيان الزراعية وشهادات الاستثمار وفي إيداع مبالغ بصندوق توفير البريد وذلك بقصد الإيصاء لها، وأقام قضاءه على ست قرائن حاصلها أن المورث هو الذي قام بسداد ثمن الأطيان الزراعية والشقة السكنية من ماله الخاص وأن زوجته لم يكن لديها ما يسمح بدفع الثمن، وأن المورث كان يقيم بالشقة ويتولى إدارة واستغلال الأطيان حال حياتها وأنه أراد بهذه التصرفات أن يؤمن مستقبل زوجته، وأنها أصدرت له توكيلاً يخوله بيع أملاكها وسحب المبالغ المودعة باسمها في البنوك وفي ذلك دلالة على قصد الإيصاء ويتفق مع حكم المادة 18 من قانون الوصية رقم 71 لسنة 1946 التي تجيز للموصي أن يرجع عن الوصية، وأنه بفرض أن الزوجة تصرفت في مصوغاتها التي تبلغ قيمتها 5000 ج لأن تركتها حسبما جاء بنموذج مصلحة الضرائب تبلغ 15880 ج، وأن فواتير شراء المنقولات والأدوات والأجهزة الكهربائية صادرة باسم الزوج، لما كان ذلك، وكان يشترط - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - لاعتبار العقد ساتراً لوصية أن يثبت اتجاه قصد المتصرف إلى التبرع وإضافة التمليك إلى ما بعد موته، وكان عجز المتصرف إليه عن دفع الثمن المسمى في عقد البيع لا ينهض بذاته دليلاً على أن العقد يخفي وصية، إذ لا يتعارض ذلك مع تنجيز التصرف واعتباره صحيحاً سواء أكان العقد في حقيقته بيعاً أو هبة مستترة في عقد بيع استوفى شكله القانوني، وكان مفاد ما تنص عليه المادة 917 من القانون المدني - هو أن القرينة التي تضمنها لا تقوم إلا باجتماع شرطين أولهما هو احتفاظ المتصرف بحيازة العين المتصرف فيها وثانيهما احتفاظه بحقه في الانتفاع بها، على أن يكون الاحتفاظ بالأمرين مدى حياته، ومستنداً إلى حق ثابت لا يستطيع المتصرف إليه تجريده منه، فلا يكفي أن ينتفع المتصرف بالعين انتفاعاً فعلياً حق وفاته دون أن يكون مستنداً في هذا الانتفاع إلى مركز قانوني يخوله ذلك، لما كان ما تقدم وكانت القرائن التي ساقها الحكم المذكور لا تؤدي في مجموعها إلى ما خلص إليه، ذلك أن أقوال شهود المطعون عليهما لا يبين منها أن أحد منهم قد شهد باتجاه إرادة المورث إلى الإيصاء، وأن المستندات المقدمة منهما لا تكشف عن ذلك، وأن تأمين مستقبل مورثة الطاعنين لا يكون فقط بالإيصاء، بل قد يكون بتصرف منجز كالهبة والتبرع، وأن التوكيل الذي أصدرته المورثة المذكورة إلى زوجها مورث المطعون عليهما بتاريخ 11/ 12/ 1966 وخولته بمقتضاه بيع أملاكها وسحب المبالغ المودعة باسمها في البنوك - لا يصلح دليلاً على أن التصرفات موضوع النزاع تخفي تصرفات مضافة إلى ما بعد الموت بحيث يكون للزوج بناء على هذا التوكيل أن يرجع عن تلك الوصايا إعمالاً لنص المادة 18 من قانون الوصية رقم 71 لسنة 1946 إذ أن هذا التوكيل حسبما يبين مما أورده عنه الحكم المطعون فيه - قد صدر في تاريخ سابق على التصرفات المطعون عليها ولم يحرم الموكلة من التصرف في الأموال التي آلت إليها بموجبها ولم يمنعها من إلغائه إلا بموافقة الوكيل، وأنها قامت بإلغائه حال حياته بتاريخ 11/ 8/ 1973 إعمالاً لحقها المقرر بنص المادة 715/ 1 من القانون المدني، فإن الحكم الصادر بتاريخ 12/ 3/ 1978 إذ اعتبر عقود البيع وشراء شهادات الاستثمار وإيداع المبالغ صندوق البريد - كلها تصرفات ساترة لوصايا يكون معيباً بالخطأ في تطبيق القانون والفساد في الاستدلال مما يستوجب نقضه لهذا السبب دون حاجة إلى بحث باقي أسباب الطعن، وإذ كان الحكم المنهي للخصومة الصادر بتاريخ 8/ 12/ 1979 مؤسساً على الحكم آنف الذكر فإنه يتعين نقضه بدوره.